نداء الوطن: باسيل إلى دمشق منزوع الغطاء. والاشتراكي ينتفض على العهد… عنوان المرحلة قلب الطاول/زيارة دمشق هي قرار استراتيجي من عون

48

زيارة دمشق: قرار “استراتيجي” من عون
غادة حلاوي/نداء الوطن/15 تشرين الأول/2019

باسيل إلى دمشق “منزوع الغطاء”… و”الاشتراكي” ينتفض على العهد… عنوان المرحلة… “قلب الطاولة”
نداء الوطن/15 تشرين الأول/2019
“نحن بدولة مش دولة”… عبارة تختصر وتختزن الكثير من المعاني الدالة على عمق الأزمة اللبنانية، سيّما وأنها أتت على لسان وزير المال علي حسن خليل وكادت أن تضيع دلالاتها في خضمّ “المعمعة” السورية التي أثارها رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل من على منبر “13 تشرين”. وعلى قاعدة كونها “دولة مش دولة” ساد التراشق والضياع وانعدام التوازن والتناغم بين أفرقاء الحكومة خلال الساعات الأخيرة، فتطايرت شظايا المعركة تحت عنوان “قلب الطاولة” على محورين، الأول يقوده باسيل بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن رئاسة الجمهورية وفريق 8 آذار لإعادة الوصل بين قصري “بعبدا” و”المهاجرين” بمعزل عن قرار جامع في مجلس الوزراء، والثاني محور متعدد الأبعاد اجتمع على ضفته أكثر من طرف رئاسي وسياسي، لصدّ محاولات إعادة تعويم النظام السوري على حساب الدولة اللبنانية وقافلة شهدائها الذين سقطوا على مذبح “وصاية” هذا النظام.
فبحزام سيادي مرسوم بـ”الدم”، من كمال جنبلاط إلى رفيق الحريري، تنوعت سلسلة الردود بدرجات متفاوتة على كلام باسيل بدءاً من رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي حرص على نزع الغطاء الحكومي عن أي زيارة يعتزم وزير الخارجية القيام بها إلى دمشق عبر بيان ذكّره فيه بأنّ “دم الرئيس رفيق الحريري” هو الذي أعاد الجيش السوري إلى سوريا، ونبه تالياً إلى أنّ حرف المسار عن معالجة الأزمة الاقتصادية سيؤدي حكماً إلى “قلب الطاولة على رؤوس الجميع”، مروراً بتشديد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على كون باسيل لا يستطيع أن يتخذ موقفاً “بهذا الحجم” من دون العودة إلى مجلس الوزراء، مستغرباً محاولة “استغلال الفرص لتعويم بشار الأسد حتى ولو على حساب لبنان من ناحية العقوبات والمواقف الدولية والعربية إزاء النظام السوري”… وصولاً إلى السقف الأعلى على مقياس الردود، الذي تميّز به “الحزب التقدمي الاشتراكي” على لسان رئيسه وليد جنبلاط الذي توجّه إلى الداعين للتطبيع مع نظام الأسد بالقول: “تذكروا أنهم دخلوا على دم كمال جنبلاط وخرجوا على دم رفيق الحريري”، مشبّهاً ما يجري على مستوى الأمن والإدارة في الدولة بأنه يتمّ “على طريقة البعث”، ولافتاً الانتباه إلى أنّ “من أتى به الأجنبي سيذهب به نهر الشعب”، وهو ما بدا رداً مباشراً على عبارة “النهر الجارف” التي توعّد به باسيل مَن “ينتظرون على ضفة النهر”.
وكما في السياسة، كذلك في الشارع، حشد “الاشتراكي” قواه الشعبية والحزبية والشبابية في تظاهرة مناهضة لقمع الحريات في البلد لكن سرعان ما اتخذت طابع “التنديد بسياسة العهد الداخلية والخارجية”، بحسب تعبير جنبلاط نفسه في معرض توجيهه التحية إلى “منظمة الشباب” في الحزب. وإذ أعادت التظاهرة الاشتراكية إحياء النبض الاستقلالي السيادي في ساحة الشهداء لا سيما مع انضمام شخصيات قواتية وكتائبية بالإضافة إلى مشاركة النائب السابق فارس سعيد والوزير السابق معين المرعبي، ظهّرت كلمة الوزير وائل أبو فاعور خلالها جملة من المواقف النارية من “ساحة الحرية” في مواجهة “ساحة العبودية” دفاعاً عن “الحرية والديموقراطية التي تتعرض لاعتداءات جديدة، بدءاً من صحيفة “نداء الوطن” وصولاً للاعتداءات والاستدعاءات بحق الناشطين”، ليعبّر في هذا السياق عن رفض تحويل الأجهزة الأمنية إلى “ألعوبة بيد السلطة” خاصاً بالذكر جهاز أمن الدولة، وليوجّه اتهاماً صريحاً إلى العهد الحالي بأنه هو من ينفذ “مؤامرة اقتصادية” على البلد خصوصاً وأنه يتحكم بالقرار السياسي والأمني والاقتصادي “فعلى من ستقلبون الطاولة وأنتم تحتكرون كل مواقع السلطة؟”.
