ربيع حداد: خفايا تسريبات رومية: عون وميقاتي خلفها//محمد شبارو: سجن رومية: نكبة وطنية لا طائفية

437

خفايا تسريبات رومية: عون وميقاتي خلفها
ربيع حداد/المدن/الإثنين 22/06/2015

خفايا تسريبات رومية: عون وميقاتي خلفها! من المؤتمر الصحافي للمشنوق تعليقاً على التسريبات

تأويلات وتحليلات كثيرة رافقت تسريب التسجيلات المصورة التي يظهر فيها عناصر من قوى الأمن الداخلي يقومون بتعذيب مهين للموقوفين الإسلاميين في سجن رومية. شملت التحليلات النواحي السياسية، المحلية والخارجية، ربطها البعض باستحقاقات إقليمية، فيما آخرون ربطوها بالأزمة الحكومية، وهناك من وضعها في سياق استهداف الحوار الدائر بين تيار “المستقبل” و”حزب الله” عبر استهداف الشارع السني. سواء كانت هذه التحليلات صائبة أم لا، إلّا أن ما جرى لا يمكن التعاطي معه إلّا أنه صفعة على وجه الجميع، وإن لم تخلُ موجبات النشر والتسريب من الأهداف السياسية.

كان المستهدف الأول من التسريب وردّة الفعل التي أنتجها، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، بغض النظر عن التحفظات والملاحظات، والتسليم بجدلية فداحة ما حصل، إلّا أن المشنوق أعلن مسؤوليته عن ماجرى، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحالة المرتكبين على القضاء، هذا في الشأن التقني الذي لن يعيد الإعتبار لمن امتهنت كراماتهم وأهينوا، أما في الشق السياسي فإن ما جرى على الأرجح سيستمر وإن بصيغة مختلفة.

بالتأكيد فإن المراد من استهداف المشنوق، استهداف فريق سياسي بكامله، ومن قام بذلك كان يريد شق صفوف هذا الفريق من جهة، وإبعاد الشارع عن ممثليه من جهة أخرى، وتوظيف كل ما جرى في سياقات سياسية مختلفة.

جميع خصوم “المستقبل” استفادوا من هذا التسريب والعاصفة التي أثارها. الحسابات السنية – السنية حاضرة، الصراع العوني – المستقبلي الخفي، أيضاً حاضر، ربطاً بما جرى بمسألة التعيينات الأمنية والتمديد، والمستمر فصولاً، وكذلك يبقى الحضور الأبرز لصراع “حزب الله” – المستقبل، المغلف بحوار معطل، خصوصاً أن “حزب الله” يحسن الإستثمار بأوراق كهذه، لا سيما محاولاته الجاهدة لترسيخ الشرخ والتصارع بين صقري “المستقبل” في الحكومة، أي المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي، اللذين يسعيان إلى القيام بـ”حركة مشتركة” لدحض هذه المزاعم، على غرار ما حصل في قضية ميشال سماحة.

في التفاصيل، تشير مصادر “المدن” إلى أن التقاء مصالح بين رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، ومن خلفهما “حزب الله” دفع إلى اختيار هذا التوقيت للتسريب، خصوصاً أن هذه الأشرطة كان تم تداولها على نطاق ضيق في السابق، من دون أن تسرب. وتقول المصادر أنه “من الواضح أن ما حصل أتى بتنسيق بين جماعة الميقاتي وعون، والمستهدف فيها رأس المشنوق، ليستفيد منها “حزب الله”، وهدفت إلى حرف الأنظار عن معارك القلمون، وإشاحة النظر عن وثائق ويكيليكس السعودية، التي تبين أنها سخيفة، ولم تكشف شيئاً، ولا ترقى إلى مستوى الحملة الدعائية التي سبقتها، وصبت في صالح قوى 14 آذار، لجهة اقتصار الدعم السعودي على تمويل مؤسسات صحافية وليس ميليشيات، وثانياً شمولها شخصيات من “حزب الله” ونائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، وشخصيات أخرى كالنائب علي بزي، ما يعني أن الجميع كان على علاقة مع المملكة”.

