عظتي البطريرك الراعي والمطران عودة لليوم 20 كانون الأول-2020/الرَّاعي: نريد حكومة لا محاصصات فيها ولا حسابات شخصية، ولا شروطًا مضادّة، ولا ثلثًا معطّلًا يشلّ مقرّراتها/عودة: كيف تستقيم العدالة إذا منعت كل طائفة محاسبة المنتمي إليها

76

المطران الياس عوده: كيف تستقيم العدالة إذا منعت كل طائفة محاسبة المنتمي إليها

البطريرك الرَّاعي: نريد حكومة لا محاصصات فيها ولا حسابات شخصية، ولا شروطًا مضادّة، ولا ثلثًا معطّلًا يشلّ مقرّراتها/ نخشى اذا أحيل ملف انفجار 4 آب الى المجلس النيابي أن يموت التحقيق ويسيس بين الكتل النيابية
بكركي 20 كانون الأوّل 2020
أحد النسبة
“ميلاد يسوع المسيح، إبن داود، إبن إبراهيم” (متى1: 1)
1.إنّنا في الأحد الأخير قبل ذكرى ميلاد إبن الله الأزليّ إنسانًا من مريم عذراء الناصرة المخطوبة ليوسف، بقوّة الروح القدس. هذه السلسلة من الأجيال المتعاقبة تعني إنتماء يسوع المخلّص والفادي إلى العائلة البشريّة بكاملها من أجل خلاصها وفدائها من خطاياها. بهذا الإنتماء هو ” إبن الإنسان” في التاريخ، و”الإله الإبن” في الأزل، بإتحاد من دون تمازج أو تحوّل أو إنقسام أو إنفصال بين الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة. سُجِّل الإله في سجلّات البشر، لكي يسجّلنا جميعًا في سجلّات الله الخلاصيّة. يا لعمق تواضع الله! فالإبن الإلهيّ صار إنسانًا ليرفع الإنسان إلى الشراكة في قدسيّة الحياة الإلهيّة وسعادتها! هذه المسيرة الإنحداريّة الخلاصيّة عبر إبراهيم وداود، تقتضي منّا، بقوّة النعمة، مسيرة تصاعديّة نحو الله بالمسيح.
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وأن أحيّيكم جميعًا أيّها الحاضرون معنا في كنيسة الصرح البطريركيّ، وكلّ الّذين يشاركوننا روحيًّا عبر محطّة تلي لوميار-نورسات والفيسبوك وسواهما من وسائل الإتصال.
3.إنجيل نسب يسوع يبيّن شخصيّته التاريخيّة كإنسان. فيسوع المعروف بالناصري هو ذاته “مشيحا” أي المسيح الّذي وعد الله بإرساله ليخلّص العالم من خطاياهم. وهو إبن إبراهيم من نسل البركة الذي تتبارك به جميع الأمم والشعوب، كما وعد الله لإبراهيم. وهو “إبن داود” ومن سلالته، أي هو الملك الجديد الّذي يملك إلى الأبد على شعوب الأرض.
سلسلة النسب أرادها متى الإنجيليّ، لكي يرسّخ الإيمان بالمسيح، بكونه إلهًا حقًّا بطبعه، وإنسانًا حقًّا في تدبيره.
4. إبراهيم وداود هما صاحبا الوعد الإلهيّ بالمسيح الآتي من سبطهما. فإبراهيم هو المؤسّس لشعب الله القديم بموجب الختان. وقد وعده الله بأنّ بذريّته تتبارك جميع الأمم. وهذا تمّ في المسيح الّذي إتّخذ جسده من نسل إبراهيم (غلا 3: 16).
وداود هو الملك الأوّل من سبط يهوذا من حيث الترتيب الملوكي. وقد وعد الله أن من هذا السبط الملوكي يولد الملك الأبديّ، المسيح الربّ. فكان ذلك في الميلاد.
إنّ المسيح الربّ هو من نسل داود وابراهيم، لأنّ يوسف ومريم ينتسبان إلى هذه الأصول الملكيّة التي هي نسل داود، المتحدّر هو نفسه من نسل إبراهيم، أبي الأمم بالإيمان، وأبي شعب الله القديم بالجسد.
