رياض قهوجي: الفصائل الفلسطينية في لبنان بين التبعية والفساد وغياب العمل المقاوم: مأساة شعب ….أهم سؤال يطرح نفسه اليوم، هو من يموّل هذه الفصائل المسلّحة، ومن يزوّدها بالسلاح والذخائر؟

77

الفصائل الفلسطينية في لبنان بين التبعية والفساد وغياب العمل المقاوم: مأساة شعب ….أهم سؤال يطرح نفسه اليوم، هو من يموّل هذه الفصائل المسلّحة، ومن يزوّدها بالسلاح والذخائر؟
رياض قهوجي/النهار العربي/06 آب/2023

الاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية في مخيم عين الحلوة ليست بحدث جديد لم تكن تشهده المخيمات الفلسطينية في لبنان. فهذا المخيم شهد العديد من جولات الاقتتال بين الفصائل المسلّحة داخله عبر السنين والعقود الماضية. فأي من الذين سكنوا في منطقة صيدا منذ سبعينات القرن الماضي يتذكّرون الاشتباكات التي كانت تندلع بين الوقت والآخر بين هذه الفصائل التي تتسلّح تحت راية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأراضي المحتلة، حتى أنّ بعض هذه الاشتباكات كانت تجري بعد أيام أو أسابيع من غارات إسرائيلية على المخيم الذي ينتشر الفقر والبؤس في العديد من أحيائه. فمشكلة القضية الفلسطينية كانت ولا تزال أنّ معظم القيادات الفلسطينية مرتهنة طوعاً لقوى عربية وغير عربية، وكانت هي نفسها وبسياساتها وتنافسها على السلطة والمال ألدّ أعداء القضية الفلسطينية.

الأنظمة العربية الشمولية مثل البعثين العراقي والسوري، وليبيا وغيرها، استخدمت القضية الفلسطينية كشمّاعة تبرّر عبرها سياساتها ضدّ شعوبها. فباسم القضية الفلسطينية وضعت سياسات وقمعت حرّيات. وكل من هذه الأنظمة كان يتبنّى فصيلاً أو بعض الفصائل لخدمة أهدافه. وكانت الاشتباكات المسلّحة تندلع بين هذه الفصائل كلما اختلفت قيادات الأنظمة العربية التي تموّلها. طبعاً، معظم الضحايا والخسائر كانت ولا تزال من بين المدنيين الفلسطينيين وجيرانهم اللبنانيين. وتتدخّل اللجان الشعبية وتجري الوساطات داخل المخيم وبين الأنظمة العربية الراعية لإعادة الهدوء بعد حين.

شهدت الساحة الفلسطينية تطورات عدّة وتغيّرات منذ خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إثر الاجتياح الاسرائيلي عام 1982. فعمليات المقاومة ضدّ اسرائيل من الأراضي اللبنانية انتقلت إلى الأحزاب اللبنانية، ولاحقاً احتكر “حزب الله” عمل المقاومة ضدّ اسرائيل من جنوب لبنان. وبعد انطلاق محادثات السلام العربية – الاسرائيلية وتوقيع اتفاق أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، انقسمت الفصائل الفلسطينية في لبنان بين مؤيّد للسلطة وتابع لها وتلك المؤيّدة لسوريا – ولاحقاً محور الممانعة. ودخلت إيران على الخط بقوة بعد تبنّيها المجموعات الفلسطينية الإسلامية، ما زاد من حدّة الشرخ على الساحة الفلسطينية، فكانت معركة غزة التي أدّت إلى سيطرة “حماس” وطرد قوى السلطة الفلسطينية منها. ومنذ حينها تسعى الفصائل الإسلامية لمدّ نفوذها داخل الضفة الغربية، في حين تسعى السلطة الفلسطينية “فتح” لاستعادة وجودها في غزة. وطبعاً باتت “حماس” و”الجهاد الإسلامي” مقرّبتين من إيران في حين أنّ دولاً عربية تدعم الفصائل التابعة للسلطة الفلسطينية.

وبما أنّ السلاح الفلسطيني لم يُسحب من داخل المخيمات في لبنان لأسباب سياسية عديدة، بقيت هذه المخيمات ساحة لتنفيذ أجندات خارجية. وبعد انتشار “داعش” و”جبهة النصرة” على الساحة السورية تحوّلت المخيمات اللبنانية إلى ساحة مهمّة لتجنيد العناصر. كما أصبحت ملاذاً آمناً للمطلوبين من السلطات اللبنانية، بخاصة التابعين للمجموعات الإسلامية المتشدّدة. فمن مخيم عين الحلوة انطلقت المجموعة التابعة لـ”عصبة الأنصار” التي اغتالت القضاة الأربعة داخل قاعة المحكمة في صيدا عام 1999. وفي مخيم عين الحلوة يختبئ إسلاميون شاركوا في قتل عناصر للجيش اللبناني. وطبعاً التهديد ليس محصوراً في عين الحلوة. فمخيم نهر البارد كان ساحة أكبر مواجهة عسكرية ضدّ الجيش اللبناني من قِبل ما يُسمّى بـ”فتح الإسلام”.