عملياً، يريد ميقاتي تسجيل هدف في مرمى “المستقبل”، صراعهما مديد وخصوصاً على الساحة الطرابلسية وبشأن الموقوفين الإسلاميين، وأراد من ذلك إصابة رأس المشنوق ومن خلفه ريفي، وتالياً “المستقبل”، عبر تأليب الشارع، خصوصاً أن ميقاتي عمل سابقاً على استثمار شادي المولوي، المتواري عن الأنظار، وسعد المصري وزياد علوكي اللذين كانا موجودين في الأشرطة المسربة، والجميع يعلم مدى دعم ميقاتي لهما وحتى الأموال التي ترسل إليهما داخل السجن، وتوظيف هذه الأموال في استدراج مواقفهم والإدلاء بإفادات أثناء التحقيق معهما، تصوب بإتجاه المستقبل وأنه كان خلف تمويلهما خلال جولات القتال بين التبانة وجبل محسن، علماً أن تصريحاتهم السابقة كانت تتهم المستقبل بالتخلي عنهما. ويبرز إستثمار ميقاتي في سرعة ردة فعل ميقاتي بالأمس، بعيد التسريب، وفي الهجوم المركز الذي شنته الحلقة المحيطة به، والتي لم تحيد رئيس الحكومة تمام سلام.

أما بالنسبة إلى عون فهو يريد توجيه ضربة إلى المشنوق بعد الخيار الذي اتخذه في مسألة التمديد للقادة الأمنيين، وإصراره على تجزئة هذه التعيينات، وتوقيعه على قرار التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، وتعيين قادة وحدات، وهذا ما يعتبره عون خطوة قطع طريق اليرزة أمام العميد شامل روكز.

قد يكون استثمار “حزب الله” لما جرى محاولة لاستهداف الحوار، أو تمهيداً للإنقلاب على قواعد اللعبة في هذه المرحلة الهادئة، إلّا أن المصادر تعتبر خلاف ذلك، إذ تشير إلى أن الحزب لا يستطيع أن يشن معركة ولو إعلامية في جرود عرسال، من دون أن يكون لديه تواصل مع أحد في البلد يمثل تلك المنطقة، ويمثل الطائفة السنية، ومن هنا يأتي دفاع “حزب الله” ومنظومته الإعلامية عن المشنوق، وهو أكثر المتمسكين بالحوار في هذه المرحلة على الرغم من إستثماره بما جرى أولاً لضرب الشارع السني ببعضه البعض، وثانياً عبر الإيحاء للجمهور السني بأن قياداتكم ومسؤوليكم لا يمثلوكم، ليس لكم سوى التطرف.

أبعد من ذلك، قد يبدو هذا الإيحاء محاولة لشيطنة الشارع السني من قبل “حزب الله” على غرار شيطنته للحراك الشعبي السوري منذ بداية الثورة السورية وإلى اليوم عبر التأكيد أن من يتحرك في سوريا هم مجموعات متطرفة، أي “داعش” و”النصرة”، وهذه مسؤولية فريق “المستقبل” في تحصين شارعه وإعادة الأمور إلى نصابها.

سجن رومية: نكبة وطنية لا طائفية
محمد شبارو/المدن/ الإثنين 22/06/2015

ليس ما كشف عن سجن رومية استثناء. ليست هذه الممارسات المقززة حكراً على بعض العناصر، والمستهدفون ليسوا إسلاميين من أتباع الطائفة السنية فحسب. يبدأ السقوط هنا، في الحصر. وفي ابقاء المساحة للفتنة، لتتحرك، على وقع تصوير الأمر بأنه جزء من استهداف “الطائفة”. لا شك أن المخطط أكبر بكثير مما يحصل داخل أروقة رومية. ثمة من أراد القول لهذه الطائفة أن الدولة غير موجودة، وهي عدو، وبالتالي لا خيار لكم سوى تنظيم “داعش” وجبهة “النصرة”.

على سوداوية ذلك، إنجر الجمع بغالبيته إلى ما يراد لهم ويخطط، على الرغم من أن ما سرّب، على قسوته، لا يمكن وضعه في سياق إستهداف الطائفة السنية. أبعد من ذلك كله، ثمة الكثير من التساؤل عن مردّ الإستغراب الذي أحيط به الفيديو المسرّب. كأن البعض أتى من كوكب آخر، ليُفاجأ بما هو ممارس في أقبية الدولة اللبنانية، أو كأن مشاهد التعذيب هي حكر على رومية، وغداً عندما يسرب أي جديد من أي مخفر، أو سجن، أو قبو، ستكون المفاجأة مضاعفة. ربما! وربما يصدق البعض أن الدولة التي فشلت في إنتخاب رئيس للجمهورية، هي دولة ديموقراطية تنافس سويسرا ودول أوروبا في قضايا حقوق الإنسان والدفاع عنها.

