سوسن مهنا: براء القاطرجي رجل الأعمال الذي توسط بين داعش ودمشق وقتلته إسرائيل/موقع درج: مقتل براء قاطرجي لغز الاغتيالات الإسرائيلية في مناطق نفوذ ماهر الأسد
مقتل براء قاطرجي… لغز الاغتيالات الإسرائيلية في مناطق نفوذ ماهر الأسد ! موقع درج/16 تموز/2024
براء القاطرجي… رجل الأعمال الذي توسط بين “داعش” ودمشق وقتلته إسرائيل واتهمته وزارة الخزانة الأميركية بتسهيل تجارة الوقود بين النظام السوري والتنظيم الإرهابي سوسن مهنا/انديبندت عربية/16 تموز/2024
اغتالت إسرائيل رجل الأعمال السوري محمد براء القاطرجي بغارة استهدفت سيارته قرب الحدود اللبنانية – السورية. فمن هو القاطرجي؟ أي دور لعبه على الساحة السورية خلال السنوات الأخيرة؟ وهل ضاق خناق النظام عليه أخيراً؟
تتوالى عمليات الاغتيال الإسرائيلية النوعية في الداخل السوري التي تستهدف شخصيات تتبع أو قريبة من “محور الممانعة”، إما إيرانية أو من “حزب الله” أو قريبة من النظام في سوريا. آخر فصول هذه الاغتيالات غارة نفذها سلاح الجو الإسرائيلي، استهدفت سيارة رجل الأعمال السوري محمد براء القاطرجي قرب الحدود اللبنانية – السورية، أدت إلى مقتله على الفور. خبر مقتله أكدته وكالة “رويترز” نقلاً عن ثلاثة مصادر أمنية، كذلك قالت صحيفة “الوطن” السورية الموالية للنظام، إن القاطرجي قتل في الغارة التي نفذت على طريق الصبورة قرب دمشق، من دون تقديم مزيد من التفاصيل، فيما لم يصدر أي تعليق إسرائيلي فوري على الغارة.
إمبراطورية آل القاطرجي
تعد عائلة القاطرجي، بقيادة حسام القاطرجي، من أبرز اللاعبين الاقتصاديين في سوريا خلال السنوات الأخيرة، تحديداً تلك التي تلت الحرب السورية. ويتصدر اسم عائلة “القاطرجي” قائمة أغنياء سوريا، فالأشقاء الثلاثة، محمد براء وحسام ومحمد آغا، يمتلكون مجموعة “القاطرجي الدولية”، التي تضم شركات عدة تعمل في مجالات متنوعة مثل الصناعات الهندسية والنفط والزراعة والتجارة. من بين الشركات البارزة في المجموعة شركة “أرفادا للبترول” وشركة “جذور” للزراعة وتربية الحيوان وشركة القاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري وشركة “الذهب الأبيض” و”البوابة الذهبية” وغيرها. ويعد مالكو المجموعة من أبرز رجال الأعمال في الاقتصاد السوري، بسبب النفوذ الممنوح لهم من الحكومة. واكتسبت المجموعة شهرة واسعة بسبب دورها كوسيط بين النظام السوري وتنظيم “داعش”، إذ أمنت نقل النفط والقمح من مناطق سيطرة التنظيم إلى مناطق النظام السوري، مقابل تزويد التنظيم بالأموال والأسلحة. هذا الدور استمر حتى بعد سيطرة وحدات الحماية الكردية على تلك المناطق تحديداً في الشمال السوري، إذ استمرت المجموعة في تأمين النقل بين المناطق المختلفة. وإضافة إلى أنشطتها الاقتصادية تشتهر عائلة القاطرجي بعلاقاتها الوثيقة مع نظام بشار الأسد وشخصيات بارزة فيه، مما مكنها من توسيع نفوذها الاقتصادي بصورة كبيرة. كما أن المجموعة تمكنت من ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب شركات أخرى في السنوات الأخيرة من سوريا كانت تعمل في المجالات نفسها بعد فرض العقوبات الغربية عليها.
