أمير طاهري: قرى أوباما البوتمكينية/رضوان السيد: إيران والولايات المتحدة والعرب بعد الاتفاق/رندة حيدر: ماذا بعد الاعتراف بإيران قوة إقليمية

256

إيران والولايات المتحدة والعرب بعد الاتفاق
رضوان السيد/الشرق الأوسط/24 تموز/15
عندما أراد أنصار إيران ونصر الله من المصريين والعرب الآخرين التعبير عن فرحهم بالاتفاق بين إيران والمجموعة الدولية، من أمثال محمد حسنين هيكل وفهمي هويدي وبشار الأسد والمالكي، ما ذكروا «انتصارات» حزب الله على الشعب السوري في القصير والقلمون.. وتلة موسى كما فعلوا من قبل، بل ذكروا حرب العام 2006 ضد إسرائيل، وانزعاج إسرائيل من الاتفاق، وتمكُّن إيران ونصر الله من «إخراج» أميركا من المنطقة! وهم دعوا العرب الخليجيين بالتحديد للالتئام بإيران في طرائق التجاذب والتفاوض مع الولايات المتحدة – تمامًا مثلما كان اليساريون العرب يطلبون من الدول العربية بعد كل معركة مع إسرائيل، الاقتداءَ بها وبالدول الشيوعية في إقامة الكيبوتزات وجيش الشعب، للوصول إلى «النجاحات» التي تحققت لإسرائيل وللأنظمة الشيوعية! إنّ أول شروط مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية، هو الخروج من حالة الخيبة والكآبة وفقد الثقة بالنفس والآخرين. وأنا أرى أنه بعد عاصفة الحزم وإعادة الأمل، ما عاد هناك مبرر للضياع الذي يُحسُّ به المثقفون والمعلِّقون السياسيون والصحافيون. فقد اتضح الطريق الذي نحن قادرون على سلوكه للدفاع والتصدي، وليس في اليمن فقط؛ بل في سائر الأنحاء المضطربة بسبب التدخلات والانقسامات: دبلوماسية قوية ونشِطة في المنطقة ومع العالم الإسلامي والعالم الأوسع، وقوة عربية تسند هذه الدبلوماسية بحسب ما تقتضيه المصلحة تحت السقف الدولي أو في موازاته. وبهذه الحالة الاستراتيجية والنفسية والشعورية والعقلية نستطيع تأمل الوضع الراهن والحالة في المنطقة قبل الاتفاق النووي وبعده. ما كان من الطبيعي أن يستمر الحصار على شعب كبير مثل الشعب الإيراني بسبب سياسات حكومته في المنطقة وتجاه العالم. لقد كانوا يتظاهرون في طهران ومشهد خلال شهر رمضان بسبب ارتفاع أسعار «الفراخ» من نصف دولار «للفرخة» الواحدة إلى 5 دولارات. و40 في المائة من الشعب الإيراني تحت خط الفقر. وقد زارني قبل شهور أكاديمي إيراني كبير، قال لي إنّ مرتبه يعادل 198 دولارًا، وسألته: كيف تعيشون؟ فأجاب خَجلاً: بالفساد والصفقات الصغيرة ومداهنة المسؤولين الفاسدين والتقرب بشتى الوسائل من أحد العاملين في أجهزة الولي الفقيه أو الحرس الثوري! أما مسألة النووي فلو كانت علاقات الحكومة الإيرانية بالعرب معقولة، لكان يمكن استخدام المسألة (سواء أكانت وهمية أم حقيقية) لكبح النووي الإسرائيلي. وعلى أي حال فإنّ الاتفاق الأخير أبقى إيران على «عتبة النووي» للعقد المقبل. فيمكننا نحن العرب الوصول خلال خمس سنوات أو عشر إلى العتبة ذاتِها وبالتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة، كما فعلت ألمانيا والبرازيل واليابان وغيرها. ولذلك فدعونا نخرج من أَوهام النوويات والعبقريات الإيرانية والنصراوية إلى المشكلات الحقيقية التي بدأنا أخيرًا بمواجهتها بصدقٍ وصراحة مع النفس والآخرين.