وإلى مجلس الوزراء، حيث استكمل أبو فاعور الرد على رئيس “التيار الوطني الحر” مؤازراً من الوزير أكرم شهيب الذي رأى ملامح “انقلاب على الطائف والشرعية والإجماع العربي”، بينما حذر نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني من مغبة “استعمال موضوع النازحين السوريين كشماعة ورفع سقف الخطاب السياسي تجاه فتح العلاقة مع النظام السوري” باعتباره مساراً “يمكن أن يعرّض لبنان لعقوبات ويعرّض الدعم الدولي للخطر”.
وفي المقابل، تعاملت مصادر”التيار الوطني الحر” بكثير من البرودة مع الردود التي طاولت كلام رئيس التيار، فوصفت لـ”نداء الوطن” كلام رئيس الحكومة بأنه “كلام موزون ومتزن ويفرض تحدياً على التيار الوطني” لناحية الترحيب بعودة النازحين السوريين إذا تحققت من خلال زيارة باسيل المرتقبة إلى سوريا. بينما وضعت انتقادات رئيس “القوات اللبنانية” في خانة “العقلانية” لا سيما لجهة مطالبته بأن يصار إلى الاحتكام لمجلس الوزراء في مسألة الموقف من العلاقات مع سوريا. أما في تعليقها على كلام جنبلاط والتظاهرة الاشتراكية فاكتفت مصادر “التيار الوطني” باعتبار ذلك ليس أكثر من “حركة استعراضية تبحث عن دور جديد يكاد يتنافس مع دور حركات المجتمع المدني”. وعلى ضفة “الصيفي”، جددت مصادر “الكتائب” التشديد على أنّ “الحل يكمن في رحيل هذه السلطة وما تمثل وقيام سلطة جديدة على أسس وطنية وإدارية ومالية شفافة”، وسألت المصادر القيّمين على “التسوية الرئاسية” ماذا حققوا حتى الآن وعلى ماذا اتفقوا “فهل تفاهموا على سلاح “حزب الله”، والموضوع السيادي وعلى سياسة لبنان الخارجية وعلاقته بأصدقائه التاريخيين؟ وهل تفاهموا على العلاقة مع سوريا وعلى موضوع النازحين؟”، لتذكّر في معرض ردها على طرح باسيل المتفرّد بقرار إعادة التطبيع مع سوريا تحت عنوان “إعادة النازحين” بالمبادرة الروسية لحل أزمة النازحين، وإبداء موسكو استعدادها للعمل كوسيط بين لبنان ونظام الأسد في هذا الملف “بما يحفظ مصالح لبنان ويضمن النأي بالنفس”، وتساءلت: “لماذا لا يسيرون بهذا المخرج ويوفرون على لبنان الالتحاق بسياسة المحاور”؟.

زيارة دمشق: قرار “استراتيجي” من عون
غادة حلاوي/نداء الوطن/15 تشرين الأول/2019
لا يمكن لعاقل أن يتصوّر أن إعلان وزير الخارجية جبران باسيل عن نيته زيارة سوريا كان مفاجئاً، أو أنه نطق به من دون وجود خطوات مسبقة واتصالات جرت وتجرى تحت الطاولة، كما يصعب التصديق أن رئيس الحكومة سعد الحريري تلقى هذا الإعلان مثله مثل أي مواطن عادي في الجمهورية. هذا ما تكشفه ردود الفعل الأولية على خطاب باسيل أمس الأول، والتي تمثلت بضوء أخضر غير مباشر من رئيس الحكومة سعد الحريري، وبترحيب سوري عبّرت عنه بعض المصادر من خلال وصف خطوة باسيل بالقرار الاستراتيجي المرتبط بسياسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية ومحاولات إفشال عهده. في كلّ الأحوال، يمكن القول إن موقف باسيل كان جريئاً ومتقدّماً، بعدما كان باسيل نفسه يمنع وزراء “التيار الوطني الحر” من زيارة سوريا إلا بعد نيل موافقة مجلس الوزراء، وكان يتجنّب كما رئيس الجمهورية طرح موضوع العلاقات اللبنانية – السورية للحؤول دون تفجير الحكومة. وهذا ما يؤكد وجود مستجدات وظروف معينة أفضت إلى إعلان باسيل عن زيارة يعتزم القيام بها في توقيت يختاره لن يكون بعيداً. وعلى قدر ما كان إعلان باسيل جديداً، شكل بيان الحريري المقتضب بشأنه أمس المفاجأة الثانية، أو الخطوة الاستكمالية لما قاله وزير الخارجية. يمكن القول إن بيان الحريري أعطى تقريباً الضوء الاخضر لزيارة باسيل، إذ قال الحريري بالحرف “إذا أراد رئيس “التيار الوطني” زيارة سوريا لمناقشة إعادة النازحين السوريين فهذا شأنه. المهم من وجهة نظر رئيس الحكومة هو النتيجة، فلا يجعل النظام السوري من الزيارة سبباً لعودته إلى لبنان لأننا لا نثق بنوايا النظام من عودة النازحين، وإذا تحققت العودة فسنكون أوّل المرحبين”. تقصّد الحريري الحديث إلى باسيل بوصفه رئيس “التيار الوطني الحر” وليس وزير الخارجية، وانطلاقاً من هذا الاعتبار تعاطى مع فعل الزيارة على أنه شأن خاص متعلق برئيس تيار سياسي محاولاً تطويق أي سجال متوقع في شأنه، وقد عبّر عن المسألة بصريح العبارة حين قال إن “البلد لا تنقصه سجالات”.
