الجيش عزّز مواقعه في القاع والأهالي متمسكون بأرضهم/ألان سركيس: مسيحيّو الأطراف تعلّموا كيف تصمدون في أرضكم

239

الجيش عزّز مواقعه في القاع والأهالي متمسكون بأرضهم شباب من الهرمل جنباً إلى جنب في مطاردة الإرهابيين
بعلبك- وسام إسماعيل/النهار/29 حزيران 2016

إذا كان تدفق الانتحاريين الى بلدة القاع وتنفيذهم ست عمليات تفجير، يؤشّر الى قرار بتصعيد العمليات الإرهابية، فإن تشبث الأهالي بأرضهم بدا واضحا، وجسّدته وقفتهم منذ ليل الإثنين- الثلثاء مدججين بالسلاح رجالا ونساء الى جانب الجيش وتحت أوامره، وأمضوا ليلهم على أسطح المنازل لمراقبة المنطقة على رغم ضبط الجيش الوضع فيها، مصرّين على خروج جميع السوريين من بلدتهم، سواء كانوا لاجئين أو مزارعين. “الانتحاريون لن يرهبونا، وساحة البلدة لن تكون ساحة انهيار واستسلام. سبق أن عانينا الامر وصمدنا وقدمنا الشهداء وأرواحاً غالية ثمنا لبقائنا واستمرار وجودنا في المنطقة”. هذا لسان حال أهالي القاع الذين سهروا خشية افتعال مزيد من الاعمال الاجرامية التي ينفذها إرهابيون من دون أن تتبنى أي جهة إرهابية حتى الآن المسؤولية عن التفجيرات. وفي معلومات لـ”النهار” أن الجيش بات يملك طرف خيط ليصل الى المعتدين وتحديد وجهة تحركاتهم، وقد تمكن من تحديد أماكن اختبائهم والعثور على الغرفة التي استخدمت لإعداد الأحزمة المتفجرة وضبط بعض الذخائر وجهاز لاسلكي للتواصل. وتقع هذه الغرفة على مسافة قريبة من كنيسة البلدة حيث وقعت الاعتداءات. وطوال يوم أمس قدم الجيش إرشادات إلى الاهالي، أهمها عدم إقامة اي تجمعات، وخصوصا خلال ساعات الليل وخارج نطاق الاجراءات التي يتخذها عناصره التي عملت على إنهاء كل المظاهر المسلحة للمدنيين في البلدة، وخصوصا انه لم يعد من حاجة الى ذلك، بعدما اتخذ الجيش إجراءاته الامنية للحفاظ على أمنهم وأرواحهم. وعمليات التفتيش الدقيق والبحث عن الإرهابيين لم تتوقف، وخصوصا مع تسلم الفوج المجوقل زمام الامور واستقدام تعزيزات اضافية وانتشار عناصره في حال تأهب في جميع شوارع البلدة وأحيائها وبساتينها واجراء مسح ميداني لكل المنازل والبساتين، بحيث لم يستثن أحد من التفتيش الذي تركز ضمن المناطق التي فيها لاجئون سوريون، وخصوصا في محلة مشاريع القاع التي تضم ما يزيد على الـ 20 الف لاجئ سوري، وقد فرض عليهم حظر التجول بموجب قرار أصدره محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر.
والبلدة الحدودية التي لم يكن يكسر هدوءها قبل أعمال التفجير سوى ضجيج أبواق بعض السيارات، عاشت ضجيجاً آخر طوال يوم أمس هو ضجيج الاعلاميين من كل الوسائل الاعلامية المحلية والعالمية، والمواكب الامنية المرافقة للسياسيين الذين تهافتوا على القاع لتفقد مكان التفجيرات ولقاء ذوي الشهداء والجرحى، الى جانب القوى الامنية، ومن بينهم وزيرا الدفاع سمير مقبل والداخلية نهاد المشنوق، وقد تحدث مقبل في حضور النائبين مروان فارس وإميل رحمة، فأكد أن زيارته بلدة القاع “للمشاركة في الحزن فقط، وجميع اللبنانيين بكل مكوناتهم السياسية وبطوائفهم متحدون لدعم الجيش والوطن”، مثمنا تضحيات الجيش نهاراً وليلاً ومشدداً على أن “الجميع مسؤولون عن الدفاع عن الوطن والتدابير متخذة لحماية الجميع، والجيش على أهبة الاستعداد لمواجهة أي مخاطر وتحديات، والعين ساهرة”. وأوضح كاهن الرعية الأب اليان نصرالله لمقبل أن “البلدة مؤلفة من 20 ألف نسمة ويقطنها 5 آلاف فقط، فيما هناك 30 الف سوري بين لاجئ وعامل في أراضي البلدة الزراعية”. وقال: “فتحنا لهم قلوبنا ومؤسساتنا ووقفنا الى جانبهم، ولكن تبين لنا اليوم اننا مهددون بفعل وجود الارهاب، وقد توغل بين النازحين في محيط القاع اعداد من الارهابين وبات وجودهم يهدد ابناء البلدة والقاع والمحيط، ونحن صامدون ومتمسكون بأرضنا ولو اضطررنا إلى أن نقدم مئات الشهداء”.
وطالب نصرالله باسم الاهالي بترحيل جميع السوريين من المنطقة، وقال: “هناك نوعان للوجود السوري في القاع ومشاريع القاع، وهم عمال ولاجئون، غير أننا لم نعد نميز اليوم بين العامل واللاجئ، لذا نتمنى على المعنيين ترحيل الجميع من سهلنا، ولاحقا نستقبل العمال فقط عبر الدولة، وهذا مطلب جميع الأهالي. البلدة استهدفت، وبفضل شبابها والجيش وشباب الهرمل المقاوم الذين لبوا نداء البلدة، عملنا معاً على مطاردة الارهابيين طوال الليل لنتجنب الارهاب”. كما زار البلدة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والتقى رئيس البلدية بشير مطر وعددا من فاعلياتها وصودف وصوله مع وجود العميد المتقاعد شامل روكز في البلدة .ويذكر انه تم تأجيل موعد دفن الشهداء الى وقت لاحق بعدما كان مقرراً أن يتم عند الخامسة بعد ظهر أمس، نتيجة تمني قيادة الجيش تأجيل الموعد حتى إتمام مهماتها، وخصوصا بعد معلومات عن وجود انتحاريين هربا من البلدة ولا تزال عمليات البحث جارية عنهما.

