الكولونيل شربل بركات: الوضع الاستراتيجي المستجد في الشرق الأوسط اليوم (الجزء الثالث)/…نتانياهو سيُعتبر واحد من أهم رؤساء حكومات دولة اسرائيل منذ تأسيسها لأنه هو من سينقلها من الوضع المتأرجح إلى الوضع الثابت

345

الوضع الاستراتيجي المستجد في الشرق الأوسط اليوم… (الجزء الثالث)
الكولونيل شربل بركات/23 نيسان/2024

اضغط هنا لقراءة الجزء الأول
اضغط هنا لقراءة الجزء الثاني

اسرائيل في مأزق صحيح، ولكن مأزقها ليس رفح أو غزة، ولا حتى حزب الله في لبنان، إنما المأزق الأساسي هو حكم المرشد الأعلى والحرس الثوري 

نتانياهو سيُعتبر واحد من أهم رؤساء حكومات دولة اسرائيل منذ تأسيسها لأنه هو من سينقلها من الوضع المتأرجح إلى الوضع الثابت

هل تنجح اسرائيل حيث فشل عرب الاعتدال؟ وهل يقدر نتانياهو على مواجهة غطرسة وأدوات نظام الملالي وادعاءات الحلفاء التقليديين بادارة الأمور وهم الذين يخسرون كل يوم شعوبهم وقيمهم ومفاهيمهم مقابل أوهام زائلة وأنانية عمياء وخطط مرحلية تستمر إلى ما لا نهاية؟

نظرية التعاون البديهي بين اسرائيل وإيران ليست ناجحة سيما وإن طرح الخميني العلني ومنذ البدء كان يهدف لازالة دولة اسرائيل، فهل كان الخميني يناور؟ وهل إن خليفته لا يزال يكمل مشروع المناورة؟

الهدف الرئيسي لاسرائيل إذا يجب أن يكون الانتهاء من خطر البرنامج النووي الإيراني؛ إما بوقفه أو بتعطيله نهائيا أو بالتخلص من النظام المصر على الاستمرار بالسير فيه

*****

كنا تكلمنا في الحلقة الأولى عن الوضع الإيراني وفي الثانية عن الوضع العربي أما في هذه الحلقة فسنتناول الوضع من الناحية الاسرائيلية.

يدور الحديث في الاعلام العربي خاصة على أن رئيس وزراء اسرائيل السيد نتانياهو في موقف حرج، وهو يتصرف بردات فعل اعتباطية ويُنتظر أن يقوم ببعض المناورات الغير ناجحة بسبب تألب الدول والرأي العام العالمي عليه عدا عن وضعه الداخلي الدقيق. الموضوع كما نراه مختلف كثيرا فنحن نرى، وقد ذكرنا ذلك في مقالة سابقة، بأن السيد نتانياهو سيُعتبر واحد من أهم رؤساء حكومات دولة اسرائيل منذ تأسيسها لأنه هو من سينقلها من الوضع المتأرجح إلى الوضع الثابت، باعتراف الكل في المنطقة أولا وفي العالم ثانيا. وهذه الحرب القائمة حاليا سوف تكون آخر حروب الشرق الأوسط قبل أن ينفتح ويصبح نقطة جذب للاستثمارات العالمية والمشاريع الانمائية الكبرى التي ستدفع أكثر فأكثر نحو الاستقرار.

أما في التحليل السياسي والنظرة الاستراتيجية فإن ما قلناه عن إيران ومخططاتها صحيح، ولكن وبما أنه هكذا فإن على دولة اسرائيل التي لم تقم بالتضحية والجهد طيلة هذه السنوات لكي تنتهي قبل مرور مئة سنة على الأقل من تاريخ تاسيسها، فإنه من الضروري أن تكون لديها مؤسسات قادرة على التوقع والتحضر للاخطار المحدقة، سيما وإن حروبها لم تكن بسيطة وأعداءها لم يقتصروا على الدول العربية المحيطة. من هنا يجب أن يكون هناك مخرج لتثبيتها في هذه المنطقة، ولذا فإن العنجهية الإيرانية التي يشعر الكل بغطرستها ومشاريعها التوسعية تلعب دورا في المواجهة القادمة التي لا بد منها.

