العميد الركن يعرب صخر: خلفيات قرار السعودية بسحب رعاياها من لبنان

129

خلفيات قرار السعودية بسحب رعاياها من لبنان
العميد الركن يعرب صخر/فايسبوك/07 آب/2023

لا يجب أن ‘ينظر لمسألة دعوة المملكة العربية السعودية رعاياها مغادرة لبنان، على أنها حدث استثنائي لافت، والمسارعة على إثره إلى رمي الفرضيات والتخمينات وراء هذا الأمر ودواعيه كيفما اتفق.

عموما”؛ برأيي وبرأي كل متابع أو معايش للوضع اللبناني اليومي الذي يعاني من الفلتان الواسع والتسيب الأمني غير المسبوق والأخطار المتنقلة والتهديد المتكرر للسلامة العامة، اضافة” لتحكم الميليشيات المسلحة بالشارع اللبناني وإشاعتها الفوضى المستدامة.. اذا” من غير الطبيعي إن لم تدع السعودية وغيرها من الدول رعاياها للمغادرة التوية حفاظا” على أمنهم وسلامتهم. دعتهم الأمس، تدعوهم اليوم، وستدعوهم غدا” وبعد غد؛ طالما بقي لبنان على هذه الحال.

أقول هذا ويعتصرني الألم على بلدي لبنان الذي كان قبلة العالم ومقصد العرب وموئل المحبين والغيارى. لكن علينا الإقرار بواقع شاذ غير وجه لبنان استباحته الأيادي السود وعبثت به القرود.

هذا بالعام؛ اما بالخاص والمباشر؛ فإذا تقصينا مفاعيل الإتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، نستطيع تلمس الأجوبة على كثير من التساؤلات.
لقد تأكد للسعوديين أن الإتفاق لم تقتصر مفاعيله سوى على حصر إيران مفاعيل الأتفاق بسيادة السعودية فقط؛ فالفقرة التي تقول باحترام سيادة الدول في الإقليم، أعلنت إيران بتصريح لسفيرها في بيروت ان هذه الفقرة لا تتجاوز السعودية. وفعلا استمر حزب الله في تحدي الجميع بتأكيد ترشيحه لفرنجية مهما طالت مدة التعطيل. وفي اليمن استمر تسليح الحوثيين وما زالوا يناوشون في تعز، ودون إبداء أي رغبة ببدء المحادثات حول الحل في اليمن. فقط توقفوا عن قصف السعودية بالصواريخ والمسيرات مع تبادل لجزء من الأسرى.

اما سوريا فالمسالة حسمت لصالح إيران اذ ان بشار نفسه ليس فقط لا يقدر ان يحد من نفوذ إيران بل لا يرغب في ذلك لأن كل شرعيته انه ممانع وهذه صفة لا ياخذها الا من إيران. وكل ما يمكن أن يساير فيه السعودية هو تخفيض تصدير الكبتاجون. والعراق يبيع الآن اهم مرافق اقتصاده لمؤسسة الإنشاءات الهندسية والزراعة والصحية والاجتماعية التابع للحشد الشعبي مع ميزانية أولية تزيد عن مليارين ونصف توفرها وزارة المال العراقية. لا صواريخ من الحشد ومن إيران ومن اليمن على السعودية ولا مسيرات، هذا كل ما أخذته السعودية.

إذا”؛ بالعودة وتركيزا” في لبنان، نجد أنه قد اصبح بكل مفاصله وأركانه، أسيرا” محتلا” من ذراع إيران حزبللا، الذي يضع السعودية في راس قائمة أعدائه؛ بعد أن أمن جانب إسرائيل وأميركا بعقد إتفاق الترسيم البحري والتخلي عن ١٤٣٠ كلم٢ بحري وما تكتنزه من ثروات الطاقة لإسرائيل؛ وقبلها التسبب بتفجير ٤ اب ليموت مرفأ بيروت ويحيا مرفأ حيفا. ثم انبرى لترويض الفصائل الفلسطينية في المخيمات اللبنانية ليضعها بأمرته مفتعلا” الأحداث الأمنية فيها مبتدئا” بمخيم عين الحلوة.

زرع الفوضى وعدم الإستقرار في لبنان، وتهديد اللبنانيين بتجديد ٧ أيار وأحداث الطيونة وعين الرمانة وقلاقل الحرب الأهلية، إلى جانب كل ما ذكرناه أعلاه.. كلها رسائل حامية لاحتكار الساحة اللبنانية والاستمساك بمؤسساتها من رئاسة وحكومة ومرافق وإدارة وحتى جيش.. كله خدمة” لإيران في مبارياتها الجيوسياسية غير الودية مع العرب وبالذات مع السعودية.

إن عمليات خطف سعوديين وخليجيين، والسفاهة المتكررة في الدبلوماسية اللبنانية تجاه دول الخليج، واستقبال حماس وتدريب الحوثيين في لبنان، ثم افتعال الأحداث الأمنية في المخيمات الفلسطينية واغتيال قادة السلطة الشرعية الفلسطينية فيها، فضلا” عن الأخطار والتهديدات والفلتان في كل لبنان… كلها دواعي في الظاهر لقرار المملكة بإعادة رعاياها من لبنان وستتكرر وستتبعها دول أخرى؛ لكنه في الباطن عودة السخونة وتعثر الإتفاق السعودي الإيراني، وفقدان الأمل بتغيير سلوك الممانعين والنظام السوري أتباع إيران.

وتبقى الخشية الكبرى في هروب كلا النقيضين الحميمين /نتنياهو من أزماته الداخلية/ وإيران وأذرعها من ازماتها… نحو توتير محدد ومحدود قد يتسع مداه.. تنبهت له السعودية واستبقته استدراكا” بخطوتها الأولية بسحب الرعايا… والاتي أعظم.