لا يؤرق «السُبات» السياسي والعسكري لـ«حزب الله»، في خضم الخسارات التي يُمنى بها والمسرحيات التي يفتعلها من الشمال الى الجنوب، سوى نظريات قانونية حديثة مُبتكرة «يُتحف» اللبنانيين بها! لَهوَ «فَصل» من الهلوسة أن يفصل الحزب بين القادة السياسيين لقوى 14 آذار وقاعدتها الشعبية! لكن واقع الحزب أمام الشعب اللبناني بات يحمل على الشفقة لما يصيبه من تدهور عسكري في الداخل السوري وعدد الشباب من الطائفة الشيعية الذين يقضون دفاعاً عن نظام ديكتاتوري.. أما التخمينات والتطلّعات والحسابات الفردية التي يستعرضها الحزب أمام الشعب فقد بلغت مرحلة من «الهوَس» بفرض ديكتاتورية جديدة تستمدّ قوّتها من إيران وتكون بديلة عن نظام بشّار الأسد. وسط افتضاح أمر «حزب الله» في محاربته طواحين الهواء، يخطو الحزب أولى خطواته في محاولته بث التفرقة بين جمهور قوى 14 آذار وسياسييها، علّه يسجّل نقاطاً لحسابه في ظل تعطيله انتخاب رئيس للجمهورية وسقوط منطق الانتخابات النيابية معه. ولا شكّ بأنه بات على «حزب الله» أن يستجمع نظرياته المشتتة في تصريحاته اليومية وأن ينشرها في كتاب خاص يوزّعه مجّاناً على الشعب ليثقّف جمهور قوى 14 آذار، ويرشده الى طريقٍ يظنّ بأنه ضلّه في يوم من الأيام! بنظر عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي فإنه «من الواجب علينا أن نفرّق بين مشاعر القاعدة الشعبية لفريق 14 آذار وبين الطبقة السياسية له التي لا تزال تشنّ حملة شعواء على «حزب الله».» في الواقع، فقد كانت تجهل القاعدة الشعبية لقوى 14 آذار أن «حزب الله» يولي هذه الأهمية العميقة لـ«المشاعر» ويخصص لها ركناً في تصريحاته وحياته السياسية. لقد بدا هذا الموقف وكأنه محاولة من الموسوي لإقناع بيئته الحاضنة، في عيتيت في صور، بما يعجز الحزب على إقناعها به! بطريقة أخرى، أراد الموسوي أن يخبر بيئَته بأن جمهور قوى 14 آذار يؤيّد «المقاومة» وغير مقتنع بسياسة طبقته السياسية!
إن بين جمهور قوى 14 آذار وسياسييها وحدة حال.. بين الجمهور والسياسيين شهداء، وتظاهرات، ومطالبة بالحرية، وأعلام لبنانية، واجتياحات، فقد عاشا معاً ع «الحلوة والمرة» إيماناً بلبنان غير المسيّر من قبل إيران. على الأقل، إن جمهور قوى 14 آذار هو من قاد تظاهرة الاستقلال الثاني، ومشى خلفه السياسيون، ولا يتنصّل الشعب من سياسييه ولا يُرغم السياسيون بدورهم الشعب على القتال حتى الموت من أجل «حفنة من المال».
كان الأجدر بالموسوي أن يرشد بيئته الى طريق الحرية، الطريق الذي سلكه جمهور قوى 14 آذار لإخراج النظام السوري من لبنان، وليس العكس.. أكثر من ذلك فإن خلاصة «نظرية» الموسوي قائمة على أن «القاعدة الشعبية لـ14 آذار تشعر بأنها مدينة لنا بالأمن»! هل سكّان الضاحية الجنوبية يدينون لـ«حزب الله» بالأمن من خلف أكياس الرمال والمحال التي تحوّلت في فترة الى ثكنات وجبهات؟ كان حريّ بالموسوي أن يخبر جمهور 14 آذار كيف خلص الى هذه النتيجة، فألبسهم شخصية عقيمة ودوراً يسعون منذ العام 2005 وما قبله الى فكّ ارتباطهم به. ومن يصدّق بأن جمهور 14 آذار يشعر بأنه مدين بالأمن لـ«حزب الله»! وأي أمن؟ الأمن الذي خطف منّا الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ وليد عيدو؟ جبران تويني؟ وصولاً الى محمد شطح؟ هل يدين مثلاً ابنا بيار الجميل بالأمن لـ«حزب الله»؟ وهل على أبناء بيروت وطرابلس وصيدا وعرسال والجبل أن يسيروا في الطرق رافعين أعلام «حزب الله» حرصاً منهم على ردّ جميل الحزب في 7 أيار وأحداث عبرا والتبانة والمناطق الحدودية؟ أم يريد الحزب من أبناء كسروان أن يطردوا الجيش اللبناني ويتهجّموا عليه لأنهم باتوا على قناعة بأنه «لولا حزب الله لوصل داعش الى جونيه؟».
ويدعو الموسوي الى «استفتاء»! نعم! في حين يمعن الحزب بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، مطمئناً لاستمرار الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، فإنه يطالب بـ«إجراء استفتاء أو استطلاع رأي على مستوى الشعب اللبناني لنعرف كيف يقيّم هذا الخطر بمعزل عن قيادته السياسية». يظنّ الموسوي أنه بفصله بين طرفي القوة فهو قادر على إضعاف الجبهة الوحيدة التي تقف في وجه المشروع الإيراني في لبنان، لكنّه نسي بأن خيارات وثوابت جمهور 14 آذار مختلفة لا بل متناقضة مع خيارات الحزب ومشاريع إيران، وأن الدستور اللبناني لا يجيز القيام باستفتاءات أو استطلاعات رأي، ومثل هذه الدعوات تشكل خرقاً للدستور وهي مرفوضة شكلاً. إن جمهور قوى 14 آذار وقادته السياسيين يفضّلون أن يوفّر «حزب الله» لغة مشاعره لنفسه، علّه يشفق على شباب بيئته وعلى الأمّهات والأطفال.. وأما ابتكاراته الدستورية فليفصح عنها بعدما يشارك في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية.