الأب سيمون عساف: العِّرق دساس ما الحكاية؟

101

العِّرق دساس ما الحكاية؟!
الأب سيمون عساف/30 نيسان/2021

كثيرًا ما نسمع مقولة أن العرق دساس ، ولكن هل فكرنا يومًا من أين جاءت تلك المقولة أو لما قيلت ؟ فمن المتداول بين الشعوب أن كل إناء ينضح بما فيه ومهما غير الإنسان من نفسه أو ارتقى أو حتى تدنى فإن عرقه يُظهر أصله ، حيث يتضح من خلال أفعاله وتصرفاته أصله وعرقه ، ولهذا المثل قصة شهيرة وقعت بين ملك قديم وسياسي في عهده .

قصة المثل
يُحكى أن في يوم من الأيام وصل إلى أسواق البلدة رجل مُحنَّك غريب وأخذ ينادي في الناس: يا أهل البلدة الكرام أنا رجل سياسي أستطيع حل المشكلات وتخليصكم من الأزمات، أنا أفضل سياسي يمكن أن تسمعوا به. وظل هكذا ينتقل من حي إلى حي، وهو ينادي في الناس ويعرفهم بنفسه فلما سمع حراس البلدة بكلام الغريب نقلوه للملك. وبينما كان الملك جالسًا في قصره، سمع بنفسه نداء الغريب، فأمر حراسه أن يحضروه، فلما امتثل المُنادي بين يد الملك، سأله الملك قائلًا: هل أنت سايس؟ فأجاب الرجل، لا يا مولاي أنا سياسي ولست سايس، فقال له الملك: ولكني سمعت أنك تعمل سايس ولهذا قررت تعيينك في بلاطي سايسًا للخيل، فلي فرسة غالية على قلبي أحبها كثيرًا، وأريد منك أن ترعاها، فتململ الرجل وقال: يا مولاي ولكني لست سايس بل سياسي.

فقال الملك بصوت حازم: أنت سايس ولا شيء غير هذا وإن رفضت عرضي قطعت رقبتك، فوافق الغريب على قرار الملك خوفًا منه، وبالفعل ذهب ليتسلم الفرس من السايس السابق فحذره قائلًا: هذه الفرس لها مكانة كبيرة لدى الملك فإياك أن تخبره بعيوبٍ فيها، وإلا أعدمك دون تفكير.

ارتعدت فرائض الرجل وخشى على روحه من تلك المهمة الصعبة، ثم عاد للملك كي يعفيه من تلك الوظيفة ولكن الملك رفض وذكَّره بتهديده إن لم يقبل الوظيفة، فانصاع الرجل ثانية لأمر الملك وهنا أمر الملك بتجهيز غرفة له ومنحه ثلاث وجبات جيدة في اليوم كي يباشر عمله في رعاية فرس الملك، وبالفعل بدأ الرجل عمله ولكن بعد عشرين يوم بالتمام والكمال هرب من قصر الملك.

فبحث الحراس عنه في كل مكان حتى وجدوه، وحينما امتثل أمام الملك سأله: لماذا هربت أيها الرجل هل وجدت في الفرس عيبًا، فقال الرجل: أعفيني من الجواب يا مولاي فقال الملك: اخبرني في الحال سبب هروبك وإلا أعدمتك، فقال الرجل للملك: أعطني الأمان يا مولاي فقال الملك: لك هذا، فاستطرد الرجل قائلًا: هذه الفرس أصيلة ولكن حينما يخبرك أحد أنها رضعت من أمها الأصلية اسمع ولا تصدق.

حينما سمع الملك ذلك جن جنونه واستل سيفه ثم هم بقطع رأس الرجل وهو يقول: كيف تجرؤ على هذا الإدعاء؟ ثم تذكر الملك وعده له بالأمان فلم يقتله ولكن أمر بسجنه، وأرسل في طلب الوزير الذي أهدى له هذه الفرس، وقال له: كيف تهديني هذه الفرس على أنها أصيلة وهي لم ترضع من أمها الأصلية؟ فقال له الوزير: يا مولاي الملك لقد ماتت أمها عند ولادتها، فقال الملك: وممن رضعت إذا ؟ قال الوزير: من بقرة كانت لدي حينها.

