فيديو مقابلة من تلفزيون الجديد مع الوزير السابق سجعان قزي مهمة جداً وعبارة عن محاضرة وطنية وميثاقية كونها تناولت بصراحة وشفافية كل الملفات الأساسية التي يختلف عليها من هم مع الدولة وسيادتها وثقافتها والهوية اللبنانية والسلام والتعايش والميثاقية ومن هم ضد كل هذه المقومات الأساسية

120

فيديو مقابلة من تلفزيون الجديد مع الوزير السابق سجعان قزي مهمة جداً وعبارة عن محاضرة وطنية وميثاقية كونها تناولت بصراحة وشفافية كل الملفات الأساسية التي يختلف عليها من هم مع الدولة وسيادتها وثقافتها والهوية اللبنانية والسلام والتعايش والميثاقية ومن هم ضد كل هذه المقومات الأساسية.

27 نيسان/2021

في أسفل بعض العناوين التي وردت في مقابلة سجعان قزي اليوم مع تلفزيون الجديد
تلخيص وصياغة الياس بجاني بتصرف وحرية كاملتين
27 نيسان/2021
*هناك انزعاج في الفاتيكان من ما قاله سعد الحريري بعد خروجه من لقاء البابا فرنسيس.
*النظام اللبناني لم يعد بمقدوره تقديم أي شيء لأي شريحة لبنانية.
*الحوار لمراجعة الدستور يتم بين فرقاء متساوين وبغياب أي سلاح غير شرعي وبرعاية دولية وضمانات.
*الصراع في لبنان هو سني-شيعي وليس ماروني- سني.
بيانات رؤساء الوزراء السابقين لا تأتي على ذكر حزب الله وهذا أمر غير مقبول وغير منصف ويصور الواقع على غير ما هو عليه.
*العلاقات السنية- المارونية هي في أفضل أحولها وكل الإشكاليات بين الطائفتين سويت في اتفاق الطائف.
حزب الله هو خارج التوافق على النظام والميثاقية ونرفض ثقافة الحروب المستمرة والدائمة التي يحاول فرضها على اللبنانيين.
*شعارات المقاومة لإسرائيل قد تبدلت وجهتها وامست حجة لبقاء السلاح وهي بهذه الحجة موجودة في اليمن وسوريا والعراق وغيرها من الساحات.
*الأزمة في لبنان هي ليست أزمة نظام وبسبب النظام بل مرتبطة بعدم تنفيذ النظام.
*نحن لا نريد أن نعيش على ثقافة الحرب اللانهائية، واطالب بإجراء استفتاء أو انتخابات على كل الملفات المُختلف عليها والتي تفرّق اللبنانيين وتسقط النظام وتعمم الفوضى.
*نحن مع السلام مع إسرائيل ومع غيرها ولكن طبقاً لمعايير واضحة تخدم لبنان وسيادته وشعبه ووجوده ومصير أهله والتعايش فيه.
*انا لا أحد يخونني، بل أنا من أُخون.
*مسؤولية تشكيل الحكومات تقع على عاتق الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية معاً.
*في لبنان ليس فقط تهريب بل الأخطر هو تهريب المهربين.
نحن نحترم القضاء السعودي ولنا ثقة بأن قضية الملحن سمير صفير سيتم التعامل معها على هذا الأساس.
*كل ما نشر اليوم عن لقاء البطريرك الراعي والرئيس عون هو غير دقيق.
*منذ حوالي الشهر التقيت مسؤول رفيع من حزب الله وكان اللقاء جداً إيجابي وطرحت عليه عدة أسئلة ليطرحها على الحزب وحتى الآن لم ترد الردود.

في أسفل آخر 3 مقالات لسجعان قزي وفيها غالبية المواقف التي طرحها خلالهل مقابلته مع الجديد اليوم

استقالوا من المسؤوليّاتِ وبَقَوا في المناصب
سجعان قزي/افتتاحيّةُ جريدة النهار/22 نيسان 2021
منذ سنةِ 1633 وكاتدرائيّةُ الكبوشيّين في ڤيينا تَضُمُّ أضْرحةَ آل هابسْبورغ أباطرةِ النمسا/هنغاريا. وكانت لجنازاتِـهم طقوسٌ خاصّة: عندَ بلوغِ جُثمان الإمبراطور بابَ الكاتدرائيّةِ الـمُقفَلَ، يَسألُ راهبٌ من الداخل: “مَن الآتي؟” فيُجيبُ ضابطٌ: “أنا الإمبراطورُ الفُلاني…” ويَسرُدُ ألقابَ الإمبراطورِ كاملةً. فيَـرُدّ الراهب: “لا نَعرِفُه، مَن الآتي؟” فيُكرِّرُ الضابطُ الجواب: “أنا الإمبراطور الفلاني…” ويُعدِّدُ الألقابَ مختَصرَةً. فيعودُ الراهبُ ويقول للمرّةِ الثالِثة: “لا نعرِفُه، مَن الآتي؟” حينئذٍ يُعلن الضابط: “أنا الإنسانُ الخاطئُ الحقير”. فيَفتحُ الراهبُ البابَ ويتمُّ إِدخالُ النعش.
