نبيل بومنصف: لجان التحقيق أتذكرون/سابين عويس: مجلس وزراء الأربعاء من دون قرارات أساسية والأزمات تراوح في النفايات والتعيينات وآلية العمل

258

مجلس وزراء الأربعاء من دون قرارات أساسية والأزمات تراوح في النفايات والتعيينات وآلية العمل
سابين عويس/النهار/3 آب 2015
كل التهويل الذي سبق الجلسة الماضية لمجلس الوزراء بإمكان أن تكون الاخيرة، سقط مع الدعوة التي وجهها رئيس الحكومة تمام سلام أمس الى الوزراء لعقد جلسة بعد غد الاربعاء بجدول اعمال عادي. لكن الجو المشحون والمتأزم لم يسقط، ولا يزال على حاله، منذرا بجولة جديدة من التصعيد والتشنج. “كل الامور لا تزال على حالها”. بهذه الجملة تختصر مصادر سياسية مطلعة الوضع العام في البلاد، مضيفة أن أيّاً من الامور الشائكة التي كانت مصدر التشنج والتصعيد لم يحل. فأزمة النفايات تراوح مكانها من دون أي إقتراحات عملية او جدية لمعالجتها، وأزمة آلية العمل الحكومي لا تزال في مربعها الاول من دون أي أفق لخرق يمكن أن يحصل على هذا الصعيد. أما ملف التعيينات العسكرية، ورغم حركة المشاورات التي قام بها نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل على القوى السياسية مستطلعاً آراءها، فلا يزال عالقا عند عقدة تمسك رئيس “التيار الوطني الحر” النائب ميشال عون بتعيين قائد جديد للجيش ورئيس جديد للأركان، رافضاً الاقتراح المتداول في السر كما في العلن حول تمديد ولاية كل من قهوجي وسلمان من خلال تأجيل تسريحهما.
ليس في الافق ما يشي بأن جلسة الاربعاء ستكون مختلفة عن سابقتها، لا شكلا ولا مضموناً. لكن أهم ما فيها أن رئيس الحكومة لم يتراجع عن صلاحياته ولم يخضع للإبتزاز السياسي، فلم يرضخ للضغوط السياسية، ولم يستقل او يعتكف رغم تلويحه بالاستقالة.
لكن في المقابل، لا يزال سلام عاجزا عن كسر حلقة التعطيل المفرغة التي تدور فيها حكومته. ففي ملف النفايات، لم تحرز الحكومة أي تقدم في معالجة الازمة الناشئة والتي بدأ تفاقمها يهدد البلاد صحيا وبيئيا. وليس إقتراح التصدير الذي يجري درسه حالياً الا دوراناً في الحلقة المفرغة البعيدة كل البعد عن ملامسة الواقع او مقاربته بطريقة علمية وتقنية. علما أن إنعدام الثقة السائدة راهنا يجعل الشكوك حول روائح صفقات مالية تكون وراء الدفع المستجد ربما نحو إعتماد هذا الخيار نظرا الى كلفته العالية.
وبدا من مآل إدارة ملف النفايات ان هذه الازمة لا تعكس أحد أسوأ مظاهر تراجع الدولة، وإنما مدى قصور الطبقة السياسية الحاكمة في تحمل مسؤولياتها تجاه ناخبيها. فالشعب اللبناني المُطالب بتطبيق واجباته حيال الدولة لناحية دفع الضرائب، ممنوع من الحصول على الحد الادنى من حقوقه في حياة طبيعية وفي بيئة سليمة وصحية وآمنة. والمؤسف أن كل التضحيات التي قدمها اللبنانيون لم تقابل بأي أفق مفتوح لمستقبل آمن وزاهر. فأزمة النفايات التي تدخل اليوم اسبوعها الثالث، لم توضع بعد على سكة الحلّ، إذ إن جمعها ولمّها من بيروت والضاحيتين لا يعنيان انه تم إيجاد اماكن لطمرها، بل يا للأسف يجري تجميعها في أماكن أخرى، وستفوح رائحتها بعد فترة قصيرة ولا سيما في الكرنتينا وعلى جدار المطار. والمفارقة انه حتى اليوم لا يدرك اللبنانيون سبب هذه الازمة والخلفيات الحقيقية التي تقف وراءها ومسؤولية القوى السياسية فيها، والعوامل التي حالت دون عرض المشكلة للناس ومشاركتهم في مسؤولية معالجتها. على مقلب التعيينات العسكرية، تستبعد المصادر السياسية ان يتوصل مجلس الوزراء الى قرار في شأن تأجيل تسريح رئيس الاركان. وستكون الجلسة محطة اختبار لما سيكون عليه المناخ السياسي تمهيدا لطرح موضوع تأجيل تسريح قائد الجيش، أو مقدمة له. اما في شأن آلية العمل الحكومي، فتستبعد المصادر ان يحقق مجلس الوزراء اي تقدم أو أن يتمكن من مقاربة الموضوع، نظرا إلى ضغط الملفات المطروحة، وفي مقدمها مسألة النفايات ورئاسة الاركان في الجيش.