وبحسب تقارير سورية، بدأ صعود عائلة القاطرجي بعد انكفاء مالك شركة “هيسكو” لإنتاج الغاز الطبيعي جورج حسواني، عقب العقوبات الأوروبية التي فرضت عليه، ليتراجع مفسحاً المجال لحسام القاطرجي وإخوته، ليستولوا على قطاع نقل النفط. وفي نهاية عام 2022 أعلن عن إنشاء شركة “بي أس للخدمات النفطية”، ومقرها في لبنان، وهي تابعة لـمجموعة القاطرجي، إذ سمح لمحطات المحروقات التابعة للشركة باستيراد النفط الخام وتكريره في مصفاتي بانياس وحمص، مقابل أجور مالية تدفع للحكومة اللبنانية، ومنحت مقابل ذلك الحق ببيع المشتقات النفطية الناجمة عن التكرير في السوق المحلية أو تصديرها، وذلك وفق مواقع سورية.
لكن من هو محمد براء القاطرجي؟
هو رجل أعمال ومعروف باسم براء القاطرجي، ولد في الرقة عام 1976، وهو شقيق رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب حسام القاطرجي. ويعد براء شريكاً مؤسساً في عدد من الشركات التي تديرها المجموعة وأهمها “أرفادا البترولية”، التي تعمل في مجال الدراسات الهندسية التصميمية الأساسية والتفصيلية لمشاريع البنى التحتية النفطية والغازية، وتحديد حجم الاستثمارات اللازمة، ويتاح للشركة حفر الآبار الاستكشافية والإنتاجية في المناطق السورية والقطاعات البرية والبحرية وتجهيزها للإنتاج، وتأجير واستئجار المعدات اللازمة للحفر والاستكشاف، ويحق لها بيع وشراء النفط الخام والمنتجات الهيدروكربونية بجميع أصنافها داخلياً وخارجياً، وذلك وفقاً للقرار المصدق من وزارة التجارة الداخلية السورية في مارس (آذار) 2018.
عقوبات أميركية
وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، فرضت الإدارة الأميركية عقوبات عدة على أشخاص اتهمتهم بالعمل كوسطاء بين “داعش” والنظام، وجمدت وزارة الخزانة الأميركية أصولهم وممتلكاتهم، وحظرت التعامل معهم تجارياً. ومن هؤلاء، برز اسم براء القاطرجي، الذي اتهمته وزارة الخزانة بتسهيل تجارة الوقود بين النظام السوري و”داعش”، وتوفير المنتجات النفطية للمناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم. وكان القاطرجي، بحسب الوزارة، يتمتع بعلاقات قوية مع عديد من المسؤولين داخل النظام، ولديه عقود عدة مع وزارة النفط ووزارة التجارة التابعة للنظام. كما يتحمل، بحسب الوزارة الأميركية، مسؤولية الأنشطة الاستيرادية والتصديرية في سوريا، واستخدم عمليات نقل الأسلحة والذخيرة تحت غطاء استيراد وتصدير المواد الغذائية، التي كانت تحت إشراف إدارة الاستخبارات العامة التابعة للنظام. وفي صفقة تجارية عام 2016 بين حكومة النظام وتنظيم “داعش” تم تحديد شركة القاطرجي كوكيل حصري لتزويد مناطق “داعش” بالمواد الضرورية، بما في ذلك النفط والسلع الأخرى. وتميزت الشركة بمروحة واسعة من النشاطات التجارية، التي تشمل النفط والغذاء والتطوير العقاري والسياحي وترتبط بعلاقة وثيقة بالأسد، بخاصة أن أحد مالكي أسهمها هو حسام القاطرجي. كما مولت شركات القاطرجي الشحنات النفطية التي كان يتم استيرادها من إيران لمصلحة نظام الأسد، مما دفع وزارة الخزانة الأميركية إلى أن تكرر فرض العقوبات في يناير (كانون الثاني) 2019 بسبب صفقات النفط وتهريب السلاح للنظام. لكن وعلى رغم العقوبات الغربية ساعدت علاقات العائلة ونفوذها على إبقائها ضمن قائمة الشخصيات المؤثرة في سوريا.
شركة “القاطرجي” و”داعش”
في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 نشرت وكالة “رويترز” تقريراً تحدثت فيه عن عمليات التهريب والتعاملات السرية التي ينفذها “داعش” مع عضو في البرلمان السوري المقرب من نظام بشار الأسد وهو حسام القاطرجي. ونقلت الوكالة عن مزارعين ومسؤولين إداريين في الرقة، المعقل السابق للتنظيم، أن هذا الترتيب ساعد الحكومة السورية على توفير الغذاء في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بعد أن سيطر “داعش” على منطقة زراعة القمح في شمال شرقي سوريا خلال الحرب، التي كان مشتعلة في تلك المرحلة.
ووفقاً للمزارعين فإن تجاراً يعملون لحساب عضو مجلس الشعب حسام القاطرجي كانوا يشترون القمح من المزارعين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وينقلونه إلى دمشق، في ترتيب سمح للتنظيم بأخذ حصة من القمح. هذه المعلومة أكدها بدوره محمد كساب، مدير مكتب القاطرجي حينها، الذي أفاد بأن “مجموعة القاطرجي” كانت تزود المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالقمح، بعد شرائه من مزارعين في شمال شرقي سوريا ونقله عبر أراضي “داعش” إلى دمشق، لكنه نفى وجود أي اتصال مع التنظيم.
التعاملات التجارية للنظام مع تنظيم “داعش”
يقول مدير برنامج “ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات بمعهد واشنطن” ماثيو ليفيت في تحليل له في سبتمبر عام 2021 إن المجتمع الدولي فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة المشكلات المتعددة الأوجه التي طرحها الأسد، الذي عمل نظامه لسنوات مع التنظيم الإرهابي. ويتابع “وفر نظام الأسد الدعم بصورة منتظمة لتنظيم (داعش) عندما كان الأخير يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، حتى عندما كان النظام يكافح لاستعادة السيطرة على الأراضي السورية من مختلف الجماعات المتمردة المشاركة في الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك التنظيم. وكان أحد التكتيكات الرئيسة لاستراتيجية النظام هو تركيز جهوده العسكرية لمحاربة الجماعات المتمردة السورية المعتدلة التي تعارض ديكتاتورية الأسد، ولا سيما (الجيش السوري الحر)، وليس تنظيم (داعش)”.
النفط في صلب تعاملات الأسد و”داعش”
ووفقاً للباحث في شؤون الإرهاب ماثيو ليفيت “كان أحد الأسباب التي دفعت بنظام الأسد إلى عدم استهداف مواقع داعش هو التعاملات التجارية”. وبحسب وزارة الخارجية الأميركية اشترى “النظام السوري النفط من تنظيم (داعش) عبر وسطاء مختلفين، مما زاد من عائدات التنظيم الإرهابي”، وبخاصة عام 2014، عندما سيطر “داعش” على أكثر من 60 في المئة من حقول النفط في البلاد، في منطقة دير الزور شرق سوريا، بما فيها حقل “العمر” النفطي. ووفقاً لتقرير الوزارة “ربما يكون تنظيم (“داعش”) قد كسب ما يصل إلى ملايين عدة من الدولارات في الأسبوع، أو ما مجموعه 100 مليون دولار، من بيع النفط والمنتجات النفطية للمهربين المحليين الذين يبيعونها بدورهم إلى الجهات الفاعلة الإقليمية، ولا سيما نظام الأسد”.
