الـيـاس الزغـبـي: وجهان لحزب الله واحد/الشرق الأوسط: هيمنة حزب الله على الأمن والقضاء في لبنان تجعل جرائم أطره فوق القانون

214

وجهان لـ”حزب الله” واحد
الـيـاس الزغـبـي/27 شباط/16

“ما أضمر أحدٌ شيئاً إلاّ ظهَر في فلتات لسانه وصفحات وجهه…”. هذه الحكمة المأثورة للإمام علي بن أبي طالب تنطبق على آخر المتشيّعين له، عبر “ولاية الفقيه”، “حزب الله” اللبناني- الإيراني- العالمي، في آخر تجلّيات دعوته وسياسته و”تكليفه الشرعي”. في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي خُصّصت للأزمة مع السعوديّة ودول الخليج على أثر خروج وزارة الخارجيّة اللبنانيّة من الإجماع العربي، وبعد انتهائها، صدرت عن “حزب الله” وحليفه وزير الخارجيّة معادلتان تشكّلان وجهين لعملة واحدة:
– وزير أصيل لـ”الحزب” قال داخل الجلسة: “بين الإجماع العربي وإيران نختار إيران”.
– ووزير وكيل قال فور انتهائها: “بين الإجماع العربي والوحدة الوطنيّة نختار الوحدة”.
المعادلة الأولى مباشرة ومكشوفة، إلى حدّ الوقاحة السياسيّة، ولا تتطلّب شرحاً أو تفسيراً. والمعادلة الثانية ملتوية وخبيثة، تضع وحدة لبنان في مواجهة الإجماع العربي، وكأنّهما في صراع أبدي!
في الحقيقة، لا يتطلّب الأمر جهداً استثنائيّاً لإثبات عمق الترابط بين المعادلتين، لأنّهما تصبّان في الهدف نفسه، والاستراتيجيّة نفسها، والمحور نفسه. ليس الغريب أن يُعلن “حزب الله” انتماءه إلى المحور الإيراني ضدّ العرب، فهذه واقعة ثابتة منذ ولادته على يد قابلة “الحرس الثوري الإيراني” قبل 34 سنة.
إنّما الغريب أن ينتمي الجالس على كرسي عظماء الدبلوماسيّة اللبنانيّة إلى نقيض الحالة العربيّة التي شارك لبنان بقوّة وفاعليّة في إرسائها، منذ إطلاقه النهضة في القرن التاسع عشر، وصولاً إلى إطلاق ميثاق جامعة الدول العربيّة في أربعينات القرن العشرين، وريادته الحفاظ على المصلحة العربيّة المشتركة عشرات السنين بعد استقلاله، وتكريس هويّته العربيّة في الدستور منذ ربع قرن.
هذه “الشطارة” الدبلوماسيّة في تمويه حقيقة انزلاق وزير الخارجيّة ضدّ العرب، استدعت أكثر من ردّ وتصويب وترشيد، كان أبرزها من شريكه في “إعلان النيّات” و”ورقة معراب” الدكتور سمير جعجع. إذ أنّ الوحدة الوطنيّة في لبنان لا تكون في “النأي” عن مصلحة لبنان في بيئته العربيّة. و”النأي بالنفس” لا يكون عن الخير والصواب، بل عن الضرر والخطأ. والوحدة الوطنيّة ليست وجهة نظر، ولا تُصان بتغطية غلبة سلاح “حزب الله” في الداخل، وحربه في سوريّا، وتحريكه الخلايا الأمنيّة ضد دول الخليج وفي أفريقيا وأوروبا وسائر العالم، أو في الاستنكاف عن إدانة الاعتداءات على البعثات الدبلوماسيّة السعوديّة في طهران ومشهد كُرمى لإيران. وهي ليست وحدة وطنيّة عوراء، تغضّ الطرْف عن طرَف يخرقها، وتدين آخر يلتزمها في احترام القرار العربي المشترك. لم يبلغ وزير خارجيّة سابقاً ما بلغه الوزير الراهن في استرهان السياسة الخارجيّة اللبنانيّة للمحور الإيراني، حتّى الوزراء الذين سبقوه في العقد الأخير، وهم من صلب “8 آذار” وحركة “أمل”، لم يصلوا إلى هذا الدرْك. والواضح أنّ الاتفاقات السياسيّة والترشيحات لم تحُلْ دون إظهار الحقيقة ووضع اليد على الجرح. والواضح أكثر هو بدء مسعى “القوّات اللبنانيّة” لترشيد سياسة “التيّار العوني” نحو مصلحة لبنان العربيّة.
صحيح أنّ الحكومة ورئيسها يتحمّلان الخطأ، بل الخطيئة التي حصلت بحقّ المملكة العربيّة السعوديّة، لكنّ هذه المسؤوليّة لا تُعفي الوزير من دوره وموقفه. ولا يجوز تغطية “سمواته” بـ”قبوات” الحكومة. فهو وزير “سيادي” كما يطيب لفريقه أن يذكّر دائماً، و”مؤتمن” على صلاحيّات رئيس الجمهوريّة في غيابه! وفق ما دأب الفريق نفسه على التباهي مراراً وتكراراً. وهو، في أيّ حال، ليس “أداة” في يد رئيس الحكومة، ولا هو غنمة في قطيع أو صبي مع خالته! ولطالما “تمرّد” على الرئيس سلام داخل جلسات مجلس الوزراء من خارج الأصول، وفي المنتديات العربيّة والإسلاميّة والدوليّة. إنّه أمر جيّد ألاّ يكون وزير الخارجيّة مجرّد صدى أو أداة تنفيذ أوامر. لكنّ الأمر ذاته يجب أن يصحّ في الاتجاه الآخر: فلا يكون صدى أو أداة لفريق لبناني معروف بارتباطه الخارجي، ويُجهد نفسه في البحث عن مساحيق دبلوماسيّة لتجميل قبحه. وقد باتت الأدوار مكشوفة: وزير يعلن على رؤوس الأشهاد أن “حزبه” مع إيران ضدّ العرب. وآخر يُعلن التزامه السياسة نفسها، ولكن تحت الشعار الخادع “الوحدة الوطنيّة”. إنّهما وجها عملة “حزب الله” الواحدة: العسكري والدبلوماسي!

