إيلي الحاج/السفير السعودي السابق عبد العزيز خوجة يعترف (3/3): الملك عبد الله لبشار”والدك صادق وأنت كذّاب”//إيلي الحاج/السفير السعودي السابق عبد العزيز خوجة يعترف (2/3): نصرالله قال لي إن رفيق الحريري وقّع وثيقة إعدامه//(1/3)خوجة: نصرالله أقنعني بالمحكمة الدولية

963

إيلي الحاج/السفير السعودي السابق عبد العزيز خوجة يعترف (3/3): الملك عبد الله لبشار”والدك صادق وأنت كذّاب”
إيلي الحاج/موقع أساس ميديا/الخميس 05 آذار 2020
تعرض الوزير السعودي الأسبق عبد العزيز خوجة لأربع محاولات اغتيال، على ما يروي في كتابه “التجربة” الذي سيصدر خلال أيام، إحداها في تركيا، والثلاث الباقيات في لبنان، حملته على قطع علاقته بالأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.
الكتاب غنيٌ بالانطباعات عن رجالات السياسة في لبنان، ترد فيه إشادات خاصة بالوزير السابق جان عبيد والرئيس نبيه بري، و”أبطال الاستقلال الثاني”: البطريرك الراحل نصر الله صفير والرئيس فؤاد السنيورة والزعيم وليد جنبلاط، وشرح بالتفصيل لخلفيات مؤتمر الدوحة في ٢٠٠٨ وسبب انتخاب العماد ميشال سليمان وليس العماد ميشال عون أو نسيب لحود أو بطرس حرب رئيساً للجمهورية.
لخوجة أشاد في كتابه بالرئيس فؤاد السنيورة وبرَّأ حكومته من تهمة سرقة المساعدات الدولية في حرب تموز ٢٠٠٦، شارحاً طبيعة علاقة المملكة بحلفائها، حيث تغيب التبعية التي تحكم علاقة ايران بحلفائها، ومن أدلة ذلك: تعطيل حلفاء المملكة لمشروع “مؤتمر الرياض” الذي كان مفترضاً ان يسبق بأشهر “اتفاق الدوحة” في ٢٠٠٨.
وتلقي هذه الحلقة، الثالثة والأخيرة من الكتاب، ضوءاً من خلال بعض المقاطع المنتقاة على علاقة المملكة العربية السعودية ببشار الأسد:
في مرحلة ما، كان هناك مناخ دولي يدفع إلى فصل بشار الأسد عن إيران وإعادته إلى المحيط العربي، وأظهر بشار تجاوبه مع هذا الطرح، متعهدا أمام الملك عبد الله والأمير (الملك) سلمان والأمير نايف والأمير سعود الفيصل والأمير بندر بن سلطان والأمير مقرن بن عبد العزيز بأن يدعم نهج سعد الحريري في لبنان. كان بشار يتوقع أن يربح حلفاؤه انتخابات ٢٠٠٩ النيابية، لكنني توقعت أن حلفاء المملكة العربية السعودية والعرب هم من سينتصرون في تلك الانتخابات، وثبتت لاحقاً صحة توقعي.
بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، حاول السوريون التقليل من الضغط عليهم بجولات عربية في أوائل آذار، أي بعد الاغتيال بأسبوعين، فزار بشار المملكة، وسأله الأمير (الملك) عبد الله بن عبد العزيز بصراحته المعتادة عن سبب إقدام سورية على اغتيال رفيق الحريري، فأجاب بشار أنّه يجوز أنّ هناك أيادي لاستخباراته تصرفت من دون علمه. لم يصدّق ولي العهد ذلك الإنكار، فقد كان يدرك أن لبشار دوراً كبيراً. ولذا قال له: يفترض الآن بسورية الانسحاب الكامل والفوري من لبنان. وأكد على المغادرة بأسرع وقت، وإلا فهو يجازف بإفساد العلاقات مع المملكة: “إما الانسحاب الكامل من لبنان أو قطع العلاقات”.
سمع بشار النصيحة وألقى كلمة متلفزة طويلة أمام البرلمان السوري قلل فيها من الشعور المعادي لسورية، ولكنه أعلن الانسحاب في النهاية. كانت نصيحة المملكة حاسمة في هذا القرار.
عند اندلاع الثورة السورية، تعهّد بشّار للمملكة بالاستجابة لمطالب الناس والابتعاد عن إيران، وتعهد بعدم سفك الدماء، ومحاسبة كل من اعتدى على المدنيين العزّل، لكنه كذب مجدداً
يمكن تلخيص قصة المملكة العربية السعودية مع بشار الأسد على النحو التالي:
منذ وفاة حافظ الأسد، كانت للمملكة تحفظاتها عن بشار، لكنها تغاضت عن هذه التحفظات من أجل الحفاظ على سورية.
قدمت كل دعم لبشار من أجل تثبيت حكمه، وعندما نال ما أراده اتجه إلى إيران.
كان الملك عبد الله يمقت الكذب، وفي آخر زيارة لبشار إلى المملكة، قال له أمام الأمراء سلطان ونايف وسلمان وبندر بن سلطان: “أنا أعرف عمك قبل والدك، ثم عرفت والدك، الفرق بينك وبين والدك، أنّ حافظ صادق، لكن أنت كذاب كذاب كذاب”. فمنذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري إلى اندلاع الثورة السورية كذب بشار في كل وعوده للمملكة بالابتعاد عن إيران وبعدم المسّ باستقرار لبنان.
وعند اندلاع الثورة السورية، تعهّد بشّار للمملكة بالاستجابة لمطالب الناس والابتعاد عن إيران، وتعهد بعدم سفك الدماء، ومحاسبة كل من اعتدى على المدنيين العزّل، لكنه كذب مجدداً، فقاطعته المملكة، وعندما بدأ بقصف المدن وقتل الناس وسلّم قراره كلياً إلى إيران، إتخذ الملك عبد الله قراره النهائي بأن بشار الأسد لا يستحق فرصة جديدة.
حين توليت وزارة الثقافة والإعلام، لم أتحرر تماماً من الملف اللبناني، كانت الانتخابات اللبنانية على الأبواب. أكدت للقيادة السعودية أن الانتخابات ستنتج نصراً حاسماً لقوى “١٤ آذار”، وفرح العاهل السعودي بصواب رأيي ودعاني إلى طائرته الخاصة في رحلة من الرياض إلى جدة ليبلغني برؤية المملكة للمرحلة المقبلة. علمت بالمهمة الجديدة، مرافقة الأمير عبد العزيز بن عبد الله (الذي أصبح في ما بعد نائباً لوزير الخارجية) إلى دمشق تلبية لدعوة بشار الأسد.
إجتمعت مع الأمير عبد العزيز بن عبد الله ببشار ووليد المعلم، جلسنا أربع ساعات متوالية، وبدأ الاجتماع بقول الأسد : “قالوا لي إنك خبير بالشأن اللبناني، أنا أعرف لبنان أكثر منك”. أجبته: “إنّ معرفتي المتواضعة بلبنان لا تضاهي معرفة سيادتكم، لكنها كافية للانتصار الكاسح في الانتخابات”. لم ينسَ بشار إجابتي هذه. زار الملك عبد الله دمشق بعدها بفترة في زيارة رسمية، ثم توجه الملك والرئيس الأسد إلى بيروت في الطائرة الملكية، وقبل جلوس بشار في مقعده قال لي: “منذ متى تركت بيروت؟”، قلت ببراءة: “منذ عام ونصف”، فأجابني بعد ضحكة عالية: “إنتهت صلاحيتك يا عبد العزيز”، واكتفيتُ بالابتسام.
مرّت الأشهر وقامت الثورة السورية ليخسر بشّار لبنان وسورية نفسها. وأنا أتابع أخبار الرئيس السوري تخيلتُ اتصالي به للقول: “إنتهت صلاحيتك يا بشار”.

