عبد الوهاب بدرخان: الانسحاب الروسي إشارات وحسابات/وسام سعادة: الانسحاب الروسي المعلن عنه في أيلول الماضي/روزانا بومنصف: الانسحاب الروسي يغيّر قواعد اللعبة

221

الانسحاب الروسي… إشارات وحسابات
عبد الوهاب بدرخان/النهار/16 آذار 2016

الأرجح أنه لا تمكن المراهنة على الانسحاب الروسي كتغيير مهم وجوهري. نعم، فيه اشارات لكنها لا تتعلّق بالوضع الميداني، فالقوة الجوية التي قلبت المعادلة لمصلحة النظام باقية في قاعدة حميميم. هو بالأحرى سحبٌ لقدرات عسكرية استقدمت اضافياً وتحسّباً لاحتمالات ثلاثة: توجّه اميركي – اطلسي الى التصعيد، انخراط تركيا في مواجهة واسعة ولو بدعم أطلسي محدود، دخول قوات برّية تركية – سعودية. هذه احتمالات تراجعت الآن، لأن واشنطن لم تحِد عن تفاهماتها مع موسكو، وإنْ كانت الأخيرة هي التي تستخدم تلك التفاهمات بتصرّف مفرط أحياناً، كما فعلت أوائل الشهر الماضي عندما غطّت جويّاً هجمات النظام السوري والميليشيات الايرانية والكردية بالتزامن مع الانطلاقة المفترضة للمفاوضات في جنيف. بعد ذلك تفاوض الاميركيون والروس على وقف لإطلاق النار، وهو ما رفضه الاسد والايرانيون دائماً، ولم يكونوا يحبّذونه على الاطلاق. وبطبيعة الحال لم يُستشَروا قبل انجاز الاتفاق مثلهم مثل المعارضة السورية.
واقعياً، لم يحصل تغيير دراماتيكي يمكن أن يقلق النظام السوري أو ايران. لكن الاعلان الروسي يوم “استئناف” المفاوضات في جنيف، وعلى خلفية هدنة “صامدة” رغم هشاشتها، يضطر دمشق وطهران الى التواضع في طموحاتهما وحساباتهما. هذا ينطبق بالضرورة على أي سيناريوات تعتمدانها لنسف المفاوضات وإسقاط الهدنة للعودة الى خطة الحسم العسكري الشامل. لا يزال بإمكان الاسد والايرانيين القيام بخروقات خطيرة لوقف اطلاق النار، لكن أي تصعيد بهدف الحسم لا بدّ من أن يمرّ بموافقة الروس. وهؤلاء اتفقوا مع الاميركيين على اعطاء فرصة حقيقية للمفاوضات، ولا يريدون أن يكون النظام الطرف الذي يُفشلها. لذلك نبّه جون كيري موسكو الى أن تصريحات وليد المعلم عن “الاسد خط أحمر” و”الانتقال السياسي هو حكومة قائمة يشارك فيها الطرف الآخر” تعبّر عن تصميم مسبق على عرقلة المفاوضات وافشالها، وبادر سيرغي لافروف الى انتقاد تلك التصريحات من دون تحديد، لكن دمشق تلقّت الرسالة.
الجديد في الموقف الراهن ورد عابراً في أحد تصريحات ستافان دو ميستورا، الذي شرح أن المفاوضات ستكون على ثلاث جولات وإذا فشلت سيعاد الملف الى مجلس الأمن. هذا يعني، بالنسبة الى الاسد والايرانيين، أن التفاهمات الاميركية – الروسية تفرض عليهم أقصى احترام ممكن للهدنة وبذل جهد لإنجاح المفاوضات. وهي التزامات فُرضت أيضاً على المعارضة (وداعميها). لكنه يعني تالياً أن ما بعد فشل المفاوضات سيكون شأن اميركا وروسيا أولاً، وبشكل ثانوي شأن “مجموعة فيينا”، قبل الوصول الى مجلس الأمن. قد تشكّل هذه مرحلة المباشرة في اخراج سيناريوات التقسيم أو الفدرلة الى العلن. صحيح أن الاسد والايرانيين لا يرفضونها، بل يرحّبون بها، لكنهم يفضّلون أن تأتي الخطوة الأولى من حلفائهم الأكراد، وهذا حاصل.

