أحمد عياش: فتش عن الأسد حتى في قرية الغجر

76

فتش عن الأسد حتى في الغجر
أحمد عياش/هنا لبنان/10 تموز/2023

من يعود إلى ملف مزارع شبعا المحتلة التي يستعملها “الحزب” مثل “مسمار جحا” منذ العام 2000 ولغاية اليوم، يجد أن كل ما هو مطلوب من الأسد كي يستعيد أرضاً أو لمؤازرة حليف في استعادة أرضه لا وجود له.
عاشت الحدود البرية اللبنانية- الإسرائيلية في الأيام الماضية توتراً، وضعها في فوهة البركان. ربما كانت هناك تجربة مماثلة في الربيع الماضي، عندما انطلقت الصواريخ من المنطقة الساحلية قرب صور في زتجاه إسرائيل .وجاء الرد قصفاً مضاداً كاد أن يعيد الجنوب مسرحاً للعنف كما كان سابقاً. لكن هذه المرة، اشتعل فتيل التوتر في سفوح هضبة الجولان. ما وضع الأمور في سياق متصل بسوريا. في حين كانت مواجهات الربيع الماضي ذات نكهة فلسطينية.
هل من فارق بين ساحل المتوسط وبين مرتفعات الجنوب؟
يجيب متابعون بالقول أن هناك فعلاً فارق يجب أخذه بالاعتبار هذه المرة، ألا وهو بلدة الغجر التي يقع قسم منها داخل الأراضي اللبنانية والقسم الثاني في سفوح الجولان السوري المحتل. وبحسب هؤلاء، فإن تحريك الجبهة هناك كان بقرار من “حزب الله” الذي لجأ إلى سلاح استثنائي هو الصاروخ الموجه، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل تصعيداً يغيّر قواعد الاشتباك. لكن قيام “الحزب” بتحريك الجبهة سبقته خطوة إسرائيلية مثيرة أيضاً حول إبعادها. وهذه الخطوة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، تمثلت بإنهاء إسرائيل خلال الأيام الماضية، بناء سياج حول البلدة، ما اعتبرته وزارة الخارجية اللبنانية “محاولة لضمّها من قبل الاحتلال الإسرائيلي”.
ويسأل المتابعون: ما الذي دفع بإسرائيل إلى تسييج الغجر بالكامل، بما في ذلك الجزء التابع للبنان؟
قبل الجواب، من المفيد العودة إلى ما ورد على لسان الخبير العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط في حديث لموقع “العهد” الإلكتروني التابع لـ “الحزب”. فهو قال أنّ قضيّة هذه البلدة تفاعلت للمرة الأولى عام 1967. أضاف: “الغجر في الأساس ــ كقرية آهلة ــ هي سورية مئة في المئة تقع عند الحدود السورية-اللبنانية. هذه القرية احتلتها “إسرائيل” عام 1967 وتحديدًا في آخر ساعة من ساعات الحرب. وفي 14 آذار 1978 شنت إسرائيل عملية جنوب الليطاني… وفتحت لأهالي الغجر المجال لأن تتمدّد قريتهم باتجاه لبنان ليبدأ البناء على أرض الغير. وبقيت عملية البناء مستمرة من عام 1978 حتى عام 2000″. ووفق حطيط، أكّدت الخرائط في وقتها “أنّ الأرض للبنان، بينما هويّة المواطنين سورية”.
من المفارقات التي لم يتطرق إليها حطيط، لكن تطرقت إليها وكالة الصحافة الفرنسية، فقد نقلت عن بلال الخطيب أحد المسؤولين في مجلس الغجر القروي أن وضع السياج الشائك قبل أيام والذي تسبب بالتوتر الأخير هو “لحماية أراضينا وأولادنا من الحيوانات البرية”. ويسكن الغجر وهي قرية علوية نحو 2900 نسمة ويحمل كلّ سكّانها الجنسية الإسرائيلية، وفقاً للخطيب.
هي إذاً مشكلة بلدة تقع على الحدود بين لبنان وسوريا، لكنها جزء من مناطق احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967. وإذا كان هناك من منطق لمقاربة هذا الموضوع، فهو أن يستعيد لبنان الجزء اللبناني من الغجر، وما على سكانها إلا أن يقرر من هم في الجزء اللبناني من البلدة إما البقاء حيث هم ويعودون إلى جنسيتهم السورية ريثما تعود الغجر بكاملها إلى السيادة السورية بعد تحرير الجولان. وإما أن يقرر هؤلاء السكان الانتقال إلى الجانب الذي تحتله إسرائيل، وتفضيل الهوية الإسرائيلية التي يحملونها، لا بل يفتخرون بحملها كما ورد في تقارير إعلامية سابقة.
لكن المنطق هو على نزاع دائم مع “حزب الله” الذي يتمسك بسلاحه الخاص رافضاً الامتثال لسيادة الدولة اللبنانية بذريعة استئناف المقاومة. وفي الحالة المتصلة ببلدة الغجر، كم يبدو موقف “الحزب” مجافياً للمنطق، عندما يلجأ إلى التوتير بحجة تسييج إسرائيل للغجر بكاملها بما في ذلك الجزء اللبناني من البلدة. ومن الأسئلة التي يطرحها المتابعون في هذا المجال:
أولاً، لماذا لم تكن هناك ردة فعل من “الحزب” وتالياً من وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، عندما كانت أعمال التسييج قائمة ولم تكتمل بعد؟ وهذه الأعمال لم تتم على طريقة الفانوس السحري، وإنما تتطلب أسابيع إن لم يكن أكثر.
ثانياً، لماذا لم يباشر لبنان منذ إتمام الخط الأزرق عام 2000 ببناء سياج خاص بالجزء اللبناني من الغجر، غير آبه لموقف السكان الذين هم من حملة الجنسية الإسرائيلية؟
ثالثاً، هل يقول “الحزب” لماذا لم يطلب من نظام الأسد الذي يقاتل الحزب من أجل بقائه منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، كي يتدخل لدى سكان الغجر الذين عدا عن أنهم سوريون، هم أيضاً علويون أي من مذهب رئيس النظام بشار الأسد؟
من يعود إلى ملف مزارع شبعا المحتلة التي يستعملها “الحزب” مثل “مسمار جحا” منذ العام 2000 ولغاية اليوم، يجد أن كل ما هو مطلوب من الأسد كي يستعيد أرضاً أو لمؤازرة حليف في استعادة أرضه لا وجود له.
في حكاية الغجر اليوم، يمكن القول: فتش عن الأسد!