نبيل بومنصف/منذ غلاسبي… قصقص ورق

45

منذ غلاسبي… “قصقص ورق”! 
نبيل بومنصف/النهار/01 آيار/2024

تعيدنا باريس إلى إحياء ديبلوماسية الأوراق، الديبلوماسية الأعرق بلعبة الكواليس المعتمة والسرية في الباطن فيما يدوي فوق السطح هدير الحروب، والتي خبرها لبنان طويلا على تعاقب حقبات الحروب والسلم وما بينهما. لعلها احدى المفارقات المفجعة ان تمر عقود وعقود ثم يتقهقر لبنان لاستعادة تاريخ مفعم بأسماء موفدين ووسطاء ومن ثم ينخرط مجددا في مراحل انتظار رسم مصيره على “الورق” قبل إدراكها ارض الواقع.

يحدث ان تعيدنا “الورقة الفرنسية” المتنقلة بين مقار السرايا وعين التينة والخارجية تارة بنسخة وطورا بتعديلات الى ما أعادنا اليه انتداب موفدين ثابتين اميركيين وفرنسيين كمثل آيموس هوكشتاين وجان ايف لودريان حين رحنا ننبش بقايا الذاكرة المثقلة والمتعبة والمهددة بفقدان الأهلية بفعل تقادم الزمن والتوغل في العمر، عن سجل وسطاء “تاريخيين” مروا هنا من أيام دين براون الى ريتشارد مورفي الى فيليب حبيب إلى الأخضر الإبراهيمي وهلم جرا… في المقلب الحالي، ترانا امام استعادة ل”الورقة” المؤسسة لمشروع التسويات الضخمة التاريخية ان نجحت اوالذاهبة الى طوايا تاريخ الإخفاقات الدولية في البلد المتعب الذي أدمن تآكل نفسه “وانتحاره” واسقاط الدول المنخرطة في ازماته في احراق الأصابع ان فشلت.

تبدل الزمن، وبكلمة واحدة من أي من أعضاء كتلة “حزب الله” او قادته الدينيين، تسقط ورقة اميركا وتحترق ورقة فرنسا وتتهاوى ورقة سائر لبنان والمشرق… ومع ذلك ترانا نتشوق ونترقب ونتوثب لمراقبة مسار الأوراق الطائرة تكرارا بين كواليس لبنان وإسرائيل والسعودية حيث المنتدى الديبلوماسي الضخم الدائر حاليا على هامش دافوس الرياض، والإقليم والشرق الأوسط برمته لعل وعسى تعيدنا “ورقة” باريسية او أميركية او من صناعة غربية خليجية مشتركة، على غرار “أوراق الطائف”، الى زمن استقرار ينهي كابوس الحرب المهرولة في كل ساعة.

من بين الأستعادات التي تحفزنا عليها الورقة الفرنسية لانهاء الحرب الراهنة في جنوب لبنان، لا بل من ابرزها وأكثرها تأثيرا في مسار الأحداث التي ادت الى تسوية تاريخيّة في لبنان، “ورقة أبريل غلاسبي” في ثمانينيات القرن الماضي خلال عهد الرئيس امين الجميل. لم تكن غلاسبي آنذاك قد عيّنت بعد اول امرأة سفيرة في بلد عربي هو العراق حيث ذاعت شهرتها بالدور الذي نسب اليها وكتب عنه “ملاحم” في غزو صدام للكويت.

مرت المعمودية الديبلوماسية الأساسية لغلاسبي ببيروت حيث نسبت وتنسب اليها حتى الساعة “ورقة” اقتراحات “مرجعية” أدت بتطور الأحداث والأوراق تباعا الى تسوية الطائف وميثاق الطائق وإصلاحات الدستور الطائف. ولعله لم ينافس ورقة غلاسبي لاحقا سوى الورقة الأخرى السرية التي وضعها عرابا الطائف واقعيا، الراحلان الكبيران البطريرك مار نصرالله بطرس صفير والرئيس حسين الحسيني واللذين شكلا الركنين الأساسيين اللبنانيين لقيام تلك التسوية طبعا لدى تضافر الإرادات الدولية والإقليمية الكبيرة التي استولدت نهاية الحرب في لبنان.

لا نستعيد “سيرة” أوراق صانعة مصائر إلا لكوننا نتخوف تخوفا عظيما من ان يضرب تبدل الأحوال والأنماط والنفوذات أي رهان متواضع على ورقة تقف في طريق استباحة لبنان مجددا، وهي الاستباحة الأشد خطورة في التاريخ. في مطالع السبعينات كان لبنان منفجرا بزهوه، لعلعت في فضائه رائعة من روائع الأخوين رحباني “ناس من ورق” وخاتمتها بصوت ايلي شويري وهدى حداد ” قصقص ورق”… اللهم نجنا من مزيد التجارب !

*الصورة المرفقة هي لوزير خارجية فرنسا مع نبيه بري