وفي تقرير عن تمويل “داعش” “مجموعة العمل المالي” (فاتف)، صدر في فبراير (شباط) 2015، أشار إلى أن “أكثر من 20 مؤسسة مالية سورية لها عمليات في الأراضي التي يسيطر عليها (داعش) واصلت القيام بأعمال تجارية هناك. إضافة إلى ذلك بقيت هذه الفروع مرتبطة بمقرها الرئيس في دمشق”.
“قسد” على خط القاطرجي والأسد
وفي سياق متصل، تحدثت وكالة “رويترز” عن صفقات مشابهة قام بها الإخوة القاطرجي، بين النظام السوري و”قسد” منذ عام 2016 وحتى اليوم، فضلاً عن تمكنها من شراء القمح من مختلف الفصائل العسكرية التي سيطرت على حقول الذهب الأصفر في الجزيرة السورية لمصلحة النظام.
وهنا تكشف الوكالة عن الأرباح الهائلة التي حققها الإخوة القاطرجي من تلك الصفقات، وهي استخدمت في تمويل مجموعة كبيرة من الشركات والاستثمارات التجارية والنفطية، فضلاً عن مجموعة مسلحة لحماية أسطول صهاريج نقل النفط التي تصل إلى أكثر من 1000 صهريج، تنقل حالياً النفط من مناطق سيطرة “قسد” إلى مصفاتي حمص وبانياس بمعدل 20 ألف برميل يومياً.
الدخول على خط تجنيد المقاتلين
لم يقتصر دور عائلة القاطرجي على الأعمال والاقتصاد والعمل كوسيط بين “داعش” والأسد، بل وصل إلى حد المنافسة على تجنيد المقاتلين. وفي هذا الإطار ذكرت شبكة “عين الفرات” المعنية بنقل أخبار شرق سوريا، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أن المجموعة المسلحة التابعة لعائلة القاطرجي دخلت على خط التنافس مع الفصائل الإيرانية الموجودة في محافظة دير الزور، وذلك عبر تطويع شبان للتجنيد، بإغرائهم برواتب عالية، وتابعت الشبكة أن عمليات التطويع بدأت بعد انتشار معلومات عن نية الحرس الثوري الإيراني فتح باب التجنيد والتطويع بالمدينة على مصراعيه. وقالت إن المدعو أحمد دالاتي وهو مدير العلاقات العامة بمجموعة القاطرجي التجارية والمفوض الرسمي باسمه في المدينة، طلب من طريق مقاتلي المجموعة التابعة له الترويج لتطويع الشبان، وذلك بالاعتماد على الإغراءات المادية، وأعلن حينها عن رواتب بقيمة 200 دولار أميركي شهرياً للمتطوعين الجدد، أي ما يعادل نحو 555 ألف ليرة سورية، وهو خمسة أضعاف الراتب الذي يمنحه الحرس الثوري الإيراني للمتطوعين المحليين. ووفقاً لتقرير الشبكة نفسها، ضمت تلك المجموعة المقاتلة مئات العناصر، الذين يأتمرون بأوامر روسية، وكان يرسل بعضهم كمرتزقة للقتال في ليبيا إلى جانب قوات المشير خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق. “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أوضح بدوره أن “القاطرجي كان مسؤولاً عن تمويل فصيل “المقاومة السورية لتحرير الجولان”، وهي مجموعة أسسها “حزب الله” قبل سنوات. وكان “حزب الله” قد أعلن عن تشكيل ذلك الفصيل، منذ إعلانه عن تدخله في الحرب السورية عام 2013، وتولى سمير القنطار حينها مسؤولية قيادة تلك المجموعة، وكانت المسؤولة عن تنفيذ عمليات في مرتفعات الجولان.
هل شهدت “مجموعة القاطرجي” تضييقاً من قبل النظام؟
تناقلت مواقع سورية محلية معارضة في الـ14 من يوليو (تموز) الجاري خبراً عن هجوم قامت به عناصر تابعة لـ”داعش” استهدف قافلة صهاريج نفط في منطقة وادي عبيد في بادية حمص، مما أدى إلى احتراق صهريجين ومقتل السائقين، وأوضحت أن الصهاريج تتبع لمجموعة “القاطرجي”.