السفير السعودي السابق عبد العزيز خوجة يعترف (2/3): نصرالله قال لي إن رفيق الحريري وقّع وثيقة إعدامه
إيلي الحاج/موقع أساس ميديا/04 آذار 2020
يقرّ الوزير والسفير السعودي السابق عبد العزيز خوجة في فصل “سفارة لبنان”من كتابه “التجربة” الذي سيصدر قريباً بأنه وحلفاء المملكة اللبنانيين كانوا يعتقدون بأن “حزب الله” ليس إيرانياً، ولكن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسلسلة الأحداث التي تلت “اكتشفنا أن حزب الله ليس حليفاً لإيران في لبنان، بل هو إيران نفسها”.
ويسرد خوجة في الكتاب انطباعات حسن نصرالله عن سياسيين لبنانيين كما كشفها له الأمين العام للحزب، وبعضها مفاجئ. وينقل عن نصرالله أيضاً قوله له إنّ الرئيس الحريري “وقّع وثيقة إعدامه عندما أمر بنزع سلاح المقاومة سنة 1993”.
هنا بعض مختارات من كتاب “التجرِبة”:
من أصعب اللحظات التي مرّت بي خلال عملي سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في لبنان، حين ورود معلومات عن اعتزام “حزب الله” احتلال السرايا (قصر رئيس الوزراء ومقر الحكومة) بتوجيه من إيران بعد حرب تموز، خلال الاعتصام في الوسط التجاري الذي أراد إسقاط الحكومة. كانت المعلومات التي بلغتني تؤكد هذا التوجه، فتحدثت مع الرئيس نبيه بري وأبلغته بصورة حاسمة أن احتلال السرايا خط أحمر، وأنني مستعد للوقوف شخصياً أمام باب السرايا ليكون اقتحامها على جثتي. أجابني قائلاً: “روق… روق”، وذلك بلهجة الطمأنة. أخبرت الملك عبد عبدالله والأمير سعود بما فعلت فأيداني في موقفي، واتصل الملك عبدالله بالرئيس فؤاد السنيورة وطمأنه وأبدى له تأييده الكامل.
للقاء نصرلله كنت أركب في سيارة مظللة بالكامل، تذهب السيارة إلى كاراج تحت بناية في الضاحية الجنوبية، وهناك أغيّر السيارة، ثم نتجه إلى كاراج بناية ثانية، وأغير السيارة مجددا، واتجه إلى البناية موقع الموعد، أنزل في كاراجها تحت الأرض ثم استقل المصعد إلى الدور الذي سألتقي فيه نصرالله.
كنا نعتقد، وكذلك حلفاؤنا اللبنانيون، أن “حزب الله” ليس إيرانياً، بل له بعد لبناني وعربي يجعلنا نقف معاً وجميعا على أرضية مشتركة أياً تكن مساحتها، لكن بعد اغتيال الرئيس الحريري وحرب تموز وأحداث أيار بالذات اكتشفنا أن “حزب الله” ليس حليفاً لإيران في لبنان، بل هو إيران نفسها، وربما كان أسوأ ما في إيران، لأنه موكل بالسيطرة على لبنان والتسلط على إرادته وأهله، وموكل بخلخلة المجتمعات العربية وتدميرها.
لفتُّ نظر نصرالله إلى أن الناس في العالمين العربي والإسلامي – بما في ذلك الشعب الإيراني- يتطلعون للتعلم في الغرب، وللعلاج في الغرب، ولاقتناء منتجات الغرب من أجل الجودة والرفاهية
وللتاريخ، قبل انكشاف دور الحزب في اغتيال الرئيس الحريري، رتّبتُ زيارات إلى المملكة لمسؤولين في “حزب الله”، منهم نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، وأسمَعَتهم المملكة كلاماً واضحاً: لا أحد يريد إحراق لبنان، لا أحد يريد إلغاء الآخر، سلموا سلاحكم إلى للدولة وانخرطوا في الحياة السياسية بشكل طبيعي – تحرسه صناديق الاقتراع – وأنتم تقدمون الهوية اللبنانية والعربية على الإنتماء الإيراني.
