معروف الداعوق: الأزمة السياسية في لبنان ليس سببها نظام الطائف وإنما سلاح حزب الله/نبيل بومنصف: هدفهم حرب أهلية

185

هدفهم حرب أهلية
نبيل بومنصف/النهار/29 حزيران 2016

على رغم امتلاك لبنان ” ثروة قومية ” من المحللين الاستراتيجيين الجاهزين غب الطلب لاحتلال الشاشات عند كل تطور دموي يضرب لبنان استعصى على هؤلاء ومعهم سائر المسؤولين والسياسيين حتى الساعة تقديم قراءة علمية مقترنة بمنطق وادلة وقرائن الى اللبنانيين عما يدبر للبنان من خلال اشرس حرب ارهابية شنت على القاع . يقودنا ما جرى في السابع والعشرين من حزيران 2016 في القاع الى نقطة تبدو غالبا وفي الظاهر هامشية ولكن الهجمات الانغماسية على القاع وقبلها على الضاحية الجنوبية ومثلهما على باريس وسواها في الأنحاء الغربية والعربية تثبت ان معظم العالم يقف ضائعا امام انماط داعش ومشتقاتها منذ نشأة هذا التنظيم الجهنمي . تكفي عودة سريعة خاطفة الى ارشيف وقائع الهجمات الارهابية في السنتين الاخيرتين لتبين عقم بل عدم صلاحية معظم المقاييس والمعايير الاستخباراتية التقليدية في تعقب الخط البياني لداعش واخواتها وسلالاتها المتناسلة غربا وشرقا . تخال العالم يتماثل بلبنان حين ترى التبريرات اللاحقة للهجمات هنا وهناك تؤكد توقعات الاستخبارات الاستباقية ومع ذلك تقع الواقعة ولا مرد لها . بالامس ، ومع كل الاهوال الصادمة التي تملكت اللبنانيين لرؤية القاع تتعرض لاجتياح انغماسي على موجات متعاقبة كأنها القضاء والقدر الذي قرره حاكم الرقة والموصل بحق البوابة المسيحية للبقاع الشمالي وعبره لبنان بأسره  ترانا امام هول اكبر هو افتقاد أي بوصلة واقعية متجردة ترشد اللبنانيين الى ما يخطط لهم ولبلدهم . تنذر هذه الحرب الخارجة عن كل الاطر المتصورة والمتخيلة بشتى انواع التداعيات غير المسبوقة ان في مسار المواجهة مع الارهاب وان على مستوى اشد خطورة يتصل بالواقع الداخلي . لا حاجة بنا الى ابراز معنى ايقاظ المخاوف اللبنانية الى سقوف الذعر والغضب المتفجر الكاسح الماسح حيال مخيمات اللاجئين السوريين المنتشرة بعشوائية هائلة في البقاع وسائر المناطق . ولا حاجة بنا الى ابراز معنى ان يرتد ابناء القاع والبقاع الشمالي من كل الطوائف الى حمل السلاح الاضطراري للدفاع عن الوجود بما ينطوي عليه من ردة مخيفة ولو قسرية الى الحمايات الذاتية . ولكن ترانا في حاجة اكبر الى ابراز خطورة ان نفتقد ادارة سياسية مقتدرة في الحدود القصوى لا الدنيا لمواجهة هذا الاستهداف الاخطر منذ هجمة عرسال وانفجار تداعيات الحرب السورية على الحدود كما في الداخل اللبناني تباعا بما فيه الصراع التصاعدي حول تورط ” حزب الله ” في الحرب السورية . يتفرج العالم على القاع ولبنان كما تفرج عاجزا او متواطئا في أمكنة اخرى . ولكن ليس في كل مكان يقيم اكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري . فماذا تراه يفعل ان نجح الانغماسيون في تحويل ضحايا اللجوء السوري وضحايا الرعب اللبناني مشروع حرب أهلية عنصرية لا تبقي ولا تذر ؟