كما وفي بداية العام الحالي، وتحديداً في يناير، شهدت مدينة العشارة الخاضعة لسيطرة النظام السوري والفصائل الإيرانية شرق دير الزور، خلافات تطورت لاشتباكات متبادلة بين الفرقة الرابعة (التابعة لماهر الأسد) ومجموعة “القاطرجي”، وذلك وفقاً لمواقع سورية محلية. وكشفت مصادر خاصة لشبكة “عين الفرات” أن الخلافات وقعت بسبب منع الفرقة الرابعة مرور سيارات محملة بالخردة “الحواجة” تابعة للقاطرجي. أيضاً وبحسب تقارير إعلامية سورية معارضة، وقعت خلافات بين أسماء الأسد زوجة بشار الأسد التي تدير ما يعرف بالمكتب السري، وحسام القاطرجي بسبب رفضه دفع الإتاوات، ووفقاً للتقارير طالب المكتب السري بنسبة 40 في المئة من أملاك القاطرجي، وبعد رفض الأخير جمدت أمواله وممتلكاته.
وفي مارس الماضي، تداولت مواقع إعلام عربية وأخرى معارضة، أن أسماء الأسد لاحقت عديداً من أمراء الحرب الذين ظهروا في الأعوام الأخيرة، من بينهم حسام القاطرجي، وتحدثت أنباء حينها عن مصادرة الأسد جميع ممتلكاته، وذلك تزامناً مع الأخبار التي انتشرت عن محاصرة شخصيات اقتصادية معروفة كرامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، الذي غاب عن المشهد الاقتصادي بعد فتح ملفاته والحجز على كثير من حصصه وممتلكاته، لا سيما شركة “سيريتل” للاتصالات.
مقتل براء قاطرجي… لغز الاغتيالات الإسرائيلية في مناطق نفوذ ماهر الأسد ! موقع درج/16 تموز/2024
تثير حوادث القتل هذه في منطقة محددة، شديدة الحراسة، وتخضع لسلطة الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، الكثير من الشكوك والتكهنات حول علاقة الطيران الإسرائيلي، برجل أعمال نافذ مقرب من النظام السوري، لا سيما وأن غالبية الغارات الإسرائيلية في سوريا اعتادت ضرب أهداف عسكرية، أو استهداف شخصيات عسكرية بارزة جداً، في المشهدين السوري واللبناني. مساء أمس، قُتل رجل الأعمال السوري، محمد براء قاطرجي، إثر غارة إسرائيلية في منطقة تقع في ريف دمشق الغربي، قرب الحدود السورية – اللبنانية، وهي حادثة الموت الثالثة التي تقع في تلك المنطقة خلال أيام قليلة، بعد وفاة المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، بحادث سير في المنطقة نفسها، القيادي في “حزب الله” والحارس الشخصي السابق للأمين العام للحزب، ياسر نمر قرنبش، حيث تحيط بمناطق الاستهداف جبال هي معاقل الفرقة الرابعة. تثير حوادث القتل هذه في منطقة محددة، شديدة الحراسة، وتخضع لسلطة الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، الكثير من الشكوك والتكهنات حول علاقة الطيران الإسرائيلي، برجل أعمال نافذ مقرب من النظام السوري، لا سيما وأن غالبية الغارات الإسرائيلية في سوريا اعتادت ضرب أهداف عسكرية، أو استهداف شخصيات عسكرية بارزة جداً، في المشهدين السوري واللبناني. بحسب المعلومات التي نقلتها وكالة “رويترز” عن ثلاثة مصادر أمنية لم تحدد هويتها، فإن محمد براء قاطرجي، قُتل في غارة جوية إسرائيلية قرب الحدود السورية – اللبنانية، وقال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إن “مسيّرة إسرائيلية استهدفت سيارة كان يستقلها براء القاطرجي، في منطقة الصبورة في ريف دمشق، مما أدى إلى مقتله مع شخص آخر كان برفقته، علماً أن منطقة الصبورة هي ذاتها مقر الفرقة الرابعة، وهي واحدة من أكثر المناطق المحصّنة أمنياً في سوريا”.