5.إنّ لمجموعة الأجيال الثلاثة رمزيّتها ومعانيها بالنسبة إلى يسوع المسيح. فالأجيال الأولى من إبراهيم إلى داود رمزت إلى عهد القضاة؛ والثانية من داود إلى سبي بابل إلى عهد الملوك؛ والثالثة من السبي إلى المسيح إلى قيادة رؤساء الكهنة. مع المسيح وعبر مسار تاريخ تدبير الله الخلاصي، تغيّرت أوضاع الإنسانيّة المنظّمة، فلم تبقَ الأجيال تحت حماية القضاة والملوك ورؤساء الكهنة؛ بل اندرجت كلّها تحت راية المسيح الواحد الّذي هو بامتياز قاضي الحقّ، وملك المحبّة والسلام، ورئيس كهنة أسرار الله. وظائف المسيح هذه الثلاث، سلّمها إلى الشعب المسيحاني بحكم المعموديّة والميرون، وإلى رعاة الكنيسة بسلطان إلهي بحكم الدرجة المقدّسة. هذه الوظائف هي الكرازة والتقديس والتدبير. إذا كانت سلسلة الأجيال الدمويّة توقّفت عند يسوع ومريم ويوسف، فلأنّ عائلة جديدة تولد من الماء والروح، هي الكنيسة، جسد المسيح السريّ، الّذي نحن كلّنا أعضاء فيه، والمسيح هو الرأس.
6. في هذه الأيّام الأربعة الأخيرة رأيت من واجبي كبطريرك القيام بمساعٍ متنوّعة الإتجاهات لدفع عمليّة تشكيل الحكومة. وذلك شعورًا منّا بمآسي إخوتنا وأبنائنا في لبنان، الّذين هم فريسة الجوع والعوز والفقر والبطالة واليأس وفقدان الثقة بالوطن وبمستقبل أفضل؛ ورفضًا لقبول شبح مرفأ بيروت ودمار نصف العاصمة ونكبة سكانّها ومؤسّساتها؛ وخوفًا منّا على سقوط المؤسّسات الدستوريّة وفي مقدّمتها السلطة الإجرائيّة المتمثّلة بالحكومة وما يتّصل بها؛ ورفضًا لتسييس القضاء وتلوينه طائفيًّا ومذهبيًّا وعرقلة مسيرته، وهو العمود الفقري لحياة الدولة؛ وقراءة تشغل البال لما يجري في المنطقة من مفاوضات وتسويات وتطبيع ومن تهديدات بحروب. في كلّ الإتصالات التي أجريتُها -ولن اتوقف- وكانت بمبادرة شخصية منّي لا من احد، لم أجد سببًا واحدًا يستحقّ الـتأخير في تشكيل الحكومة يومًا واحدًا. لكنّي وجدت لدى الناس ألف سبب يستوجب أن تتألّف الحكومة فورًا من أجل أجل هذا الشعب الذي هو مصدر السلطات كلها. وإذا كانت ثمّة معايير فكلّها ثانويّة باستثناء معايير الدستور والميثاق.
7. أمام هذا الواقع المتشعّب نريد حكومة لا محاصصات فيها ولا حسابات شخصية، ولا شروطًا مضادّة، ولا ثلثًا معطّلًا يشلّ مقرّراتها، نريدها حكومة غير سياسيّة وغير حزبيّة وزراؤها وجوه معروفة في المجتمع المدنيّ بفضل كفاءاتهم وإنجازاتهم وخبراتهم، على أن يتمّ تشكيلها وفقًا لمنطوق من الدستور، بروح التشاور وصفاء النيّات بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهوريّة في إطار الإتفاق والشراكة وقاعدة المداورة في الحقائب وفقًا للمادّة 95 من الدستور، كعلامة للمشاركة الحقيقيّة في إدارة شؤون الدولة. نريدها حكومة تتفرّغ لمشروع الإصلاحات، وللإستحواذ على المساعدات الدوليّة المقرّرة والموعودة. نريدها حكومة تضع في أولويّاتها إعادة بناء المرفأ واستعادة حركته وضبط إدارته ومداخيله وجمركه، وإعادة إعمار بيروت المهدّمة.
8. وكما يعنينا تشكيل حكومة في أسرع ما يمكن للأسباب المذكورة، كذلك يعنينا إستمرار التحقيق العدليّ بشأن تفجير مرفأ بيروت. إن الناس لا يهمّهم الاجتهادات القانونيّة المتنازع بشأنها. ما يهمها هو معرفة من قتل أبناءها وفجر المرفأ وهدم العاصمة. يهمها معرفة من أتى بالمواد المتفجرة، ومن يملكها، ومن سمح بتخزينها، ومن سحب منها كميّات بشكل دوري وكيف، ومن غطّى هذه العنابر طوال سبع سنوات، ومن أهمل واجباته من السلطات السياسية والقضائية والأمنية، ومن فجرها في 4 آب 2020. وإذا كان البعض يفضّل إحالة الملف إلى المجلس النيابي، ونحن نكن الاحترام لهذا المجلس، فإننا نخشى أن يموت التحقيق ويسيس بين الكتل النيابية. وأي مماطلة إضافية في التحقيق ستؤدي إلى ما لا تُحمَدُ عقباه. واجباتنا دعم القضاء، هذا الصرح الدستوري الذي لم يسقط بعد، ونرجو ألّا يسقط، وإلّا، لا سمح الله، سقط هيكل الدولة كلّه!
