إنقاذ المسيحيين لإنقاذ الإسلام
محمد جاسم الصقر/النهار
15 آب 2014/
ليس ما يحدث في حق اقليات العراق وخصوصا المسيحيين جزءا من حروب عبثية أهلية واقليمية، إنه كارثة بالمعنى السياسي والاجتماعي والأخلاقي.
جرت في المنطقة حروب وفظاعات، ومر العراق بأوضاع عانينا نحن منها في الكويت الأمرين على يد الاستبداد وزمزه صدّام. لكن الفظاعات التي يرتكبها تنظيم “داعش” البربري الذي يدعي الاسلام فاقت كل التصورات.غير مقبول على الاطلاق أن يقتلع شعب كامل من أرضه بسبب انتمائه الديني. وما يتعرض له مسيحيو العراق هو اقتلاع وليس تهجيرا قابلا للمعالجات. هو إنهاء وجود مئات آلاف الناس الأصليين الذين استوطنوا هذه الأرض قبل الإسلام وانتهوا الى العيش معه في سلام ووفاق.
يجري اليوم امام اعيننا القضاء على جزء من أهل منطقتنا ليس بسبب الانتماء الديني فحسب، بل بسبب همجية الذين يذبحون باسم الاسلام ويدَّعون اقامة “خلافة” ويدمرون الآثار والمخطوطات والمزارات وآخر مظاهر الحضارة في أجزاء واسعة من العراق. نرفع الصوت شجبا واستنكارا لعلمنا ان ما يحصل ضد المسيحيين هو افراغ للمنطقة من تنوعها. فالسنة والشيعة مهما تقاتلوا وتبادلوا المجازر والقساوات هما اكثريتان باقيتان في المنطقة ومصيرهما العودة الى الاتفاق والتفاهم ونبذ الفتنة والفرقة كما حصل دائما منذ الفتنة الكبرى.
أما المسيحيون، فمعظمهم مغادر الى غير رجعة. راجِعوا تاريخ منطقتنا كلها لتتيقنوا كيف تناقصت أعدادهم على مدى القرون الماضية سواء بفعل الاضطهاد السلطاني أو القومي العروبي الاستبدادي أو الديني الاسلامي المتطرف.
كارثة اقتلاع المسيحيين من العراق وسوريا، ومن المنطقة كلها على وجه العموم، نتحملها كلنا وليس فقط أوباش “القاعدة” و”داعش”. نتحملها بفشل علمائنا ومرجعياتنا في نشر ثقافة الوسطية والاعتدال.
نتحملها في “كسل العلماء” ورجال الدين عن القيام بمهماتهم الدعوية الاصلاحية حسبما عبّر غاضبا خادم الحرمين الشريفين قبل أيام.
نتحملها بالسكوت المريب والمصلحي والأناني عن مجازر صغيرة وكبيرة واستهداف للأقليات الدينية أو السياسية تارة بحجة القضية القومية وطورا بذريعة المواءمة السياسية منذ تكونت دولنا الوطنية.
نضم صوتنا الى صوت بطاركة الشرق الذين دعوا المرجعيات الاسلامية الى اصدار فتاوى تحرم الاعتداء على المسيحيين، ونطالب بتحرك دولي بكل الوسائل يمنع جرائم الابادة. لكننا نقول أكثر من ذلك، إن الإجرام الحاصل هو نتيجة تفكك الدول الوطنية. والحل يكمن في اعادة بنائها على قاعدة المواطنة والديموقراطية بلا تمييز عرقي أو ديني. واجبنا الأخلاقي قبل السياسي اليوم ان نتذكر كيف أنقذ الغرب مسلمي البوسنة من أيدي مجرمي بلغراد، فنؤيد أي خطوة عسكرية وسياسية لانقاذ ما تبقى من مسيحيي العراق، ومحاولة ارجاع من يستطيع الى أرضه وارض أجداده وموطنه التاريخي. فهم مثلنا أهل هذه الأرض، لهم ما لنا وعليهم ما علينا. وباعتبارنا أكثرية، علينا حماية الجار لا شفقة ولا منة، بل لأنها واجب انساني ووطني وديني، ووجوده الآمن والحر يعكس صورتنا الحضارية في المرآة.
انتهى زمن مسايرة التطرف. انتهى زمن التبريرات المخزية لارتكابات من يدعون الاسلام وهو منهم براء. هذه ليست معركة انقاذ أهلنا المسيحيين فحسب، إنها معركة انقاذ الاسلام من المجرمين باسم الاسلام.