عماد قميحة: حزب الله بعباءته الجديدة: إسرائيل ليست عدوّاً/سعود السمكة: أيها اللبنانيون اعملوا لبلدكم/علي الأمين: ثقافة إنتو مين التدميرية: تقديس الذات وشيطنة الآخر

273

 حزب الله بعباءته الجديدة: إسرائيل ليست عدوّاً
عماد قميحة/جنوبية/23 يوليو 2015

يبدو أنّ الإتفاق النووي جعل حزب الله يتخبط وحيدًا، ويحاول تفهم ما حصل لكي يتأقلم في الوضع الجديد. والجديد هو أن يتكيّف مع أن يعتاد على ما يخيط له الايراني من عباءة جديدة كبديل عن عباءة المقاومة، اسمها هذه المرة “محاربة الارهاب”. فهل ستبقى إسرائيل “عدوّه”؟ دعك من تفاصيل النقاش السياسي، ومما طرأ على مسيرة حزب الله في السنوات الأخيرة من تحول استراتيجي، على الاقل في نظر جمهور واسع يمتد على مساحة العالمين العربي والاسلامي. فالحديث عن هذا التحول لم يأت من فراغ ولا لمجرد التحامل وإنما فرضته سلوكيات ميدانية. فقد تحول حزب الله من حزب مجاهد يقاوم الاحتلال الاسرائيلي كونه محتلاً وعدوًا مغتصبًا لأراض لبنانية، لا كون هذا العدو يشكل حجر عثرة أمام المصالح الايرانية في المنطقة. فالفارق واضح تمامًا بين الخلفيتين، فإسرائيل العدو للبنان والعرب هي ليست نفسها إسرائيل عدوة المصالح الايرانية. لأن التلازم بين الأمرين ليس سرمديًا، والثابت في الحالة الاولى هو غيره في الحالة الثانية التي يكون فيها محكومًا فقط لقاعدة المصالح. حيث لا ديمومة واستمرار في عالم مصالح الدول، وإن مساحة التقاطع الايجابي بالعداء لاسرائيل بين “المقاومة” من جهة وإيران من جهة أخرى، قد تضيق بلحظة مصلحية ترى فيها إيران أن مصالحها الآن قد لا تستوجب حالة العداء لاسرائيل. هذا إن لم نقل أن المهادنة والمجاراة لها قد تكون هي الوسيلة التي تراها إيران انجح لتأمين مصالحها. فحزب الله قد نجح طيلة الفترة الماضية باللعب على تلك المساحة المشتركة من العداء الايراني واللبناني العربي لاسرائيل، واستفاد منها ليقدم نفسه على أنه حزب مقاوم مدعوم إيرانيا، واستطاع أن يحقق إنجازات لا يمكن لذي عينين أن ينكرها له، ليس أقلها تحرير جنوب لبنان، والمساهمة في دعم حركات المقاومة بالداخل الفلسطيني كالجهاد وحماس.
يمكن ترى إيران أن مصالحها الآن قد لا تستوجب حالة العداء لاسرائيل
