الكولونيل شربل بركات: ماذا وراء التفجير في مخيم برج الشمالي الفلسطيني في منطقة صور الجنوبية؟

585

ماذا وراء التفجير في مخيم برج الشمالي الفلسطيني في منطقة صور الجنوبية؟

الكولونيل شربل بركات/12 كانون الأول/2021

انفجار برج الشمالي قد يكون نقطة انطلاق للإعلان عن ولادة منظمة عسكرية جديدة تخرق قواعد اللعبة وتسعى للتشبه بحزب الله في السيطرة على قسم من اللبنانيين وترك المجال مفتوحا لاعداء لبنان. فهل يدرك اللبنانيون قبل فوات الأوان ما يخطط لهم؟

حدث منذ يومين انفجار قيل بأنه اودى بحياة ما يزيد عن العشرين شخصا في مخيم برج الشمالي في منطقة صور الجنوبية. وفي المعلومات المتداولة أن مخزن سلاح تابع لحركة “حماس” ويقع تحت مبنى المسجد هو الذي انفجر وأشعل النار أو بالعكس إن حريقا امتد إلى المخزن المذكور وأحدث الانفجار. لا يهمنا تفاصيل الحدث ولا حتى كمية المتفجرات ولمن تعود ولكن يهمنا جدا أن يستهدف مخيما فلسطينيا في منطقة تقع جنوب الليطاني أي من ضمن عمليات قوات الأمم المتحدة التي يجب أن يشكل خمسة عشر الفا من عناصر الجيش اللبناني دعما لها حيث تتركز أكثر مهامهم على التعاطي مع السكان ومنع خرق بنود الاتفاق. إذاً فالجيش اللبناني بكل أجهزته وخاصة مخابراته مطلوب منه تغطية أي خرق لبنود هذا الاتفاق وخاصة ما يتعلق بتخزين الأسلحة في منطقة عمل الأمم المتحدة المحددة بحسب القرار الدولي 1701 الذي كان أنهى العمليات العسكرية الاسرائيلية صيف 2006 ضد حزب الله (بعد قيام الأخير بعملية عبر الحدود أدت يومها إلى تصعيد عسكري كبير طال كل لبنان لمدة أكثر من شهر كامل) على أن يلتزم الجميع ببنود هذا القرار الذي يستند على القرارات الدولية المتعلقة بنفس الموضوع وهي 1559 و1655 و1680 وتتعلق بجمع السلاح من كل المنظمات اللبنانية والغير لبنانية في كل لبنان ومنع نقل الأسلحة عبر الحدود اللبنانية السورية أو التزود بها من اي طرف كان ومنع قيام اي تحرك عسكري عبر الحدود اللبنانية الاسرائيلية.

اختيار مخيم برج الشمالي بالذات له معنى كبير؛ أولا لأنه يقع في منطقة عمل القوات الدولية وهو جس نبض لهذه القوات وردة فعلها من جهة، ولكنه قد يكون رسالة لمن يعتقد بامكان استعمال الأمم المتحدة لتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بجمع الأسلحة وتسلم الأمن من قبل الجيش اللبناني وقوات الشرعية وحدها من جهة أخرى. فقبل أن يستغل اللبنانيون التفاهم الفرنسي العربي ممثلا بالمملكة العربية السعودية والذي دعا من خلال البيان المشترك الصادر بعد زيارة الرئيس الفرنسي للملكة إلى تنفيذ هذه القرارات الدولية في لبنان، خاصة وأن الجو العام أصبح ملائما لهكذا فكرة واللبنانيون أكثر وضوحا بشأن التخلص من سيطرة حكومة الملالي بواسطة حزبالله التي أفقرتهم وأبعدت عنهم كل مساعدة وتعاون من قبل المحيط والمجتمع الدولي على السواء، فإن اطلاق مشروع “نضالي” جديدا بغطاء إيراني من جهة وتركي (وربما قطري) من جهة ثانية يعتبره بعض السنة واليساريين (ومنهم من لبس حطة عرفات أثناء المظاهرات) بأنه استمرار لما كان يسمى “المقاومة الفلسطينية”، وقد سبق لمجموعة الرابع عشر من آذار أن ايدت مواقف “حماس” هذه في قتالها ضد إسرائيل لا بل ذهب وفد منها إلى غزة لتهنئة المنظمة المذكورة يومها شاركت القوات اللبنانية فيه ممثلة بالنائب أنطوان زهرة، فإن مبدأ الساحة المفتوحة سيبقى. وإذا كان ذلك ممكنا فإنه سيكون الغطاء الأنسب لحزبالله الإيراني هذا وسيطرته على الساحة “كحركة مقاومة” تسند أي طرف للنضال ضد “الاحتلال الصهيوني” ولو كلاميا.