الانسحاب الروسي المعلن عنه في أيلول الماضي
وسام سعادة/المستقبل/16 آذار/16
مفاجأة اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب الجزء الأكبر من قوة بلاده التدخلية في سوريا، والمسارعة الى التطبيق المشهدي لهذا الاعلان، قد يقلّل منها أنّ موسكو نفسها، يوم دشّنت هذا التدخل الحربي في أيلول من العام الماضي، قدّرت مدّته بنحو أربعة أشهر. من وجهة النظر الروسية الرسمية، أدى التدخل هدفيه المرجوين: انقاذ النظام السوري من عملية تهاويه بين براثن الجماعات المسلّحة المناوئة له وبمنأى عن أي حل سياسي، واعادة تأهيل العملية السياسية على قاعدة «الندية الأميركية – الروسية»، وبالارتكاز الى أول هدنة جدية، على هشاشتها، تعرفها الحرب السورية منذ اندلاعها. بالتوازي لم يكن التدخل مكلفاً لموسكو. صحيح أنه «تصادف» مع أزمة تهاوي سعر صرف الروبل، لكنه «تصادف» أيضاً مع التقارب الروسي – الفرنسي، ثم الروسي – العربي، الأول على خلفية هجمات باريس، والثاني على خلفية مواقف باراك أوباما المعتبرة عربياً «محابية لإيران». بالنتيجة، مكّن التدخل الجوي الروسي المتواصل لأشهر عدة النظام السوري من الوقوف على قدميه مجدداً، وبشكل لن يزول مفعوله مباشرة بعد الانسحاب، لكن الانسحاب يأتي فيقوي قدرة التحكم الروسية بالوضع السوري، بما في ذلك وضع رأس النظام السوري نفسه، بدلاً من أن يؤدي استمرار النمط نفسه من التدخل الى استفادة بشار الأسد منه وتحلّله، وحليفه الايراني، من التوجيه الروسي العام، تباعاً. الانسحاب بحد ذاته سيبقى نسبياً ما دمنا نتكلم في الأساس عن قوة تدخل جوية، من الميسر اعادة نشرها في سوريا أنى دعت الحاجة بالنسبة الى الروس. وبالطبع، مرت فترة من الوقت على التزام روسيا انسحابها من شرق اوكرانيا، لكن الجميع يدرك الطبيعة المتبدلة .. والتدخلية .. لذاك الانسحاب. لكن نسبية الانسحاب لا تعني أننا لسنا أمام لحظة فاصلة. بالعكس. التدخل الجوي في شكله الذي عرفناه من أيلول الى الآن انتهى، وان كانت المرحلة المقبلة سوف تشهد عمليات تدخل «كوماندوسية» روسية، مضبوطة على تموجات العملية السياسية واحتقاناتها. الآفاق المتاحة أمام العلاقات الروسية – العربية والروسية – الغربية ستلعب دوراً أساسياً في تحديد «النسبة الواقعية للانسحاب». بالتوازي، استمرار الجفاء الروسي – التركي، واستمرار التقاطع الاستراتيجي بين موسكو وطهران في مسائل عديدة، سيدفع دفعاً بالاتجاه الذي يحد من آفاق التقارب الروسي – العربي. السؤال هنا: الى أي حد؟ لا يمكن تقرير ذلك الآن بشكل حاسم. فمن المبكر القول ان موسكو انتقلت الى خيار «الاوتانازيا» (الاماتة الرحيمة) لنظام آل الأسد، ذلك ان استفادته من شهور تدخلها لا تزال سارية المفعول ولن تتبخر بين ليلة وضحاها، في حين انه لم يعد بمقدوره شن عمليات هجومية واسعة، وصارت مصلحته في الحفاظ على الهدنة الحالية، حتى اشعار آخر. لكن الحفاظ على الهدنة لن يكون ممكناً من دون «انفتاح النظام» على احدى فكرتين: اما خسارته رأسه، أو نأيه بعض الشيء عن حليفه الايراني، أو كلا الأمرين معاً. الاستبلشمنت الروسي يهنئ نفسه في هذه الأثناء بأنه برع في اختيار لحظة التدخل ولحظة تعليق التدخل. المراقب ليس مضطراً للمصادقة على صحة هذه البراعة أو عدمها، لكنه ليس بوسعه أبداً المكابرة على حيوية السياسة الروسية بازاء المسألة السورية: هي حيوية ليس بالمستطاع حسابها طول الوقت من زاوية ربح أو خسارة. الانسحاب أتى فعلاً بعد نجاح التدخل الروسي في التعويم النسبي لنظام آل الأسد، لكنه يريد كانسحاب تحويل الرصيد الى تعويم الديبلوماسية الروسية نفسها، ودون ذلك صعوبات كثيرة.