الأزمة السياسية في لبنان ليس سببها نظام الطائف وإنما سلاح «حزب الله»
أي صيغة سياسية لا تلحظ حلولاً لمشكلة سلاح الحزب لن تؤدي إلى حل الأزمات المتلاحقة
التذرّع بسوء النظام السياسي مقابل مشاريع تستبطن الإستقواء بالسلاح غير الشرعي للحزب مردّه إلى إبقاء لبنان في حالة الفراغ وعدم الإستقرار
معروف الداعوق/اللواء/28 حزيران/16
تتردد منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان وطوال مرحلة الفراغ الرئاسي المتواصلة منذ سنتين دعوات متواصلة يسوّق لها أتباع «حزب الله»، تروّج بأن السبب الأساس وراء الأزمة التي يتخبّط فيها لبنان حالياً هو النظام المنبثق عن دستور الطائف، وأنه إذا كان لا بدّ للتخلص من الأزمات المتلاحقة وعدم الاستقرار، فيجب البحث عن صيغة نظام سياسي جديد، تارة من خلال الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي وتارة أخرى إعتماد المثالثة وأخيراً طرح صيغة السلّة المتكاملة والتي ترتكز على الاتفاق على قانون انتخابات جديد، والتفاهم على إسم الرئيس العتيد ورئيس الحكومة المقبلة وشكل الحكومة وبيانها الوزاري. ويبدو من خلال الصيغ المطروحة بأشكالها وآلياتها أنها تشكّل انقلاباً موصوفاً على دستور الطائف رغم الصيغ التجميلية التي تقدّم من خلالها لأنها بالأساس تتجاوز الدستور الحالي وتؤسس لحالة سياسية جديدة تتنافى كلياً مع النظام القائم، وتتضمن في خلاصاتها للإذعان إلى هيمنة واستقواء «حزب الله» بسلاحه غير الشرعي وتسليم الدولة اللبنانية لسلطة هذا السلاح وتحكمه، وتبعيته الموصوفة للنظام الإيراني خلافاً لرغبة وتوجهات معظم أبناء الشعب اللبناني الذين يرفضون مثل هذا الانقلاب على دستور الطائف، لأنه يؤسّس لأزمات ونزاعات بين اللبنانيين لا يمكن التكهن بنتائجها مستقبلاً.
فالترويج المتواصل بأن سبب الأزمة السياسية الحالية هو النظام السياسي كما يروّج لذلك «حزب الله» وأتباعه من «التيار العوني» وغيره، ليس صحيحاً على الإطلاق، لأن الأزمة مردّها إمعان الحزب بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية من خلال منع النواب بالقوة والترهيب من حضور جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية كما هو معروف للقاصي والداني معاً تحت حجج وذرائع مزيفة ومختلقة للتهرّب والتلطي وراء هذا التعطيل، وفي الوقت نفسه يستمر الحزب في خرق الدستور وتجاوز إرادة اللبنانيين بعبور الحدود الدولية والقتال إلى جانب نظام بشار الأسد ضد أبناء الشعب السوري الثائرين ضده والمشاركة في الحروب المذهبية بالعراق واليمن وإثارة القلاقل والفتن في البحرين وغيرها.
ومن هنا فإن التذرع بسوء النظام السياسي الحالي مقابل طرح صيغ ومشاريع جديدة تستبطن الاستقواء بالسلاح غير الشرعي للحزب والميليشيات التابعة له مرده إلى إبقاء لبنان في حالة من الفراغ السياسي وعدم الاستقرار في المرحلة الحالية، ليتسنى للحزب استمرار استعمال لبنان منصّة لتنفيذ الخطط والمطامح الإيرانية في المنطقة، ريثما تنضج مرحلة عقد الصفقات الإقليمية على أنقاض الحروب الأهلية التي يُشارك فيها الحزب والنظام الإيراني بكل قواه في العديد من دول المنطقة، ولقطف ما يمكن من ثمارها مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس الجديد.
إلا أن التذرع بسوء النظام السياسي من قبل «حزب الله» وأتباعه العونيين وغيرهم للإمعان في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية والترويج لمشاريعهم وطموحاتهم لتغيير دستور الطائف والانقلاب عليه بقوة السلاح، لا يبدو أنها تلقى الحد الأدنى من القبول لدى خصومهم السياسيين، مهما غُـلّـفت هذه الصيغ المطروحة بعبارات منمّقة من هنا وهناك، لأنه في قناعة معظم الطاقم السياسي واللبنانيين عموماً بأن السبب الأساس للأزمة الحالية وما سبقها ليس النظام السياسي المرتكز على اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية بين اللبنانيين، وإنما بسبب استمرار وجود السلاح غير الشرعي في أيدي «حزب الله» وحلفائه بالتحديد. ولذلك، فإن طرح أي صيغة مهما كانت متقدمة ومقبولة لإنهاء الأزمة السياسية القائمة حالياً، لن تؤدي إلى خلاص لبنان من أزماته، إلا إذا كانت تلحظ في أساسها إيجاد حل نهائي لمشكلة سلاح «حزب الله» وكل الميليشيات على اختلافها، وإلا سيبقى لبنان يدور في حالة من عدم الاستقرار والفوضى والفلتان الأمني المتنقل والمحمي من حَمَلة هذا السلاح، ولا يبدو أن مثل هذا الطرح ملحوظ حالياً، وبالتالي فان كل الصيغ والمشاريع غير قابلة للصرف في الوقت الحاضر على الأقل.