لا مكانَ للـــ”أَنا” أمامَ الله ولا أمامَ الشعب. ما قيمةُ أمجادِ المناصبِ تجاه اللهِ خالقِ الكونِ، وإزاءَ الشعبِ اللبنانيِّ مصدرِ السلطات (مبدئيًّا). أخَذوا على رئيسِ الجمهوريّةِ قولَه: “أنا ميشال عون”، وتَناسَوا أنَّ هذه الــ”أنا” تَنتشرُ أيضًا بين أركانِ المنظومةِ السياسيّةِ، القديمةِ والمخَضرَمةِ والمستَحدَثة. لدى الزعماءِ الفاشلين قبل الناجِحين. ولدى الـمُعقَّدين قبل الصفائيّين. لدى الّذين صُنِعوا وَهُمْ لا شيءَ قبلَ الّذين صَنَعوا وَهُمْ شيءٌ ما.
الــ”أَنا” موجودةٌ كذلك بوَفرةٍ في عددٍ من أحزابِنا ومؤسّساتِنا. هي الديكتاتوريّةُ الـمُضْمَرةُ في الديمقراطيةِّ المعلَنةِ. وأصلًا، الديمقراطيّةُ في لبنان فَشِلَت لأنَّ الديمقراطيّةَ عمومًا هي نظامٌ تَسلْسُليٌّ مترابِطٌ يَسقُطُ بكاملِه حين تَنقطعُ حَلْقةٌ من حلَقاتِه. ولأنَّ أحزابَنا انتَقلَت بــــ”أناها” الديكتاتوريّةِ إلى الدولةِ، وحتّى إلى المعارضَة، عَطَّلت ديمقراطيّتَها.
أنّى لدولةٍ أن تكونَ ديمقراطيّةً وأحزابُها ديكتاتوريّة، خصوصًا أنَّ الديكتاتوريّةَ مثلُ الديمقراطيّةِ هما نزعةٌ نفسيّةٌ وثقافيّةٌ قبلَ أن تكونا نِظامًا دستوريًّا. وآخِرُ مثلٍ على ذلك “أَنا” القاضيةِ غادة عون، فـــــ”أناها” ليست “أناها” الشخصيّةَ بقدْرِ ما هي “أنا” بيئتِها السياسيّة.
الشعبُ يَغفِرُ أحيانًا “أنا” الحاكِمِ والزعيمِ والرئيس إذا وفّرَ هؤلاء الأمنَ والحرّياتِ والإنماءَ والاستقرارَ والازدهارَ والبحبوحةَ والنهضةَ الوطنيّةَ والحضاريّة، لكنّه لا يَغفِرُها لهم والانهيارُ يَسري في أرجاءِ المجتمعِ والدولة.
ما كان لعقلٍ أنْ يَتخيّلَ لبنانَ يَبلُغُ يومًا ما بَلغهُ اليوم. لم يَعرِف اللبنانيّون عبرَ تاريخِهم ذُلَّا شبيهًا بالذُّلِ الذي يَعيشونه هذه الفترة. ويُوائِمُ الذُلَّ قَهرٌ حين يَتبيّنُ أنَّ إذلالَ اللبنانيّين فعلٌ متعمَّدٌ، يَرتكِبُه مُقترِفوه عن سابقِ تصوّرٍ وتصميم. وتَنضمُّ إلى الذُلِّ والقَهرِ نقمةٌ حين نُدركُ أنَّ الحلولَ موجودةٌ وممكِنةٌ لجميعِ المشاكل. لكنَّ السلطةَ تنأى عنها بحكمِ تحالفاتِـها الخطيرةِ، واستثمارِها هذه المشاكلَ في طموحاتٍ تَبدأ بانتخاباتِ رئاسةِ الجُمهوريّةِ المقبلةِ ولا تَنتهي بتغييرِ هوّيةِ الجُمهورية… هذه جريمةٌ. ولــمّا تَطالُ الجريمةُ مجموعةً تُسَمّى مَجزرةً، ولــمّا تَطالُ المجزرةُ شعبًا بكاملِه تُدعى جريمةً ضِدَّ الإنسانيّة.
ماذا فَعلَت هذه المنظومةُ السياسيّةُ بهذا الشعبِ العظيم؟ بمجدِه وكرامتِه والعنفوان؟ ماذا اقترفَت بحقِّ تاريخِه وكفاحِه وتضحياتِه؟ حوّلت أعراسَه مآتمَ وعيونَه ينابيعَ دموعِ، وهي تَبتسمُ ولا تُبالي. تَستقيلُ من مسؤوليّاتِـها وتَبقى في مناصبِها. صارت هذه المنظومةُ قارئةَ صفحةِ وَفَيات. مُذْ متى يَتسكّعُ اللبنانيّون ويَتسوّلون؟ مُذ متى كانوا شعبَ إعاشةٍ وإغاثة؟ دولةٌ تُرسِل مساعداتٍ ماليّةً لرفعِ أجورِ العسكريّين وأُخرى قَمحًا وألبانًا وموادَّ طبّية. دولةٌ تُهدي مُستلزماتِ إيواءٍ وأحْرمةً وأخرى أرُزًّا وقَمحًا وحليبًا. دولةٌ تَبعثُ طحينًا ودقيقًا وأُخرى ثيابًا وعقاقير. الميْسورون يُقدِّمون وجَباتٍ غذائيّةً لعائلاتٍ والجمعياتُ الخيريّةُ توزِّعُ إعانات. وبنغلاديش، الدولةُ الفقيرة، تبرَّعت بمساعداتٍ طبيّةٍ وغذائيّة.