ما غيَّر أوباما استراتيجيته التي جاء بها أو بواسطتها للسلطة: عدم خوض حروب جديدة بالمنطقة والعالم، والاعتراف بتعدد القوى في المجال الدولي والإقليمي، والدخول في مفاوضاتٍ توصلُ إلى شراكاتٍ معها إنْ أمكن. وإلى جانب هذه الاستراتيجية الجديدة، كانت هناك وما تزال لديه ولدينا نحن استراتيجية مواجهة التطرف والإرهاب ورموزه حتى اليوم هي في معظمها قاعدية و«داعشية»، وقد صارت في تخطيطها وحركاتها عالمية مهولة. وكما تفترق أو تختلف التقديرات بيننا وبين أوباما في الأمرين (أمر التعددية الإقليمية والدولية، وأمر مواجهة الإرهاب)؛ فكذلك تختلف التقديرات بين إدارة أوباما وإسرائيل: إسرائيل تعتبر إيران أخطر عليها من «داعش»، وصارت أخيرًا تعتبر النظام السوري (باعتبار استيلاء إيران عليه)، أخطر من «الإرهاب الإسلامي»!
إنّ لدينا كما صار واضحًا عشية عاصفة الحزم أربعة تحديات رئيسية: مواجهة حالة التفكك في الدول والمجتمعات، ومواجهة الإرهاب وخلفياته وأصوله في «الإسلام الجهادي» و«الإسلام السياسي»، ومواجهة التدخل الإيراني العسكري والأمني والمذهبي، ومقابلة (والتعامل العاقل مع) المتغيرات في المشهد الإقليمي والنظام الدولي. إنّ التحديين الأول والثاني (التفكك والإرهاب) هما الأخطر في التحديات الأربعة؛ لأنّ التماسك الكياني والدولتي، والمستند إلى التماسك الاجتماعي – السياسي، هذان التماسكان هما اللذان يحولان حتى الآن دون بروز «مجموعة استراتيجية» عربية تستطيع الانطلاق للفعل في الاتجاهات كافة: الدبلوماسية والأمنية والعسكرية. وقد حدثت حالة التفكك هذه بسياسات وأفعال الأنظمة الأمنية والعسكرية منذ السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وهي التي أدت إلى ضياع العراق، والفوضى الهائلة في سوريا وليبيا اليوم. بل إنّ تلك الأنظمة التي وضعت المجتمعات في مواجهتها هي التي خلقت مساحة الفراغ التي يرتع فيها التطرف والإرهاب. والخيار المتاح الآن في الحالتين مواجهة الظاهرتين معًا: الاستمرار في مكافحة الإرهاب والتطرف ولو بالتعاون مع الغربيين المتضررين منه مثلنا، وإزالة الأنظمة (مثل النظام السوري) التي أدت إلى هذه الحالة المزرية. والنجاح المنتظر في مصر سيدفع بالضرورة باتجاه النجاح في ليبيا. بل إنّ النجاح في اليمن، سيدفع باتجاه النجاح في الخلاص من الأسد و«داعش» في سوريا. وخلال ذلك علينا العمل على استعادة الإسلام ممن خطفوه دونما مكابرة. لقد انفجر الدين بأيدي الدول والمجتمعات، وبعد الأمن الدولتي لا بد من استعادة الاستقرار والتماسك باستعادة الأمن الديني.