 

الانسحاب الروسي يغيّر قواعد اللعبة… كما تدخّله هل احتاج بوتين إلى استراتيجية خروج من سوريا؟
روزانا بومنصف/النهار/16 آذار 2016
تتحرك روسيا في سوريا على أنها اللاعب الدولي الوحيد الذي تم التسليم أميركياً بمرجعيته في الشأن السوري. ليس واضحا إذا كانت روسيا توجه رسالة عبر إعلان انسحابها في التاريخ نفسه لانطلاق الانتفاضة السورية بأنها تضع اللبنة الأساس في الموعد نفسه، إنما لانطلاق العملية السلمية بدلا من الحرب إذا كانت صادقة في سحب قواتها ولم يكن ذلك مجرد قنبلة دخانية، لكن الانسحاب كما التدخل الروسي من شأنه أن يغيّر قواعد اللعبة في سوريا وحولها. تدخلت روسيا بأهداف مخفية وبأسباب معلنة تبين الوقائع عدم صحتها لجهة محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” ما دامت تنسحب من دون ان تقضي على هذا التنظيم كما قالت، فيما عمدت الى انتشال الرئيس السوري من السقوط. وفجأة يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب قواته الرئيسية، فيما لم تنته العواصم الكبرى من تحليل تداعيات تدخله ليترك هذا القرار الجديد مثار تكهنات حول تداعياته وما إذا كانت ستدفع في اتجاه تزخيم العملية السلمية السورية في جنيف أو أنها ستدفع النظام وايران وحلفاءه من الميليشيات الشيعية الى استكمال استعادة السيطرة، فلا يحرج هو أمام الدول الخليجية أو الرأي العام السني في الجمهوريات السوفياتية سابقا، ما دام لن يكون مسؤولا عن اندفاع النظام وحلفائه بعد سحب قواته، او انه في حاجة الى استراتيجية خروج من سوريا وفّرها بدء العملية السلمية في ضوء أوضاع روسية داخلية صعبة. فالقرار الاستعراضي المفاجئ والسريع والفوري التنفيذ يشي بأنه لم يأت في سياق طبيعي، بل في سياق إشكالي، وهو باعه للداخل الروسي، بمقدار محاولة بيعه للدول الغربية، على نحو ساهم في إعادة تحسين سعر الروبل الروسي في مقابل الدولار الاميركي نظرا الى الارتياح الذي أثاره قراره لدى الروس، في ظل اختناق اقتصادي يواجه الوضع في روسيا وقلق من الغرق كما كانت الحال في افغانستان. ومع أن ديبلوماسيي العواصم الغربية أعربوا عن أملهم في أن يشكل سحب روسيا قواتها العسكرية ضغطا على النظام من أجل المضي في العملية السلمية، فإن ثمة شكوكا في أن يكون هناك سيناريو آخر مبني على انسحاب بوتين مما يمكن ان يحصل ميدانياً من جانب الاسد وحليفه الايراني، انطلاقا من توافر معلومات موثوق بها عن استحالة ان يقدم النظام اي تنازلات في التفاوض، وهو غدا أكثر وثوقاً من قدرته على استعادة السيطرة بعد الدعم الذي قدمه له الروس. وتاليا، فإنه سيحاول أن يستكمل تقدمه في بعض المناطق ليضيق هامش المعارضة. فأن يكون وزراء خارجية الدول الغربية أبدوا رد فعل سلبيا على ما اعلنه وزير خارجية النظام وليد المعلم من خطوط حمر، تبدأ بالاسد وصولا الى الانتخابات الرئاسية والمرحلة الانتقالية، لا يعني أن هذا النظام لن يسعى الى تحقيق أهدافه أو يحاول على الأقل.