لا هذا هو لبنان، ولا هؤلاءِ هُمُ اللبنانيّون، ولا هذه هي دولةُ لبنان. لا يَحتمِلُ لبنانُ هذه السلطةَ المحاذيةَ الفراغِ، ولا هذه الطوائفَ المتعدِّدةَ الولاءات. ولا أدري متى سيَنتفِضُ الشعبُ ويَصرخُ فيهم: وطني وطنُ المحبّةِ يُدعى وأنتم جَعلتُموه وطنَ الأحقاد. وطني وطنُ السلامِ يُدعى وأنتم جعلتُموه وطنَ الحروبِ والفتنِ والاغتيالات. وطني وطنُ الحضارةِ يُدعى وأنتم جعلتُموه وطنَ الانحطاط. وطني وطنُ الانفتاحِ يُدعى وأنتم جعلتُموه وطنَ الانعزال.
لا بُدَّ أن يَنتفِضَ الشعبُ ويَصرُخَ: أَوْقفوا خِداعَ الناسِ وتمويهَ الحقائق. أَوْقفوا غَسْلَ الأيادي والتَنصُّلَ من المسؤولية. أَوْقِفوا تغييرَ النظامِ الليبراليِّ والـمَصرِفي. أَوْقِفوا محاولاتِ إحياءِ الحكومةِ المستقيلة، أَوْقفوا التمادي في المماطَلة. أوْقِفوا إسقاطَ السلطةِ القضائيّةِ. أوْقِفوا الانتحارَ الجَماعيَّ. فلعَمْري ما رأيتُ دولةً تغتالُ نفسَها بعدما اغتالَت شعبَها.
لا فقدانُ السيادةِ هَزَّ هذه المنظومَة ولا فقدانُ الكرامةِ هالَها. لا الاعتداءُ على الدستورِ أزعَجها ولا الأزمةُ السياسيّةُ رَدَعتْها. لا انهيارُ الاقتصادِ أَقلَقها ولا الوباءُ الجارفُ أخافَها. لا تفجيرُ المرفأِ أرْعبَها ولا عويلُ الأمّهاتِ رَقَّقَ قلبَها. حبّذا لو يَستمعُ الحاكمون إلى صوتِ الشعبِ مثلما كان يَستمعُ الفلاسفةُ الإغريقُ إلى أسئلةِ التلامذة. لقد اختَنقَ الشعبُ من الجمود. قَدِّموا له شيئًا من أشياءَ، وحلًّا من حلولٍ، وتسويةً من تسوياتٍ، وحقيقةً من حقائق. قَدِّموا له لُقمةً من رغيفٍ، وشُعاعًا من نورٍ، وحبّةً من عنقود. دولُ العالم أحْسَنت إليه وأنتم إليه تُسيئون. استخفافُكم بالشعبِ مرفوضٌ، وسيؤدّي بكم إلى داهيةٍ جديدة.
إنَّ الخطرَ الحقيقيَّ الذي يواجِه لبنانَ ليس الانزلاقُ في المحورِ السوريِّ ـــ الإيرانيّ فقط، بل الانزلاقُ في محورِ الانحطاط. فبقدْرِ ما يجب أن نَبقى على الحِيادِ الإيجابيِّ تجاه المحاورِ الإقليميّةِ يجب أن نَنحازَ إلى محورِ الحضارةِ والنهضةِ والرقيِّ من دونِ اعتدال. الحيادُ لا يَشمُل الحضارة.
مع تغييبِ الدولة، قسريًّا أو طوعيًّا، تُحتِّمُ مصلحةُ لبنان أن تقومَ هيئةٌ وطنيّةٌ تؤمِنُ بسيادةِ لبنان ووِحدتِه وبكيانِه وشراكتِه الوطنيّةِ، فتتولّى مسؤوليّةَ طرحِ إنقاذِ لبنان على المجتمعِ الدوليِّ بجديّةٍ قبلَ فواتِ الأوان. طريقُ الإنقاذِ صار معروفًا: مؤتمرٌ دوليٌّ وحياد؛ ويَحتاجان إلى حركةٍ تواكبُ الكلمةَ لئلّا تأتيَ الرمالُ وتَجرُفَ الكلام.
في جميعِ الأحوال، نُطَمْئِنُ من يُهِمُّهم الأمرَ بأنّنا لن نَكفُرَ بلبنان. سيَقوى إيمانُنا به، ستَشْتدُّ عزيمتُنا على البقاءِ والصمودِ. وستَصْلُبُ إرادتُنا على التصديِّ لمشروعِ هدمِ لبنان. فلا يُراهِنَّنَ أحدٌ على سكونِ المسالـِمين، إنَّ في قلوبِهم شُعلةَ النضالِ ورَدَّةَ العنفوان. المسالـِمون هم الشعب، والشعبُ دائمًا يَنتصر.

