الأب سيمون عساف: مناجاة امي

110

مناجاة امي
الأب سيمون عساف/30 آذار/19

جميل كل شيء فيك يا أمي
رأيتك بسمة تمتد شلالا وتسكن مدخل الشريان
حنانك عالم يمتد داخلنا بلا آخر
وجودك وحده بحور ما لها شطآن
ففي كفيك يا أمي شطوط أمان
أحسك رغم ما فيك كأنك قد فرشت الأرض من تحت البشر أحضان صلاح ما له آخر
أنت كروضة كبرى من الإحسان
ما طلبت متاع دنيانا فما شيء على قلبك له سلطان
تعلقت بحبل الله في صبر وكنت بكل نائبة لك البرهان
يجيء الفجر يسألني يدق الباب في خجل كطفل تائه حيران
ويجلس ينزوي وحده ويسأل عنك يا أمي،
فصوت جرس الفجر هنا قد حان فلا صوت لهذا البيت من بعدك
فأين الآن همهمتك بتسبيح وترتيل من الإنجيل فقدناك على غرة وسافرتِ ولا ندري لأي مكان لأول مرة في العمر تغتربين يا أمي وسافرت إلى الأبد بلا استئذان.
خلف السر أنا مازلت يا أمي على قبرك هنا ولدا يبيع الصبر أناديك وأنتظر
مجيء الرد
أصبح بيننا سد وماذا خلف هذا السد؟
بدأنا العد أنا حديث العهد باليتم ولا أدري ماذا بعد فمَن بعدك عليَّ يرد؟
ومن بعدك إذا قبلت كفيه أذوق الشهد ومن يمسح على رأسي إذا أسى ومن بعدك يقبلني لكي أنسى ومن في الصبح أشتمُّ بأنفاسه عطر الورد.
دخلتُ الآن حجرتَك وجدتُ النور قد غادر وطيبُك من هنا سافر!
سألت النور عن شيء هنا تركه،
قد كنت هنا بالأمس وبين اليوم والأمس تغيرنا بلا شكل ولا لون ولا طعم ولا معنى.
فما أنتِ هنا معنا لأول مرة في العمر يا أمي نذوق اليتم أجمعنا، نغمس خبزنا اليابس بأدمعنا، جاء هذا العام يا أمي بلا أعياد ولم أسمع هنا صوتك يناديني، فناديت وخوف داخلي يزداد، فأين فطورنا وأين جميع من في البيت يلتفون من حولك؟
هنا كنا على ميعاد ننتظرك والمقعد الخالي أحدق فيه ويقتلني سؤال دار في بالي، طرقت الباب لم أسمع هنا صوتك وناديت أيا أمي!!
مسبحتك وطرحَتُك وحصيرة ومذياع صغير يقرأ الانجيل كالعادة، أتى العيد ولم يطرق على بابي، فتحت الباب في صمت سريرك هنا خالٍ وسادتك، وجلبابك وبسمتك دعابتك ودعوتك ونظرتك وضمتك وقبلتك وحضن فيه آمالي بأن أرتاح من تعبي وترحالي، تساقطتُ على الأرض لأن العجز قد دب بأوصالي. أحسك دائما قربي تناديني بكل مساء فأجري نحو غرفتك بكوب الماء وقرص دواء فلا أجدك، أضمك داخلي وأذوب فلا يبقى هنا مني ولا منك سوى أنا فناء ذائب بفنا، وقد أعطيتني روحا فحلَّقتُ معك بكل سماء، فيا أمي التي اختصرت بداخلنا مواسمنا فصرنا والسنين بكاء. إلى أين حبيبتنا مسافرة بلا أشياء؟ حقيبتك التي كانت تسافر دائما معك نراها لا تطيق احدا، ضحكت علينا والله وسافرت على استحياء بغير وداع بلا أشياء سوى زاد من التقوى وإيمان كنبع الماء تراك الآن يا أمي بأي سماء؟
طفت الهند وطفت السند وطفت العالم الأصفر ولم أعثر على امرأة تمشط شعري الأملس وتحمل في حقيبتها إعرائس السكر وتكسوني إذا أعرى وتنشلني إذا أعثر، أيا أمي أنا الولد الذي أبحر ولا زالت بخاطره تعيش عروسة السكر، فكيف يا أمي غدوت أبا ولم أكبر. وتعبسُ حولنا الأشياءُ معلنةً قدومَ الموت قطارٌ سوفَ يحملُنا لبلدان ونجهلُها نسميها بلادَ الصمت لدار غيرِ تلكَ الدارِ يا أمي وبيت غيرِ هذا البيت؟
أُناديكِ وأصرخُ دائمًا وحدي بأعلى صوت رجوتُكِ أن تجيبيني وأن تَبقَي هنا معَنا لبعضِ الوقت أنا أمسكت بالهاتف لأطلب نفس أرقامك فكم يأتي جميلا رائعا ردُّك إذا كانت مهاتفتي مفاجأة، وما دارت بحسبانك بكلمات تزلزلني تردين وتختصرين قاموسا من الكلمات، في ذلك أحس بقلبك الملهوف ينصهر عطاء مرهقا جدا يغالب ما بإمكانك. فأي حكاية أنت وكل منابع الحب تصب الحب في ذاتك. أنا من قدس إجلالك، فلو كان لغير الله مسموح بأن أسجد لعشت العمر يا أمي لأسجد عند مقادس أعتابك. ردي مثلما كنت وصُبي داخل الشريان تحنانك. هداياك أتت من كل أحبابك، بعادك يا امي جعلني وكأني في فوهة بركان بعدك لم اعد اشعر بالأمان ضائع تائه حزين اسير لاتكفي تلك الكلمات لتعبر عن حالتي التي يلونها الحزن والحرمان. اماه قد رحلتِ عني يا من كنت لي اغلى واقرب انسان. الموت مصير كل منا فلن يفر منه حتى أقوى الفرسان الوداع يا امي ولن انساكي ولو عشت طويلا، فلن استطيع النسيان. اودعك يا امي وسيظل دربي مليئا بالأحزان بعد رحيلك..
الوداع يا أمي داعيا ربي ان يكون قبرك جنه مليئة بالزهور واجمل الريحان. اودعك وسأبتسم الآن وأجعل حزني في صمت وكتمان. أقسم لك بأني كل أيامي سأقضيها لأجلس تحت أقدامك أقبلها وأحملها على رأسي أهدهدها أغطيها فقد خدعتني أيامي ورحلة عمرنا مرت ولم أعرف تواعدنا على شيء. أنا والله لم أخلف لكن الموت الذي في لحظة يخطف، تخيلت بأن العمر ممتد وأن هناك متسعا من الأيام، وكم كانت لدينا هاهنا أحلام، رأيت الموت في عينيك في يوم ولكن خلتها أوهام، حكيت لنا عن الماضي تركت بداخلي جرحا كألف علامة استفهام؟ فبعدك يا أحب الناس بهذا القلب أنا ماذا به أفعل؟؟؟