ورغم القرار الذي اتُخذ على طاولة الحوار بين الأحزاب اللبنانية ومنها “حزب الله” بنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، إلاّ أنّ هذا القرار لم يُنفّذ. فهناك قوات فلسطينية في قاعدة قوسايا على الحدود مع سوريا، وهناك القوات في الناعمة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما أهداف هذه المجموعات المسلّحة داخل المخيمات وخارجها؟ فإن كان العمل المسلّح من جنوب لبنان محتكراً من قِبل “حزب الله”، فلماذا إبقاء السلاح مع هذه المجموعات بحجة المقاومة؟ وإن كانت السلطة الفلسطينية، وهي الممثل الشرعي المعترف به دولياً للفلسطينيين، تخلّت عن العمل العسكري وتبنّت عملية السلام، فلماذا إبقاء فصائل مسلّحة في لبنان؟

أهم سؤال يطرح نفسه اليوم، هو من يموّل هذه الفصائل المسلّحة، ومن يزوّدها بالسلاح والذخائر؟ فالفقر ينتشر في هذه المخيمات في وقت يتدفق السلاح (الخفيف والثقيل) إليها مع الذخائر بوفرة. من يدفع رواتب المقاتلين في هذه الفصائل؟ فثمة مبالغ طائلة تُنفق على فصائل فلسطينية مسلّحة لا دور لها في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وتُستخدم في الاقتتال الداخلي لتصفية الحسابات بين زعامات فلسطينية أو بين قوى عربية وغير عربية. ومع استمرار عمل “داعش” في سوريا، يبقى خطر تمدّد هذه المجموعات إلى داخل المخيمات التي تشكّل مركزاً مهمّاً لتجنيد المقاتلين للمجموعات الإسلامية المتشدّدة، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانتشار البطالة فيها.

الاقتتال في عين الحلوة قد يتوقف، ولكنه سيعود بعد وقت من الزمن بسبب استمرار المسببات لذلك. فإيران تسعى ومنذ زمن لفرض وجودها على الساحة الفلسطينية، وهي تقدّم الحرب ضدّ إسرائيل كأساس لوجود محور الممانعة. وطبعاً لا يناسبها وجود قيادة فلسطينية ترفض المقاومة وتصرّ على عملية السلام. كما أنّ الجهود العربية – التركية لتوحيد الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت السلطة وحتى شمل حركة “حماس” في هذه المصالحة، لا تناسب الاستراتيجية الإيرانية. هذه الانقسامات بين القوى الإقليمية ستنعكس سلباً على الأوضاع داخل المخيمات الفلسطينية وتحديداً عين الحلوة، نظراً لحجمه ووجوده في جنوب لبنان.

وبالرغم من أنّ لبنان قد دفع الكثير نتيجة الوجود الفلسطيني المسلّح، الاّ أنّ أهالي المخيمات الفلسطينية هم أكثر من ظُلم وعانى نتيجة تصرفات الفصائل المسلّحة، وسيكونون أكثر المستفيدين إذا ما جرى تجريد هذه المجموعات من أسلحتها وإنهاء حالات التفلّت الأمني. ويجب أن يبقى السلاح الخفيف في يد مجموعة صغيرة تتولّى مهام حفظ الأمن تحت إشراف الجيش اللبناني وبالتنسيق مع السفارة الفلسطينية في لبنان والأونروا. لكن من سيتّخذ قرار التخلّي عن السلاح أو تجريد المقاتلين من السلاح، ومن سينفّذ ذلك؟ هل سيتمّ توريط الجيش اللبناني في معركة على غرار نهر البارد الذي هو أصغر بكثير من عين الحلوة؟ العديد من الأسئلة المطروحة اليوم قد تكون الإجابات عنها موجودة، انما يتمّ تفاديها نظراً لتشابك المواضيع ودقّة الظروف الداخلية والإقليمية. لكن الحقيقة المؤلمة هي أنّ معاناة الفلسطينيين في لبنان والأراضي المحتلة مستمرة، وستستمر بسبب الخلافات بين القيادات الفلسطينية وتبعية بعضهم لقوى خارجية تسعى لتحقيق مصالحها التي غالباً ما تتناقض مع مصالح الشعب الفلسطيني.