فارس خشّان/رسالة الغاضبين إلى الحكّام

88
A Lebanese youth runs with a national flag as smoke billows from burning tires during a demonstration in Jal el-Dib area on the northern outskirts of the Lebanese capital Beirut on January 14, 2020. - Lebanese protesters resumed blocking major highways in what they said would be a "week of wrath" demanding an end to a nearly three-month political vacuum. Although protests had declined in size in recent weeks, demonstrations have been ongoing since October, increasingly targeting banks and state institutions blamed for driving the country towards collapse. (Photo by JOSEPH EID / AFP)

رسالة الغاضبين إلى الحكّام
فارس خشّان/الحرة/05 حزيران/2020

من واجبنا أن نغضب، لأن “أخذكم بحلمنا” قزّمنا، جوّعنا، عطّشنا، أعمانا، لوّثنا، وذلّنا. يحكموننا على طريقة الزعران والبلطجية، ويأمروننا أن نردّ على طريقة القديسين والأولياء.
يدوسون على رقابنا، ويتطلعون إلى أن نقبّل أحذيتهم.
يصادرون جنى عمرنا ويسطون على رواتبنا، ويطلبون منّا أن نهتف لعروشهم وكراسيهم وقصورهم.
يسرقون وينهبون ويهرّبون، ويفرضون علينا أن نحترمهم ونجلّهم.
يُسقطوننا ضحايا تحوّلهم إلى مرتزقة في حروب الأجندات الإقليمية، ويُهدّدوننا إنْ لم نقدّسهم ونحمدهم ونبتهل لهم.
إنّهم يأخذون حريتهم في إذلالنا وتعذيبنا وتهميشنا وتهشيمنا واحتقارنا واعتقالنا ونفينا واغتيالنا، ويريدون النيل من حقّنا في أن نغضب.
غضبنا مدخل إلى الكرامة، إلى الحرية، إلى الاكتفاء، إلى الحقوق، إلى المساواة، إلى العدالة، وإلى الوطن
يَتلون علينا أقوال الحكماء في مضار الغضب، ويخفون عنّا تأكيدات العلماء أن كَبْت الغضب جلّاب الويلات الفردية والجماعية، وأن التعبير الجماعي عنه هو رغبة بمعاقبة من يظلمنا، ويولّد فينا شجاعة وتجدّدا سياسيا ومواطنيه راسخة. الغضب ليس المؤامرة، بل التسبّب به.
والغاضبون ليسوا متآمرين، بل يَكسرون طوق المؤامرة التي لا تتوقّف عن استهدافهم.
الغضب ليس هدفا ثانويا، بل هو حاجة ملحة لإنقاذ الحياة من الذين يسطون عليها، تماما كالتنفّس، كالدواء، كالماء، وكالطعام. كيف نستكين ونبتسم ونلهو، ولم يبقَ لنا طريق نسلكه إلا حدّ الشفرة؟
لن نصفع وجوهنا، لن نشدّ شعرنا، لن نفتح أوردتنا، لن نُطلق النار على رؤوسنا، ولن نُعاقب أنفسنا على ما أجرمتم به بحقّنا.
رشوتُم، خدعتُم، خُنتُم، كذّبتُم، حتى تحكموا، فأنتجتم لنا الويلات، ولكنّكم تحسبون أن معسول الكلام هو مسكّن للجماعة ومانع للغضب، وتظنون أن الترهيب هو نصيركم الدائم.
لم يعد لديكم نصير، في مواجهة غضبنا.
من كان يُخيفه قمعكم، أصبح يُخيفه بقاؤكم.
من كان يُرعبه سلاحكم، أصبحت تُرعبه ويلات استخدامه.
الغضب ليس هدفا ثانويا، بل هو حاجة ملحة لإنقاذ الحياة من الذين يسطون عليها، تماما كالتنفّس، كالدواء، كالماء، وكالطعام
من كان يخشى أن تخنقه أحذيتكم، بدأت تقتله سيطرتكم.
ليس من حقّنا أن نعبّر عن غضبنا، بل من واجبنا أن نفعل.
من واجبنا أن نغضب، لأن “أخذكم بحلمنا” قزّمنا، جوّعنا، عطّشنا، أعمانا، لوّثنا، وذلّنا.
الغضب شعور تصاعدي. لم تروا منه حتى الآن سوى رجفة الأيادي، واحمرار الوجنات، وصرخات الحناجر.
يوما بعد يوم، سترون ما تبقّى من عوارض الغضب. ستجدوننا بلا عيون ترى ما تفعل، بلا أياد تُدرِك ما تكسّر، وبلا أرجل تختار ما تركل، وبلا عقل يميّز واحدكم عن الآخر.
عقولكم باردة، لأنكم تظنون أنكم تسيطرون علينا بآلاتكم الحاسبة، وبأجهزة التحكّم عن بُعد، لكنكم، مع كل شروق وبعد كلّ غروب، ستكتشفون أنكم كما تجهلون مزايا الحكّام الصالحين لا تعرفون شيئا عن شعب أمعنتم في التعدّي عليه.
انتهى الأمر. نحن تحوّلنا إلى جماعات غاضبة. بعضنا طهّر دمه من مسكّناتكم. بعضنا الآخر لا يزال يجهد من أجل ذلك، لأن المقادير التي حقنتموه بها أدخلته في غيبوبة وصلت إلى خواتيمها.
لا تتكّلوا على ما تبقّى في مخازنكم من أفيون، لأنكم، من كثرة موبقاتكم، حتى أفيونكم هذا فَسُد، فالاستعانة بالعدو لم تعد تنفع، واجتهاداتكم الدينية لم تعد تُجدي، ومناوراتكم بتغيير الأقنعة الحاكمة أصبحت مسخرة.
غضبنا المبرّر سوف يجرفكم. لا تغشّكم قلة المياه المتدفّقة من ينبوع ترونه، لأن الينابيع التي لا ترونها أصبحت كثيرة، والغيوم تَسوَدُ وأمطارها غزيرة، والمياه التي تسير بهدوء تتواعد على فالق زلزالي تتنعّمون بأسفله.
من كان يُرعبه سلاحكم، أصبحت تُرعبه ويلات استخدامه
ظنّكم أننا سنُحبَط ونيأس سَقَط. توهّمتم أننا خِراف يُمكن أن تسوقونا واحدا تلو الآخر إلى المسلخ، ولكنكم ستكتشفون أننا شعب يعي من هم جلّادوه، ومن هم مستغلّوه، ومن هم مفقِروه، ومن هم المتاجرون به.
أنساكم اللعب بمصيرنا أن ثمة غضبا، وأن الغضب، وإنْ جرى احتواؤه مرة، فيستحيل احتواؤه كلّ مرة. لسنا سعداء بغضبنا، ولكننا بلا غضبنا لن نكون، بفعل ما ترتكبون، سعداء يوما.
غضبنا مدخل إلى الكرامة، إلى الحرية، إلى الاكتفاء، إلى الحقوق، إلى المساواة، إلى العدالة، وإلى الوطن. ترون الأقليات ماذا تفعل إنْ هي غضبت. تخيّلوا ماذا يُمكن للأكثريات أن تُنجزه إنْ هي غضبت.
أغلقوا أفواهكم، أقفلوا معتقلاتكم، عقّلوا أمنكم وضبّوا زعرانكم، فكل ذلك لا يهدّئ غاضبا بل يُغضب ساكنا. لا تريدوننا غاضبين، ونحن لا نريد أنفسنا كذلك.
تريدوننا هادئين، فاغربوا وموبقاتكم عن وجوهنا وعن عيوننا وعن عقولنا وعن… رقابنا.