كما أنّه نجح إلى حدّ كبير باستمرار التلطّي خلف تاريخه المقاوم، حتّى وهو يدافع عن المصالح الايرانية بالمنطقة، وعند السعي لتحقيق مكاسبه الحزبية والسياسية التي يعمل عليها من أجل تقوية حضوره وبالتالي الحضور الايران عبر استعمال يافطة المقاومة والعداء لاسرائيل وخلفها اميركا طبعا.
عباءة العداء لاسرائيل واميركا هي العباءة “المقدسة” التي يمكنها أن تستر خلفها اي موبقة
فصوت الجنوبي والشيعي والبقاعي والبيروتي في الانتخابات النيابية اللبنانية كان “رصاصة في جعبة مقاوم”، ومرشحّو حزب الله لأصغر مجلس بلدي إنما هم “مقاومون” في مقابل أي لائحة أخرى تحتوي على آخرين يتحولون إلى مجرد “عملاء” حتماً. حتّى وإن كان من ضمن هؤلاء من هو خارج للتو من السجون الاسرائيلية كما جرى مع المناضل الشيوعي أنور ياسين، وكذلك هي الحال مع خصومه السياسيين. فكان يكتفي ببساطة أن يقدمهم على أنهم يريدون شرًا بالمقاومة أو بواحدة من ادواتها كشبكة الاتصالات ليصبح مباحا له أن يتجاوز كل الدساتير والنظم اللبنانية من أجل اسقاطهم وحتى نفيهم خارج البلاد.
غير المعلوم كيف سيبدو حزب الله شكله الجديد بعباءته الجديدة
بقى حزب الله طيلة هذه السنوات يمارس دوره الطبيعي كرأس حربة بالدفاع عن المصالح الايرانية، متدثرا بعباءة العداء لاسرائيل واميركا، هذه العباءة “المقدسة” التي يمكنها أن تستر خلفها اي موبقة مهما كبر حجمها واشتد وقعها، من معامل الكبتاغون مرورا بالاتجار بالادوية المزورة، واجتياح بيروت ووصولا حتى المشاركة بالقتال الى جانب نظام بشار الاسد.
الاتفاق النووي
أمّا وقد جاءت لحظة الحقيقة، ونًزع عن أكتاف الحزب رداء العداء لاميركا ومن خلفها طبعًا ربيبتها اسرائيل، وصار لأي حديث عن مناهضة المشروع الاميركي بالمنطقة من قبل المحور الايراني هو اقرب ما يكون لمزحة سمجة بعد التوقيع على الاتفاق بين ايران والغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الاميركية… فإنّ هذا التوقيع جعل من حزب الله فجأة وحيدًا في مساحة مكشوفة تحت الشمس، وأمام عيون العالم. في وقت يحاول جاهدًا أن يعتاد على ما يخيط له الايراني من عباءة جديدة كبديل عن عباءة المقاومة، اسمها هذه المرة “محاربة الارهاب“، فإن كنا اعتدنا على حزب الله بعباءة المقاومة الجميلة والرائعة، فمن غير المعلوم كيف سيبدو شكله الجديد بعباءته الجديدة.