من هنا فإن الموضوع يجب أن يقارب من جهة مختلفة، فقد كان أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية عرض تسليم أمن المخيمات للسلطة الشرعية ووضع ما تبقى من القوات الفلسطينية داخلها بامرة الدولة، ما يمنع قيام اي تحرك عسكري فيها أو منها وذلك حفاظا على أرواح اللاجئين الفلسطينيين ومساهمة في استقرار لبنان. وكانت الدولة اللبنانية ومنذ الثمانينات ألغت اتفاق القاهرة الذي كان أعطى المنظمات حرية التصرف داخل المخيمات وفي أماكن أخرى من البلاد ما أدى إلى خرق الهدنة بين لبنان وأسرائيل وإدخال البلاد في صراعات لم تنتهِ بعد. إذاً موضوع فتح ميليشيا لمنظمة “حماس” أو لجماعة اليمن أو العراق أو ليبيا وما إلى هنالك من تسميات ليست بالأمر الوارد ويجب ألا تكون كذلك، وسعي حزب الله واسياده لمثل هذه التسهيلات لكي يضمنوا استمرار سيطرتهم على البلاد، كما جرى في سوريا يوم اخترعوا “داعش” وسمحوا لها بالانفلاش لتنفيذ تهجير السوريين من بيوتهم، وما يفعلونه بتخريب مؤسسات الدولة وافقار اللبنانيين ايضا لتسهيل تهجيرهم والسيطرة المطلقة على البلاد، فإن على كافة الفئات اللبنانية إلا تنغش بالمشاريع الإيرانية ولا بغيرها من المشاريع الفئوية ومنطق ابقاء لبنان ساحة لصراعات الآخرين، بل يجب التوحد حول فكرة سيادة لبنان الكاملة على أراضيه والتخلص من وحش المليشيات وخاصة سيطرة ايران وسوريا وغيرهما على منظمات يخترعونها للابقاء على التوتر في لبنان ومنعه من العودة للعب دوره في المنطقة المحيطة وريادته الحضارية في مجال العلاقات الجيدة مع كافة بلدان المنطقة وخاصة البلاد العربية وغيرها من البلدان التي تعامله كدولة سيدة حرة مستقلة لا كتابع أو ساحة لتصفية حساباتها.

انفجار برج الشمالي قد يكون نقطة انطلاق للإعلان عن ولادة منظمة عسكرية جديدة تخرق قواعد اللعبة وتسعى للتشبه بحزب الله في السيطرة على قسم من اللبنانيين وترك المجال مفتوحا لاعداء لبنان. فهل يدرك اللبنانيون قبل فوات الأوان ما يخطط لهم؟ وهل سيعرفون كيف يردوا على اللعب فيهم بالسعي الجدي للتخلص من كل آفات الحرب والسلاح ومعتنقي مباديء القهر واعتماد القوة بدل السعي لتنفيذ القرارات الدولية تحت البند السابع وتغطيتهم لهكذا مشروع، لا بل السعي لدى دول العالم لتنفيذه وعدم مساندة اي حامل سلاح مهما لعب على العواطف أو جرب الارهاب أو التخويف؟ فوجود مثل هؤلاء ومنعهم قيام الدولة الحقيقية والقادرة هو الخطر المهيمن، منذ السماح لعرفات بتحجيم دور الدولة ومن ثم لغيره بالتسلط تحت شعارات واهية ومشاريع مضنية كلفتنا زوال لبنان كدولة قادرة وافقار شعبه وتوسلهم لقمة العيش بدل أن يوزعوا هم معارفهم وقدراتهم وثرواتهم على المحتاجين…