ولنصل إلى تحدي التدخل الإيراني، الظاهر منه في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وهو هناك أمني وعسكري. لكنْ هناك أيضًا الهجمة المذهبية، وهي ليست قاصرة على محاولات التشييع أو نشر التشيع الديني والسياسي، بل هناك اليوم «تشيع عربي» أو في أوساط الشيعة ذوي الأصول العربية والذين يبدون أكثر إصرارًا من الإيرانيين على الغلبة والتهجير والكراهية. وهذا الأمر نشهده نحن في لبنان، ويشهده العراقيون ويشهده البحرينيون والكويتيون واليمنيون. بالأمس جاء إلينا في لبنان نائب كويتي شيعي غرضه من المجيء زيارة قبر عماد مغنية الذي حاول اغتيال أمير الكويت عام 1986. والشيعة الكويتيون مثل اللبنانيين غير مظلومين، والنظام معهم. وقد هب الشعب الكويتي عن بكرة أبيه عندما تعرضوا للإرهاب. إنّ هذه الحالات الجديدة تحتاج بالفعل إلى صبرٍ وتواصل، لكنْ لا تفيد في كبحها في المدى المتوسط غير إجراءات الدولة الوطنية والحكم الصالح. لا يمكن أن نقاتل الدواعش، لاستبدالهم بدويلات بالداخل أو وجوه غَلَبة أُخرى مثلما يحصل في لبنان والعراق وسوريا واليمن. ولا غبار على الحركة الدبلوماسية الخليجية والعربية مع العالم والناشطة دومًا، والعلاقات بالدول الإسلامية الكبرى والوسطى ممتازة. ولا بد من عملٍ أكثر مع تركيا للحيلولة دون تدخلاتها الإعلامية من جهة، والتنسيق أكثر بشأن سوريا والعراق. لقد بدأنا بجمع قوانا وإبرازها، وسيكون ليوم الجمع ما بعده: تعدو الذئاب على مَنْ لا نيوبَ له وتتقي صولة المستأسد الضاري

 

قرى أوباما البوتمكينية
أمير طاهري/الشرق الأوسط/24 تموز/15
في تعليقه على الأزمات المتعددة التي يواجهها العالم اليوم، كثيرًا ما كان الرئيس باراك أوباما يزهو بـ«دبلوماسية القرن الواحد والعشرين» التي ينتهجها والتي من المفترض أنها تناقض المدرسة القديمة التي، حسبما يزعم، لا بد أن يتم إلقاؤها في مزبلة التاريخ. على نحو ما، نجح أوباما في الترويج لطريقة دبلوماسية جديدة تقوم على الاعتقاد بأن التصور أكثر أهمية من الواقع؛ فالمهم هو كيف تبدو الأشياء، وليس ما تكون عليه فعلاً. وكمفهوم، فإن هذه الرؤية للعالم الحديث قد تشكلت على يد الكاتب الفرنسي غاي ديبور في كتابه الآسر، الصادر عام 1967 بعنوان «مجتمع الفرجة». في هكذا مجتمع ليس ثمة صواب وخطأ، ولا خير وشر. فقط هنالك ما يبدو أنه خير وما لا يبدو كذلك. فالمهم هو سطح الأشياء، الواجهة والديكور. من أهم افتراضات ديبور أن المتفرج، ولنقل الجمهور على عمومه، لديه فترة اهتمام قصيرة للغاية، وغير قادر على الإلمام بقدر كبير جدا من الصور لوقت طويل. اجعلهم سعداء في اللحظة وفي الغد يكون شأن آخر.
الروس بدورهم، لديهم عبارة رائعة لوصف طريقة أوباما: دبلوماسية بوتمكين.
رسم غريغوري بوتمكين، وكان وزيرا لدى إمبراطورة روسيا كاثرين الثانية، عالما افتراضيا للإمبراطورة الساذجة. كان يوظف خبراء في ديكورات المسارح لابتداع قرى نموذجية على الطرق المختارة لجولاتها إلى الأقاليم، يقطنها سكان مؤقتون يتم استجلابهم من موسكو، ويظهرون بمظهر الفلاحين السعداء الذين يهللون لمرور الموكب الإمبراطوري. كان أولئك السكان المؤقتون يربحون أموالا لا بأس بها، وكانت الإمبراطورة سعيدة، بينما استطاع بوتمكين أن يطل بمظهر رجل الدولة.
هذا هو ما ظل أوباما يمارسه على صعيد السياسة الخارجية الأميركية على مدى السنوات السبع الماضية.
بالنسبة إلى أوباما، كانت «مبادرة السلام» أول قرية بوتمكينية، إذ أطلقها على وقع صخب كبير، ووعد بتدشين دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل في غضون عام. أما أبواقه في الإعلام الأميركي فوصفوه بـ«رئيس السلام». وقد جعل على رأس المشروع واحدا من أبرز رجال الدولة الموقرين في التاريخ الأميركي الحديث، هو السيناتور جورج ميتشل. ولكن ما وإن انسدل ستار العرض، نسي أوباما الأمر برمته إلى حد أنه لم يجد وقتا لمقابلة ميتشل المصاب بخيبة الأمل والذي اضطر إلى الرحيل.