 

مسيحيّو الأطراف… «تعلّموا كيف تصمدون في أرضكم»
ألان سركيس/جريدة الجمهورية/الأربعاء 29 حزيران 2016
لم يكن أحدٌ يتوقّع أنّ تُستهدف بلدةُ القاع الحدودية بهذا الكمّ من الإنتحاريّين الذين بلغ عددهم ثمانية دفعة واحدة، أي ما يقارب مجملَ عدد الإنتحاريّين الذين فجّروا أنفسهم في الضاحية الجنوبية على مدى عام، ما دفَع الأهالي الى حَمل السلاح بالتنسيق مع الجيش اللبناني لمواجهة الأحداث الطارئة.
عادت قضية الوجود المسيحي في الأطراف لتُطرح بعد الانفجارات الإنتحارية التي هزًّت القاع، خصوصاً أنّ المسيحيّين يرفضون حَملَ السلاح مجدّداً ويتّكلون على الجيش، مع العلم أنّ للضرورة أحكاماً. وبعدما كثُر الكلام عن أنّ المسيحي يترك أرضه ويهاجر بسرعة، وجّه القاعيون رسالة قاسية الى الإرهابيّين، أولاً بالتأكيد «أننا باقون في أرضنا مهما اشتدّ إجرامكم»، والى كلّ مَن يفكّر بدخول لبنان ثانياً، أما الرسالة الثالثة والأهم فهي الى مسيحيّي الجبل والمدن بـ«أننا نقاوم ونصمد على رغم صعوبة الحياة». من العاصمة بيروت الى القاع، تحتاج الطريق نحو 4 ساعات في حال لم تكن هناك زحمةُ سير في ضهر البيدر ومدينة زحلة، وأقرب مستشفى يحتاح الى نصف ساعة تقريباً، فيما تغيب المنتجعاتُ السياحية والوسائلُ الترفيهية أو كلُّ متطلبات «الفخفخة» والراحة التي يتذمّر المسيحيّ من عدم وجودها دائماً ليقول إنه يهاجر لبنان. في القاع أيضاً، لا مجالَ للسماسرة وتجار الأرض والصفقات الضخمة (باستثناء قضية المشاريع) لتحقيق الأرباح الخيالية، لأنّ مترَ الأرض قد لا يصل إلى بضعة دولارات، ومَن يعيش أو يزور المنطقة يكتشف أنّ مناخها صحراويٌّ جاف حيث تحرق الشمس زنودَ القاعيين ولا ترحم الحجارة، ومع هذا كلّه يصمد المسيحي هناك في آخر نقطة من لبنان، ويعطي دروساً في التمسّك بالأرض، ويحمل سلاحاً متى دعت الحاجة.
يستغني القاعي عن المنتجعات السياحية، وعن البحر وعن الجبال الجميلة في السلسلة الغربية المكسوَّة بالخضار وبرودة الطقس، ويتحصَّن بالسلسلة الشرقية القاحلة، الجافة، الصحراوية. ويستغني أيضاً عن التفاخر بأنه يعيش في العاصمة أو في مناطق الضواحي «الكلاس»، فلا تمرّ عطلة نهاية اسبوع إلّا ويمضيها في بلدته قاطعاً المسافات والخطر بإرادة صلبة وعزيمة، مؤكّداً أنّ الارض له، فهي غالية عليه على رغم رخص ثمنها المادي. ففي القاع لا يصل مترُ الأرض الى آلاف الدولارات ومع ذلك لا تتلهّى الرابطة المارونية أو المؤسسات المسيحية باسترداد أراضي المسيحين التي بيعت كما حصل في مناطق عدة في جبل لبنان، وأبرزها في عاصمة الموارنة كسروان، وفي مناطق بعبدا والشوف وبقية الأقضية المسيحية الصرف، مع أنّ حاجة القاعيّين لبيع أرضهم أكثر بكثير من مسيحيّي الجبل وبيروت. أمس انتفض القاعيون دفاعاً عن بلدتهم، حملوا السلاح رجالاً ونساءً، تشبّثوا بالوجود، غير آبهين لشيء، وإذا كانت التفجيراتُ الإرهابية قد أدمَت قلوبَهم، فإنها