نبيل بومنصف: “لا حرب” السبعة أشهر! … ما يفوق الأربعين بلدة ومدينة وقرية جنوبية تكاد معالمها تغدو صورة طبق الأصل عن غزة التي انست العالم دمار ستالينغراد

60

“لا حرب” السبعة أشهر! … ما يفوق الأربعين بلدة ومدينة وقرية جنوبية تكاد معالمها تغدو صورة طبق الأصل عن غزة التي انست العالم دمار ستالينغراد
نبيل بومنصف/النهار/26 نيسان/2024

لم يعد جائزا لنا الإفراط في المغالاة والتحدث كلما قاربنا أحوال ما يسمى الدولة اللبنانية عن انذهالنا واندهاشنا وما شاكل من انفعالات ولو كانت اقل المتوقع في بلد يستحيل التوصيف الموضوعي لأوضاعه باقل من الكوارث. مع ذلك أتاحت لنا محطة مرور ال 200 يوم على حرب غزة كما على حرب الجنوب (لم يعد ممكنا توصيفها باقل من حرب) المزيد من الانذهال لاكتشافنا ان المسماة سلطة حكومية وإدارية وما الى ذلك وزاراتها وأجهزتها وهيئاتها قد تكون آخر من يعلم، بل هي تتعمد ان تكون الزوج المخدوع، بالإحصاءات الدقيقة الشاملة لكل أوجه الخسائر والأضرار وحصيلة موجات الغارات والقصف الإسرائيلية المتواصلة على مساحة الجنوب الأمامية كلها بما يشمل ما يفوق الأربعين بلدة ومدينة وقرية تكاد معالمها تغدو صورة طبق الأصل عن غزة التي انست العالم دمار ستالينغراد امام الوحشية القياسية التي سجلتها الدولة العبرية في حرب الإبادة عليها.

لا بل من اجل الدقة الموضوعية، تبين ان وزارة الصحة اللبنانية وحدها “تشغل” عداد كشف الضحايا والشهداء والجرحى يوميا فتبين الحصيلة المعلنة، فيما يكاد يستحيل العثور على إحصاءات رسمية دقيقة وموثوقة لميزان الخسائر في المنازل والممتلكات والبنى التحتية والخسائر الاقتصادية الناجمة برمتها عن سبعة اشهر هي أطول الحروب العربية الإسرائيلية اطلاقاً. وحتى الإحصاء الدقيق لكارثة نزوح ما يقدر بمئة الف وأكثر من أبناء المناطق الجنوبية التي ابتليت بحرب لم تستشر فيها كما لم يستشر أي لبناني اخر على مساحة الجمهورية الفاقدة دولتها كما رئيسها، غاب ويغيب ويبقى غائبا حتى اشعار اخر.

هذا الجانب المظلم من طمس الحقائق العارية، علميا وواقعيا كما هي، ليس تفصيلا عابرا ولا يمكن السكوت عنه في مقاربة الواقع الرسمي والميداني والاقتصادي والكارثي بكل المعايير أيا تكن الاعتبارات والدوافع والأسباب التي تجعل السلطة المهيمن عليها من الفريق “الممانع” وعموده الفقري “حزب الله” تنصاع لطمس وحرف الأنظار عن الحصيلة الكارثية لحرب “إسناد غزة” او لحرب “توحيد الساحات”.

والحال ان هذا الجانب من إخفاء الحقائق ليس ابن ساعته في بنية “السلطة العميقة” ولا نقول الدولة العميقة هنا لان كل مواصفات الدول التقليدية الثابتة اضمحلت واندثرت في لبنان بما حقق ويحقق الأثرة والاستئثار للفريق “الممانع” في الهيمنة وجر البلاد الى مزيد من صحارى الظلامية على غرار تمديدهم البارحة للبلديات وزيادة الفراغات فراغات.

ان إخفاء وتغييب الإحصاءات الرسمية في حصيلة الأشهر الحربية السبعة حتى الان لا يختلف اطلاقا، في عمق طبيعته والانصياع لارادة فريق مستقو على السلطة، عن إخفاء حقائق جزائية في ملفات الاغتيالات التي علاها الغبار، وملفات تفجير مرفأ بيروت والالتفاف الجنائي المتعمد على التحقيق العدلي وشله، وسواها من مأثر السلطة الممانعة التي يصعب حصرها وتعدادها في هذه العجالة.

هي مقاربة لنمط سلطوي فظيع لا يرى في كشف الحقائق التي يتحمل تبعاتها مباشرة او مداورة وايا تكن طبيعتها الا “مؤامرات” عدوة على ايدي شركائه في الوطن ولذا لا تكون وجهة نظر هذا النمط في التعامل مع أي خلاف مع الاخر الا بتخوينه.

اما في الجانب المتصل بالدولة فيكفي هذا الفريق ان يحصي نجاحاته في الفراغات والتغييب والتسيب ليجعل ذروة انتصاراته التمديد لهيمنته في زمن حرب او زمن سلم لم يعد ثمة تمييز بينهما بفعل أياديه البيضاء…