والقرى البوتمكينية الأخرى لدى أوباما تشمل بورما وكوبا، اللتين يشير إليهما باعتبارهما اثنتين من نجاحاته. وواقع الحال أن تملق أوباما للحكام المستبدين في كلتا الحالتين لم يؤد إلى أي تغيير بخلاف الواجهة. في بورما أضحت الطغمة العسكرية أكثر سيطرة على مقاليد الأمور من أي وقت مضى، ومجزرة أقلية الروهينغيا مستمرة من دون هوادة. أما في كوبا، فتواصل زمرة آل كاسترو الحكم بقبضة حديدية وبناء سجون جديدة.
وفي شأن أوكرانيا، جاءت قرية أوباما البوتمكينية في هيئة لواء أميركي تم إرساله إلى ست دول أوروبية، وهي خطة جعلت حتى بوتين، متصلب الوجه، يبتسم. وفي سوريا، جرى تدشين قرية أوباما البوتمكينية على وقع صوت وغضب «الخطوط الحمراء» التي ذكرها، وانتهى الحال إلى الاختباء وراء الروس على طريقة ميكي ماوس، خلال «عملية جنيف» المجهضة. أما آخر قرية بوتمكينية، والتي ربما نالها النصيب الأكبر من الترويج، فهي ما يسمى بـ«الاتفاق» الذي من المفترض أن يمنع إيران من بناء قنبلة نووية كانت تقول دائما إنها لا ترغب في بنائها. جاوز أوباما بهذا الأمر عدة عقبات وبأسرع ما أمكنه ذلك. لقد جرى تقديم نص غامض لم يوقع عليه أي شخص على أنه «اتفاق» قبل أن يتم استخدامه كأساس لقرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وكان القرار مطلوبا لسببين: أولا، من شأن القرار أن يسبغ إجراء قانونيا على «اتفاق فيينا»، الذي لم يكن وثيقة قانونية، والذي تفاوضت عليه مجموعة 5+1 وهي في حد ذاتها كيان مؤقت ليس له وجود قانوني. ثانيا، من شأن القرار أن يجعل أي معارضة من جانب الكونغرس غير مؤثرة من الناحية القانونية. وكانت هذه أول مرة في التاريخ يستخدم فيها رئيس أميركي هيئة دولية، وهي في هذه الحالة مجلس الأمن الدولي، لتجاوز الرغبات المنظورة لجهة التشريع الأميركية.
وكراع لمشروع القانون وعضو دائم بمجلس الأمن في آن معا، عملت الولايات المتحدة على الترويج لنص القرار والتصويت عليه. ومع هذا، فإيران، وهي ليست عضوا بمجلس الأمن، لم تكن مضطرة إلى التصويت ومن ثم تحتفظ بخيار قبوله أو رفضه.
تلك النقطة أثارتها خلال السنوات القليلة الماضية شخصيات في المؤسسة الخمينية. فقد رفض «المرشد الأعلى» علي خامنئي أن يعتمد لا «الاتفاق» ولا مشروع القرار القائم عليه. كما أن كثيرا من كبار القادة العسكريين، بمن في ذلك قائد الحرس الثوري، الجنرال عزيز جعفري، ووزير الدفاع حسين دهقان، قالوا على الملأ إنهم لن يقبلوا بالقرار أبدا. وعين مجلس الشورى الإسلامي لجنة خاصة لـ«إعادة النظر» في كل من الاتفاق والقرار، وهو ما يوضح أنه بالنسبة إلى إيران، فإن شيئا لم يتم حسمه بعد. وحتى وزارة الخارجية الإيرانية كانت قد أبدت تحفظا في مراهنتها، في بيان مطول يعرض تفسيرا بديلا لنص القرار. ويرفض النظام نشر النص الفارسي لـ«الاتفاق» أو مجرد السماح لأعضاء البرلمان بالاطلاع عليه. إن الاستراتيجية التي تتبعها إيران هي تبني نهج يقوم على «الانتقاء والاختيار» في كل شيء، فهي تقبل من «الاتفاق» ما يروق لها، مثل تخفيف بعض العقوبات، وترفض الإجراء الذي من شأنه أن يضع إيران تحت «رقابة» قوى ست، خلال العقد القادم أو نحو ذلك. في الوقت ذاته، وعد أوباما بمنع الكونغرس من فرض عقوبات جديدة وهو يقوم بتخفيف العقوبات القائمة.