وحِّدوا لبنانَ قبلَ اتّحادِ المشرِق
سجعان قزي/افتتاحيّةُ جريدة النهار/15 نيسان 2021
أخْبرَتْنا دوائرُ القصرِ الجُمهوريِّ أنَّ الرئيسَ ميشال عون يُخطِّطُ لإقامةِ اتّحادٍ مشرِقيٍّ اقتصاديّ. أنّى له ذلك والمشرِقُ مُشتّتٌ ولبنانُ مُبعثَر؟ كلُّ ما بدأَ بالاتّحادِ الاقتصاديِّ انتهى بالوِحدةِ السياسيّة. ضمُّ ألمانيا النازيّة النمسا سنةَ 1939 بدأ بإلغاء الرسمِ السياحيِّ الذي كان هِتلر فَرضَه على النمساويّين، ونشوءُ الاتّحاد الأوروبيّ الحالي بدأ باتّفاقٍ حولَ الفولاذِ والحديدِ سنةَ 1954. نحن ضِدَّ أيِّ وِحدة.
فلْنوحِّدْ لبنانَ أوّلًا، أو لنُنشِئْ، على الأقلّ، اتّحادًا بين دويلاتِه. لو أرَدنا تحقيقَ مشاريعَ اتحاديّةٍ أو وِحدويّة، لفَعلْناه من البابِ العريضِ مع الشريفِ الحسين ونجلِه الملك فيصل قبلَ إنشاءِ “لبنانَ الكبير”، ومع أنطون سعادة وميشال عفلق قبلَ الاستقلالِ، ومع عبد الناصر قبل ثورةِ 1958، ومع حافظ الأسد بعدَ حربِ السنتين. لو أردنا تحقيقَ تلك المشاريعِ لفَعلناه قبلَ سقوطِ ألوفِ الشهداءِ من أحزابِنا ومقاومتِنا ومجتمعِنا دفاعًا عن لبنان ضدَّ جميعِ أنواعِ الاتّحادات، وقبلَ استشهادِ مئاتِ الضبّاطِ والجنودِ من الجيشِ اللبنانيّ في 13 تشرين الأول 1990.
صحيحٌ أنَّ هذا المشرِقَ مشرِقُنا بتاريخِه الآراميِّ والكنعانيِّ والفينيقيِّ والسِريانيِّ والعربيِّ، لكنْ أين تاريخُ المشرِق العظيمِ من حاضرِه الشقيّ. وفي المطلَق، يَجدُر بنا الانفتاحُ على أفكارِ الاتّحاداتِ الاقتصاديّة، والعالم صار في زمنِ العولمة. لكنَّ الشرقَ الأوسطَ لا يزال في زمنِ القبائلِ والمذاهبِ والإتنيّاتِ والاستبدادِ والحروبِ والفتنِ والمجازرِ والاجتياحاتِ والظلاميِّة، ويَحتاج عقودًا ليَستعيدَ وعيَه ويَرِجعَ قادرًا على إنشاءِ اتّحاداتٍ حضاريّة وسلميّة. لذا، لا حديثَ عن أيِّ اتّحادٍ قبلَ أن يُصبحَ المشرقُ ديمقراطيًّا ومدنيًّا وعَلمانيًّا، وقبلَ أنْ تَستقِرَّ أنظمتُه وتَلتزمَ عدمَ تدخّلِ البعض في شؤونِ البعضِ الآخَر. وأساسًا إنَّ ميثاقَ جامعةِ الدولِ العربيّةِ يَتضمّنُ ما يَكفي من نصوصٍ لتطويرِ التعاونِ في إطارٍ عربيٍّ جامِعٍ بعيدًا عن التجزئةِ الجغرافيّة، خصوصًا أنْ ليس كلُّ قريبٍ بقريب ولا كلُّ بعيدٍ ببعيد.
أيُّ دولةٍ عربيّةٍ مشرقيّةٍ قائمةٌ ومستقرّةٌ وموحَّدةٌ حتى نُنشِئَ معها اتّحادًا اقتصاديًّا؟ أين اقتصادُ دولِ المشرِق وتجارتُها؟ أين إنماؤها ومصارِفُها؟ أين صناعاتُها وطاقاتُها؟ أيُّ دولةٍ مشرِقيّةٍ تَتمتّعُ بنظامٍ اقتصاديٍّ يَتناغمُ مع نظامِ لبنان حتّى نُقيمَ معها اتّحادًا على غرارِ اتّحادِ مجلسِ التعاونِ الخليجي؟ وأين تَقِفُ حدودُ الاتّحادِ المشرقيّ؟ أتَقتصرُ على المشرِقِ العربيِّ أم تَشْطحُ حتّى بلادِ فارس؟ وما هي الأسبابُ الموجِبةُ لمثلِ هذا الاتّحاد، ولبنانُ يُصارِعُ من أجلِ تثبيتِ كيانِه تجاهَ أطماعِ المشرِق؟ وأيُّ دولةٍ مشرِقيّةٍ تكتفي باتّحادٍ اقتصاديٍّ فلا تُحوّلُه مشروعَ هيمنةٍ على لبنان وتذويبٍ تدريجيٍّ لكيانِه؟ التاريخ المعاصرُ شاهدٌ على ذلك. هل مثلُ هذا الاتّحادِ المشرقيِّ يَدُرُّ علينا ملياراتِ الدولارات ويُنقِذُ الاقتصادَ اللبنانيَّ ويُوقفُ الانهيارَ ويُثبِّتُ الحدودَ اللبنانيّةَ/السوريّة؟ طبعًا، لا شيءَ من هذا كلِّه. لذا، لا يَحِقُّ، بالتالي، لأيِّ سلطةٍ شرعيّةٍ أن تُقرِّرَ هذا المشروعَ لأنّه يَنقُضُ استقلالَ كيانِ لبنان ووجودَه المميّزَ، وقد ناضلْنا عصورًا لبلوغه.