لكننا لم نجد استجابة.
وفي أحد لقاءاتي مع حسن نصر الله سألته: “ما الذي يجمعكم مع السوريين، وخصوصا أن حافظ الأسد إذا التقى أي شخص يتحدث لمدة ساعتين عن بني أمية وأمجادهم ويقول إنكم أعداء لهم؟”. فكان رد نصر الله أن “لا شيء يجمعنا بالسوريين سوى شيء واحد، فالبحر من غربنا ومن الجنوب إسرائيل، ومن الشرق سورية، وأي دعم من إيران لا يمكن أن يصل إلينا إلا عبر سورية، ولهذا نحن لا نحتك بهم رغم أننا نحاول دائما أن نكون معهم”.
وبعد الاشتباكات العنيفة التي حدثت في الحرب الأهلية بين “الحزب” و”حركة أمل” وطلب رئيس الحركة نبيه بري التدخل، تبلغ اللواء غازي كنعان بأن عليه التحدث مع نصر الله، الذي رفض – كما قال لي – وقف الاشتباكات، بحجة أنه لا يمكن أن يكون هناك حزبان شيعيان، فنصحه كنعان بأن يوقف الاشتباك، ومن جديد رد نصر الله أنه يقدّر الرئيس حافظ الأسد، لكنه لن يوقفها. وبعد ساعتين أو ثلاث ساعات جاء أفراد من “الحزب” وقالوا إن هناك شاحنة جاءت وتحمل رسالة من كنعان وبري، وعندما فتحنا صندوق الشاحنة وجدنا 30 جثة تقريباً من المقاتلين من حزبنا. وهنا أوقفت الاشتباكات، قال نصرالله.
وفي لقاء آخر قال لي: “إنكم أيها العرب جربتم الإنكليز والفرنسيين والأميركيين فلماذا لا تجربون اتباع إيران؟”، فأجبته: “المملكة لم تخضع للاستعمار مثل سائر دول المنطقة، وهي عاصمة الإسلام وعاصمة الاقتصاد والنفط وعضو في “مجموعة العشرين”، والمفترض أن
الضعيف هو من يتبع القوي وبالتالي على إيران أن تكون تابعة للسعودية”.
وقد لفتُّ نظر نصرالله إلى أن الناس في العالمين العربي والإسلامي – بما في ذلك الشعب الإيراني- يتطلعون للتعلم في الغرب، وللعلاج في الغرب، ولاقتناء منتجات الغرب من أجل الجودة والرفاهية، لكن لا أحد يفكر في التعلم في طهران أو العلاج فيها أو اقتناء منتجاتها باستثناء أهل الميليشيات.
لمدة طويلة كنت أجتمع مع حسن نصرالله بالساعات، ولم أطلب منه طلباً إلا أجابه. في انتخابات 2005، تحالف “الحزب” مع وليد جنبلاط وسعد الحريري و”القوات اللبنانية” في دائرة بعبدا – عاليه (…) والطريف في هذه الدائرة، أنه رغم التحالف المعلن بين الأفرقاء، تأخر إعلان اللائحة، ويعود ذلك إلى أن السيدة ستريدا جعجع كان المفترض أن تحضر الاحتفال بإعلانها في الضاحية، ولا أعرف هل كانت هذه فكرتها أو فكرة حلفائها، لكن حسن نصرالله قال للحريري وجنبلاط إنه بحاجة إلى وقت كي يشاور رفاقه في الحزب، وبعد ذلك بيومين قال نصرالله لهما: “لا أستطيع استقبال ستريدا في الضاحية”.