روايات مُريبة وحوادث “غير مقنعة”
على الرغم من الروايات الرسمية التي تتحدث مرة عن غارة إسرائيلية، وأخرى عن حادث سير غير مُقنع يُقال إنه مدبر، إلا أن الرواية المحلية للشارع السوري، غير مقتنعة بمسببات هذه الحوادث، فبعد مقتل لونا الشبل على سبيل المثال، كان السؤال الأبرز عما إذا كان هذا الحادث يؤدي فعلاً إلى الوفاة، وذلك بعد انتشار صورة السيارة عقب وقوع الحادث. لدى النظام السوري سجل حافل في الاغتيالات، وإعادة هيكلة نفسه عبر التخلص من وجوه قديمة والدفع بوجوه جديدة، بدأ هذا النهج في مرحلة ما قبل اندلاع الثورة السورية، وشهد حينها “انتحار” الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات السورية في لبنان وزير الداخلية السابق غازي كنعان، الذي أطلق النار على نفسه، وبعدها مقتل اللواءين جامع جامع ورستم غزالة في ظروف غريبة. ليس هذا فحسب، عام 2012 كان تفجير “خلية الازمة” علامة فارقة في إعادة هيكلة النظام السوري، حيث قُتل أهم وجوه النظام السوري، بتفجير مكتب الأمن القومي في سوريا، ومنهم صهر الأسد آصف شوكت، ووزير الدفاع داوود راجحة، ورئيس مكتب الأمن القومي السوري في حزب “البعث” هشام اختيار، ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني. خلال سنوات الثورة السورية، لم يقتصر التخلّص من وجوه قديمة، والدفع بأشخاص جدد على الصعيد العسكري، بل الاقتصادي أيضاً، وتجسّد ذلك من خلال إبعاد النظام السوري أبرز وجوه الاقتصاد السوري القُدامى، وتعويم وجوه جديدة لم يكن لها أي سجل سابق في عالم “البزنس” في سوريا، هؤلاء في الغالب لا يملكون ما يديرونه من شركات، بل يمثّلون وجوهاً، وهم وكلاء لأشخاص آخرين داخل القصر الجمهوري. مصادر من دمشق، ومراقبون ونشطاء تحدثوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن امكانية أن يكون “براء قاطرجي قُتل في عملية “تصفية” نفّذتها أذرع داخل النظام نفسه، ضمن عمليات إقصاء الفريق الاقتصادي السوري الحالي. واستندت المصادر إلى توقيت تصفية قاطرجي ومكانها على طريق يعفور – الصبورة، الذي شهد ثلاث عمليات قتل خلال الشهر ذاته، منها مقتل مستشارة رئيس النظام السوري لونا الشبل، التي أعلن النظام وفاتها جراء حادث سير على الطريق المذكور، تلاها مقتل مرافق زعيم “حزب الله” اللبناني ياسر قرنبش ومرافقه حسين ويزاني في التاسع من تموز الجاري، وأخيراً عملية اغتيال براء قاطرجي. اغتيال الشخصيات المرتبطة بالفريق الاقتصادي الحالي، تزامن مع عمليات الإقصاء التي تجريها لجان القصر الجمهوري في الفترة الحالية، بدءاً من رجل الأعمال خضر طاهر المعروف باسم أبو علي خضر، الموضوع تحت الإقامة الجبرية، وإقصاء يسار إبراهيم الذراع اليمنى لأسماء الأسد، الذي غاب عن المشهد الاقتصادي تماماً، وسط أنباء عن تعرضه إلى محاولة قتل أيضاً.
