بتول الحسيني: بعد الانسحاب الروسي من شيطانك الاكبر يا سيد حسن/خيرالله خيرالله: آذار السوري بعد 14آذار اللبناني/علي الأمين: حزب الله ولبنان وامتحان الإرهاب عربيا

271

بعد الانسحاب الروسي… من شيطانك الاكبر يا «سيد حسن»
بتول الحسيني/جنوبية/ 15 مارس، 2016

لم تكن المفاجأة التي أعلنها يوم أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متوقعة، لا بالنسبة للخصوم ولا الحلفاء، فقرار الإنسحاب من سوريا شكّل حدثاً سريعاً قلب الأوراق وبدّل كل الاستراتيجيات المطروحة. ولكن وبعيداً عن الساحة السورية وتطوراتها لا بد لنا من التساؤل لبنانياً: متى سيطل السيد حسن نصر الله؟ ممّا لا شكّ به أنّ حزب الله كما النظام السوري فوجئ بالقرار الروسي الذي ما زالت التحليلات السياسية تدرس أبعاده حتى اللحظة، والتي يشير البعض منها إلى تقارب روسي – سعودي، فيما يؤكد البعض الآخر على قرب نهاية بشار الأسد، وفي حين هناك شبه إجماع على أنّ سقوط النظام أصبح وشيكاً، لا بد لنا من العودة للداخل ولحزب الله الذي هو طرف أساسي بالحرب السورية أولاً، واليمنية ثانياً وليس آخراً. من المؤكد أنّ اتصالاً جرى بين السيد حسن وبشار الأسد ليل أمس، لا سيما وأنّ الصحافة المتابعة للشأن السوري أكدت أنّ النظام لم يكن على علم مسبق بالإنسحاب، وأنّ إعلامه والإعلام الإيراني تدارسا كيفية نقل الخبر بصورة لا يظهر بها جلياً التخلي الروسي عن الأسد. حزب الله ليس بتاجر كما الروسي، وبالتالي لن يبيع بشار الأسد كما القيصر بوتين، يضاف إلى ذلك أنّ الحزب لم يعد يحظى لا بشرعية عربية ولا بحاضنة لبنانية “اللهم إلا المذهبية الشيعية”، فكيف سيعود إذا هو وعتاده وهزائمه إلى لبنان، وهو صاحب النصر الإلهي؟! بداية الخطوة الروسية تجعلنا نتوقف عند عدة نقاط شهدناها في المرحلة الأخيرة وهي، زيارة الحريري الخاطفة إلى السعودية، وتوجيهه دعوة إلى السيد حسن للعودة إلى لبنان، وإعلانه أنّ الانتخابات الرئاسية سوف تجري في نيسان، اضافة الى المعلومات الصحفية التي تشير إلى تقارب روسي – سعودي.
ترابط هذه الخيوط يوحي بدلالات مختلفة، أنّ التصعيد الخليجي ضد الحزب جاء مدروساً ومتزامناً مع استمالة الدب الروسي، وبينها أيضاً أنّ زيارة الحريري للسعودية لم تكن بالعائلية وإنّما للإضاءة على المرحلة القادمة، وهذا ما تشيره دعوة الحريري للحزب أن يعود إلى لبنان.