منذ نجاح الامام الخميني بثورته على الشاه وتحكّمه بحياة الملايين من الإيرانيين، وبالتالي تثبيت نظرية حكم الولي الفقيه، أخترع موضوع تصدير الثورة، وهو كلام منمق عن التوسع والاحتلال، وكان عماد هذا التصدير انشاء فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ويوم القدس العالمي في آخر اسبوع من رمضان، وهذه تصب حول اسرائيل بدون شك. وقد يكون ذلك لكي يبهر عيون الجيران ويقنع العامة أكثر فأكثر بمشروعية تمدده. ولكن وصوله إلى حدود اسرائيل في لبنان، وخاصة بعد سيطرته على العراق وسوريا، أصبح يشكل خطرا فعليا على دولة اسرائيل، خاصة بغياب أي تفاهم حول تقاسم النفوذ مثلا. ويعتقد البعض بأن التناغم القديم بين الفرس واليهود يمكن أن يشكل سببا للتعاون، وقد سبق أن باعت اسرائيل قطع غيار لإيران أثناء حربها مع العراق. وبينما نرى تاريخيا بأنه كان هناك بالفعل تعاون بين الشعبين إلا أنه كانت هناك أيضا تباينات وأخطار، ولا بد من ذكر مشروع الوزير هامان للقضاء على الشعب اليهودي بحسب سفر استير. ولذا فنظرية التعاون البديهي ليست ناجحة سيما وإن طرح الخميني العلني ومنذ البدء كان يهدف لازالة دولة اسرائيل، فهل كان الخميني يناور؟ وهل إن خليفته لا يزال يكمل مشروع المناورة؟

لنترك إذا التاريخ ونشدد على الواقع والنواحي العملية والمعلنة، حيث نرى تعبئة محور إيران واضحة ضد الدولة العبرية، والمتاجرة بشعار اعادة اليهود إلى الدول التي جاؤوا منها تتردد على السنة قادة الممانعة. ليس هذا فحسب فقد كانت اسرائيل تمكنت من الوقوف بوجه الدول العربية مجتمعة مدة سبعين عاما ولم تخف من الزوال، فهل تشكل الطروحات الإيرانية خطرا أكبر؟..

إن الخطر الوجودي على اسرائيل ليس من رغبة النظام الايراني برمي اليهود بالبحر، ولكن من البرنامج النووي الذي تصمم إيران على متابعته وبدون قيود، ما قد يعطيها القدرة على انتاج السلاح النووي، والذي يغيّر المعادلة ويهدد وجود دولة اسرائيل. من هنا كانت مخاوف السيد نتانياهو منذ سنوات عديدة، خاصة يوم قرر الرئيس اوباما اطلاق يد إيران في ابحاثها بعد عشر سنوات على الاتفاق النووي بينها وبين الدول الموقعة عليه، وها نحن قاربنا على مرور هذه السنوات العشر الآن حيث أن الاتفاق كان وقع في 2015 .

الهدف الرئيسي لاسرائيل إذا يجب أن يكون الانتهاء من خطر البرنامج النووي الإيراني؛ إما بوقفه أو بتعطيله نهائيا أو بالتخلص من النظام المصر على الاستمرار بالسير فيه، وهو لا شك ينوي استعماله ولو للتهديد، ما يمنع أي امكانية للعيش بحرية داخل اسرائيل مستقبلا. فهل يستطيع قادة الشعب اليهودي الذين عرفوا العداوة والقهر ومروا بتجارب قاسية، منها التجربة الهتلرية والاضطهادات القيصرية وحروب العرب المتتالية، هل يمكنهم القبول بوضع يعيد إلى الأذهان تلك الايام الرهيبة التي لم تنسى بعد؟

يمكن للولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين وغيرها من الدول التنظير في موضوع القدرة النووية الإيرانية، فهي لا تطال شعوبهم مباشرة ولا تعرضها لخطر الابادة كما هي الحال مع كوريا الشمالية مثلا، ولكن الشعب اليهودي ودولة اسرائيل لا يمكنهم المخاطرة مرة أخرى والسماح بتجربة امكانية حصول مجزرة جديدة بحقهم يستعمل فيها السلاح النووي. من هنا خطورة الموقف وسياسة القادة الاسرائيليين في هذه الأوقات التي تفرض عليهم التضامن والحذر والدقة باتخاذ القرارات، فالقضية ليست سهلة ولا هي موضوع تجاذب داخلي أو تمثيلية لكسب الراي العام والمزيد من الأصوات الانتخابية.

