الكولونيل شربل بركات/المفتي أحمد قبلان والشرق الأوسط الجديد

262

المفتي أحمد قبلان والشرق الأوسط الجديد
الكولونيل شربل بركات/15 نيسان/2024

هل إن تهجّمك على بقية اللبنانيين سيعطيك أفضلية يوم يتغير الوضع، لا سمح الله، وتضطر وغيرك من جماعات إيران على استجداء الصفح والتفتيش عن مكان لجوء في هذا العالم الذي يضيق يوما بعد يوم بالمساحات الحرة؟ 

 فهلا “تحطط عن بغلتك” قليلا كما يقول الجنوبيون وتترك التعصب والمغالاة لغيرك من السياسيين أو المحاربين الذين سيعانون بدون شك من تغير الأحوال في حال حدوث ذلك، وتبقي قليلا من الاحترام للعمامة التي ورثت ويجب أن تحافظ عليها؟

في بيان مهم صدر اليوم الأحد عن المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان وبعد الهجمة الصاروخية الإيرانية “الناجحة جداً” على اسرائيل والتي أظهرت، برأيه، ضعف الحلفاء الأوروبيين ومعهم “عرب التطبيع” وغيرهم من الزاحفين نحو السلم، مقابل قوة إيران التي باتت “اسرائيل العظمى” تحت أقدامها. حيث وخلال دقائق بدت إيران مركز قوة الشرق الأوسط رغم “زعيق أنظمة واشنطن وأوروبا المهزومة”. ومع “صواريخ “خيبر” بدت حصون اسرائيل وحلفائها من الأطلسيين والعرب مجرد كرتون”. ومن ثم يردف المفتي الشيخ قائلا بأن هذا الهجوم كشف ضعف اميركا وتقهقرها ونهاية اسرائيل القريبة، بينما ظهر مركز قوة الشرق الأوسط بالصواريخ الإيرانية التي تعيد رسمه من جديد، وقد داست عنق واشنطن واوروبا وحلفائهما. وبعد هذه المقدمة الرائعة التي تلهب النفوس يعود الشيخ أحمد ليفسر لنا بيت القصيد؛ وهو بأن خرائط فرنسا وبريطانيا الاستعمارية من زمن سايكس بيكو قد سقطت، وأن صواريخ المقاومة الايرانية وحدها من يرسم المستقبل، ولن نسمع بعد اليوم “زعيق الطائفية ومزارع السلطة وكذبة الحياد والبكاء الذي لن يذوق جماعته إلا كأس الذل والهزيمة”.

نفهم من كلام الشيخ أحمد بأن لبنان كبلد لم يعد يعنيه وأنه يتباهى بكونه وجماعته، التي ينتقد تسميتها بالمتاولة أحيانا، أصبحوا جزءً من جماعة إيران القوية والتي تسيطر على كامل الشرق الأوسط الكبير وتنازل أميركا وتتحدى أوروبا وربيبتهما اسرائيل وبقية عرب التطبيع، اي من رفض سلطة طهران وسيطرتها وقوتها. لا بل فهو لا يأخذ بعين الاعتبار أية مخاوف لبقية المجموعات التي تعيش في لبنان وتعتقد بأن لها حق المواطنة والمشاركة، فهي ليس لها شرف وكرامة جماعة إيران ولن يكون لها رأي في مستقبل البلد.

الشيخ أحمد يبدو من الرعيل الذي يرفض فكرة لبنان البلد الجامع لتعددية انسانية وحضارية تعترف بالكل وتعطيهم حقوق ومراكز في ادارة البلد مساهمة في عدالة اجتماعية ما، وليست المرة الأولى التي يتهجم فيها على النظام اللبناني، ولكنه يريد أن يفهمنا اليوم بأن لا مكان للضعفاء الذين لم يسندوا ظهرهم على قوة إيران وقدراتها التفوقية، ولذا فهم سينتهون بدون صوت أو حقوق، وسيعيشون إذا قبلوا أو لم يقبلوا تحت رحمة المنتصر شريك دولة الملالي التي تكمل انتصار خيبر وتعيد للحسين عزته ولجماعته السلطة التي غابت منذ زمن الأمويين.

نحن نشكر الشيخ أحمد على هذا الوضوح بالرؤية والصراحة التي يتميز بها، لأنه يفهمنا بما كنا نعتقده مترددين ونخاف من الوصول إليه؛ وهو أن يسيطر على البلد، وبقوة السلاح، مجموعة ممن ينتمون بالهوية فقط لهذا البلد، وبدون أن يعرفوا أصولهم وتاريخهم وقدرة هذا البلد على حمايتهم في قوتهم وضعفهم على السواء، ولاحاجة لهم أن يستقووا بآخرين أو يستندوا لقوة أقليمية أو عالمية.

