د. منى فياض/حدود مسؤولية لبنان عن وضعه الراهن

98

حدود مسؤولية لبنان عن وضعه الراهن
د. منى فياض/الشفاف/05 آب/2021

ما سوف أعالجه في هذا المقال ينطلق من مسلّمة أن لبنان لم يعرف سوى الندرة من رجال دولة وطنيين حقيقين. فما كنا وصلنا إلى ما نحن فيه لولا تواطؤ رجال، إما خونة، او ضعاف نفوس، أو طائفيون ومذهبيون متعصبون، او مهووسو سلطة ومال أو جهلة لا يقدرون نتيجة أفعالهم وخياراتهم.

لكن ذلك لا يتناقض مع أن موقع وصغر حجم وتنوع لبنان، كانت عوامل لها أكبر الأثر فيما آلت اليه الامور.
كأن توكفيل وآرون يطرحان إشكالية لبنان، صغير المساحة، مع محيطه! فلقد تعلّق مصيره دائما بالأدوار التي لعبها المجتمعان الإقليمي والدولي تجاهه. فلبنان توفرت له هذه الحماية في أحيان وفُرِضت عليه تسويات لغير صالحه في أحيان أخرى.

لم يكن قد مضى على استقلال لبنان أكثر من 5 سنوات عندما احتلت إسرائيل فلسطين، فتسببت بقطيعة عن المحيط الطبيعي الفلسطيني، وأغرقته باللاجئين الفلسطينيين، ما سيرتب تداعيات هائلة على توازنه الديموغرافي الداخلي ومصيره.

إذاً، واجه لبنان، منذ انطلاقته، التحديات الاقليمية؛ وكان يتعرّض للاهتزاز في كل مرة يخرج فيها عن حياده الضمني الذي التزمه منذ نشأته، وتم التأكيد عليه فيما سمي بالميثاق الوطني بين بشارة الخوري ورياض الصلح؛ وأصبح في صلب دستور الطائف.

لكن الخلل الأكبر الذي ترك تداعيات لا تزال تتفاعل حتى الآن، كان اتفاق القاهرة عام 1969، الذي رمى بواسطته النظام العربي (برضى وتواطؤ اللبنانيين انفسهم) ثقل القضية الفلسطينية على أصغر بلد عربي وتركه لمصيره في مواجهة إسرائيل. أدّت تداعيات الخلل الداخلي، الذي سببه السلاح الفلسطيني، إلى إفقاد لبنان لسيادته وانفجار العنف ودخول الجيش السوري، بغطاء اقليمي ودولي. وتلاه تحالف بعض اللبنانيين مع إسرائيل التي احتلت لبنان ولم تنسحب منه إلا في العام 2000. وكان لبنان قد سُلّم برمته إلى سوريا من قبل الأميركيين ورضى العرب، بعد إبرام اتفاق الطائف في التسعينيات، لتغطية الأسد للدخول الاميركي الكويت لإخراج صدام حسين منها.

أُخرج السوري بضغط غربي – أميركي إثر اغتيال الحريري وانتفاضة 2005، فحلّت محله إيران التي جرّت لبنان الى حرب صيف 2006. أما غزوة حزب الله لبيروت عام 2008 فأنتجت اتفاق الدوحة، بغطاء دولي واقليمي. فكان الإسفين الأساسي الذي قضى على الديموقراطية لأن حزب الله استطاع فرض سلاحه في المعادلة الداخلية: شعب، جيش، مقاومة؛ وسُمح له باستخدام الثلث المعطل الشهير. فتعطّلت الحياة السياسية وفرضت أعرافاً جديدة. أدّى كل ذلك الى ممارسات مخالفة للدستور والقوانين. كان الفساد والعنف والقتل والاغتيال، لخدمة أطراف اقليميين، أدوات اساسية لفرض هذه السياسات واخضاع اللبنانيين. أدى كل ذلك ما نعاينه من انهيار.

يترتب عن ذلك مسؤولية معنوية كبيرة تقع على الأمم المتحدة وعلى اللاعبين الكبار من دوليين وعرب لمساعدة اللبنانيين على استعادة حريتهم وسيادة بلدهم وتخليصهم من الاحتلال. هناك اهتمام دولي دائم بلبنان. وشكوى البعض من أنه متروك غير دقيق، فلقد صدرت بحقه عشرات القرارات الدولية، التي يعيش بظلها. والمجتمع الدولي يضغط الآن لدرجة ان قامت سفيرتا فرنسا واميركا بزيارة خاصة للسعودية من أجل المساعدة.

مع ذلك ربما لا يمارس المجتمع الدولي ضغطه بالقوة والفعالية المطلوبتين، ولا في المكان والوقت المناسبين أو على الأطراف المناسبة. كما ان مصالحه قد تتناقض مع مصلحة الشعب اللبناني.

الموقف الفرنسي، بالرغم من حسن النوايا، لم يخرج عن نطاق دبلوماسية الجمع بين الشيء ونقيضه، تخليص لبنان مع محاولة الابقاء على علاقة جيدة مع ايران وحزبها. وهذه كانت « كعب أخيل » محاولات الرئيس الفرنسي. لا يمكن ان تنقذ بلداً بالتعاون مع مسبب مشكلاته. ولا يمكن ان تفصل بين مكونَيّ حزب الله العسكري والسياسي، فيما الحزب نفسه يعلن اندماجهما؛ تصريح نعيم قاسم عام 2012. الأمر الذي وعته ألمانيا وبريطانيا والنمسا، فاعتبروه حزبا ارهابيا. كما ان فرنسا لا تعترف بمكونات الثورة السياديين، وتفضل التعاون مع المتعاطفين مع حزب الله سراً أو علناً.

لم يعُد مقبولاً ان يُعلن المجتمع الدولي عقوبات، على المسؤولين السياسيين الفاسدين ومعرقلي الإنقاذ، ولا ينفذها؛ بل ويطالبهم، هم أنفسهم، بتشكيل حكومات إصلاحية! لم يعد مجدياً التخلص من المشكلة اللبنانية عبر حلول آنية تؤجل الاستحقاقات والانهيار لفترة، ثم تستعاد مسيرة جهنم نفسها. المطلوب ان يضغط المجتمع الدولي بأقصى العقوبات على جميع المسؤولين اللبنانيين لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ودعم مبادرة البطريرك وتحرك الفاتيكان، لمؤتمر دولي.
كما يجب الضغط على إيران، فلا يجب ان يكون الشعب اللبناني ضحية التسويات الاقليمية مرة أخرى. كفانا موتاً ودماراً.