تصفية اقتصادية؟
وُجهت الاتهامات إلى ماهر الأسد في تنفيذ عمليات التصفية والإقصاء للفريق الاقتصادي الحالي، واعتقال عدد من رجال الأعمال المرتبطين بالفريق ذاته، كون رجال الأعمال والواجهات الاقتصادية المرتبطة بـماهر الأسد، بدأت بالتمهيد لإعادة ظهورها في إدارة المشهد الاقتصادي السوري، خلال الفترة المقبلة.
من بين الأشخاص الذين كان لهم حضور في إعادة تموضع المشهد الاقتصادي، عائلة قاطرجي، وتحديداً محمد براء قاطرجي، الذي قُتل بحسب وسائل إعلام النظام وحاشيته من إعلاميين ومتنفذين بغارة إسرائيلية يوم أمس، مع شخص آخر. هذه العائلة ظهرت فجأة في مدينة حلب، وبدأت تشتري أصولاً وشركات، وتدخل عالم “البزنس” من أبوابه الواسعة، حتى أصبحت من حيتان الاقتصاد السوري. اليوم باتت عائلة قاطرجي الأكثر نفوذاً في سوريا؛ بعد إبعاد رامي مخلوف عن المشهد، لكثرة الشركات والأصول التي تمتلكها، وحساسية القطاعات التي تعمل فيها، وبرز اسم عائلة قاطرجي للمرة الأولى في عالم الاقتصاد، عندما سيطر تنظيم “داعش” على حقول النفط في شرق سوريا، فأصبحت هذه المجموعة مسؤولة عن تنظيم صفقات بين النظام السوري و”داعش”، لنقل النفط من شرق سوريا إلى دمشق ومناطق أخرى. “الصفقات” السابقة دفعت وزارة الخزانة الأميركية لإدراج محمد براء قاطرجي على لائحة العقوبات الأميركية في عام 2018، حيث قالت (الخزانة الأميركية) إنه لعب دور الوسيط بين النظام السوري وتنظيم “داعش” في عقد صفقات النفط، وإن شركاته النفطية نقلت شحنات نفط بين الطرفين، وزوّدت النظام السوري بالوقود اللازم لتحريك الآلة العسكرية، كما أن شركته النفطية المرخصة في السجلات السورية، عملت على نقل شحنات نفطية بين الطرفين، بالإضافة إلى تزويدها النظام بالفيول وشحنات الأسلحة. يشغل براء قاطرجي منصب رئيس مجلس شركة “مجموعة قاطرجي القابضة”، وساهم في تأسيس “شركة قاطرجي” للصناعات الهندسية الميكانيكية المغفلة المساهمة الخاصة وشركة “أرفادا” البترولية، بالإضافة إلى شركات أخرى. ودخل براء القاطرجي في مجالات السياحة والإعمار، عبر شركات تم تأسيسها وتسجيلها بأسماء نجله وأبناء أشقائه، الشركاء في إدارة الإمبراطورية المالية للعائلة، وعلى رأسها شركة “آرمان للإدارة الفندقية والسياحة” التي تم تسجيلها باسم نجله أحمد بشير، وشركة “آآ سوريا للأبراج” التي سُجّلت باسم ابن شقيقه أحمد محمد قاطرجي وشريكين آخرين من العائلة.
