عبدو شامي: الحزب والمستقبل.. تطرّف مشترك وتبادل خدمات

1348

الحزب والمستقبل.. تطرّف مشترك وتبادل خدمات
عبدو شامي
19 حزيران/16

مع انتهاء الانتخابات البلدية التي أوصلت رسائل قاسية الى “تيار المستقبل” وإن رفَضَ استلامها عبر خطاب استكباري تنكّر فيه للواقع مستخدما أسلوب الكذب على الذات سمِّي بخطاب “المراجعة الشاملة”… لوحظ بوضوح تعمّد الرئيس سعد الحريري توجيه انتقادات شديدة اللجهة الى الحزب الإرهابي، جرى ذلك في جميع الإفطارات بنسب عنفية متفاوتة (حسب ما تتطلبه نوعية المدعوّين) وهو ما سيتكرّر لاحقا في إفطار طرابلس المتحرّرة التي نفضت عن نفسها الغبار الأزرق. والسؤال هنا: ما الغاية من هذه الحملة الحريرية (الكلامية) العنيفة على الحزب التي تخرق سقف التفاهم على تهدئة التوتّر السنّي-الشيعي التي يعلّل بها التيار معظم انقلاباته؟

يبدو أن “تيار المستقبل” قرّر الهروب من السخط الشعبي الى الأمام، ظنّا منه أنه بتشديد اللجهة مع الحزب الإرهابي يمكن أن يستسمح بيئته أو أن يلملم شعبيته المبعثرة، والمفارقة أن التيار الأزرق يؤكّد في الوقت نفسه أن كل ما ارتكبه من جرائم في حق 14آذار وتضحيات ثورة الأرز وثوارها وشهدائها وصولا الى اغتيالها بالضربة الفرنجية القاضية… إنما كان التزاما منه بالمصلحة الوطنية وعملا بثوابت 14آذار وثوابت الحريرية السياسية المسماة حديثًا “الحريرية الوطنية”!!

ففي استعراض سريع لعلاقة الأزرق والأصفر نجد أن الحوار الثنائي بين المستقبل والحزب قائم ومستمر، وتغطية إرهاب الحزب في سوريا واحتلاله لبنان لا تزال مؤمّنة في الحكومة، والإصرار على ترشيح سليمان فرنجية الأسدي و”نور عين” الحزب الإرهابي لا يزال على حاله… هذا ما يدفعنا الى القول بأن الحملة العنيفة التي يشنّها الحريري على الحزب مجرّد قنابل صوتية شعبوية وهوبرات “قُمقُمِيّة” لا تعني الحزب الإرهابي من قريب أو بعيد، إنما هي موجّهة الى الجمهور المستقبلي حصرًا سواء منه المصفِّق دائما عند كل كلمة ينطق بها زعيمه (على الطريقة الأسدية-التوتاليتارية) أو الساخط المتحرِّر أو الباقي على مضض، وهي أشبه ما تكون بإشاعة تصويت الحزب للّائحة المنافسة للتيار والتي تعمّد الأزرق بثّها يوم انتخابات بلدية بيروت عندما شعر بخطر الرسوب، فما كان ممن ابتلعوها إلا أن نزلوا للاقتراع للمستقبل نكاية بالحزب بعد أن كانوا مُحجمين عن المشاركة!

في المقابل نجد الحزب الإرهابي منشغل بهمومه الذاتية، أحكم احتلاله للدولة ووجد من يعمل معه تحت غطاء معارضته مقابل مكاسب في السلطة المخطوفة أصلا فاطمأن؛ هو لا يُلقي شأنًا يُذكَر لقنابل المستقبل الصوتية لأنه يدرك تماما أن لا أنسب له من انبطاحية “المستقبل” معارضا مزعوما يجب المحافظة عليه ممثلا احتكاريا للساحة السنيّة، فلا بأس بالصرخات الحريرية طالما أنها لا تفسد لوُدِّ معادلة “التغطية مقابل المنصب” قضية. الهَمُّ الأكبر عند الحزب هو الحرب في سوريا والخسائر الفادحة التي تفرض نفسها بين الحين والآخر فتفضح بطولات التعاون والتنسيق الأسدي-الروسي-الإسرائيلي-الإيراني-الأميركي المباشر والمشترك الهادف الى تعزيز موقع الأسد في أي تسوية مستقبلية وتقسيم الخارطة العراقية!

الحزب أيضا محرج أمام جمهوره، فحسابات المقرَّبين منه يتمّ إقفالها عملاً بالقانون الأميركي المعروف بقانون مكافحة تمويل الحزب عالميا، الأمر الذي استدعى توجيه رسالة قوية (فعلية لا كلامية) للمصرف المركزي عبر تفجير المبنى المركزي لـ”بنك لبنان والمهجر” الأكثر نشاطا والتزاما بتطبيق القانون. وإذا كان تفجير الأحد 12/6/2016 المسائي في يوم عطلة وعند ساعة الإفطار يمكن وصفه بالتفجير “الذكي” من حيث تعمّد “نظافته” من الدماء وحصر الأضرار بتجهيزات المصرف وفي الوقت نفسه تذييل التفجير بتوقيع “خفيّ” لكن أشد ظهورًا ووضوحًا من التوقيع بالحبر المرئي… فإن قانون مكافحة تموييل الحزب الإرهابي الأميركي يمكن وصفه بالـ”غبي” وربما الاستغبائي، إذ كيف لمن سلّم لبنان الى إيران بموجب الاتفاق النووي الجيو-سياسي وبانصياع سعودي، ورفع التجميد عن حسابات إيران المصرفية المقدّرة بنحو 150مليار دولار وبدأ فعلا يتسليمها إياها بموجب الاتفاق الشيطاني نفسه، كيف له أن يدّعي مكافحة تموييل حزب إيران في لبنان؟! هل هو مجرّد حفظ لماء وجه أوباما أمام الأميركيين أو للتباهي بأن أميركا تكافح الإرهاب عبر إيلام المقرّبين من الحزب لا الحزب الذي يعرف كي يستجلب ماله الطاهر؟

التطرّف يخدم التطرّف، هذا ما تُختصر به العلاقة بين المستقبل والحزب، تيار متطرف في انحلاله المسمّى “اعتدالا”، وحزب متطرف بإرهابه المسمى “مقاومة”، كلاهما يستنهض شعبيته مُستعينا بالآخر؛ أما فوق الطاولة وتحتها فمصالح مشتركة وتبادل خدمات، وآخر العروضات جاء من الرابية عبر وئام وهّاب: الحريري في السرايا مقابل عون في بعبدا. وما المانع؟ فما من مستحيل على التيار الأرزق عملا بثوابت الحريرية السياسية وثورة الأرز وحفاظا على الاعتدال والعيش المشترك.