9. كلّ الأجيال التي سبقت مجيء المسيح كانت في مسيرة شوق إليه وانتظار. أمّا نحن فمن ضمن الأجيال التي تنطلق منه وتعود إليه باستمرار بروح التوبة والإستعداد الدائم للتغيير.
أهّلنا يا ربّ لأن نستعدّ بهذه الروح لميلادك المجيد، ونحن نرفع آيات المجد والتسبيح للآب الّذي أرسل إبنه لخلاصنا، وللإبن الّذي تجسّد وصار واحدًا منّا ليخلّصنا ويفتدينا من خطايانا، وللروح القدس الّذي يحقّق فينا ثمار الخلاص والفداء، الآن وإلى الأبد، آمين.
#البطريركية_المارونية #البطريرك_الراعي #شركة_ومحبة #حياد_لبنان #لبنان_الكبير #الراعي #عظة_الراعي

المطران عوده: كيف تستقيم العدالة إذا منعت كل طائفة محاسبة المنتمي إليها
وطنية/20 كانون الأول/2020
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.
بعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: “نسمي الأحد الذي يسبق ميلاد ربنا يسوع المسيح أحد النسبة، وفيه نذكر سلالة يسوع بحسب الناسوت (الطبيعة البشرية). إن نسب المسيح الإلهي سر عميق، أما سلالته في الجسد فهي التي نذكرها اليوم للتأكيد على إيماننا بالرب يسوع إلها حقيقيا بطبعه، وإنسانا حقيقيا في تدبيره. إنه الإله الكلمة الكائن قبل الدهور، والمساوي للآب في الجوهر وفي الأزلية، وقد صار بشرا في ملء الزمان، بدون استحالة، وأحصي مع الأجيال في الجسد. يقول الإنجيلي يوحنا: الكلمة صار جسدا وحل فينا، ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقا”.
أضاف: “سمعنا في إنجيل اليوم الكثير من الأسماء التي قد تبدو لنا غريبة أو غير مألوفة. نجد كل هذه الأسماء في إفتتاحية إنجيل متى الرسول، كتعريف تاريخي عن الشخصية المحورية التي يدور حولها إنجيله. يكتب متى الإنجيلي لقراء يهود، وكان لا بد من أن يسرد لهم سلالة المسيح بحسب الجسد، منذ إبراهيم أبي الآباء، حتى يجذب انتباههم إلى أنه يتحدث عن شخص ليس غريبا عنهم، بل هو متحدر، جسديا، من الجذور نفسها التي أتوا منها. طبعا، يبين لنا هذا النص أن المسيح، الجامع الكل إلى اتحاد واحد، تحدر بشريا من سلالة تحتوي على الملوك والفقراء، الخطأة والأبرار، تحتوي على أناس اختبروا الحياة مع الله وبعيدا عنه، عاشوا محبة الله ورحمته وقوته وعدله ونعمته، كما تحتوي على أشخاص انغمسوا في الخطيئة والزنى. نفهم من هذا النص الإنجيلي أن المسيح تجسد من أجل خلاص البشرية كلها، بكل فئاتها، ولم يأت ليخلص فئة واحدة هي الشعب اليهودي. أراد متى الإنجيلي أن يفهم اليهود أن فكرتهم عن المسيا المنتظر مختلفة عما تحويه رسالة المسيح الحقيقية. نجد في إنجيل متى تشديدا على أن الخلاص هو للجميع، إن من خلال مثل السامري الشفوق، أو لقاء المسيح بالسامرية، وغيرهما من الأمثلة. لذا، نجد في سلالة نسب المسيح ذكرا لنساء من الأمم، أي من غير اليهود مثل راحاب وراعوث”.
