فارس خشان/ما “البديل” الأميركي للخطة الفرنسية في لبنان؟

375

ما “البديل” الأميركي للخطة الفرنسية في لبنان؟
فارس خشان/النهار العربي/06 أيلول/2020

ثمة من يعتقد بأن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر، في زيارته للبنان التي بدأت مع مغادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وضع “خطة احتياطية” لتكون بديلاً جاهزاً عن الخطة الفرنسية، في حال تعرقلت أو فشلت.

و”الخطة الإحتياطية” تقوم، وفق هؤلاء، على ركائز مغايرة للركائز التي تقوم عليها الخطة الفرنسية، ذلك أنّه فيما استند ماكرون الى الطبقة السياسية اللبنانية المتمثّلة في المجلس النيابي، ومن ضمنها “حزب الله”، ذهب شنكر، حاملاً معه التهويل بعقوبات وشيكة على “الفاسدين” بموجب “قانون ماغنيتسكي”، الى القوى السياسية التي استقالت من المجلس النيابي كما الى المجتمع المدني الذي يؤمن بمسار تغييري وثوروي، بالإضافة الى قيادة الجيش اللبناني، بصفتها المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي تتمتع، بالحد الأدنى، من الصدقية في الداخل والخارج.

ويعتبر هؤلاء أنّ شنكر رسم “الخطة البديلة” على أساس حقائق العالم الثالث، حيث لم تنجح ثورة واحدة لم تحظ بدعم المؤسسة العسكرية، كما هي عليه الحال، على سبيل المثال لا الحصر، في كل من الجزائر والسودان.

“نادي الرؤساء” والمهلة الأخيرة
لكن، قبل مناقشة صوابية هذا “التخوّف” عند البعض أو هذا “التمنّي” عند البعض الآخر، لا بد من التوقف عند حقائق متصلة بالجدول الزمني للخطة الفرنسية.

وفي هذا الأطار، تكشف مصادر متقاطعة أنّ الحكومة الجديدة، في حال لم تبصر النور في مهلة تحترم مبدأ الأسبوعين المتفق عليه بين ماكرون والقوى السياسية في الأول من أيلول الجاري، فإنّ الخطة الفرنسية المرسومة تسقط بكاملها.

وهذا يعني أن الحكومة الجديدة التي يعمل على تشكيلها الرئيس المكلّف مصطفى أديب يجب أن تبصر النور بين السادس عشر والعشرين من أيلول (سبتمبر) الجاري، كحد أقصى.
وفي حال لم يحدث ذلك، فإن أديب سوف يعتذر عن عدم التشكيل فيما “نادي رؤساء الحكومة السابقين” سيمتنع عن تسمية غيره لهذه المهمة، ويخرج من “التسوية” ويُقفل هواتفه.

وحتى تتشكّل هذه الحكومة، فإنّ ثمة مواصفات لا بد منها، وهي أن تكون مصغّرة ووزراؤها اختصاصيون وحقائبها غير مكرّسة للتقاسم السلطوي، أي أنها يجب أن تضم “أربعة عشر مصطفى أديب”.

ويدعم الرئيس الفرنسي هذا التوجّه، وهو يعرف عن كثب الضغوط المحلية والإقليمية والدولية التي تعرّض لها “نادي الرؤساء السابقين” ويتعرّض لها لأنه سار في “الخطة الفرنسية”، وتالياً، فإنّ عدم التزام الأطراف الأخرى بالضوابط المرسومة مسبقاً، بحجج متنوّعة، سيضعها أمام “مسؤوليات تاريخية”.

وهذا يعني أنّ “الخطة الفرنسية” تسير على حبل رفيع للغاية، والمراهنون على انقطاع الحبل ليسوا قلّة. الأميركيون من بين هؤلاء.

ولكن، هل “الخطة البديلة” التي استوحاها البعض من حركة ديفيد شنكر في لبنان، تستند الى مقوّمات حقيقية؟

النقاش، لا يحسم الإتجاه، بل يجد فيه شيئاً من الحقيقة… المرجأة.

كيف ذلك؟
السياسيون المخضرمون الذين اجتمعوا بشنكر يقرّون بأنّه “أيّد المبادرة الفرنسية من طرف لسانه”، أي أنّه لم يكن مقتنعاً بها، ولكن غير قادر على إعلان ذلك.

في المقابل، يشيرون الى أنّ الإدارة الأميركية غير مستعجلة على الحلول، أي أنّها تعمل على تجهيز أرضية، قد تكون ملائمة للمستقبل وليس للقريب العاجل.

ويلفتون الإنتباه الى أن شنكر سمع من القوى السياسية التي التقاها ملاحظات كثيرة على قيادة الجيش وعلى أدائها، وتالياً، فهي بنظرهم لا تصلح، حتى إشعار آخر، حليفة لمسار تغييري.

كما أن الضالعين بالشأن اللبناني يدركون أنّ “هامش الحركة” لدى قيادة الجيش محدود للغاية، بفعل تكوين المؤسسة، وتالياً، فهي معرّضة لمخاطر حقيقية، إن لم تراعِ الحقائق اللبنانية المعقّدة.

وهذا ما يعرفه الفرنسيون، فحركتهم لم تهمّش قيادة الجيش إنّما حيّدتها.
الأميركيون، بدورهم، لا أوهام لديهم في هذا الموضوع، ولهذا فإن أي تصور يمكن أن يكون لديهم للوضع اللبناني يستحيل أن يكون “عاجلاً” بل “مرجأ”.

والتصوّر المرجأ يعني العمل على إعادة تكوين السلطة، عندما يحين أوان الإستحقاقات التأسيسية، مثل انتخابات رئاسة الجمهورية والإنتخابات النيابية.

وبهذا المعنى، فإن التصوّر الأميركي يُمكن أن يضع قائد الجيش جوزف عون على قائمة الخيارات الرئاسية المقبلة، في وقت يتم “حرق” أكبر منافسيه، بإدراج أحدهم على لائحة العقوبات سواء تلك المقررة الأسبوع المقبل أم تلك التي ستليها.

كما أن الإدارة الأميركية تُدرك جيّدا أن “المجتمع الثوري” غير مجهّز بعد ليشكّل بديلاً عن “الطبقة السياسية” الحالية، لأنّه مجتمع ممزّق ومتباين ومتنافر وفيه كثير من الأنانيات، وتالياً، فعليه، حتى يكون مؤهّلاً ليلعب دوراً تغييرياً رائداً، أن يستعد وان يوحّد قواه ويستنفر جهوده ويتسقر على رؤية ويخفّف أنانياته.

وهذه المعطيات تعرفها الإدارة الفرنسية، ولهذا لا تُعير الخطة البديلة اهتماماً كبيراً، بل تركّز جهودها على إزالة العوائق التي يمكن أن تُهدّد خطتها، وهي تبدأ بواشنطن وتمر بإيران وبعض دول الخليج، وتصل الى قيادات لبنانية “سارت” بالإتفاق بشفتيها وتعمل ضده بيديها.

بالنسبة لإيمانويل ماكرون، لا يزال هناك متسع من الوقت لنجاح الخطوة الأولى المتمثلة بتشكيل الحكومة، فعشرة أيّام بالنسبة له طويلة لأنّه “يعدّها” بالثواني وليس بالساعات، فيما هي، بالنسبة للبنانيين، قصيرة جداً، لأنّهم يحسبونها بالأسابيع وليس بالأيّام.