ولكن ماذا كان يمكن لاسرائيل أن تقوم به لتجنب الوصول إلى هذا الوضع؟

لقد حاول السيد نتانياهو اقناع الرئيس اوباما وفشل، فتوجه إلى الكونغرس وإلى الأمم المتحدة، ومن ثم توجه إلى الدول العربية التي تخاف أيضا من التوسع الإيراني الذي انما سيتم على حسابها، وهكذا بدأت عملية السلام الابراهيمي والتطبيع، خاصة زمن الرئيس ترامب، ولكن لوبي الاتفاق النووي في الولايات المتحدة، والذي كان تغذى من الافراج عن 150 ميليار دولار من الأموال الإيرانية المجحوزة، أسقط ترامب وأعاد الكرة إلى ملعب إيران حيث سعى بايدن إلى التهدئة وعودة المحادثات مع الإيرانيين، لا بل رفع الحوثيين عن لوائح الارهاب، وعادى دول السلام الابراهيمي، وحاول اسقاط نتانياهو داخل اسرائيل، وهي خطوة بارزة إن دلت على شيء فهي تدل على شراهة لوبي الاتفاق النووي وسهولة تغيير المفاهيم والتخلي عن الثوابت في عالم اليوم. وهذه وحدها يجب أن تفتح عيون اليهود في العالم للتكاتف من جديد وعدم تصديق حتى الحلفاء.

توجه إيران لضرب اسرائيل بالطريقة المسرحية التي تمت أخيرا كان لاجهاض مخاوف نتانياهو شعبيا وتعطيل خططه لمواجهة الخطر المحدق، ومن هنا نفهم الردود الاسرائيلية الرمزية والتي لم تجارِ المسرحية المشتركة بين العدو والحليف. فهل ستحمل الأيام القادمة تطورا ملحوظا في الردود الاسرائيلية يجر إلى لجم الخطر نهائيا؟ أم أننا في صدد تطورات لابعاد الخطر عن إيران وأذرعها ريثما تصبح قوة نووية لا يمكن تجاهلها ولا الاصطدام بها، والعودة إلى ما قبل أحداث غزة حيث تستمر جمهورية الملالي هذه بالتمدد حول عرب الاعتدال من جهة وصقور اسرائيل من جهة أخرى لاجهاض أية مقاومة لمشروع زعزعة الكيانات المتحررة في المنطقة والدفع باتجاه تلزيم الشرق الأوسط لكسرى جديد أو ربما “داريوس كبير” من يدري؟

اسرائيل في مأزق صحيح، ولكن مأزقها ليس رفح أو غزة، ولا حتى حزب الله في لبنان، إنما المأزق الأساسي هو حكم المرشد الأعلى والحرس الثوري لشعب إيران، وسيطرتهم على مقدراته، وتسخير كل ذكاء الفرس لمشاريع الولي الفقيه وجماعته، وتأثيرهم على العقول والشعوب والثروات في هذه المنطقة من العالم، التي تشكل عقدة المواصلات، ومركز حج الديانات، ومهبط الوحي الذي يجب أن يقود نحو السلام المنشود، والذي تدعو إليه الكتب السماوية على اختلافها.

فهل تنجح اسرائيل حيث فشل عرب الاعتدال؟ وهل يقدر نتانياهو على مواجهة غطرسة وأدوات نظام الملالي وادعاءات الحلفاء التقليديين بادارة الأمور وهم الذين يخسرون كل يوم شعوبهم وقيمهم ومفاهيمهم مقابل أوهام زائلة وأنانية عمياء وخطط مرحلية تستمر إلى ما لا نهاية؟