تساؤلاتٌ عِدّة يُثيرها اقتراحُ إنشاءِ اتّحادٍ مشرقيٍّ فيما الشعبُ اللبناني يَبحثُ اليومَ عن نصفِ رغيفٍ، والمشرِقُ مسرحُ صراعٍ دمويٍّ بين مشروعَي الهِلالين السُنيِّ والشيعيٍّ ومشروع ِالأقليّات والأكثريّات. وما نخشاه أن يَستُرَ هذا المشروعُ الاتحاديُّ الأهدافَ والغايات التالية:
خلقُ مشرِقٍ لبنانيٍّ/عربيٍّ/إيرانيٍّ يُعزّزُ من جِهةٍ التمدُّدَ الإيرانيَّ في الشرقِ الأوسط العربيّ، ويُحيي من جهةٍ أخرى مشروعَ تحالفِ الأقليّات. وفي هذا الإطارِ لا يجبُ أنْ يسهوَ عن البالِ أنَ مشروعَ الأقليّات، في أساسِه وغائيّتِه، يَشمُل اليهودَ العرب، وقد أصبحوا إسرائيليّين، ولا يقتصر على الأقليّاتِ العربيّةِ المسيحيّةِ والإسلاميّةِ كالدروز والعلويين والشيعة والأكراد، إلخ…
تكوينُ هذا الإتحادِ، الاقتصاديِّ العنوان، يَجعلُ لبنان جُزءًا من “جَبهةِ الممانعةِ” السياسيّةِ والعسكريّةِ التي تقودُها إيران. لكن لبنانَ الذي ظلَّ خارجَ جَبهةِ الممانعةِ حين كانت عربيّةً لن يَنضمَّ إليها وقد أصبحت إيرانية. ولبنانُ الذي بقي بمنأى عن هذه الجبهةِ حين كان الصراعُ العربيُّ/الإسرائيليُّ لا يزال في عزِّ عسكرتِه في العقودِ الماضية، لن يَلتحقَ اليومَ بها، والعرب يُوقِّعون اتّفاقات سلامٍ مع إسرائيل.
إنشاءُ اتّحادٍ اقتصاديٍّ في الظاهرِ وسياسيٍّ في البُعد قد يؤدّي أيضًا إلى تغطيةِ انعطافِ النظامِ السوريِّ نحو إجراءِ صلحٍ مع إسرائيل في إطارِ تسويةِ الحرب السورية. وهذا يُعيدنا إلى سياسةِ “وِحدة المسارِ والمصير” التي كانت مُتَّبَعةً بين 1990 و2005 ويؤمّنُ كذلك غطاءً سوريًّا لاتّفاقِ سلامٍ لبنانيٍّ/سوريٍّ مع إسرائيل.
السيرُ في هذه النزعةِ المشرقيّةِ في الظرفِ الحاليِّ هو تنفيذٌ صريحٌ لدعوةِ السيّد حسن نصرالله إلى الاتّجاه شرقًا عوضَ بقاءِ لبنان منفتحًا على جميعِ دولِ العالم وملتزِمًا سياسةَ الحيادِ ومتعاونًا بخاصّةٍ مع الدولِ التي تتماهى مع لبنان نظامًا حرًّا وحضارةً وثقافةً وديمقراطيّةً واقتصادًا متقدِّمًا.
التحاقُ لبنان باتّحادٍ مشرقيٍّ، مناهِضٍ بسياستِه غالِبيّةَ الدولِ العربيّة، سيَخلُق شرْخًا بين دولِ المشرِقِ، واستطرادًا لبنان، وبين سائر العرب، ولاسيّما دولُ الخليجِ ومِصر والمغرب.