للتذكير، فقد نشأت هذه الدولة بين جيران، لا يؤمنون سوى بالعنف وسياسة العسكر وسلطتهم لفرض الأمن. نظرية سادت من ليبيا معمر القذافي، الى عراق صدام حسين، وما بينهما من مصر حسني مبارك وقبله جمال عبد الناصر، إلى سوريا الأسد. تاريخياً أيضاً، أجهزة الأمن اللبنانية، ربيبية هذه الأنظمة التي دربتها، وطورتها، وعملت على إدخال عقائدها التوتاليتارية الى صلبها. فكانت الدولة اللبنانية نموذجاً عنها، وإن بصيغ مستترة وأقل حدّة وأكثر مواربة، تحت ستار الدولة الفريدة في محيط عسكري.

وفق ذلك النهج أيضاً، نشأ “المكتب الثاني” أيام حكم اللواء فؤاد شهاب، قبل أن تدخل البلاد في عصر الحرب الأهلية التي أضافت الى ما سبق أساليب المليشيات ذائعة الصيت، وتخطت في ذلك الوقت أساليب “داعش” من دون أن يكون للطفرة الإعلامية الحالية وجود. ذاع صيتها، قبل الحرق الداعشي على نمط ما حصل مع معاذ الكساسبة. وانتشر أسلوب رمي الأحياء من أسطح البنايات، قبل أن يمارسه التنظيم المستجد. ولا يزال فندق “هوليدي إن” شاهداً، يقابله نظيره “برج المرّ”.

هذه الإرتكابات كلها لم تُمحَ بعد من أذهان اللبنانيين. وممارسات الحرب ما زالت حاضرة، وجاهزة للإستخدام متى دعت الحاجة، لأن نهج ما بعد الحرب الأهلية، لم يعمل على إزالة هذا العنف من النفوس، مدنياً وعسكرياً، خصوصاً في زمن الطوائف والجماعات وصراعاتها. أبعد من ذلك، ليست الممارسات في مؤسسات الدولة، ربيبة النظام السوري أو الأنظمة العسكرية العربية وحدها. هي ربيبة لبنانية صرفة أيضاً، ساهمت الأنظمة المحيطة في تغذيتها، وتجديدها. ولم يتم العمل بعد تأسيسها عن سابق تصميم وتصور، على العبور الى دولة حقيقية، تُكرّس فيها حقوق الإنسان، وتقوم مؤسسات مبنية على العدالة وانتظام العمل، ومحاسبة المخالفين والمرتكبين.

ليس ما ارتُكب استهدافاً للطائفة  السنية. هو مشهد مكرر من 7 آب المسيحي، أو مار مخايل الشيعي، أو غيرها من التواريخ السوداء في أجندة القمع اللبناني الصرف، الذي تثور عليه الجماعات الطائفية فقط في حال استهدفها، فيما تصمت عنه أو ترحب به إن كان موجهاً ضد الآخر.لطالما كررت المنظمات الدولية، وجمعيات مدنية لبنانية، الإضاءة على هذه الإنتهاكات، والتنديد بها، من دون أن تستمع الدولة والمسؤولين. في العام 2014 صدر تقرير مفصل عن لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، اثر تحقيقات أجرتها بين العام 2012 والعام 2013، أشارت فيه إلى أن “التعذيب ممارسة متفشية في لبنان تلجأ إليها القوات المسلحة والأجهزة”، وهو ما عد إنتهاكاً لتوقيع لبنان على إتفاقية مناهضة التعذيب في العام 2000، لكن لجنة حقوق الإنسان النيابية كان ردها بشجب التقرير “الجائر وغير الموضوعي”!

هذا النقاش كله، اليوم، لم يبلغ حد الضرورة. ضرورة توسيع النقاش ليطاول كل الممارسات داخل المخافر، والسجون. نقاش يتعدى إطار مظلومية طائفة، ويتخطى إطار قضية محتجزين لم يحاكموا بعد، ليطاول كل أطر عمل المؤسسات اللبنانية قضائياً وأمنياً. لكن ثمة في الواقعية اللبنانية ما يدفع الى التشاؤم، طالما أن فيديو يسرب اليوم لغاية سياسية بعيدة من الإصلاح، لتُطمس غداً عشرات الإرتكابات الأخرى لغاية سياسية أخرى. ثمة في دولة اللادولة إجماع على رفض تأسيس دولة تحترم حقوق الإنسان، وإجماع على إبقاء كل طرف ميليشيا تسعى الى تحقيق مصالحها ضمن الدولة أو خارجها بأسلوب الميليشيات وليس العدل.