يضاف إلى ذلك أنّ السعودية ودول الخليج عموماً لا تتمحور مشكلتها مع حزب الله “كحزب” وإنّما كحليف للنظامين السوري والإيراني، وكمنابر شتّامة تهين العرب وتمسّ بهيبتهم وكرامتهم. ممّا يعني أنّه باللحظة التي يعود بها حزب الله ملبياً دعوة الحريري، ستعاود الخليج دراسة علاقتها مع الدولة اللبنانية كدولة مستقلة لا دولة خاضعة لدويلة الحزب. حزب الله أمام  هذه التداعيات المتسارعة في موقف لا يحسد عليه، ولكن وفي المقابل ومع كل التضييق على وجوده، ما زال هناك من يطلب منه العودة إلى الشرعية اللبنانية، وهذا الخيط الواهي بينه وبين الدولة عليه ان يقوّيه ويبني عليه للمرحلة القادمة ليتحوّل الى حبل نجاة له وللبنانيين أجمعين. فهل يمتلك السيّد من الجرأة ما يكفي ليتخلى عن الأسد وعن المشروع الفارسي وعن الإيديولجيا الإيرانية، أم أنّ التكليف الشرعي للحرب السورية لا يتأثر لا بإنسحاب روسي ولا بهزيمة حتى، وهذا ما يجعل لبنان تحت خطر آخر، لأنّ الحزب- الإلهي صاحب “الوعد الصادق” لا يهزم ولا يتراجع، ممّا يعني أنّ الساحة متاحة لتكرار سيناريو 2006 وربما عبارة “لو كنت أعلم“. ففي هذه المرحلة، إن لم يتراجع حزب الله عن خطيئته، فذلك قد يعني أنّ حرباً قريبة مع اسرائيل سوف نشهدها، تمنح للحزب شرعية الخروج من سوريا، فالتكليف ضد الصهيوني أكثر شرعية من تكليف ضد الشعب السوري، مما يرغم اللبنانيين والعرب على الإعتراف مجدداً بأنّ حزب الله هو مقاومة لبنانية ضد العدو الإسرائيلي. في ظلّ كل هذا لا يسعنا سوى انتظار إطلالة قريبة للسيد حسن نصر الله، ولا نستبعد ان يعلن فيها بأنّ الروسي مشاركاً بالمؤامرة الكونية ضد المقاومة وبشار الأسد، ولربما تتحوّل عبارة الشيطان الأكبر التي انتقلت من أميركا إلى السعودية، فتنتقل مجددا للمحور الروسي!

 

آذار السوري بعد 14آذار اللبناني
خيرالله خيرالله/المستقبل/16 آذار/16
بدأ الانسحاب الروسي من سوريا أم لم يبدأ… هل هو مناورة ام انسحاب حقيقي؟ الاكيد ان شيئا حصل يؤكد انه لم يعد من أمل لدى موسكو في المراهنة على بشّار الاسد. ليس سرّا ان الاعلان الروسي عن بدء الانسحاب من سوريا في الرابع عشر من آذار 2016 ليس حدثا عاديا. هل صدفة انه يأتي بعد الرابع عشر من آذار اللبناني في العام 2005 الذي اخرج القوات السورية من لبنان؟ هل يخرج الرابع عشر من آذار السوري بشّار من سوريا بعدما اخرجه الرابع عشر من آذار 2005 من لبنان؟ في ايلول الماضي، بدأ التدخل الروسي المباشر في الحرب على الشعب السوري. تحدّثت موسكو، تحت غطاء محاربة «داعش«، عن ضرورة انقاذ بشّار الاسد الذي صار نظامه في حال «موت سريري«. هل كان فلاديمير بوتين يريد انقاذ بشّار الاسد ام المزايدة على رأسه من اجل ثمن تريد روسيا قبضه؟ استطاع فلاديمير بوتين توفير جرعة حياة جديدة لبشّار الاسد ونظامه وذلك بعدما تبيّن ان الميليشيات المذهبية التي ارسلتها ايران الى سوريا، في مقدّمها ميليشيا «حزب الله« اللبنانية، لم تعد قادرة على تنفيذ المطلوب منها. تحرّك بوتين في الوقت المناسب بتنسيق مباشر مع ايران واسرائيل في الوقت ذاته. من يتذكّر ان الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس« في «الحرس الثوري« الايراني زار موسكو قبيل التدخل العسكري المباشر لروسيا؟
كذلك، لم يتأخّر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن المجيء الى موسكو لتأكيد وجود تفاهم روسي ـ اسرائيلي في شأن كل ما له علاقة بالموضوع السوري من قريب او بعيد. فعندما اكتشفت اسرائيل ان هناك من يحضّر لعمليات تستهدفها تنطلق من الجولان، سارعت الى اغتيال سمير القنطار، وهو لبناني كان في سجونها اثر تنفيذه عملية استهدفت سكّان احدى المستوطنات الاسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية في سبعينات القرن الماضي. لم يكن سمير القنطار سوى وسيلة انتهى مفعولها عندما صار واضحاً ان لا شيء يعلو على التفاهم الروسي ـ الاسرائيلي في سوريا.