واضحٌ أنَّ مشروعَ اتحادٍ مشرقيٍ في ظلِّ التمدُّدِ الإيرانيِّ هو نقيضُ الفكرِ المشرِقيِّ التاريخيِّ. وإذا كان هدفُه حمايةَ الأقليّات من اضْطهادِ الأكثرية، فالأكثريّةُ مُضطَهدةٌ أيضًا. في ما مضى، ارتَبطَت فكرةُ الأقليّاتِ عمومًا، وفي الشرقِ خصوصًا، بالجماعاتِ المضطَّهدةِ والباحثةِ عن الأمنِ والحرية، لكنَّ عددًا من الأقلياتِ في الشرقِ صار قاهرًا لا مقهورًا: من الشيعةِ في إيران مرورًا بالعلويّين في سوريا وصولًا إلى اليهودِ في فِلسطين وإسرائيل.
منذ نشوءِ لبنان اختار اللبنانيّون التضامنَ مع المقهورين والمضْطهَدين والمظلومين بمنأى عن انتمائِهم إلى الأكثريّةِ والأقليات. وأصلًا، هذا هو مفهومُ الكيانِ اللبنانيِّ وهذه هي الهوِّيةُ اللبنانية. وفيما نرفض اتّحادًا مشرِقيًّا يَنقُضُ الكيانَ اللبنانيَّ، نرفض أيضًا أنْ تذهبَ الهوّيةُ اللبنانيّة “فرْقَ عُملةٍ” في الصراعِ بين عروبةِ لبنان وفارسيّةِ لبنان. ليس المطلوبُ تثبيتَ عروبةِ لبنان ضِدّ الفارسيّة، بل تَثبيتُ لبنانيّةِ لبنان ووِحدتِه ليكونَ، في آنٍ معًا، شقيقَ العروبةِ وصديقَ الفارسيّة.

حـكـومةٌ تأسيسيّة
سجعان قزي/افتتاحيّةُ جريدة النهار/ 08 نيسان 2021
تسييس الحكومة يَعني سيطرةَ حزبِ الله وحلفائِه عليها والتحكُّمَ فيها باستحقاقَيْ الانتخاباتِ النيابيّةِ إجراءً أو إرجاءً، ورئاسةِ الجُمهوريّة انتخابًا أو شغورًا
التأخّرُ في التأليفِ أَبْعدَ الحكومةَ العتيدةَ من مَهمّتِها الأساسيّةِ وهي إجراءُ الإصلاحات، وقَرّبَها من مَهمّةٍ أخرى هي مواكبةُ الاستحقاقِ الرئاسي. وبالتالي، التأخّرُ أضْعفَ فرصَ تشكيلِها من اختصاصيّين مستقلّين، وضاعفَ احتمالَ تَسْييسها.
الشعبُ اللبناني يريدُ حكومةَ إصلاحاتٍ، وحزب الله يُريدها حكومةَ مواجهةِ العقوبات المفروضةِ عليه
وتَحفَظ قوَّتَه.
تأليفُ الحكومةِ في هذا الظرفِ يوازي، بالنسبةِ لحزبِ الله، أهميّةَ انتخاباتِ الرئاسةِ، إذ يُريد تجديدَ عهدِه، برئيسٍ جديدٍ، يَضمَنُ بقاءَ لبنانَ في المحورِ الإيرانيِّ/السوريّ
جميعُ الشروطِ الداخليّةِ، التي تُعيق تشكيلَ الحكومة، ليست سوى “قائمةٍ بأعمالِ” الموقفِ الإيرانيّ، الـمُمثَّلِ بحزبِ الله، والقاضي باستخدامِ لبنانَ ورقةَ مواجَهةٍ ـــ لا تفاوُضٍ فقط ــــ في وجهِ الولاياتِ المتّحدةِ الأميركيّةِ وأوروبا، وربما روسيا لاحقًا.
نَجحَت إيرانُ في الرهانِ على حزبِ الله، وهو نَجحَ في مَهمّتِه. وها إيران وحزبُ الله يحوّلان لبنانَ ورَقةَ مفاوضةٍ على العقوباتِ الأميركيّةِ والأوروبيّةِ المفروضةِ عليهما، وساحةَ مواجهةٍ في مفاوضاتِ الـمَلفِّاتِ العالِقةِ بين إيران وأميركا.
*****
تسييسُ الحكومةِ يَتِمُّ باختيارِ اختصاصيّين مُحازبين أو تعيينِ سياسيّين. في موازينِ القِوى الحاليّ، التسييسُ يَعني سيطرةَ حزبِ الله وحلفائِه على الحكومةِ والتحكُّمَ، استطرادًا، باستحقاقَيْ الانتخاباتِ النيابيّةِ إجراءً أو إرجاءً، ورئاسةِ الجُمهوريّة انتخابًا أو شغورًا. لكنَّ الخروجَ عن مبدأِ حكومةِ الاختصاصيّين يَجعلُ الحكومةَ المقبِلةَ بحُكمِ “الـمُـلْغاة”(nulle et non avenue) ، إذ يُبقيها خارجَ رعايةِ المجتمعَين العربيِّ والدوليِّ، ويَستمرُّ حظرُ المساعداتِ، ويكونُ التأليفُ فِعلًا دستوريًّا تقنيًّا لا فعلًا إصلاحيًّا يؤثِّرُ على حياةِ الناس. المجتمعُ الدوليُّ والمؤسّساتُ النقديّةُ والدولُ المانحةُ تريد حكومةً للشعبِ اللبنانيِّ لا للطبقةِ السياسية.
