خالد أبو شقرا: سوريا تمتص الرغيف والسيولة من لبنان/جنى جبّور: مِن دولارات القذافي إلى العشرين ألفاً المزوّرة سوق سوداء ودليفري ومافيات في كل البلد

142

مِن دولارات القذافي إلى “العشرين ألفاً” المزوّرة  … سوق سوداء ودليفري ومافيات في كل البلد
جنى جبّور/نداء الوطن/11 أيار/2020

تهريب المشتقات النفطية عبر المعابر غير الشرعية يستنزف آخر الدولارات/سوريا تمتص الرغيف والسيولة من لبنان
خالد أبو شقرا/نداء الوطن/11 أيار/2020

انفجرت في منتصف العام الماضي فضيحة تهريب المشتقات النفطية إلى سوريا. وقتذاك بينت دراسة لـ “بلوم إنفست” ان فاتورة استيراد النفط في لبنان ارتفعت في الأشهر الستة الاولى من العام 2019 إلى 3.37 مليارات دولار بعدما كان معدلها نصف السنوي لا يتجاوز 1.6 مليارا. هذا الفرق الكبير بالاستيراد المقدرة كميته بأكثر من 3 مليون طن جرى تهريبها الى سوريا. ومن وقتها شرّعت المعابر أكثر وزادت عمليات التهريب، رغم كل الوعود الرسمية والمطالبات الشعبية باقفال المعابر غير الشرعية.

داخ منير سائق الحافلة الكبيرة التي تنقل الموظفين من الجبل الى بيروت، وهو يتنقّل من محطة إلى أخرى لتأمين 5 براميل من مادة المازوت على السعر المنخفض، لكنه عبثاً كان يحاول. فالسوق المحلية على حد قول أصحاب محطات المحروقات “منشّفة”. أما المواطنون وأصحاب المصانع والمؤسسات الخدماتية فلن يستفيدوا من السعر المنخفض لصفيحة المازوت التي وصلت الى ما يعادل 6 دولارات، بسبب انخفاض اسعار النفط عالمياً، وتأمين مصرف لبنان 85 في المئة من الدولار المدعوم لاستيراد المشتقات النفطية.

“التهريب” من أمام الصنعة
بحسب المعطيات فان الكمية المهربة من مادة المازوت الى سوريا تصل إلى حدود 2 مليون ليتر يومياً أو ما يعادل 730 مليون ليتر سنوياً، بقيمة تصل إلى 220 مليون دولار، على سعر 60 دولاراً للبرميل. يضاف اليها مواد نفطية أخرى، ترفع فاتورة التهريب الى حدود 400 مليون دولار. وعليه فان مصرف لبنان الذي يدعم المشتقات النفطية بنسبة 85 في المئة يتكبد خسائر بقيمة 340 مليون دولار تذهب بطريقة غير شرعية الى سوريا. ضياع مئات ملايين الدولارات على انعاش اقتصاد سوريا يأتي في الوقت الذي “لا يتطلب فيه دعم المواد الاولية للصناعة الوطنية أكثر من 300 مليون دولار أميركي”، يقول عضو هيئة مكتب المجلس الإقتصادي والإجتماعي د. أنيس أبو دياب. “فالحصار الاقتصادي على سوريا وانهيار عملتها مقابل الدولار سيجعل من كل مادة تدعم في لبنان عرضة للتهريب إليها، على حساب فاتورة الدعم اللبنانية”. وبرأي أبو دياب فان “استمرار ارتفاع الدولار في لبنان سيشجع أكثر على التهريب لانه يزيد من ربح المهربين”. هذه العملية المحترفة التي تتم عبر صهاريج تنقل المازوت الى الحدود وتفرغه في خزانات كبيرة، لينقل من بعدها عبر انابيب خاصة إلى الداخل السوري، لا تستنزف الدولار المدعوم من أمام اقتصاد متهالك فحسب، بل من الممكن ان تعرّض لبنان إلى عقوبات اقتصادية نتيجة تهريبه مادة محظورة الى دولة معاقبة دولياً. هذا فضلاً عن انه من المحتمل ان يكون المهربون رجال اعمال سوريين يتقاضون الثمن بالليرة السورية أو بأي وسيلة دفع أخرى. مما يعني عدم دخول الدولار الناتج عن التهريب إلى البلد من جديد. وبحسب أبو دياب فان “الاقتصاد اللبناني يخسر مرتين: مرة باستنزاف الدولار المدعوم عبر التهريب، ومرة بزيادة الطلب على الدولار في السوق المحلية مما يؤدي الى ارتفاع سعره”.