وبإيجابية تلقف “التيار الوطني” كلام الحريري واعتبره كلاماً منطقياً وموزوناً ويدفع الأمور بالاتجاه الايجابي لا سيما وانه صدر عن مسؤول في الدولة. واذا استطاع باسيل تقطيع الموضوع بسلام داخل مجلس الوزراء من دون أن تتبرأ الحكومة من كلامه، يكون موقفه أولاً وبيان الحريري ثانياً خطوة نحو بناء مسار جديد للعلاقات اللبنانية – السورية ولو من بوابة عودة النازحين.
بجملتين لخص باسيل أهداف زيارته الى سوريا وحصرها بعودة النازحين، وفتح المعابر بين العراق وسوريا وكيفية الاستفادة منها محلياً لخفض الرسوم وتصدير المنتجات اللبنانية، وهما مطلبان ملحان في الوقت الحاضر ولا سيما في ضوء الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يعيشها لبنان.
ولا يمكن فصل الإعلان عن الزيارة والمجاهرة به عن وجود مناخ اقليمي ودولي ومتغيرات تفرض نفسها داخل سوريا وخارجها. يقرأ باسيل المتغيرات جيداً، ويلمس محاولة حصار للعهد وحلفائه في لبنان بقرار أميركي واضح، وبالتالي بات عليه ان يخطو خطوة الى الامام، ليقول للآخرين: إذا كنتم تحاصرونني فلديّ خيارات أخرى يمكن من خلالها كسر الحصار الاقتصادي والسياسي مع سوريا التي هي الامتداد الطبيعي للبنان.
كان يفترض ان يتخذ القرار خلال جلسة مجلس الوزراء السابقة لكن الحريري فضل التمهل لدراسة الموضوع. ربما بانتظار الضوء الأخضر الاميركي للاردن المتعلق ببيع الكهرباء الى سوريا.
واذا كان كلام باسيل أثار ردود فعل محلية فإن زيارته مرحب بها سورياً، حيث لاقت مواقف باسيل الأخيرة ترحيباً في الأروقة السورية التي تمنت أن يكون كلامه نابعاً من قرار استراتيجي وليس مجرد فشة خلق قبل أن تعقب أوساط مطلعة على الموقف السوري بالقول إنه “قرار استراتيجي نابع من نية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون”. ولفتت المصادر إلى أن السوريين جاهزون لاستقبال النازحين، وقد أبلغوا لبنان بذلك مراراً وذلك من خلال خطة متفق عليها، فالقرار هو قرار لبناني يستوجب اتفاقاً ولجنة مشتركة لمتابعة الخطوات التنفيذية على الأرض. واعتبرت أن الكرة في الملعب اللبناني، وان سوريا جاهزة لاستقبال النازحين حين يجهز لبنان ولطالما كرّرت دعوتها بهذا الشأن وهذا كلام تبلغه لبنان من خلال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي حمل مراراً وتكراراً الى رئيس الجمهورية حديثاً عن ضرورة تفعيل التعاون وتشكيل لجنة مشتركة لبحث مسألة النازحين.
لطالما اعتبرت سوريا أن عودة النازحين لا تحصل بالخطابات والمواقف وإنما يلزمها قرار من الحكومة اللبنانية، وتقول مصادر مطلعة على أجوائها إنّ “باسيل مرحب به في اي لحظة والتواصل مع لبنان قائم من خلال قنوات عدة”.