كنا نعتقد بأن “شيعة الحق” هم الذين حافظوا، بالرغم من الاضطهاد والظلم أحيانا، على رأي معين ومعتقد خاص بهم تمسكوا به بالرغم من الاضطهاد، وقد حماهم لبنان وأهله الذين يقبلون بالتساوي في حق المعتقد ولا يجبرون أحدا على التخلي عن حريته الفكرية والدينية طالما قبل بحرية الآخرين. ولكن على ما يبدو فإن الشيخ أحمد وأمثاله لم يعرفوا معاناة الطائفة، ولم يتعلموا عن تاريخ لبنان سوى ما سمعوه من أئمة قم، التي كان لشيعة لبنان شرف تعليمهم يوم أراد اسماعيل الصفوي التميّز عن العثمانيين للحفاظ على بعض من الحرية لجماعته، ولكنه وبالرغم من ذلك قهره السلطان سليم ما جعل العامليين يعيشون بالخوف من الانتقام العثماني طيلة أربعة قرون فيحتمون بأمراء جبل لبنان ويتقاسمون الحلو والمر معهم. ولكن يوم حاول الضباط العثمانيون الاحرار توسيع نظرية الانتماء أعتقد البعض بأن الولاء للعثمانيين أو للشريفيين لاحقا يمنحهم فرصة الخروج من “القمقم”، فإذا بهم يتناسون ما قدمه لبنان لهم من حماية وحقوق وتعاون بين المختلفين بالعقيدة والذين يتجاورون ويتقاسمون لقمة العيش الكريمة، ويسيرون في ركب العدد والقوة التي اعتقدوا بأنها تحميهم وتحفظ لهم الحقوق.

مهلا يا شيخ أحمد فالتروي من شيم رجال الدين أصحاب العمائم، وكلما تقدم الانسان بالعمر والقدر يكبر لديه الاستيعاب، وتتوسع آفاقه ومداركه، ويبدأ بالتمييز أكثر فأكثر بين الحقائق والثوابت، وبين المتسرع والزائل من أمجاد الناس المؤقتة. فلا إيران قد ربحت نهائيا السيطرة على الشرق الأوسط من خلال رشقات صاروخية لم يصل منها ما يؤثر على دولة اسرائيل، أو قوة أميركا وقدرات الحلفاء الأوروبيين، أو عرب التطبيع، ولا جماعتها من االتنظيمات المسلحة قد انتصروا في الجبهات، بالرغم من الخسائر الجسيمة التي يعانون منها، بكل أسف. ولم يستسلم نتانياهو بعد، ولا استجدى بايدن هدنة للملمة خسائره. وقد نستفيق غدا على ما يؤلم؛ إن عند الشعب الإيراني الذي لا نتمنى له سوى الخير والخلاص من الوضع المذري الذي يعيشه، أو عند أخوتنا في لبنان أو سوريا والعراق وغيرهم من المغرر بهم. وهل إن تهجّمك على بقية اللبنانيين سيعطيك أفضلية يوم يتغير الوضع، لا سمح الله، وتضطر وغيرك من جماعات إيران على استجداء الصفح والتفتيش عن مكان لجوء في هذا العالم الذي يضيق يوما بعد يوم بالمساحات الحرة؟

إن خطاباتك المتسرعة وتهجمك على المقامات لا تزيدك احتراما بل تضر بك وبالعمامة التي ترتديها، وتضر أيضا بمستقبل العلاقات بين الفئة التي تدعي تمثيلها وبقية اللبنانيين، كما أضرت مواقف غيرك من أصحاب العمائم بشيعة لبنان في بلاد العرب يوم سارعوا للتهجم على بلدان يعتاش من أفضالها الكثير من اللبنانيين. فهلا “تحطط عن بغلتك” قليلا كما يقول الجنوبيون وتترك التعصب والمغالاة لغيرك من السياسيين أو المحاربين الذين سيعانون بدون شك من تغير الأحوال في حال حدوث ذلك، وتبقي قليلا من الاحترام للعمامة التي ورثت ويجب أن تحافظ عليها؟

لو أنك تزور ميس الجبل وتسأل أهلها عن معاناتهم وعن مفاعيل الالتصاق بمشاريع الدول التي لا تطعم خبزا، لكنت غيرت رأيك في ما تقول، وحافظت على قليل من احترام الذات الذي يجبر الكل على احترامك.

فإذا كانت النصيحة يوما لها بعض التقدير، وبالرغم من أننا نعلم بأنها اليوم لم تعد كذلك في زمن التواصل السريع والتعليقات الغير مجدية، إلا أننا كأبناء منطقة يهمنا أن تكون صورتك، وصورة العائلة التي لنا معها علاقات تاريخية، أفضل مما نراه من خلال هذه البيانات والتصاريح الهجومية على الشركاء والتي لا تتقدم ولكنها بالتأكيد تؤخر وتبعد.

نتمنى إن تحمل الايام الآتية سلاما حقيقيا بين شعوب المنطقة، فتنتهي الحروب إلى غير رجعة، وتحافظ كل المجموعات الحضارية على حقوقها وحريتها وعيشها في مواطنها بدون خوف أو قلق، ولنتذكر ذلك المثل اللبناني القديم “جارك القريب ولا خيك البعيد”…