“شخصنة” التهريب
“منذ أكثر من عشر سنوات ونحن نطالب بايقاف التهريب عبر المعابر غير الشرعية وضبط تلك الشرعية، انما للأسف فان الأمور تشخصن وتصور الطلبات كأنها مس بالشخصيات والقيادات”، يعلق عضو تكتل الجمهورية القوية النائب فادي سعد على استمرار عمليات التهريب، وفشل كل محاولات اقفال المعابر غير الشرعية. “فليس المهم ان يجوع المواطن او يفلس البلد بل المهم ان لا تخدش شخصية المسؤول”. وبحسب سعد فانه “عندما اثرنا قضية التهريب عبر المعابر في الماضي القريب، اعتبر

“حزب الله” نفسه المتهم الأول، واخذ وزير الدفاع الياس أبو صعب المطالبة كإهانة شخصية له”. وعليه فان عمليات التهريب استفحلت أكثر من أي وقت مضى وأظهرت الوقائع ان كل “البروباغندا” الاعلامية التي أظهرت تشديد المراقبة وتسكير ممرات المهربين الصغار على “الدواب”، لم تكن إلا رأس جبل الجليد الذي يخفي تحته معابر الشاحنات. اليوم ومع انهيار لبنان ومحاولات دعم السلع الاساسية من اللحم الحي، لم يعد التهريب مشكلة قانونية أو حتى سيادية بل أصبح جريمة موصوفة بحق المواطن اللبناني واقتصاده. فـ “بأي منطق أو عقل تهرّب السلع المدعومة”، يسأل سعد ليقول انه “آن الاوان لوقف التهريب بشكل نهائي، وتغيير النهج الوقح عند فئة من المسؤولين الذين تمر عمليات التهريب وفساد صفقات الفيول المغشوش وتجديد المناقصات رضائياً والبواخر والسدود والمعامل من أمامهم، وهم يصمون آذانهم ويقفلون أنوفهم ويغمضون أعينهم ولا يحركون أي ساكن. فان كانوا على علم مصيبة وإن كانوا لا يعلمون فالمصيبة أكبر”.