وينحدر قاطرجي من مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، من مواليد عام 1976، وهو أيضاً عضو في اللجنة الدستورية وممثل وفد النظام السوري، وبما أن رأس المال السياسي في سوريا يحتاج إلى ولاءات عسكرية، فإن عائلة قاطرجي أسّست ميليشيا عسكرية عُرفت باسم “مجموعة القاطرجي” أو “ميليشيا القاطرجي” وتُعد مدينة حلب مركز عملياتها، حيث ساهمت مع ميليشيات أخرى متعدّدة الجنسيات في حصار مدينة حلب عام 2016، حتى استسلام فصائل المعارضة السورية وخروجها من المدينة. ونشر موقع “تلفزيون سوريا” وثائق حكومية إيرانية مسربة، تؤكد علاقة شركة “القاطرجي” مع الذراع الاقتصادية والهندسية للحرس الثوري الإيراني. وتشرح الوثائق تفاصيل المراسلات السابقة مع عدد كبير من الشركات الإيرانية العاملة في سوريا، بشأن انعقاد الاجتماع الخامس عشر للجنة العليا المشتركة للتعاون الاقتصادي بين إيران وسوريا، وتؤكّد أنه تمت الموافقة على إبرام عقد بين شركة “آذر آب” الإيرانية الخاضعة للعقوبات الأميركية، مع شركة “مصفاة حمص” وشركة “BS” التابعة لمجموعة قاطرجي، لحفظ جميع الأعمال والإجراءات والتجهيزات، وعقد آخر بين الشركة الإيرانية المذكورة، وشركة ” BS” للمساعدة في حل “مشاكل أخرى” من دون تحديدها.
قاطرجي – إيران: تعاون نفطي
ونقل الموقع معلومات حصل عليها من مصادر خاصة، أن “مجموعة قاطرجي” نجحت في تشبيك علاقاتها الاقتصادية بعقود اقتصادية تدر مليارات الدولارات، مع كبرى الشركات الإيرانية العاملة في سوريا، والذراع الهندسية للحرس الثوري الإيراني المعروفة بشركة “خاتم الأنبياء”، التي وضعت يدها على البلوك النفطي 21 الذي تبلغ مساحته 3200 كيلومتر في حمص، بموجب قرار صادقه مجلس الشعب وأصدره بشار الأسد، كقانون رقم واحد لعام 2020، بناء على اتفاقية عام 2015 للتعاون الاقتصادي الشامل الموقعة مع إيران، فيما يتوقع الإيرانيون من خلال استثمارهم في هذا البلوك لمدة ثلاثين عاماً، أن يستعيدوا قرابة 3.4 مليار دولار من ديونهم على النظام السوري. وذكر الموقع أن المعلومات التي حصل عليها، تُفيد بأن لعائلة قاطرجي جزءاً مهماً من الاستثمارات الاقتصادية في هذا البلوك الكبير، كما أن وقوع البلوك في قلب البادية السورية الواسعة وغير الآمنة، اضطر الإيرانيين إلى الاستعانة بخبرات قوات قاطرجي الأمنية لتأمين الحماية، حيث تم نشر أكثر من ثلاثة آلاف عنصر أمني، وبناء عشرات أبراج المراقبة حول الموقع. وبحسب الموقع فإن شركة “أرفادا” المملوكة لشركة قاطرجي، بدأت الاستثمار في الحقل النفطي بعد ثلاثة أشهر فقط من إبرام الاتفاق، على الرغم من أن الاتفاق ينص على مرور قرابة خمس سنوات للنشاطات الاستكشافية الكاملة، ثم بدء عمليات الإنتاج في البلوك 21 في حمص من قبل الشركة الهندسية الإيرانية “بترو تدبير”، التي تولت خدمات الدراسات الهندسية ومراقبة عمليات الاستكشاف والتطوير والإنتاج في البلوك 21. ونقل الموقع عن مصدره أن قاطرجي كان يلعب دوراً حاسماً في نقل النفط السوري والإيراني، حيث كان يقوم بتصفيته وبيعه في الأسواق، ويقوم بدفع جزء من العوائد ل”حزب الله” لتسديد رواتبه ومصاريفه، فيما قال موقع “سوريا بالفارسي” إن قاطرجي كان مسؤولاً عن تمويل “حركات المقاومة” في سوريا ودعمها، وعلى تنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، وتعاون مع أحد المستشارين الإيرانيين الذين قُتلوا في سوريا قبل عدة أشهر، مرجحاً أن يكون هذا المستشار الإيراني هو العميد في “فيلق القدس” سيد رضي موسوي الذي اغتالته إسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر 2023 في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق.