فادي عيد: تقارير ديبلوماسية: لبنان على الاجندة الارهابية/خيرالله خيرالله: هل انتهت متاجرة أردوغان بالفلسطينيين؟

191

تقارير ديبلوماسية: لبنان على الاجندة الارهابية
فادي عيد/الديار/28 حزيران/16

تطرح عودة التفجيرات الإرهابية التي استهدفت بلدة القاع فجر أمس، تساؤلاً خطيراً حول احتمال وصول لبنان إلى منعطف صعب تبرز مؤشّراته من خلال التصعيد الإرهابي، الذي يوازي التصعيد الذي تكرّس في الحرب الدولية على تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، كما في العالم كله. وتتحدّث تقارير ديبلوماسية غربية عن جولات من الأخطار والصراعات ما بين القوى التي تحارب إرهاب «داعش» وهذا التنظيم الإرهابي في الساحتين السورية والعراقية، مشيرة إلى أنه كان من المتوقّع حصول تمدّد واختراق لعناصر هذا التنظيم باتجاه المناطق الواقعة على الحدود السورية والعراقية، كما حصل في الأردن الأسبوع الماضي، وفي لبنان بالأمس. وأضافت هذه التقارير، أن متابعة التطورات العسكرية في سوريا بشكل خاص بالتوازي مع أكثر من تحذير حول استهداف الساحة اللبنانية بأعمال إرهابية، تؤدي إلى توقّع الهجمة على الحدود اللبنانية ـ السورية، وسقوط الشهداء في أربع تفجيرات إنتحارية، وبالتالي قراءة هذه التفجيرات من زاوية استهداف لبنان كله، وليس فقط المنطقة الحدودية، حيث أن سهر أهالي بلدة القاع ورصدهم لأي تحركات مشبوهة يقوم بها هؤلاء الإرهابيون، قد أدّى إلى حصول التفجيرات بشكل شبه متزامن وفي منطقة واحدة. واعتبرت أن تكثيف الضربات ضد «داعش» في سوريا، جعلت من قدرة الردّ لدى هذا التنظيم محدودة، بحيث لجأ إلى التسلّل إلى خارج الأراضي السورية لاستهداف البيئة اللبنانية، وذلك في محاولة لخلق حالة من الإرباك الأمني في لبنان. من هنا، فإن الخيارات العسكرية التي بدأت تتكرّس أخيراً في الملف السوري، تكشف عن مسار روسي جديد في المنطقة، وذلك في الوقت الذي تنشغل فيه واشنطن، كما العواصم الأوروبية، في استحقاقاتها الداخلية السياسية والإقتصادية. وتحدّثت عن ضغط متزايد للقضاء على تنظيم «داعش» من قبل القيادة الروسية في سوريا، كما من قبل واشنطن في العراق. ويمهّد هذا التطوّر إلى بدء التحضير لمتغيّرات ميدانية ستكون لها انعكاسات مباشرة على الساحة اللبنانية.
وكشفت التقارير الديبلوماسية نفسها، أن لبنان قد بات اليوم على الأجندة الإرهابية التي تستهدف المنطقة، لافتة إلى أن الإجراءات الأمنية المتخذة قد أدّت إلى إفشال أكثر من مخطّط لتخريب الإستقرار الداخلي الذي تنعم به الساحة اللبنانية رغم كل السلبيات والإرباكات السياسية. وانطلاقاً من هذه المعطيات الجديدة، فإن المرحلة المقبلة ستشهد استنفاراً أمنياً واسع النطاق، للحؤول دون تكرار أي عمليات تسلّل لإرهابيين إلى داخل المناطق اللبنانية، سواء تلك الواقعة على الحدود مع سوريا، أو المناطق البعيدة عنها. وربطت ما بين الواقع الأمني المستجدّ، ومسار الأزمة السورية، حيث توقّعت التقارير نفسها تجميداً للعملية التفاوضية لحساب العمل العسكري، وخصوصاً المواجهة العنيفة الحاصلة في حلب، كونها ستشكّل محور أي مقاربة للحرب السورية من العواصم الغربية، كما الإقليمية. وخلصت إلى أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تحديداً للمسار الذي ستسلكه معركة حلب، التي ترتدي أبعاداً إقليمية ودولية بالغة الأهمية.

هل انتهت متاجرة أردوغان بالفلسطينيين؟
خيرالله خيرالله/العرب/29 حزيران/126
ليس التطبيع التركي – الإسرائيلي سوى عودة إلى المنطق. يقول المنطق، في منطقة لا منطق فيها، أن لا فائدة من المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم بمقدار ما أن المطلوب مساعدتهم في استعادة حقوقهم من دولة تمارس الإرهاب بأسوأ أشكاله. هذه الدولة هي إسرائيل. ما يمكن وصفه بذروة الإرهاب هو إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل المصرّة على تكريس احتلالها للضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وحرمان شعب موجود على الخارطة السياسية للشرق الأوسط من أبسط حقوقه.
ليس كافيا أن تعيد تركيا العلاقات مع إسرائيل بعد قطيعة استمرّت ست سنوات. المهمّ أن تلي هذه الخطوة سياسة تتسم بالواقعية تقوم، أوّل ما تقوم، على التوقف عن بيع الفلسطينيين الأوهام. إلى الآن، لم تبع تركيا في عهد رجب طيّب أردوغان الفلسطينيين سوى الأوهام والوعود الكفيلة بنقلهم من كارثة إلى كارثة أخرى أسوأ منها. تلك كانت نتيجة إرسال تركيا لسفينة تحمل مساعدات لفكّ الحصار عن قطاع غزة، وهو حصار تستفيد منه “حماس” منذ الانقلاب الذي قامت به على الشرعية الفلسطينية في مثل هذه الأيّام من العام 2007. منع الإسرائيليون، الذين يحاصرون غزّة، السفينة التركية من الوصول إلى القطاع وقتلوا تسعة أشخاص كانوا على متنها. بعد ست سنوات وشهر على حادث السفينة التركية “آفي مرمرة”، لا تزال غزة تحت الحصار، ولا تزال “حماس” تتحكم بمواطنيها بعدما حوّلت القطاع إلى “إمارة إسلامية” يسودها الجهل والتخلّف والفقر والبؤس على الطريقة الطالبانية، نسبة إلى حركة “طالبان” في أفغانستان وباكستان. أكثر من ذلك، لا يزال قطاع غزّة منفصلا كلّيا عن الضفّة الغربية في ظل دور مرسوم لـ“حماس” يقوم على خدمة المشروع الإسرائيلي ولا شيء غير ذلك. هل أدرك رجب طيب أردوغان أن كلّ ما فعله كان مصيبة أخرى للفلسطينيين، الذين لا تنقصهم مصائب، وأنّه ساعد “حماس” من حيث يدري أو لا يدري في لعب الدور المطلوب منها إسرائيليا. يتمثّل دور “حماس” في إظهار الشعب الفلسطيني منقسما على نفسه ورافضا لأي سلام من أي نوع كان عن طريق خطاب سياسي يدعو إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، أو من البحر إلى النهر لا فارق.
أن يستفيق أردوغان على الخطأ الذي ارتكبه متأخّرا أفضل من أن لا يستفيق أبدا. في أساس هذا الخطأ اتباع سياسة لا علاقة لها بالتوازنات الإقليمية من جهة، وإطلاق وعود غير قابلة للتحقيق من جهة أخرى.
بعد فلسطين، كانت هناك آمال كبيرة بُنيت على الموقف التركي الحازم من النظام السوري الذي يذبح شعبه مستفيدا من غطاء إيراني – روسي وتواطؤ أميركي لإدارة باراك أوباما. برز هذا الدور منذ اليوم الأوّل لاندلاع الثورة الشعبية في سوريا في آذار ـ مارس من العام 2011. لم يدرك الرئيس التركي منذ البداية أنّه كانت هناك حاجة إلى رد فعل سريع على الجرائم التي يرتكبها النظام السوري، على رأسه بشار الأسد، الذي يمارس أبشع أنواع الإرهاب في حقّ السوريين. لكن المؤسف أن أردوغان فضل الانتظار وصولا إلى مرحلة استطاعت فيها روسيا وإيران منع تركيا من تزويد الشعب السوري بالأسلحة النوعية المطلوبة، أو إقامة منطقة عازلة أو آمنة توفّر حماية للسوريين الهاربين من الحرب التي يتعرض لها هذا الشعب. أين مشكلة أردوغان؟ هل في انتمائه إلى حركة الإخوان المسلمين التي أرادت الاستثمار في نشر البؤس في غزة، واستخدام القطاع في خدمة مشروع يستهدف مصر؟ هل انتهى هذا الرهان إلى غير رجعة كي يتحرر الرئيس التركي من عقدة فلسطين والفلسطينيين والمتاجرة بهم؟ في كلّ الأحوال، تعيد تركيا العلاقات مع إسرائيل، فيما الحصار على غزّة مستمر. سيسمح الإسرائيليون لتركيا بإقامة محطة لتوليد الكهرباء في القطاع، كما يمكن أن يرسلوا إلى الغزاويين مساعدات، على أن تخضع مسبقا للتفتيش الإسرائيلي.
كان قطاع غزّة في غنى عن الحصار منذ الانسحاب الإسرائيلي منه صيف العام 2005، عندما كان آرييل شارون لا يزال رئيسا للوزراء. كل ما كان على “حماس” عمله هو الاستفادة من زوال الاحتلال والمساهمة، في ظل السلطة الوطنية، في القضاء على فوضى السلاح، وبنـاء نواة لدولة فلسطينية يسودها القانون تؤكد أن الفلسطينيين ضحية الاحتلال الإسرائيلي في الضفّة الغربية والقدس الشرقية. بدل أن تفعل ذلك، عمدت “حماس” بدعم إيراني، وهو أمر يبدو أنّه لم يدر في بال أردوغان، إلى إطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل كي تقول للعالم إن شارون كان على حقّ عندما أطلق شعار “لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه”. في نهاية المطاف، انضمّت تركيا إلى إيران في عملية المتاجرة بالقضية الفلسطينية، بل دخلت في منافسة معها دفع ثمنها الفلسطينيون. إيران تحيي “يوم القدس” كلّ سنة في آخر جمعة من شهر رمضان للمزايدة على العرب ليس إلا. في حين تنادي تركيا بفكّ الحصار عن غزة، وذلك كي يتأكّد أن هذا الحصار باق إلى أبد الآبدين. الأمل كبير في أن يكون الوحي هبط على الرئيس التركي واقتنع أخيرا أنّ لا شيء يساعد الفلسطينيين، الذين يمرون بظروف في غاية الصعوبة في ظل إفلاس السلطة الوطنية على كل الصعد وفي كلّ المجالات، أكثر من اعتماد الواقعية. تقول الواقعية إن إسرائيل تتمنى في كل وقت أن تبقى “حماس” واجهة للشعب الفلسطيني. فأيّ زعيم في الحركة، أكان محمود الزهار المحسوب هذه الأيّام على إيران أو خالد مشعل الذي يحاول التظاهر بأنه خرج من دائرة النفوذ الإيراني، يقول كلاما يخدم الاحتلال، لا لشيء سوى لأن الخطاب السياسي لـ“حماس” خطاب جامد تجاوزه الزمن ولا علاقة له من قريب أو بعيد بما يدور على أرض الواقع. أكثر من ذلك، إن هذا الخطاب الحمساوي يصب في تكريس الشرخ القائم بين الضفّة الغربية وقطاع غزّة إلى ما لا نهاية. هل من دور لرجب طيّب أردوغان يخدم الفلسطينيين ويساعدهم في الخروج من المأزق الذي هم فيه، أم أن همّه محصور بالتعاون الأمني مع إسرائيل وإعادة العلاقات معها من أجل مدّ خط أنابيب الغاز الذي يربطها بتركيا؟ هل يمكن الرهان على شخص ينتمي أصلا إلى مدرسة الإخوان المسلمين الذين يستطيعون قول الشيء وعكسه في اليوم ذاته، وأن يعتبروا كل شيء محلّلا لهم باسم الدين… من أجل الوصول إلى السلطة. تظل العلة الكبرى للرئيس التركي، في نهاية الأمر، في ذلك الشبق الذي لا حدود له إلى السلطة، وهو شبق جعل الفلسطينيين يقعون في فخّ الرهان على الأوهام رافضين أن يتعلّموا شيئا من كل التجارب التي مروا فيها منذ نكبة 1948، وصولا إلى نكبة تحويل غزة إلى سجن كبير يقبع فيه مليونا شخص، لا يفرّقه عن السجن الحقيقي سوى أن لا سقف له.