مِن دولارات القذافي إلى “العشرين ألفاً” المزوّرة  … سوق سوداء ودليفري ومافيات في كل البلد
جنى جبّور/نداء الوطن/11 أيار/2020
بعدما أصبح الدولار الشغل الشاغل للبنانيين، تحوّل كل ساعٍ إلى الربح السريع إلى صرّاف مشبوه يحاول الإستفادة من ارتفاع سعر صرفه الجنوني، أو إيجاد مصدر رزق محفوف بالمخاطر، وبإزاء هذا الإنفلات ظهرت “مافيات” جديدة من “فئة” الشباب، وانتشرت العملات المزورة بشكل واسع بيننا.
لا تعرف كيف تهبط عليك العروضات من كل حدب وصوب بمجرد بوحك أنّ بجيبك 100 دولار أميركي تنوي صرفها “لبناني” وبسعر مغرٍ، على الرغم من أن التخلي عنها كما الحصول عليها صعب. الكل يريد الاستحواذ على العملة الخضراء وتخزينها، ما ساهم بتوسع رقعة السوق السوداء، التي لم تعد تقتصر على الصيارفة الذين اغلقوا أبواب محالهم مرة لرفضهم الالتزام بسعر الصرف المحدد، ومرة نصرةً لزملائهم الموقوفين، فراح الكثيرون منهم يعملون من منازلهم بالسعر الذي يناسبهم، مع علمهم أن منافسين لهم ينشطون في السوق السوداء، والبعض حوّل رصيف البربير الأسبوع الماضي الى “بسطة” لشراء الذهب بأدنى سعر وبالليرة اللبنانية، وبربع ثمنها بالعملة الأجنبية “الدولار”.
نقل الأموال
حقيبة من المال… ومواكب مسلّحة
على طريقة الافلام البوليسية، تجري الأمور. مواكب سيارات فيها شباب مسلحون بحوزتهم حقيبة من المال، يتوجهون الى الطرق الجبلية أو الى أماكن فيها كاميرات مراقبة محسوبة عليهم، لتنفيذ عمليات التسليم والتسلّم. الشباب غير مدربين، يعتمدون على حدسهم وسرعة بديهتهم لانجاح عملياتهم، وقد يستعين البعض بأصدقاء لهم في القوى الأمنية يرافقونهم في خلال التنفيذ نظراً لخبرتهم، “وكلو بحقو” طبعاً، بحسب معلومات أكدها تجار الدولار في السوق السوداء لـ”نداء الوطن”. على أي حال، قد ينفد البعض بريشه، والبعض الآخر “يأكل الضرب”، تماماً كما حصل الاسبوع الماضي في حالات. وفي التفاصيل، إتصل أحدهم بعدد من الاشخاص الذين يقومون بالتصريف في المنطقة وعرض عليهم بيع 100 الف دولار اميركي بـ250 مليون ليرة لبنانية، الا أنّ جميعهم رفضوا بعد سلسلة من المفاوضات لتحديد المكان والزمان، وشكوا بأمر هذه العملية، عكس احد الشبان الذي قبل العرض. وكانت النتيجة سلبه مبلغ 250 مليون ليرة لبنانية بقوة السلاح، والاعتداء عليه بالضرب بعد استدراجه وإيهامه بتصريف المبلغ المذكور وفرّ المعتدون الى جهةٍ مجهولة. بعدها تمكنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من العثور على السيارة المستخدمة في عملية السلب في محيط مرفأ بيروت، وضبط داخلها 25 رزمة من الأوراق البيض بمقاييس أوراق عملة الدولار الأميركي، إضافةً إلى مبلغ 600 دولار أميركي وضعت على سطح هذه الأوراق داخل الحقيبة.
نجلس مع طارق، شاب اتخذ من شراء الدولار وبيعه “مصلحة” له. هو ضاعف أمواله منذ 6 اشهر عدة مرات حتّى الآن. بين الجملة والأخرى، يرن هاتفه. كلمتان لا يقول سواهما “بيع”، “اشترِ”. نسأله عن سعر الدولار اليوم فيقول 4200 “بس خف كتير الدولار بالسوق”. يسألني: “اذا بدك تشتري، طولي بالك، أنا أعلمك بالوقت المناسب”.
هو في الاساس يعمل بالخشب، الا انّ مصلحة الدولار جعلته ينسى عمله الأساسي، فتحول الى صراف يفهم بالاقتصاد والقانون، ويجزم أنّه لا يمكن ضبط السوق السوداء. لا يعتبر طارق نفسه خارجاً عن القانون، فحسبما يقول: “أقوم بعمليات الصرف لأحافظ على مالي وخصوصاً بعد تراجع قيمة الليرة اللبنانية، وعدم توافر الدولار في المصارف. وبالأصل قد تكون إحدى القوات الاجنبية العاملة في لبنان، أول من بدأ بعمليات التصريف، فكانت تبيع الـ100 ألف دولار بـ250 مليون ليرة لبنانية، في وقت كانت قيمة صرفه ما زالت 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، من هنا بدأنا نشعر بأنّ الأزمة قريبة”.
احذروا التزوير
إحذروا تزوير الـ20 ألف ليرة
شكّل طارق فريق عمل خاصاً به، يستعين بأفراده بحسب حجم كل عملية؛ فاذا كان المبلغ ضئيلاً، تتم عملية البيع والشراء في المنازل، ولا حاجة عندها لأي مواكبة. بينما اذا فاقت عملية الصرف الـ20 ألف دولار، فعندها يرسم طارق خطة التنفيذ ويوزع المهام على فريقه المسلح. وغالباً ما يتم التنفيذ على الطرقات الجبلية، حيث يلتقي فريق الشاري مع فريق البائع ويتبادلان حقائب المال. ويضيف: “الموضوع ليس بلعبة، ويجب التفكير بكل تفصيل وأن تكون الخطة محكمة جيداً. فمثلاً اذا رفض الفريق الآخر التبادل على الطرقات، نحاول قدر المستطاع استدراجه الى مكان تغطيه كاميرات مراقبة نعرف أصحابها. وفي حال كان المبلغ ضخماً، نفضل الاستعانة بشركة خاصة لنقل الأموال لضمان العملية، وغالباً ما يستفيد أكثر من 15 شخصاً من العمليات الضخمة، لذلك نبتعد عن المخاطرة”. لا يخفي طارق تعرضه للغش في خلال عمله، ويقول “تنتشر بشكل هائل في مناطق شرق بيروت أوراق نقدية من فئة 20 ألف ليرة لبنانية مزورة، وشخصياً تعرضت للغش بمبلغ قدره 5 ملايين ليرة لبنانية على شكل 20 ألف ليرة لبنانية مزورة. لذلك، أنصح الجميع بالانتباه الى كل ورقة 20 ألف ليرة يملكها، ويمكن التأكد منها من خلال النقاط الموجودة في أسفلها. كذلك، إثر مقتل معمر القذافي، عرف أنّ ثروته موجودة في سوريا وشمال العراق، وتمّ ادخال كمية لا بأس بها في صيف العام 2019 الى جنوب لبنان وشتورا. ويتم بيع دولارات القذافي على قيمة صرف 2000 ليرة لبنانية لكل دولار. الا انّ المشكلة تكمن برفض المصارف استقبال هذه الأموال، لكننا لم نكن نعلم بذلك، ما سبب لنا المشاكل”.
تسليم وتسلّم على طريقة المافيات
تزوير الشيكات
وإذا كان طارق تخلى عن عمله بالخشب، فالشاب جاد “معلم الكهرباء”، ترك أيضاً مهنته الاساسية، ووجه تركيزه على تجارة الدولار. لا يعمل جاد مع أي صرّاف، ولا يملك المال لا بالليرة اللبنانية ولا بالدولار الاميركي ليُصرفها على حسابه الخاص، بل يتعامل مع التجار بمختلف المجالات، تجار تبغ، تجار سيارات، وغيرهم… فالتاجر همه الحصول على الدولار لشراء البضاعة، وجاد همه الاستفادة من العمولة التي يفرضها على كل صرف. يقول جاد: “أؤمن للتاجر الزبائن الذين يملكون الدولار. هو يزودني بالليرة اللبنانية وأنا اصرّف للزبائن، وأتحكم بالصرف بحسب الزبون والكمية، أي اني قد اضيف من 50 الى 200 ليرة على سعر الصرف، ففي النهاية “الشاطر بشطارتو”. صحيح أنّ جاد لا تتوافر له المبالغ الضخمة، الّا أنّه يتبع نهج عمل طارق، بحيث يصرّف المبالغ الصغيرة في المنازل، والمبالغ التي تفوق الـ5000$ في المكان الذي يحدده. ويؤكد أنّ “سلاحي غير مرخص لكنه لا يفارقني، حتّى لو اردت تصريف 10$، ففي الاصل انا غير قادر على تأمين اي مبلغ للتاجر الذي اعمل معه في حال تعرضت للسرقة”. ويضيف: “لا أتعامل بالـ”شيكات”، فهذه عملية معقدة وغالباً ما يقوم بها “المرابون”، بالاتفاق مع بعض مدراء المصارف الذين يحصلون على حصتهم. كذلك، انتشر في السوق الكثير من الشيكات المزورة، نتيجة تصوير الشيكات وتناقلها عبر الواتساب، ما سمح للبعض باستعمال الارقام التسلسلية للشيك وتزويره ومن ثمّ بيعه”.
الجميع يتاجر بالدولار… فمن يحاسب؟
$100 مزورة؟
وبالرغم من التدابير الأمنية التي اتخذها جاد لحماية نفسه، الا أنّ هذا لم يحمه من عملية التزوير التي تعرض لها منذ يومين، حيث أقدم شخص من التابعية السودانية على تصريف مبلغ بقيمة 1500$، ليتبين لاحقاً أنها مزورة. يقول جاد “لحسن الحظ اني كنت قد كتبت اسم الشخص على المبلغ الذي حصلت عليه منه، فاسترجعت أموالي”. وعند سؤاله، كيف أعاد أمواله؟ أجاب: “مش مهم، المهم عالجنا الموضوع”. وكما حذّر طارق من تزوير ورقة الـ20 ألف ليرة، فنصيحة جاد “بجَمل”: “إحذروا ورقة الـ100$ التي يعود تاريخ إصدارها إلى العام 2006، فمعظمها مزور ومنتشر بكميات بيننا”.