 

لجان التحقيق… أتذكرون؟
نبيل بومنصف/النهار/3 آب 2015
لا ندري ونحن في مطالع أسبوع آخر من حلقات الافلاس السياسي اللبناني العارم والانكشاف غير المسبوق اطلاقا ولا حتى في أزمان الحروب ما اذا كان اللبنانيون، لا القادة والزعماء والسياسيون حتما، لا يزالون يقيمون اعتبارا لذكرى الأصول الدستورية والرقابية التي تحاسب الساسة وتقيم الحد الفاصل للمحاسبة بإزاء كوارث او فضائح من النوع الوطني العام . نقول “ذكرى” لان الأصول الرقابية صارت، مع المصير البائس التعيس والدراماتيكي الذي مني به لبنان جراء افتضاح طبقته السياسية وانهيارها، من “بالات” النفايات قبل كارثة فيضان القمامة على لبنان. ولو ظل للأصول والمحاسبة والمراقبة الحاسمة المتجردة مكان ما في ثنايا هذا البؤس الاخلاقي والسياسي لما كنا نعيش ما استحال تخيله على اخصب المخيّلات الهوليودية حيال مأساة بلد. مضت أسابيع وقد تمضي أخرى على انفجار كارثة النفايات ونحن “نبصم بالعشرة” على ان اي لبناني لا يعرف ولن يعرف ويستحيل ان يعرف او ان يحدد مسؤولية بعينها عن الكارثة سوى ذاك المهرجان الهزلي الجاري اسماعه او عرضه او توزيعه بتعميم لا يطاول مسؤولا. بل الأسوأ انه حين يجري تعميم المسؤولية على الحكومة الحالية والحكومات السابقة ومعها وزراء او شركات او مقاولين بالجملة فان ابسط الخلاصات التي تؤدي اليها عملية تجهيل الفاعل هي ان يحمي الجميع الجميع. وهي قاعدة ذهبية “تاريخية” تعرفها البلدان التي عاشت انهيارات اقتصادية ومالية جراء اكتساحات الفساد العارمة مثل لبنان سابقا وربما في المدى “الموعود” الآتي وكذلك اليونان. ولا نغالي ان قلنا ان الانتهاك المنهجي للأصول الرقابية الصارمة تحت عصف الصراع السياسي الطويل أدى الى الإطاحة تماما بهيكليات الرقابة الى حدود اسقاط ضمان المواطن اللبناني في المحاسبة من داخل الحكم والمؤسسات. تتصاعد الآن نغمة لوم اللبنانيين لأنهم لا يحاسبون ساستهم وزعاماتهم بل يطوبون عروشهم الابدية. وحتى لو اصابت هذه النغمة قلب الحقيقة تغدو بدورها تغطية خبيثة للمسؤوليات الجرمية الكاملة المواصفات في شل أصول المحاسبة عن كارثة بهذا الحجم. يجري الآن “غسل” ممارسات العدوان المتمادي على النظام كما تجري التعمية عن المستور الفادح وراء الكارثة. كل الهيكل السياسي اذن هو في قفص الاتهام بلا استثناء حتى الذين لم يتورطوا حتى ثبوت العكس. وإلا فما معنى الصمت الهائل المخيف وابتلاع الألسن عن تحريك أصول قاطعة لوضع هذه الكارثة على مشرحة المحاسبة؟ هل نسيتم ان في الأنظمة الديموقراطية الحقيقية وفي النظام اللبناني وتجاربه القديمة والحديثة لجان تحقيق برلمانية ذات صلاحيات قضائية؟ لماذا لم يصدر صوت يتيم ينادي في وحشة النظام والاصول بتشكيل لجنة تحقيق؟ لاننا نعرف وتعرفون البئر وغطاءه!