هنا علم الملك أن كلام السايس صحيح فأمر بالإفراج عنه وتقديم الطعام والشراب له، ثم طلب حضوره ولما جاء السايس قال له الملك: أخبرني الآن كيف عرفت أن فرستي لم ترضع من أمها ؟ فقال الرجل: يا مولاي إن الفرس الأصيلة تأكل في معلف أو تعلقه في رقبتها وتأكل مرفوعة الرأس، ولكن الفرسة التي عندك كانت تبحث عن الطعام في الأرض مثل البقر والماشية.

فأدرك الملك فطنة وذكاء السايس وطلب منه أن يسوس زوجته، أي يعمل بخدمة الملكة ولكن السايس أصر على الملك أن يعفيه من تلك المهمة، وكالعادة رفض الملك فبدأ الرجل ممارسة مهام وظيفته الجديدة، ولكن ما هو إلا يوم واحد وهرب الرجل، فبحث عنه الجنود في كل مكان حتى وجدوه، ولما حضر بين يدي الملك سأله: لماذا هربت تلك المرة أيضًا؟

فطلب السايس من الملك أن يعفيه من الجواب ولكنه الملك أعطاه الآمان حتى يجيب، فقال له يا مولاي إن زوجتك تربية ملوك وأخلاق ملوك وشرف ملوك، ولكن من يقول لك أنها ابنة ملوك اسمع ولا تصدق، فبهت الملك من قول السايس وأمر بسجنه ثانيةً ومنع الطعام عنه، ثم ذهب إلى أم الملكة وأبيها كي يستوضح منهم ما قاله السايس، فأخبروه بأن والده كان رجلٌ ظالم، وقد خطب ابنتهم له منذ كان عمرها سنتين.

ولكنها مرضت بالحصبة وماتت فخشوا من بطش الملك، ولهذا جاءوا بطفلة يتيمة وربوها كأنها ابنتهم لتصير زوجة ابن الملك، فرجع الملك إلى مملكته وأمر بإحضار السايس ولما امتثل بين يديه، سأله متعجبًا كيف عرفت ؟ فقال الرجل: يا مولاي ان مولاتي تتغانز بعينها عندما تتكلم، وذلك من عادة الغجر في الكلام وليس من عادة الملوك في شيء، فانبهر الملك بذكاء الرجل وأمر له بغرفة رائعة الجمال وعشاء فخم.
ثم أمره أن يعمل على خدمته ويصبح خادمًا شخصيًا لدى الملك، فدب الرعب في أوصال الرجل، وحاول بكل الطرق أن يتخلص من تلك الوظيفة ولكن كالعادة أصر الملك، فهرب الرجل ليلتها ولكن استطاع حراس الملك الإمساك به، ولما جاءوا به للملك سأله لماذا هربت يا فلان؟

فقال الرجل: يا مولاي من يقول لك أنك ابن ملك اسمع ولا تصدق، فجن جنون الملك وذهب لأمه كي يستوضح منها الأمر، وسألها ابن من هو ؟ فقالت له يا بني لقد كان والدك ظالمًا وعقيمًا لا ينجب، وكان يتزوج كثيرًا وإن مرت تسعة أشهر دون أن تنجب زوجته كان يقتلها، ويتزوج غيرها وكان في القصر طباخ حينها له ولد رضيع فأخذته منه، وادعيت أنه ولدي حتى لا يقتلني الملك، هذا الولد هو أنت والطباخ هو أبوك.

وهنا رجع الملك إلى السايس متعجبًا وقال له: أخبرني كيف عرفت أنني لست ابن الملك؟ فقال الرجل: يا مولاي إن الملك حينما يعطي ويهب يعطي ذهبًا وفضة، وحينما يعاقب يقتل ويسجن أما أنت فكنت عندما تعطيني تعطي مرق ودجاج وطعام فاخر، وحينما أعصاك كنت تمنع عني الطعام وتسجنني، فمن يرافق الطباخ ماذا ينال منه حينما يرضى عنه سوى الطعام، وحينما يغضب منه لا ينل سوى منعه فالعرق دساس يا مولاي.