غسان صليبي/وزير الثقافة ينتف شعر باربي في مكتبه

69

وزير الثقافة ينتف شعر باربي في مكتبه
غسان صليبي/النهار/17 آب/2023
جاء في كتاب وزير الثقافة اللبنانية محمد مرتضى، الذي وجّهه الى الأمن العام اللبناني لاتّخاذ كلّ الإجراءات اللّازمة لمنع عرض فيلم باربي، أنّه “لدى التدقيق، تبيّن أنَّ فيلم “باربي” المُزمع عرضه قريباً في دور السينما اللّبنانية، يتعارضُ مع القيم الأخلاقية والإيمانية ومع المبادئ الراسخة في لبنان، إذْ يروّج للشذوذ والتحوّل الجنسيّ، ويُسوّق فكرةً بشعةً مؤدّاها رفض وصاية الأب، وتوهين دور الأم وتسخيفه، والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة”.
ما الذي يمد وزير الثقافة بهذه الطاقة للاستشراس في الدفاع عن موقفه بمنع عرض فيلم باربي، في مواجهة وسيلة اعلامية وبعض النواب وأصوات عديدة من المجتمع المدني؟ رغم ان الأمن العام، المحافظ عادة والمتشدد احيانا، لم يرَ اي سبب يستدعي منع عرض الفيلم، كما أن دولا عربية محافظة ومتدينة وافقت على عرضه! فماذا في خلفية موقف الوزير؟
باربي هي لعبة الفتيات، والعاب الفتيات لطيفة ومسالمة، والوزير على الارجح، تستفزه “الميوعة” ويفضّل ألعاب الصبيان، واهمها لعبة الحرب.
كما ان باربي غير محجّبة، وربما كان من بين الذين يعتبرون السفور خطيئة يعاقب عليها الله، فأختار ان يعاقبها هو بإسم الله.
أخطر من ذلك ان باربي تعلّم الفتيات التشبه بها، والاهتمام بجمالهن وأنوثتهن، مما يفسد أخلاقهن وأخلاق الرجال، ويحفّز الاثنين على ارتكاب الفحشاء.
ألا تكفي هذه المعاصي التي روّجت لها لعبة باربي، فجاء فيلم باربي ليزيد الطين بلة؟
فيلم باربي فيلم خيالي الى حد اللاواقعية، وللخيال هامش كبير من الحرية، ويكون بطبيعته معادٍ للواقع، فيما معظم سلوكيات الوزير منذ تعيينه، تشير الى انه معادٍ للحرية ويجاهد للمحافظة على كل ما يتوافق في هذا الواقع مع مصالحه الحزبية والمذهبية والعقائدية، التي باتت تحدد مسار البلاد. فلماذا تريدونه ان يسمح لهذا الخيال من الدخول الى الفضاء الذي يُحكم فريقه السياسي السيطرة عليه؟
لا أعرف اذا كان الوزير قد تجرأ وحضر الفيلم، ام انه خاف، نائيا بنفسه وعقله عما يمكن ان يربكهما. لكنه بالتأكيد أصبح لديه بعض المعلومات عن هذا الفيلم، الذي لم يجد فيه الأمن العام ما يستوجب المنع.
لكن الوزير لا يهمه رأي الأمن العام الذي يستند الى القانون اللبناني، إذ ان محمد مرتضى يمثّل في الحكومة، من سبق ان اعتبر أن الضعيف وحده هو الذي يلجأ الى القانون والقضاء في صراعاته السياسية.
قيل ان موقف الوزير نابع اساسا من كون الفيلم “يروّج” للمثلية الجنسية. لفتني دائما ان اكثر المصابين برهاب المثلية الجنسية، هم دعاة المثلية الاجتماعية، اي دعاة الالتفاف حول العائلة والعشيرة والمذهب، والابتعاد عن التآخي مع كل ما هو من خارجها. رغم ذلك لا أعتقد ان تطرق الفيلم الى المثلية الجنسية، وكما أشيعَ في الاعلام، هو أكثر ما أغضب الوزير الذي قرر منع عرضه.
على الارجح ان ما أغضبه أكثر من موضوع المثلية، هو قيم المجتمع الامومي الذي أعاد الفيلم التذكير بها وقام بإعلاء شأنها، هذا المجتمع الذي بدأت به البشرية مسيرتها الاولى. والأنكى من ذلك ان الفيلم راح يقارن المجتمع الامومي مع المجتمع الابوي الذي نعيش البؤس في كنفه.
فهل يمكن ل”عقل” الرجل الذي يمثله الوزير، أن يتقبل قيم مجتمع ترأسته المرأة لسنوات طويلة قبل أن ينقلب عليها الرجل ويؤسس لمجتمعه الابوي، ويُحصّنه بالسلاح والملكية الفردية والأديان والقوانين وكل ما يُنتج الافكار، من العائلة الى المدرسة الى الاعلام؟
لا شك ان الوزير يكره باربي كرها شديدا، مما جعلني أتخيّله
جالسا في مكتبه، واضعا لعبة باربي في حضنه، بعد أن اشتراها له سرا احد مرافقيه الموثوقين، ومستمتعا بنتف شعرها، خصلة خصلة.