لقاءاتي الطويلة ونصرالله أتاحت لي معرفة بعض آرائه في الشخصيات اللبنانية:
علاقته مع رفيق الحريري ظاهرها الصداقة والود، وباطنها الحذر والتوجس، قال لي بالحرف: “رفيق الحريري وقّع وثيقة إعدامه حين أمر بنزع سلاح المقاومة سنة 1993، ومن حسن الحظ أن قائد الجيش وقتها إميل لحود لم يتجاوب معه”.
علاقته الحقيقية بوليد جنبلاط يمكن اختصارها بهذه الجملة: “بيضة القبان التي لا يمكن الوثوق بها، لذلك يجب أن يظلّ مخنوقاً على الدوام”.
علاقته بالرئيس نبيه بري أيضا يمكن اختصارها في كلامه: “لا يمكن أن أستغني عن نبيه بري، لكنني – أيضا – لا يمكن أن أنسى أنّه خلال الحرب الأهلية أرسل إليّ شاحنة معبأة بجثث رجالي”.

السفير السعودي السابق في لبنان عبد العزيز خوجة يعترف (1/3): نصرالله “أقنعني بالمحكمة الدولية”
إيلي الحاج/موقع أساس ميديا/الثلاثاء 03 آذار 2020
بحرٌ من أسرار وخفايا، بعضها مُذهل حقاً، يكشفه السفير السعودي السابق في لبنان عبد العزيز خوجة، الذي صار لاحقاً وزيراً للثقافة والإعلام، في كتاب سمّاه “التجرِبة”، يصدر قريباً.
الكتاب قدّمه صاحبه على أنّه “تفاعلات الثقافة والسياسة والإعلام”، يروي فيه سيرته الحافلة صعوداً في المملكة العربية وخارجها، ومن ضمنها تولّيه منصب سفير بلاده في لبنان خلال أخطر حقبة من تاريخه، بما أتاح لخوجة مساهمة فعالة باسم بلاده في ظل قيادة الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، في تحقيق ما يمكن اعتباره “الاستقلال الثاني للبنان” عام 2005. وهو كان إنجازاً لم يتنبّه اللبنانيون لمدى أهميته ولم يُعطَ حقه بل جرى التفريط به لاحقاً، ويُضاف إلى المساهمة السعودية الفعالة في إنهاء حروب لبنان من خلال “وثيقة الوفاق الوطني” في الطائف وإطلاق المشروع العملاق لإعادة إعمار ما دمرته الحروب في هذه البلاد المنكوبة.
في ما يلي فقرات مستلّة من المذكرات، تتعلّق بإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، تليها في حلقتين أحداث مشوّقة سجلها الوزير، السفير السعودي السابق، بسلاسة قلم أديب مؤرخ للّحظة الحاضرة وخلفياتها وعالم بأطباع الشعوب، صودف أنه مرَّ بلبنان ولم يتركه قبل أن يحفر في أحداثه أثراً عميقاً.
خيّم على الساحة السياسية والاجتماعية في لبنان (بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري) الكثير من الغموض. ثم بدأت سلسلة انفجارات لسيارات مفخخة في عدد من ضواحي بيروت تستهدف المناوئين لسورية وتسلطها على لبنان. التقيت السفير الأميركي جيفري فيلتمان والسفير الفرنسي برنار إيميه واقترحت عليهما تشكيل محكمة دولية لمعرفة من اغتال الحريري، فرّحبا بالفكرة. وتسبّبت هذه المحكمة بتداعيات كثيرة وكبيرة، وصدمة لسورية وحلفائها.
كانت فكرة المحكمة الدولية لمعت في ذهني بفضل حسن نصرالله، حين اقترح عليَّ تأسيس محكمة عربية للنظر في جريمة الاغتيال. بعدما تركت نصرالله واختليت بنفسي، قلت إنّ هذه الفكرة لن تصل إلى مكان، لأنّ الخلافات العربية ستخنق المحكمة، فلتكن محكمة دولية إذن لتحقيق أعلى درجات الحيدة والتجرد.