فقبل أيام قليلة، نقل عائدون من العاصمة الاميركية أن التسوية التي كان مزمعا إطلاقها، وهي بدأت في 14 آذار في جنيف ويتوقع الوصول اليها في سوريا، لا كلام كثيرا حولها في واشنطن، بل ان الانطباع هو أن الولايات المتحدة تركت المبادرة لروسيا. ولدى أي اعتراض غربي أو عربي، يقابل المسؤولون نشاط الروس في سوريا بمرونة، وأحيانا بعدم اكتراث، وأحيانا بمحاولات للضغط على الروس ديبلوماسياً، انطلاقاً من أن الولايات المتحدة باتت خارج معادلة القوى الفاعلة والفعلية في سوريا. والانطباعات الأخرى التي نقلها زوار العاصمة الاميركية هي أن الحل في سوريا غير وشيك، على غير ما ينقل عنهم في بعض مواقفهم، إذ لا يزال بشار الاسد، كما سيظهر خلال الأيام والأسابيع المقبلة، رافضا التفاوض، وهو لن يفعل، وان الروس قالوا للاميركيين انهم وعدوهم بأنهم سيأتون بالاسد الى المفاوضات، لكننا لم نعد بتقديمه تنازلات. والأمر الآخر هو أن لا خطة “ب” لدى الاميركيين بتقسيم سوريا أو أي مسار آخر للحلول على رغم تلويح وزير الخارجية جون كيري باحتمال ذهاب سوريا الى التقسيم في حال فشل مسار الحل السلمي.
في أي حال على غرار ما شكل التدخل الروسي في سوريا في نهاية ايلول الماضي صفعة للولايات المتحدة، فإن إعلان روسيا سحب القسم الاكبر من قواتها من سوريا هو صفعة إضافية لادارة الرئيس باراك أوباما، حتى لو لم تكن هذه الادارة تكترث لسوريا، وهي سلمت او تركت الوضع السوري في يد الروس. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين استطاع ان يظهر ان دولة مهتمة وليست فقط كبيرة يمكنها أن تتدخل من أجل حماية ما تعتبره خطوطا حمرا، على غرار تدخل روسيا لمنع سقوط بشار الاسد، من دون أن تنغمس طويلا في الوحول السورية، كما تنبأ اوباما للتدخل الروسي، وهذا التدخل يمكنه أن يغير موازين القوى على الارض. وهما أمران نظّر الرئيس الاميركي لهما خلال الاعوام الاخيرة في تبريره عدم التدخل في سوريا، عارضا خططاً على غرار التدخل في العراق او افغانستان، ليخلص الى عدم التدخل على الإطلاق لعدم القدرة، وفق قراءاته المشابهة في رأي مراقبين كثر لقراءات الاكاديميين وليس رؤساء الدول، على تغيير موازين القوى على الارض. فهل ينجح انسحاب رئيسي لروسيا من سوريا في إرباك حسابات الولايات المتحدة كما حسابات اللاعبين الداخليين، ولا سيما النظام وحليفته ايران؟ هذا ما يعتقد كثر انه سيحصل كيفما كان اتجاه هذا الارباك.