لا أعرف إن كانت القيادة الخمينية تريد بناء قنبلة أم لا. ولكن لو أنهم فعلوا، فإن قرية أوباما البوتمكينية لن تمنعهم من القيام بذلك في الوقت الذي يختارونه. وفي نفس الوقت، يعزز الاتفاق موقف المتشددين في طهران الذين يعتقدون أنهم يمتلكون تفويضا مطلقا لتحقيق أحلامهم الإمبراطورية. فقد أعلن خامنئي بالفعل «منطقة نفوذه» في الشرق الأوسط وهو يحاول بناء ما يصفه مستشاره علي أكبر ولايتي بـ«تحالف إقليمي» تحت قيادته. بكل صراحة، سيكون من الأفضل لو أن كيري وأوباما توقفا عن التورط في أمور لا هما يفهمانها ولا مهتمان بها فعلا، فقد جعلت «دبلوماسية بوتمكين» التي ينتهجانها من العالم مكانا أكثر خطرا.

 

ماذا بعد الاعتراف بإيران قوة إقليمية
رندة حيدر/النهار/24 تموز 2015
الاتفاق النووي مع إيران هو سابقة دولية بكل معنى الكلمة لها انعكاساتها على المدى البعيد على مستقبل شعوب دول المنطقة كلها وليس فقط على إسرائيل التي تصور البرنامج النووي الإيراني بأنه يشكل خطراً على جوهر وجودها، وترى في إيران عدوة شرسة لها.
ان الدول العظمى التي يتسابق اليوم وزراء خارجيتها ورجال أعمالها على زيارة إيران أملاً في الحصول على حصة من الاموال الإيرانية التي سيفرج عنها بعد رفع العقوبات، تفاوضت مع إيران ووقعت اتفاقاً معها نيابة عن العالم ولكن بصورة خاصة نيابة عن شعوب المنطقة كلها. ومن حق هذه الشعوب ان تعرف فعلاً ما اذا كان هذا الاتفاق كما يقول الرئيس الأميركي سيبعد الحرب ويعيد الامن والاستقرار. لقد هدفت المفاوضات النووية مع إيران في الدرجة الاولى الى الحؤول دون تحول إيران دولة نووية الامر الذي من شانه ان يكسر احتكار إسرائيل لهذا السلاح ويغير موازين القوى في المنطقة ويعجل في سباق التسلح النووي بين دول المنطقة. كما كان هدفها احتواء الضغط الذي مارسته إسرائيل وتهديداتها باستخدام الخيار العسكري للقضاء على البرنامج النووي الإيراني. لا نريد الوقوع في التضخيم الإسرائيلي لمغبة الاتفاق النووي مع إيران واحتمال تحولها دولة على عتبة النووي، ففي النهاية لو نجحت إيران في كسر الاحتكار الإسرائيلي للسلاح النووي في المنطقة فان هذا مدعاة للأمل وليس للخوف. كما يحق للشعب الإيراني ان يعيش بكرامة وان يتحرر من العقوبات الدولية المفروضة عليه والتي شلت اقتصاده وأعاقت نموه وازدهاره. ولكن يبقى السؤال الاساسي كيف ستترجم إيران الاعتراف الدولي بمكانتها الاقليمية على صعيد سياساتها تجاه الدول المجاورة لها والعربية تحديداً؟ ان الدول العظمى التي تفاوضت مع إيران ليست لها حدود مشتركة مع هذا البلد، ولا تعاني تمويل إيران للميليشيات المسلحة التي تشكل دولة ضمن الدولة، وليست مصابة بداء الصراعات المذهبية التي تقسم المجتمعات العربية عمودياً. واذا كانت هذه الدول العظمى، ولا سيما منها الأوروبية، بدأت تستشعر في الفترة الاخيرة الخطر الجهادي والتطرف الاصولي الذي يفتك بالمنطقة ويعيدها الى عصور الظلام، فانها بمنأى عن النتائج المباشرة المترتبة على الصراع المذهبي الدموي الدائر هنا، وعلى النزاع الناشب بين محور الدول السنية بزعامة السعودية والمحور الشيعي بزعامة إيران. تراهن الدول العظمى على ان الاتفاق مع إيران سيشكل مدخلاً لدور إيراني بناء وايجابي في المنطقة. والامل ان يكون هذا الرهان يستند الى وقائع فعلية لا الى تمنيات وافتراضات.