وتابع: “السلالة التي سمعناها تقسم ثلاثة أقسام: من إبراهيم إلى داود، ومن داود إلى جلاء بابل، ومن جلاء بابل إلى المسيح. إبراهيم هو أبو الإيمان. نسمع في رسالة اليوم: بالإيمان نزل إبراهيم في أرض الميعاد نزوله في أرض غريبة. أما داود فهو صورة الملك العظيم الذي جمع المملكة المنقسمة فأصبحت واحدة، وجلاء بابل هو ثمرة خطيئة الإنسان وضعفه. يأتي يسوع المسيح في الأخير، وهو مصدر الإيمان، والملك الحقيقي، والإنسان التام الخالي من الخطيئة، يأتي ليخلصنا من خطايانا ويقدمنا إلى الله الآب تقدمة منقاة بدمه الكريم المسفوك على الصليب. فعلى الرغم من الخطايا الجسيمة التي اقترفها بعض أعضاء السلالة التي يتحدر منها، يأتي المسيح غالبا الخطيئة، حاملا الخلاص للبشرية، إلا أن البشر ما زالوا يبحثون عن الخلاص في أماكن أخرى. يفتشون على الراحة في أماكن عدة، بدلا من اللجوء إلى الرب القائل: تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. يركضون وراء ملوك وزعماء أرضيين، مثل الشعب اليهودي الذي لا يزال ينتظر مجيء المسيح كزعيم أرضي. لكن المسيح لم يتجسد كي يكون زعيما، بل ليخلصنا وليكون لنا مثالا نتعلم منه الوصول إلى كمال الخير. اليهود لم يعجبهم المسيح المحب الجميع، السلامي، وإنسان اليوم مثلهم، لا يريد السير بشريعة المحبة، بل يسعى وراء من يؤمن له مصالحه. عندما نصل إلى بشرية تسعى بأسرها إلى المحبة فقط، عندئذ لا نعود نسمع بزعامات وحروب، وحقد وشر ودمار”.
وقال عوده: “اليوم نعيد أيضا لقديس كان تلميذا للرسل، هو الشهيد في رؤساء الكهنة اغناطيوس الأنطاكي المتوشح بالله. يقول التقليد أن القديس اغناطيوس هو ذاك الطفل الذي احتضنه يسوع وباركه وقال: إن لم ترجعوا وتصيروا كالأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات. القديس اغناطيوس هو الخليفة الثاني للقديس بطرس على كرسي انطاكية. قاد رعيته بغيرة رسولية، وتفان لا يعرف الراحة، وكان كلامه فعالا في القلوب فاهتدى بسببه الكثيرون، وأصبح قبلة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها. استشهد في الإضطهاد الذي حصل للمسيحيين في عهد الملك تراجان في بداية القرن الثاني، إذ اقتيد اغناطيوس من انطاكية إلى روما، حيث قضى شهيدا بين أنياب الوحوش، وقد كتب في رسالته إلى أهل رومية: إني أموت بمحض اختياري من أجل المسيح، إذا لم تمنعوني على الأقل. إني أضرع إليكم راجيا أن تضعوا عطفكم جانبا لأنه لا يفيدني. أتركوني فريسة للوحوش. إنها هي التي توصلني سريعا إلى الله. أنا قمح الله، أطحن تحت أضراس الوحوش لأخبز خبزا نقيا للمسيح. عرف أنه، بثباته في إيمانه، وجلادته على الحكم الصادر بحقه، وعدم هربه، سيعلم شعبه أكثر مما لو هرب وبقي حيا. من يسير مع الله لا يهرب من الشدائد، بل يعتبرها تثبيتا له في الإيمان وتشديدا لمن هم حوله. في رسالته إلى أهل أفسس كتب: الشجرة تعرف من ثمارها، كما يعرف من يتكلم عن الإيمان من أعماله. لا يكفي أن نعلن عن إيماننا، بل علينا أن نظهره عمليا حتى النهاية. الأفضل أن نصمت ونكون، من أن نتكلم ولا نكون. جميل أن يعلم الإنسان، والأجمل أن يفعل ما يعلمه… لتكن أعمالنا كأن الروح قاطن فينا، لنصير له هياكل ويصير إلهنا الساكن فينا. وفي رسالته إلى أهل رومية يقول: لا تجعلوا المسيح على شفاهكم والعالم في قلوبكم. ليكن الحسد بعيدا من دواخلكم… لم يعد يروقني غذاء الفساد، ولا تغريني ملذات هذا العالم. إني أريد خبز الله الذي هو جسد المسيح، إني أريد شرابي دمه الذي هو المحبة غير البالية.