لم يكن استهداف القنطار بتلك الدقة سوى نتيجة للتنسيق الروسي ـ الاسرائيلي الذي عكس رهانا، موقتا، على بشّار الاسد ونظامه في ظلّ شروط معيّنة. هذه الشروط لم تعد متوافرة حاليا في ضوء اكتشاف موسكو ان ثورة الشعب السوري حقيقية اكثر بكثير مما يعتقد وان لا شيء يمكن ان يوقفها.
يكمن جديد الاعلان الروسي عن بدء الانسحاب العسكري من سوريا في انّ هناك تطورا طرأ على الارض في وقت بدأت في جنيف جولة جديدة من المفاوضات بين النظام والمعارضة بإشراف الامم المتحدة. ليس سرّا انّ سوريا اكتشفت ان بشّار الاسد لم يعد يمتلك قوّات تستطيع الاستفادة من الغارات الجوية التي نفّذتها. وليس سرّا ايضا انّ روسيا تبحث عن ثمن لرأس بشّار الاسد. اكثر من ذلك، ليس سرّا ان ايران ما زالت متمسّكة ببشار الاسد وبإمكان اقامة دويلة تحت سيطرته، ذات امتداد في لبنان. مثل هذه الدويلة تؤمن لإيران جسرا الى «حزب الله« الذي يسيطر على مقدرات الدولة اللبنانية والذي يظلّ الى اشعار آخر كنزا ثمينا لا خيار آخر لدى طهران سوى المحافظة عليه. مثل هذا المشروع الايراني قائم على وهم اكثر من اي شيء آخر لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى ان ليس في الامكان اقامة دويلة في سوريا ليس فيها اكثرية سنّية مهما اشترت ايران اراضي ومهما قامت بعمليات تطهير ذات طابع مذهبي. هذا سبب اكثر من كاف لاقتناع موسكو بان ليس في الامكان الذهاب بعيدا في التنسيق مع ايران بدل جني مكاسب تصب في خدمة المصالح الروسية بالاتفاق مع الادارة الاميركية. في مقدّم هذه المصالح الروسية اغلاق الساحل السوري في وجه اي انابيب للغاز يمكن ان يكون مصدره الخليج العربي ووضع اليد على حقول الغاز السوري التي تشكّل ثروة كبيرة. انسحب الروس ام لم ينسحبوا، بات مصير بشّار محسوما. كلّ ما فعله الرجل انّه لعب الدور المطلوب منه ان يلعبه في تدمير سوريا وتفتيتها. مهما تحدّث النظام السوري عن تنسيق مع موسكو في شأن الانسحاب العسكري الروسي، يظلّ السؤال المطروح هل اقتنع بوتين بأن لا مفرّ من قبض ثمن رأس بشّار قبل فوات الاوان؟ في غياب الاجوبة الواضحة والحاسمة عن مثل هذا السؤال، ما لا بدّ من ملاحظته انّ هناك ارتفاعاً لأسعار النفط في الايام القليلة الماضية. مثل هذا الارتفاع للأسعار لا يمكن سوى ان يسرّ الرئيس الروسي الذي يمر بلده بأزمة اقتصادية عميقة، كما يعرف قبل غيره انّ روسيا ليست دولة عظمى، بل كل ما تستطيع عمله هو الاستفادة من تخاذل رئيس اميركي اسمه باراك اوباما يختزل مشاكل الشرق الاوسط وازماته بالملفّ النووي الايراني. ما ثمن رأس بشار الاسد؟ هل قبض بوتين الثمن او بعض الثمن سلفا؟ هل ارتفاع اسعار النفط دفعة اولى اقنعت بوتين بان الرهان على بشّار الاسد رهان خاسر… هذا اذا كان الرئيس الروسي قبل يوماً الدخول في مثل هذا الرهان!

 

حزب الله ولبنان وامتحان الإرهاب عربيا
علي الأمين/العرب/16 آذار/16
تشكل العلاقات الخليجية اللبنانية عنوانا أول في السجال اللبناني الداخلي، لا سيما في ظل تصاعد الإجراءات العقابية التي تتخذها هذه الدول تحديدا، والعربية عموما، تجاه حزب الله، وفي ظل مسار التهدئة الميدانية في سوريا وانطلاق جولات التفاوض العرجاء بين أطراف المعارضة وممثلي النظام السوري، تتنامى المخاوف من أن يكون لبنان مسرح تصفية حسابات لا سيما مع التهديدات التي وجّهها تنظيم داعش إلى حزب الله وإلى الرئيس سعد الحريري، وإلى المسيحيين عموما. القلق من تصعيد أمني في لبنان، احتمال وارد في ظل تردي الأوضاع السياسية، وفي ظل الاهتزاز الاقتصادي والمالي، لكنّ أوساطا دبلوماسية أميركية في بيروت لا تزال تؤكد على أن الرسائل الدولية والغربية تحذر اللبنانيين من الغرق في مستنقع الصراع الدموي، ودعت إلى مواجهة مثل هذه المخاوف الحقيقية بانتخاب رئيس الجمهورية والانتقال إلى مرحلة تحصين المؤسسات الدستورية.
إذا كان الموقف الأميركي والغربي لا يزال في إطار حماية الاستقرار النسبي في لبنان، فإن المتابعة لتطورات الموقف الأميركي – الروسي في الأزمة السورية، باتت تشكل محور الاهتمام العربي والإقليمي، لا سيما أن خروقات بدأت تبرز على صعيد قوى المعارضة ولاحت أخيرا من القاهرة مع إعلان رئيس الائتلاف السوري السابق، أحمد الجربا، عن تشكيل تيار الغد في سوريا قبل أيام، والذي قرأته أوساط إقليمية باعتباره تطورا داخل المعارضة يقوم على استثمار الثقل المصري في المعادلة السورية، لا سيما أن القاهرة متمسكة بدورها العربي، ولكن هذه المرة بوجهة جديدة تقوم على منافسة دول إقليمية كتركيا وقطر، على التأثير في خيارات المعارضة. هذه المؤشرات الإقليمية في المشهد السوري، جعلت حزب الله أكثر تمسّكا بسطوته في المعادلة اللبنانية. برز ذلك من التعامل مع التصعيد الخليجي بمزيد من توجيه رسائل باتجاه الداخل والخارج اللبناني مفادها أن إيران، من خلال حزب الله، ليست في وارد إنجاز تسوية في لبنان لا يكون حزب الله هو الحاكم فيها، وضمن معادلة دولة داخل الدولة وموقع إيران الثابت في مواجهة أي منافسة عربية على لبنان.
إذا خُيّرنا بين الانحياز للتضامن العربي وإيران، فإننا نقف إلى جانب إيران. قالها أحد وزراء حزب الله داخل مجلس الوزراء خلال الإعداد لبيان الحكومة الشهير الذي صدر في أعقاب الإجراءات الخليجية العقابية. قالها ردّا على سؤال من أحد وزراء تيار المستقبل.