اللافتُ أنَّ جميعَ القِوى السياسيّةِ في البلاد تتصرَّفُ كأنَ الانتخاباتِ النيابيّةَ والرئاسيّةَ غيرُ حاصلةٍ، والمجلسَ النيابيَّ الحاليَّ باقٍ بأكثريّتِه “الثماني آذارية”، والحكومةَ العتيدةَ أو الحاليّةَ المستقيلةَ ستقوم مقامَ الشرعيّةِ بعد انتهاءِ ولايةِ الرئيس ميشال عون.
في حالِ تَشكّلت حكومةٌ جديدةٌ، تعيشُ البلادُ حالةَ شغورٍ رئاسيٍّ كَتِلك التي عَرَفتْها إثرَ انتهاءِ ولايةِ الرئيس ميشال سليمان. وفي حالِ بَقيَت حكومةُ تصريفِ الأعمال، تَسرحُ البلادُ في حالةِ فراغٍ دُستوريٍّ ـــ بل فراغٍ كاملٍ ـــ كتلك التي شَهِدَتها بعد انتهاءِ نظامِ المتصرفيّةِ ونشوءِ دولةِ لبنانَ الكبير. “واللبيبُ من الإشارةِ يَفهم”…
فيما انتَقلْنا إلى المئويّةِ الثانيةِ من لبنانَ الكبير، هناك مَن يسعى إلى تأسيسِ مئويّةٍ أولى “للبنانَ ما”. هناك مَن يُريد إعادةَ تأسيسِ لبنان ــــ أو لبنانات ـــ من خلالِ السيطرةِ على الشرعيّةِ، أو من خلالِ السيطرةِ على الفراغ. حين يُصبح لبنانُ دولةً فاقِدةَ الشرعيّة، لا تَتعزّزُ ذرائعُ عَقْدِ مؤتمرٍ تأسيسيٍّ يُعدِّلُ الدستورَ فقط، بل يتحوّلُ لبنانُ “مُشاعًا” جُغرافيًّا/عَقاريًّا تُمرَّرُ على حسابِه القضايا التالية: حلُّ مسألةِ فِلسطينيّي الشَتات، تسويةُ الحربِ السوريّةِ بدمجِ نحوِ مليونِ نازحٍ سوريٍّ في مجتمعِه، تعديلُ واقعِ الصراع السُنيِّ/الشيعيّ، حَسْمُ مشروعِ خِيارِ الأقليّات.
في هذا الإطار، لبنان معنيٌّ مباشرةً بتطوّراتِ الوضعِ الأردنيّ، فمنذُ سبعيناتِ القرنِ الماضي، لبنانُ والأردن هما الدولتان الأكثرُ عُرضةً لتَتِمَّ تسويةُ القضيّةِ الفِلسطينيّةِ على حساب ِكيانيْهِما ونظاميْهِما، فكيف الحالُ اليومَ، وقد أصبحَ الشرقُ الأوسطُ يَعُجُّ بمجموعةِ قضايا يُبحثُ لكلِّ منها عن تسويةٍ على حسابِ الآخَرين.
منذُ “اتّفاقِ القاهرة” في لبنان سنةَ 1969 و”أيلول الأسود” في الأردن سنةَ 1970، والرهانُ يدورُ حولَ مَن يَدفعُ ثمنَ الدولةِ الفِلسطينيّة البديلة: أشعبُ لبنان أم عرشُ الأردن؟ مِن جديد، التاريخُ يَطرُقُ أبوابَنا.
لذلك، يَجدُر بلبنان أن يَتحصّنَ فورًا بحكومةٍ جديدةٍ بعيدةٍ عن صراعِ القِوى السياسيّة. والغريبُ هذا الفارقُ الكبيرُ بين مطالبِ قياداتِ الطوائفِ ومطالبِ المواطنين اللبنانيّين. القياداتُ تَرمي بنفسِها في لُعبةِ الأمم وتَبحثُ عن صلاحيّاتٍ وحقوقٍ وحِصَصٍ، والمواطنون يَنْشُدُون الأمنَ والحرّيةَ والاستقرارَ والسلامَ والعملَ والضماناتِ الاجتماعيّةَ والعدالة.
غيرُ صحيحٍ الادِّعاءُ بأنَّ حزبَ الله يُعرقِلُ تأليفَ حكومةٍ جديدة. فهو، قبلَ سواه، يَتلهَّفُ إلى ولادتِها. لكنّه يُريدها حكومةً مِطواعةً يَستعملُها واقيًا شرعيًّا وتنفيذيًّا لغدْراتِ الزمان وشيخوخةِ العهد… لا يُعطِّلُ حزبُ الله مباشرةً تأليفَ الحكومة، ويَتركُ انطباعًا إيجابيًّا حين يَتحدّثُ عن الموضوع. لديه من يَنوبُ عنه في التعطيلِ ويُبقي له الدورَ الحسَن. الشعبُ يريدُ حكومةَ إصلاحاتٍ، وهو يُريدها حكومةَ مواجهةِ العقوبات المفروضةِ عليه. الشعبُ يريدها حكومةً تُعيدُ قُوْتَه وهو يَريدُها حكومةً تَحفَظ قوَّتَه. ولأنّه لم يَفُزْ بعدُ بها، يَحول دونَ تأليفِ حكومةٍ على غرارِ ما فعلَ سنةَ 2014 حين ساهمَ في تعطيلِ انتخاباتِ رئاسةِ الجمهورية إلى أن فازَ بها بانتخابِ مرشَّحِه، العماد ميشال عون.