 

أيها اللبنانيون اعملوا لبلدكم
سعود السمكة/السياسة/24 تموز/15
لا شك ان معظم ابناء المجتمعات الخليجية يحبون لبنان رغم ما عاناه ويعانيه من ازمات حادة ومتلاحقة على مدى اربعة عقود منذ بدأت تلك الحرب الملعونة وانجبت هذه الحزمة من الازمات والتي كل واحدة منها تشكل وحدها عبارة عن قنبلة موقوتة, الا ان لبنان رغم كل ما فيه من اوجاع مؤلمة فانه يصر على استقراره في استثنائيته التاريخية في الفرح والحزن في الحرب والسلم حتى على صعيد موقعه في التاريخ, فهو ايضا استثنائي… فتجده حاضرا في قلب الالفية الثالثة وهي الالفية التي ادخلت المجتمع البشري الى عالم الحداثة “بوتيرته” المتسارعة حيث يتم فيه اختزال الزمن في عملية تفعيل ابداعات الحداثة المعرفية الا انه واقعيا غائب عن ابداعات القرن الحالي, بل غدا بعيدا حتى عن القرن السادس عشر حين قام العالم الالماني فون جيركه باختراع الكهرباء عام 1681 وتبعه العالم الاميركي توماس اديسون عام 1880 باختراع المصباح الكهربائي فلبنان ومنذ بدأت الحرب الملعونة في ابريل عام 1975 وهو يعيش في حالة خصام مع الكهرباء وبقية الخدمات الحياتية التي اصبحت تنجز اليوم في معظم دول العالم وفق آخر صيحات الحداثة.
لبنان كان قبل تلك الحرب الملعونة متميزا باستثنائيته على كل الصعد فقد كان البلد العربي الوحيد الذي يشكل متنفسا للمظلومين والمحرومين من حقوقهم السياسة من ابناء الوطن العربي من المحيط الى الخليج, ولبنان قبل تلك الحرب الملعونة كان يرفع راية الفخر لما يتميز به من لحمة وحميمية في التعايش السلمي بين الطوائف والمتعدد الديانات والمذاهب, ولبنان قبل تلك الحرب الملعونة كان منارة للحرية والديمقراطية ومدرسة كبيرة لصناعة الفن والثقافة والادب والمهنية الصحافية التي تتميز بحرفية غاية في المهارة وكان المستوى المعيشي للفرد اللبناني يعتبر في تلك الفترة فوق المتوسط. اربعون سنة مضت على تلك الحرب الملعونة وما زال لبنان يعيش حالة تقهقر وانحدار على كل المستويات رغم ما يحتويه من ثروات متعددة الا ان هناك اصرارا عجيبا على الجلوس والنحيب وندب الحظ لماذا? لا احد يعرف الجواب!
تارة هناك من يقول: اسرائيل, وهناك من يقول: الحرب في سورية! طيب والحل, هل يبقى لبنان يعيش في حالة من البؤس والهلع الى ابد الابدين? لبنان فيه طبيعة خلابة مزدوجة المناخ صيفا وشتاء, لبنان مستودع آثار قابع في اعماق التاريخ, شعب يملك حيوية متميزة في الاستثمار وصناعة السياحة, مجتمع مل من التقسيمات الاجتماعية والابعاد الطائفية والدينية والمذهبية واصبح يتشوق لطبيعته التاريخية وحياة الالفة والتسامح والتعايش السلمي. لبنان يريد الخلاص من حالة التلكؤ والمراوحة التي يعيشها اليوم ووصفة الخلاص ليست في الخارج كما يتوهم البعض, وحتى لو صح هذا الوهم الا ان الطبيب لا يستطيع علاج المريض اذا كان هذا المريض غير مهتم بصحته! اذا الحل من الداخل ليبدأ اللبنانيون بمساعدة انفسهم ولتأت حكومة تتحلى بالعمل الجاد وتملك ارادة العمل المنتج وليتحمل رؤساء الاحزاب مسؤوليتهم الوطنية ازاء وطنهم, ساعتها سوف يظهر لبنان ابداعاته وسوف تتشابك سواعد ابنائه الشباب بوحدتهم الوطنية وسوف يرفعون قواعد البيت ويثبتون اساسته لتدور عجلة الاستثمار وتتتفتح ازهار السياحة ويعود للبنان حيويته وضياؤه, فقط: “اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” (صدق الله العظيم). آخر العمود: قبل ستة اشهر كتبنا في هذه الزاوية نشيد بالخطوة التي اتخذها معالي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد بترقية اللواء عصام النهام الى منصب وكيل مساعد في جهاز امن الدولة وقلنا ان مثل هذه الترقية للواء عصام انما هي تعبير عن النهج الجديد الذي اخد يتبعه معالي نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد في رفع الكفاءات الى المناصب القيادية وقلنا ان اللواء النهام مشهود له بالسلوك الامني الراقي وبالمهنية المتميزة ولم يمض على تسلمه المنصب ستة اشهر إلا وصاحب السمو حفظه الله ورعاه يقلده وسام “ذو الرصيعة” تكريما له على ما بذله من جهد استثنائي وسرعة قياسية في القاء القبض على الجناة الذين ارتكبوا جريمة مسجد الامام الصادق وان هذا التكريم من سمو الامير هو ارفع اضاءة وشهادة على حسن اختيار معالي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد للواء النهام الذي تميز بمهنيته الاستثنائية.

 

