عبدو شامي/المشنوق أمام خيارَين.. الاستقالة أم الاستقالة

556

 المشنوق أمام خيارَين.. الاستقالة أم الاستقالة
عبدو شامي
22/6/2015

عجيب أمر الطائفة السنية في لبنان؛ كبرى طوائف البلد، نحو مليون ونصف المليون إنسان معظمهم من المتعلمين والمثقفين، فيهم الشجعان والأذكياء والحذّاق والأتقياء وأصحاب الدِّين الذين يخافون الله في أنفسهم وأهلهم ووظائفهم ووطنهم، يشهدون للحق والحقيقة ولا يخافون لومة لائم… مع ذلك  لم يجد هؤلاء مَن يتزعّمهم ويدّعي تمثيلهم على عظم كفاءاتهم ووفرة رجالاتهم إلا تيار منبطح، وآخر فضائحه عمليات تعذيب مرفوضة بكافة المعايير الدينية والأخلاقية والإنسانية يتعرّض لها السجناء والمعتقلون في سجن وزارة تابعة ولو ظاهريًا للتيار الأزرق.

منذ نحو ثلاثة أشهر خرج علينا شانق الحقيقة بمؤتمر صحافي دافع فيه بشدة عن حُسن المعاملة التي يتلقاها المعتقلون والسجناء الإسلاميون في سجن رومية، وزعم مستعينًا ببعض الصور والأرقام والتقارير “كشف كل الحقائق حول المغالطات والمبالغات التي سادت بعض التصريحات” وقصد بها نفي صحة كل ما رواه أهالي هؤلاء مِن تعرّض أبنائهم لعمليات ضرب وإهانة وتعذيب وإذلال أثناء الحوادث التي شابت السجن. بات الرأي العام أمام خيارَين، تكذيب الأهالي وتصديق الوزير أو العكس… لم نصدّق الوزير ولو للحظة لأننا لا نشك في صدقية ومظلومية مَن نعرفه من الأهالي، فيما لا صدقية عندنا البتّة لمن يبدّل خطابه قبل المنصب وبعده كون “روما من فوق غير روما من تحت”، كما لا ثقة لنا بمن يصادق القائد الميليشيوي وفيق صفا ويشركه في اجتماعات الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية ويُجلسه على مقعد أحد ضحاياه اللواء الشهيد وسام الحسن… ولا تقدير عندنا للمستقوي على أبناء طائفته في الأوزاعي وسواها خصوصًا مَن لا يعرفون منهم مع مَن يتكلّمون…

صبيحة الأحد 21/6/2015 استيقظ اللبنانيون على أفلام مسرّبة تؤكد رواية الأهالي وكذب ودجل رواية الوزير الذي لا يخلو وضعه من احتمالين: إما أنه كان يعرف جيدًا ما يُرتكب في سجون وزارته من ممارسات لا إنسانية يندى لها الجبين ومع ذلك طمس الحقيقة وتستّر عليها وشارك في الجريمة؛ وإما أن تكون تلك الجرائم التي تطال السجناء خافية على وزيرنا القبضاي وبنى على معطياته الخاطئة مضمون مؤتمره الصحفي؛ الكارثة أنه في كِلا الاحتمالَين لا يستحق هذا الوزير أن يكون وزيرًا وأن يتابع مهامه “الصَحَوية” أو “الغَفَويّة” على رأس وزارته!

سجناء بالسراويل الداخلية فقط، عراة الصدور يتلقون الضرب والتعذيب والشتائم والسب للذات الإلهية، والمرتكبون المجرمون ليسوا غرباء على وزيرنا القبضاي فهم من أهل الوزارة وعناصر أمنية باعترافه وإن كانت ملامحهم على ما يبدو أشبه بعناصر ميليشيا صفا بلحاهم القذرة ووجوههم المظلمة وزيّهم الميليشيوي وملفظهم البغيض يفجرون جام حقدهم الطائفي على المعتقلين من أهل السنة الذين تبيّن بما لا يقبل الشك أنهم ليسوا معتقلين من قبل الدولة إنما هم معتقلو الحزب الإرهابي المودعون على سبيل الأمانة في سجون الدولة.

فضيحة ما بعدها فضيحة إن كان الوزير جاهلا، وتواطؤ ما بعده تواطؤ من “صقور” تيار الصحوات الأزرق مع إرهابيي الحزب الأصفر في اضطهاد لا يخلو من الصبغة الطائفية إن كان الوزير عالمًا عارفًا بخصوصيات سجونه؛ فهل وصلنا الى زمن يحلو فيه للبعض البقاء في السلطة وتقاسم قالب الحلوى على أنين وصراخ وأوجاع طائفة بأكملها ومعتقلين منهم الأبرياء وحتى المرتكبين منهم ممنوع معاملتهم قانونًا بتلك الفظاعات؟

جانب ذو دلالات خطيرة حملته ردات فعل الرأي العام على الأفلام المسرّبة وخصوصًا المعني الأول بها: الطائفة السنية التي بدأت تضيق ذرعًا بأداء التيار الذي يزعم تمثيلها ويلغي سواه باحتكاره الاعتدال، فكثير من أهل السنّة صبّوا جام غضبهم على الوزير وتياره وزعيمه الذي على ما يبدو يفضل قيادة تياره ومن لا يزالون مقتنعين به عبر وسائل التواصل الإجتماعي من سكايب وفايسبوك وتويتر ولا نملك رقم جوّاله لنعلم إن كان يتواصل أيضا مع قاعدته الشعبية عبر الواتساب، ولا يزور لبنان إلا لأيام معدودات عندما يبلغه فرمان الإجازة الملكية؛ فهل بدأت تترسخ في ذهن هؤلاء المضطهدين فكرة أن من يضطهدهم ويذلهم بأدائه الانبطاحي هو التيار الأزرق وليس الحزب الإرهابي الذي ببساطة وَجَد من يُعينه عليهم باسمهم وبهويتهم وبانتمائهم الطائفي فلم يقصّر في تفريغ حقده الطائفي في أحد فصول الحرب السنية-الشيعية أو بعبارة أدق الحرب الشيعية الولاية فقيهية المعلنة على أهل السنة في كافة بلدان المنطقة؟!

سؤال خطير لا شك، وتبقى الحقيقة المرة التي يكابر في نفيها البعض أن تيار المستقبل بسياسته الانهزامية لم يكتفِ بتدمير قوى 14آذار وإيصالها الى الحالة المأسوية التي تعيشها الآن، أنما بدأ يدفع باعتداله المشوّه المزعزم والموهوم بعض أبناء طائفته نحو التطرّف.