أضاف: “أبناء لبنان عموما، وبيروت خصوصا، مثال للصمود في وسط الشدائد والضيقات. هدمت بيوتهم، شردوا في طقس عاصف، يغرقون كل يوم داخل سياراتهم في طرقات أشبه بالمستنقعات، يتعرضون كل لحظة لخطر الإصابة بوباء مميت، أقفلت مصانعهم ومحالهم التجارية، طردوا من وظائفهم بسبب الضائقة المادية، حبست أموالهم في المصارف، نهبت البسمة من وجوههم، ومع ذلك نجدهم صامدين، مؤمنين بالله، منشدين مع النبي داود: يا الله أنت ناصري، إلهي رحمتك تدركني. نسمعهم يقولون إن الله هو عونهم الوحيد، وقد فقدوا ثقتهم بكل زعيم أرضي، على حسب قول صاحب المزامير: لا تتكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر الذين ليس عندهم خلاص. من يحب الله لا يفقد الرجاء. يقول الرسول بولس: نفتخر بالشدائد عالمين أن الشدة تلد الصبر، والصبر يلد الإمتحان والإمتحان يلد الرجاء، والرجاء لا يخيب صاحبه، لأن محبة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطي لنا”.
وتابع: “اليوم، في أحد النسبة، وفي تذكار الشهيد في رؤساء الكهنة إغناطيوس الأنطاكي، نصلي أن يجعلنا إلهنا المتجسد ندرك أن خلاصنا يأتي من العلى. نصلي أن يمنحنا الرب صبرا كي نحتمل المرور في أتون النار التي أوقدها حكامنا منذ سنين طوال، ولم يعمل أحد بعد على تخفيف لهيبها. على العكس، يؤججون اللهيب أحيانا، كما شهدنا في الأسبوع المنصرم”.
وقال: “الجميع يطالبون بالحقيقة والعدالة، والجميع يتغنون بضرورة احترام القضاء وصونه بعيدا من متاهات السياسة. وعندما يحاول القضاء القيام بواجبه، يهبون دفاعا عن الدين والطائفة والمذهب، وكأن الطائفة هي المقصودة عندما يشار إلى إنسان ينتمي إليها. هل أصبح الدين ملجأ أم هو علاقة بين الإنسان وخالقه؟ وهل يريد أهل السلطة كشف الحقيقة أم طمسها؟ غريب أمرنا، ندعي العلمنة ونطالب بدولة مدنية، وعند أول امتحان تعود الاصطفافات الطائفية والمذهبية، ويتلاقى من كان الجفاء مستوطنا بينهم. إذا أخطأ موظف أو مسؤول، هل تكون الطائفة هي المخطئة؟ كيف تستقيم العدالة إذا كانت كل طائفة تمنع محاسبة المنتمي إليها؟ ثم هل يخشى البريء وذو الضمير الحي المساءلة؟ الظلم والتجني مرفوضان كائنا من كان المستهدف، والعدالة مطلوبة للجميع، كما المحاسبة، من دون استنسابية أو انتقائية. كما أن القانون يجب أن يسري على الجميع، إلى أي طائفة انتموا. نحن في حاجة إلى دولة المواطنة لا دولة الطوائف، إلى دولة يحكمها الدستور والقوانين، وتعم فيها العدالة والمساواة، ويكون فيها القضاء منزها عن كل المماحكات، ومحترما. فإذا كان المسؤولون يشككون بنزاهة القضاء، ولا يعتبرون أنفسهم تحت القانون، ماذا تركوا للخارجين على القانون؟ من أبسط واجبات المسؤول أن يخضع للقضاء بتواضع، أن يكون القدوة في احترام القوانين، عوض اللجوء إلى حماية طائفته. وهل الدين والطائفة لحماية الفاسد أو المقصر أو المستخف بعقول الناس وحياتهم؟ أم هل ضرب هيبة القضاء يخلص البلد؟ أما المتهم البريء فالجميع إلى جانبه، وهو يعرف في قرارة نفسه أن الحق دائما ينتصر، وأن الحقيقة، مهما تأخرت، نور يسطع”.
أضاف: “لن يستقيم الوضع في لبنان إلا عندما تصبح المراكز التي يتولاها اللبنانيون تخص الوطن بأسره، لا طائفة هذا الموظف أو ذاك المسؤول، وعندما يعمل هؤلاء من أجل خير لبنان واللبنانيين، لا من أجل مصلحة الطائفة أو المذهب. أما القامات والرجالات الكبار فينسحبون بعزة وكرامة وهدوء عندما يقترفون خطأ، دون تشويش على القضاء أو خروج على القانون”.
وختم عوده: “بارككم الرب، ومنحكم ثباتا في الإيمان، مهما اشتدت العواصف وثقلت الأحمال وكثرت الدموع. لا تخافوا، فها إن خلاصنا يأتي، وهو يدعى عمانوئيل، أي الله معنا”.