ثقافة “إنتو مين؟” التدميرية: تقديس الذات وشيطنة الآخر
علي الأمين/جنوبية/الخميس، 23 يوليو 2015
صناعة القسمة والتفتيت تقوى حين تتخذ بعداً دينياً. وصناعة الوحدة والتفاعل وقبول الآخر تتطلب فكرا ومشروعا قابلا للشراكة والتعديل والتطوير والتحديث. وهذا يتنافى مع الايديولوجيا، التي تنبذ الحقيقة السياسية في المجتمعات والدول. بما هي نتيجة تفاعل بين افكار ومصالح محكومة لوحدة الشعب وتنوعه تحت مظلة الدولة والوطن. يمكن القول بثقة إن ثقافة “إنتو مين؟” تودي بلبنان الى مزيد من الانهيارات رغم ارتفاع شارات النصر. ذلك أن هذه الثقافة التي تزدري الآخر، تذهب الى حدّ عدم الاعتراف بوجوده، وتنطوي على ادّعاء المعرفة الكاملة، والتي تقارب الألوهة، إن لم تدعها. ليس في ثنايا هذه الثقافة ما ينطوي على ميل إلى الاكتمال بالآخر سياسيا وثقافيا ووطنيا وقوميا وانسانيا. هي سمة الايديولوجيات الدينية وغير الدينية. الفارق في ما بينها ليس النوع، بل الكمّ، انطلاقا من ان متبني هذه الايديولوجيات يعتقدون ان الحقيقة الناجزة هي في ما يعتقدون به، وهذا أمر مشروع. لكن ما هو غير مشروع ومبرر الانطلاق من هذا الاعتقاد لتبرير فرضه على الآخرين بالقوة، واعتماد وسائل وآليات تترجم مقولة ان الغاية تبرر الوسيلة.
عندما يخاطب تنظيم داعش وأقرانه مناصريه وجمهوره، لا يقارب هذا الجمهور، المنصت الى خليفة الله على الأرض، الشك او الريبة مما يقول ويفعل. ليست مسيرة القتل ولا الحرق ولا الانتحار التي يمارسها الا وسائل من أجل هدف سام هو انشاء دولة الله على الأرض. في الأصل يتعامل اصحاب الايديولوجيات الدينية مع من يخالفهم في قناعاتهم بدونية. وفي الايديولوجيات الدينية تحديدا تساهم التربية الدينية، داخل مجتمعاتنا العربية والاسلامية، بتعميق هذا الشعور المرضي. هو الذي ينطلق من مفهوم الهداية، والذي يترجم، على المستوى الاجتماعي في معظم الأحيان، بنوع من الاستعلاء. تماما كما يحصل حين صعود الموجات الدينية في المجتمع. او بنوع من الانزواء عن المجتمع ورفضه او تكفيره حين تتراجع هذه الموجات. وفي الحالتين تساهم الايديولوجيات الدينية في تضخيم هذا الشعور لدى متبنيها، ليصبح هؤلاء اسرى خيار ازدراء الآخر “الضال” او تكفير المجتمع وتعنيفه. ودائما على قاعدة: “نحن اهل الهداية والايمان وهم الضالون او الكافرون”… والثنائيات في هذا المجال كثيرة.
“وإنّا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين”. لا تجد هذه الآية القرآنية مكانا لها في الايديولوجيات الدينية، لأنها تنطوي على إقرار باحتمال ان يكون اصحاب الايديولوجيات على خطأ في الوجهة او الرأي او السلوك. كما هو احتمال الصواب في ما يقولون. لكن الأهم ان الحقيقة او الصواب هما غاية مشتركة وشرطهما الآخر. لكن لا شك ان استخدام الآيات القرآنية في عالم الايديولوجيات الاسلامية يتسم بنزعة تذهب في كثير من الأحيان الى تحويل هذه الآيات الى وسائل تبرير الأفعال والسلوك، أيّا كان هذا الفعل والسلوك. يكفي ان نجد هذا التصادم بين ايديولوجيات إسلامية متقاربة ومتصارعة. لدى كل طرف ما يكفي ليبرر أمام أتباعه شرعية استعداء الطرف الآخر وقتله.
ثقافة “إنتو مين؟” كفيلة باستكمال تدمير الدول والمجتمعات، لأنها ثقافة تذهب بالمجتمع نحو تقديس الذات على حساب شيطنة الآخر، وتنطوي في احسن الأحوال على شعور بالشفقة على الآخر او اتهامه بالجهل وعدم الادراك. وهذه الثقافة هي التي توفر سبل تفتيت المجتمعات. اذ تبدأ، في نموذج الايديولوجيات الاسلامية، بتقسيم الناس بين مسلم وكافر. ولا تنتهي بتقسيم الجماعة المسلمة بين اسلام اصيل واسلام غير اصيل. بل تصل في التفتيت إلى ادلجة الاجتهادات المذهبية في داخل كل مذهب وتحويلها الى دين تقاس هداية الناس وصلاحهم على ميزانه. صناعة القسمة والتفتيت تقوى حين تتخذ بعداً دينياً. وصناعة الوحدة والتفاعل وقبول الآخر تتطلب فكرا ومشروعا قابلين للشراكة والتعديل والتطوير والتحديث. وهذا يتنافى مع الايديولوجيا، التي تنبذ الحقيقة السياسية في المجتمعات والدول، بما هي تفاعل بين افكار ومصالح محكومة لوحدة الشعب وتحت مظلة الدولة والوطن. ثقافة “إنتو مين؟” توهم اصحابها – هذا ان كانوا صادقين – بأنهم ظلّ الله على الأرض، والمهتدون على هذه الأرض، القابضون على حقيقة السياسة والاجتماع، الذين يحق لهم ما لا يحق لغيرهم. يتوهمون أنهم بذلك يحققون سعادة المجتمع وغايات وجوده. ولينظر كل منا حوله فسيرى دولاً تتهاوى ومجتمعات تتفتت وكلاً يتحصن في جعبة تكفير تكفيه عناء التفكير والتأمل.