هذا الجواب يختصر، إلى حد بعيد، السياق الذي عليه الموقف اللبناني من الاستحقاقات العربية، سواء في اجتماع وزراء الخارجية العرب منذ أيام الذي أدرج حزب الله على لائحة الإرهاب العربية، وهو ما يمكن أن يقر في القمة العربية المقبلة. أي أن لبنان لا يمكن أن يتخذ موقفا رسميا صريحا بتأييد أي موقف عربي يدين إيران، فكيف إذا كان المشروع الخليجي المرجح اقتراحه على جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب، إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب عربيا؟ الموقف الخليجي اتخذ خيار المواجهة بوجه الاختراقات الإيرانية في المنطقة العربية. هذا القرار يتأكد يوما بعد يوم، لكن أعباءه اللبنانية تصطدم بخيارات لبنانية يبدو أن تيار المستقبل ليس في وارد تحمّلها. وذلك انطلاقا من أن أولوية حماية الاستقرار الداخلي والحفاظ على الحكومة العرجاء يتقدمان على ما عداهما. هذا ما يقوله أكثر من قيادي فعلي في هذا التيار، بل ذهب البعض منهم إلى القول إنه ليس في قدرة أصدقاء السعودية ودول الخليج مجاراتها في قرار المواجهة الذي اتخذته، رغم قناعة هؤلاء بمبرراته والأسباب الموضوعية التي تدفع دول الخليج إلى مثل هذا القرار التاريخي والاستراتيجي. بل أكثر من ذلك، يذهب بعض حلفاء السعودية إلى التذمّر من توقعات الرياض والخليج، والمبالغة في ما يوحون بأن حلفاءهم اللبنانيين عليهم، أو قادرون على أن يفعلوه في سياق المواجهة، خصوصا أن الخليج “سلم لبنان لسوريا 15 عاما، منذ اتفاق الطائف إلى 2005، وسلمه لإيران من 2005 إلى اليوم، مهملا قوى السيادة على أكثر من مستوى”. فكيف يطلب منهم المواجهة والانقلاب السياسي اليوم؟ وكيف لهم أن يواجهوا دون عدة المواجهة؟
“لم تطلب المملكة أو أيّ مسؤول فيها من تيار المستقبل تبني موقفها، وليس من عادة المسؤولين السعوديين الطلب من أصدقائها ما تتمناه، هي ترغب بمواقف متصاعدة لأصدقائها تجاه حزب الله على المستوى الرسمي وغير الرسمي”. هذا ما يؤكده أحد الوزراء المستقبليين. فالمملكة لا تملي، بل تترك لأصدقائها في لبنان أن يتصرفوا بحسب تقديراتهم، وبالتالي فإن أصدقاء المملكة، واللبنانيين عموما، يتصرفون بما تمليه عليهم مصالحهم الحزبية والوطنية. ودول الخليج أيضا تتخذ إجراءاتها الإيجابية أو السلبية بناء على مصالحها وتقديراتها لمتطلبات المواجهة التي تخوضها مع إيران في أكثر من ساحة عربية.
لا شك أن أسئلة وهواجس عدة تتحكم في أصدقاء دول الخليج من اللبنانيين حيال المرحلة المقبلة. وهي لا تتصل، حصرا، بتيار المستقبل ولا الساحة السنية، بل تتعداها إلى الساحة المسيحية التي باتت في موقع ملتبس.. بل في موقع أقرب إلى أن تكون في حالة اهتزاز العلاقات المميزة التي ربطت فئات واسعة من المسيحيين بنظام مصالح كبير مع دول الخليج. ذلك أن ما يسمّيه خبير في الشأن السعودي “بداية بروز رأي عام خليجي” بدأت مؤشراته من شبكات التواصل الاجتماعي، ووصلت إلى عدد من الكتاب الصحافيين الشباب. هذا الرأي العام بدأ يظهر ردة فعل على ما يتلمّسه من أجواء مسيحية لبنانية معادية للسعودية، ودول الخليج عموما. ذلك أن ما يسمّيه المصدر الوزاري “الخيبة من المسيحيين” لا يتصل بموقف القوات اللبنانية، بقدر ما هو تعبير عن أن الصورة العامة لموقف المسيحيين تبدو سلبية من دول الخليج ودورها في لبنان. ولعل هذه الصورة كانت العنصر الأكثر تأثيرا في قرار وقف الهبة السعودية للجيش اللبناني، لا سيما بعد صدور “القرار الفضيحة” من المحكمة العسكرية بإطلاق سراح ميشال سماحة. قرار كان له صدى سلبي على مستوى الخليج، بما يحمله من دلالات عن تقاعس المؤسسة التي أصدرت القرار. في كل الأحوال ثمة قناعة باتت تترسّخ في وعي العديد من السياسيين أن لبنان لا يجوز أن يبدو في موقع المتسوّل، وأن خيار دعم المؤسسة العسكرية وتسليحها هو خيار وطني لبناني، يجب أن يتحمّل اللبنانيون مسؤوليته. لذا يجب أن يبدأ اللبنانيون بالانطلاق من مسلمة أن الدعم الخليجي للبنان صار من الماضي، وأن البحث عن البدائل من المنح هو بالاتكال على الذات.