تأليفُ الحكومةِ في هذا الظرفِ يوازي، بالنسبةِ لحزبِ الله، أهميّةَ انتخاباتِ الرئاسةِ، إذ يُريد تجديدَ عهدِه، برئيسٍ جديدٍ، يَضمَنُ بقاءَ لبنانَ في المحورِ الإيرانيِّ/السوريّ. وجميعُ الشروطِ الداخليّةِ، التي تُعيق تشكيلَ الحكومة، ليست سوى “قائمةٍ بأعمالِ” الموقفِ الإيرانيّ، الـمُمثَّلِ بحزبِ الله، والقاضي باستخدامِ لبنانَ ورقةَ مواجَهةٍ ـــ لا تفاوُضٍ فقط ــــ في وجهِ الولاياتِ المتّحدةِ الأميركيّةِ وأوروبا، وربما روسيا لاحقًا.
تعتبرُ إيران أنَّ لبنانَ، بين دولِ الشرقِ الأوسط، هو البلدُ الذي تَستطيعُ أنْ تَتحرّكَ فيه بسهولةٍ وسماحةٍ ومن دونِ رادعٍ.
في العراق: يُضيّقُ عليها الحُكمُ الجديدُ، يُواجِهُها السُنّةُ، تُحاصِرُها أميركا، وتُنافسُها دولُ الخليج. في اليمن: تَفتقدُ السلطةَ الشرعيّةَ، يُقاتِلها الشعبُ، وتَشُنُّ السعوديّةُ حملةً عسكريّةً على الحوثيّين جماعتِها.
في سوريا: يَتضايق منها النظام، تَدعوها روسيا إلى سحبِ قوّاتِها وعناصرِ حزبِ الله، تُزاحمُها تركيا، تَردعُ أميركا انتشارَها في الشَمال، وتَقصِفُ إسرائيل مقاتليها وآلتَها العسكريّة.
أما في لبنان، فتَشعُر أنّها في “الـمِنطقةِ الحرّة”: الشرعيةُ مُلكُ يَدَيْها، الجيشُ اللبنانيُّ محيَّدٌ، المعارضةُ تائهةٌ، الثورةُ مبعثرةٌ، الشعبُ شغوفٌ بشعارِ محاربةِ الفساد، أشقّاءُ لبنان وأصدقاؤه سِلاحُهم التصاريحُ وأفعالُهم العواطف، وإسرائيلُ تَستطْلعُ جوًّا بـمُسَــيّـــراتِها وعلى الجنوبِ السلام.
نَجحَت إيرانُ في الرهانِ على حزبِ الله، وهو نَجحَ في مَهمّتِه. وها إيران وحزبُ الله يحوّلان لبنانَ ورَقةَ مفاوضةٍ على العقوباتِ الأميركيّةِ والأوروبيّةِ المفروضةِ عليهما، وساحةَ مواجهةٍ في مفاوضاتِ الـمَلفِّاتِ العالِقةِ بين إيران وأميركا. ليست المرّةَ الأولى التي يَتحوّلُ لبنانُ ورَقةً وساحةً، واللبنانيّون رهائنَ وضحايا. سَبَق للفِلسطينيّين والسوريّين والإسرائيليّين أن استخْدَموه كذلك في الربعِ الأخيرِ من القرنِ الماضي. هؤلاءِ ليسوا لبنانيّين، لكنَّ حزبَ الله لبنانيٌّ، ويُفترَضُ فيه ألا يُضحّيَ بمصلحةِ لبنانَ، وطنِ شعبه وشهدائه، من أجلِ مصالحِ دولةٍ غريبة. حَسْبي أنَّ افتراضَنا شرعيٌّ تجاهَ مواقفَ غيرِ شرعيّةٍ تُغطّيها سلطةٌ تتّجِهُ إلى فقدانِ شرعيّتِها.
حين تَسكُنُ جميعُ هذه الرهاناتِ الواقعَ اللبناني، نَفهمُ صعوبةَ تأليفِ حكومةٍ لجميعِ دولِ الـمِنطقةِ ولجميعِ الاستحقاقات، ويُصبحُ التفاهمُ المباشَرُ بين القِوى السياسيّةِ متعذِّرًا إلى درجةِ التساؤلِ: أيُّ لبنانَ يَصلُح للبقاء؟ وأيُّ لبنانَ يُفضِّلُ اللبنانيّون؟ إذا كانت الحروبُ أسْقطَت الطبقةَ اللبنانيّةَ الوسْطى، فالسياسةُ أسَقطَت الطبقةَ السياسيّةَ الفاشِلة، وصارَ الحوارُ، أو الصراعُ، بين الشعبِ والشعبِ مباشَرة.