عبدو شامي: هدية الميلاد رئيس القرنبيط والبلح في بعبدا

1137

هدية الميلاد رئيس القرنبيط والبلح في بعبدا؟
عبدو شامي
03 كانون الأول/15

ترشيح تيار “المستقبل” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية لم يسبِّب لي شخصيًا صدمة تُذكَر كون هذا التيار عوّدنا منذ عام 2005 على سياسة انبطاحية انهزامية جبانة تجعلنا نتوقّع منه دائمًا الأسوأ وأن الآتي أعظم و”أفَكُّ رقبة”. لكن بعيدًا عن المدلولات السياسية واللاأخلاقية لهذا الترشيح رأيتُ فيه دلالة على أن أمثالاً شعبية كثيرة وشهيرة نسمعها كل يوم دون أن نُلقِيَ بالاً لمدلولاتها ومعانيها ربما ظنًا منا أننا نفهم مغزاها بالبداهة، غير أن ذلك الوهم لا يلبث أن يتبدّد عندما يواجهنا موقف فاقع لدرجة نشعر معها أننا الآن والآن فقط فهمنا حقا دلالة هذا المثل أو أدركنا أنه مثل خاطئ أو أنه نادر التطبيق. فمن الأمثلة التي لم أفهم معناها إلا اليوم “طء شرشح الحيا” و”اللي اختشوا ماتوا”، ومن الأمثلة التي بان لي ندرة صحتها “اللي خلّف ما مات” فقد يكون مات بل وتمّت اماتته عشرات المرّات من أقرب المقرَّبين إليه.

أيضًا بعيدا عن تحليل الترشيح-الكارثة، عجبتُ لأولئك “المستقبليين” ساسة وصحفييين وعوامًا الذين لو طرحنا عليهم “فرنجية” رئيسًا قبل ثانية واحدة من تبني الحريري ترشيحه لنَظَموا فيه أعنف قصائد الهجاء معلنين رفضهم القطعي غير القابل للنقاش، وفجأة بعد ترشيح الحريري إيّاه إذ بهؤلاء أنفسهم ينظمون قصائد التبرير تحت عناوين “الواقعية” و”الاستقرار” و”التسوية الشجاعة”، وربما تمادوا في استغبائهم إيّانا فأدرجوا الترشيح ضمن “لبنان أولا” و”المصلحة الوطنية”، أو وصل الأمر ببعض مَن قتلوا في أنفسهم حاسة النقد وارتضوا بتسليم عقولهم الى الزعيم “المُؤَلَّه” الى حد نظم قصائد المديح والثناء والتي كانت قبل ثانية واحدة قصائد هجاء! وقد عرف أحمد الحريري -أمين عام الزُرْق- الكيفية الناحجة لمخاطبة هؤلاء جميعًا فنَهَرَهم وزَجَرَهم ووبّخهم صارخًا بنبرة تصطنع “وَهْرة” مُهَلهَلة بتمثيل فاشل: “عندما يقول الرئيس الحريري كلمته في أي مبادرة لا كلمة تعلو فوق كلمته في تيار المستقبل”، فعرفنا بذلك أننا أمام تيار ديكتاتوري لا كلمة فيه لمكتب سياسي مزعوم ولا لاستشارات وتبادل آراء خصوصًا في المواضيع المصيرية الخطيرة، فعندما تأتي الأوامر الملكية يخضع الجميع من أعلى الهرم الى أسفله.

وفي سياق الخضوع المفاجئ بعد صدور الأوامر يجدر بذاكرتنا أن تستعيد قول الحريري في مقابلة متلفزةبتاريخ 27/11/2014:””لا نريد رئيسا يتفاهم مع بشار الأسد وبالنسبة لي بشار الأسد نظام غير موجود وهو يتعاون مع ايران لوضع خلايا تخرِّب المنطقة. (…) لم نذهب لإنتخاب عون لأن ليس هناك اتفاق عليه ضمن 14 آذار، (…) ميشال عون وضع نفسه في موقع مرتبط عضويا مع حزب الله وأنا لا أستطيع تقبُّل ذلك. (…) حاورناه ولم يحصل توافق، هل يقبل 8 آذار بسمير جعجع، نحن حاورناه في حين أن 8 آذار لم تحاور جعجع. الجنرال عون لديه مشكلة مع 14 آذار ويوجد خلاف في هذه القوى على شخصيته (…). الجنرال عون هو طرف في 8 آذار فهل توافق 8 آذار على الإتفاق على أمين الجميل أو بطرس حرب، أتمنى ذلك ولكنه لن يحصل”. نعم، هذه مآخذ وحجج ومبررات الحريري لرفض تبنّيه ترشيح عون وهي نفسها تنطبق حرفيًا وزيادة على فرنجية الذي يُصرُّ الحريري على المُضي بترشيحه اليوم ضاربًا إرادة المسيحيين خصوصًا واللبنانيين الأحرار أبناء ثورة الأرز عمومًا، وواضعًا صدقيّة مواقفه في الحضيض.

وعلى سيرة ثورتنا المجيدة التي يقتلها الحريري بتنازلاته المخزية كل يوم، يبدو أنه قرّر الإجهاز عليها نهائيا بإيصال فرنجية الى بعبدا، لا مبالغة في ذلك، أليس فرنجية الذي سَخِر من ثورة الأرز واستهزأ بقادتها قائلاً في 3/8/2007: ” إن حركة 14 آذار لا تمثل ثورة الأرز، بل هي ثورة القرنبيط والبلح”؟ وإذا نسي الحريري هذه الإهانة التي تطال فيما تطاله دماء الشهداء، فهل نسي أن مرشّحه الجدّي الذي يسوّقه في العالم ويتكفّل بدعايته الانتخابية كان من ضمن عصابة المحرِّضين على اغتيال أبيه فوصفه قُبيل اغتياله بـ”رأس الأفعى”، وأضاف بتاريخ27/1/2005 “الحريري هو المعلم الأول للمعارضة وهو صاحب مشروع مشبوه منذ العام 94″، وتابع في7/2/2005 “ليس هناك قرار 1559 وانتخابات، هناك فريق يطالب اليوم بمطالب اسرائيلية وفريق يطالب بالخط الوطني”.

يبدو أننا في لبنان لم تكفنا الحساسية السنية-الشعية فأراد الحريري بعملية انتحارية انغماسية انقلابية سياسية متطرفّة أن يزيد عليها حساسية سنية-مسيحية، ترشيح فرنجية وغدره بثورة الأرز وحكيمها مؤشرات خطيرة على ذلك. تبقى الخلاصة التي تؤكّدها السياسة اللبنانية القذرة كل يوم، أن صاحب المبدأ وصاحب المَكسَب ضدّان لا يتحالفان لأن تحالفهما سينتهي حتمًا عند أول صفقة يبيع فيها صاحبُ المكسب حليفَه صاحبَ المبدأ جاهلاً بعمى جشعه وتعطّشه الى السلطة بأن صفقته وما يتوهم حصده معها من مكاسب ما هو إلا الخسارة المدوية والخسران بحدّ ذاته.