شارل الياس شرتوني/الانقلاب الفاشي الشيعي ما بين الحرب الأهلية والحروب الإقليمية، أو نهاية لعبة التضليل

91

الانقلاب الفاشي الشيعي ما بين الحرب الأهلية والحروب الإقليمية، أو نهاية لعبة التضليل
شارل الياس شرتوني/10 تموز/2023
يحيلنا واقع التعطيل المتمادي للمؤسسات الدستورية، ووضع اليد الفعلي على مرافق الدولة اللبنانية وعلى السياستين الخارجية والدفاعية، واستعمال الاراضي اللبنانية منطلقا لأعمال عسكرية تستهدف أمن الدولة الاسرائيلية وموازين القوى في الدواخل السورية، واستحداث نطاقات جيو-استراتيجية وسياسية، والقبض على القرار المالي في البلاد، وتحويلها الى ملاذ للجريمة المنظمة بكل أوجهها، والأعمال الارهابية المتنقلة، والتوتير الأمني الاستنسابي، والمناخات السائدة في الأوساط الشيعية، الى مشروع انقلابي آخذ في التبلور. إن الطابع الهمجي لهذه الديناميكية الانقلابية من خلال الإعلانات الكلامية النافرة، والعنف المتشظي بكل اتجاه، واعتماد التخريجات الفقهية من نوعية “تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة” لغة للتخاطب السياسي، يودي بنا الى واقع جديد، هو سقوط كل الاعتبارات القيمية والأخلاقية والميثاقية التي تجعل الحوار السياسي ممكنا في نظام ديموقراطي كالذي ارتضيناه لبلادنا. إن المناخات السياسية السائدة في البلاد حاليا لا تؤهل، بأي شكل من الأشكال، لاستعادة تواصل سياسي راق يساعد على إيجاد تسوية للأزمات القائمة، وتثبيت قواعد السلم الأهلي، وتحييد البلاد عن نزاعات اقليمية مفتعلة من قبل سياسات نفوذ النظام الاسلامي في إيران.

نحن أمام سيناريو إنقلابي يتحرك على مستويات متوازية، المناورة السياسية لجهة الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة الجديدة، والسيطرة الفعلية على مقدرات البلاد، والسير قدما بالمشروع الانقلابي على إختلاف مندرجاته السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية والعقارية والاجتماعية. هذا يعني بكلام أخر تطويع العمل الدستوري لسياسة السيطرة ومقدمة لها، قبل تبني سياسة السيطرة المباشرة واعتماد صيغها الانقلابية .يندرج سيناريو المحاكاة الديموقراطية (democratic simulation) ضمن سياق تضليلي يهدف الى تغطية سياسة السيطرة وتسهيل عملية تمددها بكل الاتجاهات، إن أي أخذ بلعبة البلف القائمة يقع إما في دائرة التواطؤ أو السذاجة، التي تذهب في الحالين بإتجاه تبني اللعبة الانقلابية القائمة. إن الاستحقاقات الرئاسية والحكومية لم تعد ذات شأن إن لم تندرج ضمن سياق تسوية سياسية شاملة تنطلق من الهندسة الدستورية وموجباتها، وتنتهي بالخيارات السياسية لجهة الاعتبارات السيادية (fonctions régaliennes) ،والسياسات العامة، والخيارات الاستراتيجية الكبرى.

إفراغ المؤسسات الدستورية من حيثياتها المنشئة والعملية، عبر تعطيل مجلس النواب وتحويله الى صندوق إيقاع لسياسة السيطرة الشيعية، أو الإبقاء على الوظيفة التي لازمته منذ بداية نظام الطائف، مؤسسة صورية لتغطية الحكم الاوليغارشي والمصادقة على سياساته، وتحويل مجلس الوزراء الى أداة الحكم الاوليغارشي وسياسة السيطرة الشيعية التي ينتظم حولها، والابقاء على رئاسة الجمهورية مرحليًا كموقع إسمي لا قدر له، ووضع اليد على حاكمية المصرف المركزي وقيادة الجيش من خلال تعطيلها، أو من خلال تعيينات واهية وشكلية كما جرى في الأمن العام، والتصرف بها كغطاءات لسياسات السيطرة التدرجية على البلاد. إن أية محاولة تعايش مع هذا الواقع هي أشتراك إرادي بهذه السياسات الانقلابية التي سوف تصطدم عاجلًا بالاعتبارات الأمنية الوطنية للدولة الاسرائيلية، التي ترى في سياسة السيطرة الشيعية جسر عبور لإستراتيجية نفوذ النظام الايراني، وما سوف تستدعيه من ديناميكيات حربية. إن التموضع عند تخوم سياسة الظلال المضللة يقع في خانة السذاجة التي لن يدوم أمدها، فإرادات الشر سوف تستحث أخرى، والعنف سوف يستحث عنفًا مضادًا، ولعبة التضليل وصلت الى خواتمها. نحن أمام خيارات الحرب أو الدعوة الملحة لمؤتمر دولي يضع حدًا لهذا الاهتراء المديد وتداعياته الداخلية والإقليمية المدمرة.