فتحت أعين المسيحيين على هذه البلدة وجعلت بعضهم يشعر بالخجل لتركه أرضه ووطنه لأسباب غير مبرَّرة. حالاتُ حَمل السلاح في القاع حصلت بطريقة عفوية بعد الإنفجارات الثمانية، لكنّ الاستفاقة المسيحية وتوجّه القيادات الى البلدة لا يكفي، إذ إنّ الدعم يكون على الصعد كافة مع أنّ الأهالي لا يطالبون بشيء، فالقاعيون أظهروا أنهم أبناء المقاومة، لكنّهم يحتاجون الى أن تعود الدولة أمنياً وخدماتياً الى ربوعهم ليصمدوا ويستمرّوا.
… وفي رأس بعلبك
مع تفاقم الوضع في القاع، شعَر شبابُ رأس بعلبك المسيحية بالمسؤولية مثل كلّ أهالي المنطقة على إختلاف إنتماءاتهم المذهبية والسياسية، فقصَد عددٌ منهم البلدة عارضاً المساعدة، وهم تركوا أشغالهم في بيروت وعادوا الى بلدتهم. فالوضع في رأس بعلبك لا يختلف عن القاع، تلك البلدة المسيحية الصامدة أيضاً على مقربةٍ من «داعش» التي تحتلُّ قسماً من جرودها، وقد تردّد ما حصل في القاع في شوارعها وعلى تلالها، ففي الجرود عزّز فوجُ الحدود البَرّي المنتشر أساساً تدابيره، خصوصاً أنّ أحداث القاع لم تكن عابرة. وضعت القيادةُ العسكرية في رأس بعلبك والبقاع كلَّ الاحتمالات أمامها، ومنها أن تكون «داعش» والمنظماتُ الإرهابية تُخطّطان لهجومٍ كبير من أجل تحقيق خرقٍ ما في أيّ منطقة حدودية، ونتيجة ترابط مراكز الجيش بعضها ببعض على طول السلسلة الشرقية، فقد كان الاستنفارُ سيّدَ الموقف والجهوزية على أتمّها. أما داخل البلدة، فقد سيطَر الحذر والترقب مثل كلِّ مناطق البقاع، لأنّ الإنتحاريَّ قنبلة حيّة ومتنقّلة من الصعب رصدها، ولذلك كان شباب رأس بعلبك العين الساهرة ليلاً، أخرجوا سلاحهم من المخازن وانتشروا مستعدّين لأيّ طارئٍ أو مواجهةٍ محتملة. وبما أنّ المسيحيين هناك ليس لهم فصيل مسلَّح، فإنّ الاتكالَ على الجيش والتنسيق معه كانا الأساس في ظلّ إستعداد لتقديم كلّ ما يطلبه من عون.
والجدير ذكره أنّ راعي أبرشية بعلبك للروم الكاثوليك المطران الياس رحال كان الى جانب الأهالي لرفع المعنويات والتأكيد أنهم لن يستطيعوا ترحيلَ المسيحيين من أرضهم، و»تحت كلّ فرشة هناك قطعة سلاح».أما قرى شرق زحلة المسيحية المحاذية للحدود، فقد عاشت هاجساً أمنياً في السابق نتيجة اقتراب المسلّحين منها. في تلك المنطقة ترتفع الصلبان ويؤكّد الأهالي أنّ شيئاً لن يخيفهم، أما بالنسبة الى التدابير الأمنية فهم قد جرّبوا الأمنَ الذاتي وفشل، وبالتالي تغيّبت عن القرى المظاهر غير الشرعية، فيما ينسّق الأهالي يومياً مع الجيش الذي يسيطر بالنار على كلّ المنطقة، والاتصالات مع قائد الجيش ومسارَعة الجيش الى التدخل عند وقوع أيّ حادث، طمأنهم. لا يختلفُ إثنان على أنّ الوضع في كلّ البقاع ولبنان متوتّر، لكنّ الخوف أن يلحق بمسيحيّي لبنان ما أصاب مسيحيّي الشرق، مع إستبعاد هذا الإحتمال لأنّهم أظهروا تمسّكاً ومقاومة صلبة، حاملين الصليب ومدافعين عن بلداتهم ووطنهم.