اقترحت الفكرة على الملك عبد الله والأمير سعود الفيصل فوافقا، ثم طرحتها على الشيخ سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة (الذي استعان في الاجتماع بأمين عام مجلس الوزراء القاضي سهيل بوجي) ، فأيّداها بكل حماسة. وبعد ذلك أمّنت المملكة موافقة الدول الكبرى على الفكرة.
إجتمعت مع حسين الخليل (المعاون السياسي لنصرالله) في منزل السياسي والصحافي مصطفى ناصر، لأبلغه بمشروع المحكمة الدولية، فردّ الخليل: “إذا قامت المحكمة الدولية فسنحرق البلد”. وفي ما بعد أضاف السفير الإيراني في لبنان محمد رضا شيباني: “لن نقبل بالمحكمة الدولية لأنّها ستبقى على رقابنا كالمقصلة”، وبعدما سمعت هذه المواقف والآراء أدركت أنّني أسير في الاتجاه الصحيح.
وأرى من الواجب هنا الإشادة بلجنة التحقيق الدولية، التي أدّت دورها بمنتهى المهنية، وأشيد بدقة المحكمة الدولية وحرفيتها، وأعتقد أنها ستصل إلى خواتيم سعيدة بإدانة القتلة ومحاسبتهم وردعهم.
لا أنسى تلك الليلة التي زار فيها أحد هؤلاء الضباط منزلي متهماً زملاءه باغتيال الحريري. وأذكر جيدا الليلة التي تلتها حين حضر ضابط آخر ليبرئ نفسه – أيضاً ويتهم البقية
ويضيف الوزير خوجة في مكان آخر من الكتاب: صار واضحاً أن قرار اغتيال الرئيس رفيق الحريري أصدره بشار الأسد ونفذه “حزب الله”، وإيران باركت القرار وباركت التنفيذ، وكانت أهداف الاغتيال واضحة وضوح الشمس: ضرب حلم اللبنانيين بالتحرّر من المحور الإيراني، وضرب نهج المملكة العربية السعودية القائم على ركيزتي الاعتدال والتنمية، وكان الحريري من وجوه هذا النهج. وكسر أهل السنة والجماعة معنوياً وسياسياً.
لم تبد أيّ بوادر تشير إلى أنّ “حزب الله” يريد التفاهم، وسافرت إلى الرياض تلبية لاستدعاء العاهل السعودي، وكان موضوع الاجتماع واحداً: المحكمة الدولية.
وتسربت فكرة المحكمة إلى الساحة اللبنانية فواجهها “حزب الله” بتعطيل الحكومة عبر اعتكاف وزرائه غير مرة، حينها لم يتحمل جنبلاط ما يجري فأطلق صرخته المدوية “تم تفخيخ السيارة التي استهدفت الحريري بسلاح الغدر في الضاحية”، فردّ عليه “حزب الله”: “لو كان الغدر رجلاً فهو وليد جنبلاط”.
وأذكر جيداً لحظة وصول ديتليف ميليس إلى لبنان، المحقق الدولي الأول في جريمة اغتيال الحريري، ثم استقالة القادة الأمنيين المسؤولين سياسياً عن اغتيال الحريري.
ولا أنسى تلك الليلة التي زار فيها أحد هؤلاء الضباط منزلي متهماً زملاءه باغتيال الحريري. وأذكر جيدا الليلة التي تلتها حين حضر ضابط آخر ليبرئ نفسه – أيضاً ويتهم البقية.
وفي مكان آخر من الكتاب يذكر الوزير خوجة في كتابه أنّ الملك عبدالله حافظ على المحكمة ومسارها، فبعدما أسقط حزب الله حكومة سعد الحريري، العام 2011، بذريعة ملف مختلق يتعلق بالمحكمة الدولية (سمّاه “شهود الزور”)، أبلغ الملك الرئيس نجيب ميقاتي، من خلال الأمير مقرن بن عبد العزيز، بأن المحكمة الدولية “خط أحمر”