هيمنة حزب الله على الأمن والقضاء في لبنان تجعل جرائم أطره فوق القانون/اغتيال الحريري والطيار حنا ومحاولة تفجير حرب نماذج صارخة عن تجاوزاته
بيروت: «الشرق الأوسط»/27 شباط/16
لا يخفى على غالبية اللبنانيين، أن سطوة «حزب الله»، لا تقتصر على المؤسسات الدستورية والسياسية والأمنية والإدارات الرسمية، إنما باتت متوغلة في السلطة القضائية إلى أبعد الحدود، حيث بات صاحب الباع الطويل في التأثير على كلّ الملفات التي تعنيه وتعني حلفاءه، بحيث يبقى المرتكبون المحسوبون عليه فوق القانون، وتبقى يد العدالة أقصر من القدرة على الإمساك بهم أو محاكمتهم. كثيرة هي القضايا التي توثّق الجرائم المرتكبة من قبل كوادر وعناصر من «حزب الله» الذين يستحيل مثولهم أمام المحاكم، وهي كثيرة جدًا، ولعلّ المثال الصارخ على ذلك، المتهمون الخمسة في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري و22 آخرين، وهم: مصطفى بدر الدين وسليم عياش وأسد صبرا وحسن عنيسي وحسن مرعي، أبرز قادة وكوادر أمن الحزب الذين تحاكمهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي غيابيًا.
ولا تكاد الأمثلة على إفلات عناصر هذا الحزب من المحاسبة تحصى في الجرائم الكبيرة والنافرة جدًا، لكن يبقى من المهم تسليط الضوء على بعضها، مثل قضية إسقاط مقاتليه لطائرة هليكوبتر عائدة للجيش اللبناني خلال مهمة تدريبية في منطقة سجد، بجنوب لبنان، وقتل قائدها النقيب الطيار سامر حنا، ومحاولة قتل مساعده في صيف عام 2009. واللافت أن جريمة بهذا الحجم اقتصرت على تقديم الحزب أحد عناصره مصطفى المقدم «كبش فداء»، وإلباسه جريمة بهذه الخطورة، مع أن القرار الاتهامي نسب إلى المقدم إطلاقه النار عمدًا على الطائرة، والإمعان في قتل قائدها النقيب حنّا، ومنع وصول سيارة الإسعاف من الوصول إلى موقع الجريمة ونقله إلى مساعده إلى المستشفى. وجاءت الصدمة بقرار المحكمة العسكرية التي أطلقت سراح المقدم بعد شهرين فقط من توقيفه، وحرف الاتهام من جريمة قتل ارتكبت عمدًا وعن سابق تصور وتصميم، إلى مجرّد حادث عرضي تسبب بوفاة الضابط الطيار. والمفارقة أن المتهم لم يمثل أمام المحكمة العسكرية منذ إطلاق سراحه، كما أن المحكمة لم تصدر حكمها في هذه القضية حتى اليوم، في حين أن هذا الامتياز لا يحظى به باقي اللبنانيين. هذا الحال يسري أيضًا على المسؤول في جهاز أمن «حزب الله» محمود الحايك الذي حاول مع عدد من رفاقه، تفخيخ المصعد العائد لمكتب وزير الاتصالات الحالي النائب بطرس حرب في صيف العام 2012، بهدف تفجيره واغتياله فور دخول حرب إليه. العملية باءت بالفشل بعدما أحبطها حراس المكتب الذين أمسكوا بالحايك، لكن سيارات رباعية الدفع ذات زجاج حاجب للرؤية طوّقت المكان وانتحل من كانوا فيها صفة عناصر من مخابرات الجيش، وانتزعوا الحايك منهم، ولقد أمكن التعرف على الأخير من خلال بطاقة هويته الشخصية التي سقطت منه أرضًا خلال عملية التعارك مع الحراس، وقد رفض الحزب التعاون مع الأجهزة الأمنية، وقيادة الحزب رفضت التعليق على هذا الموضوع كليًا. وإذا كانت الارتكابات الجنائية مثل القتل والخطف من اختصاص الكوادر الأمنية، فإن ثمة جرائم أخرى وصمت بعض الشخصيات السياسية في «حزب الله». ويكفي التذكير هنا بضبط الأجهزة الأمنية أكبر مصنع لإنتاج حبوب الكبتاغون المخدّرة في منطقة البقاع الذي أغرق لبنان وأسواق المنطقة بسمومه، ليتبين أن هذا المصنع يملكه شقيق نائب «حزب الله» حسين الموسوي، ومن ثم اقتصرت التوقيفات والملاحقات على ثلاثة عمّال، بينما توارى صاحب المصنع عن الأنظار، ولا يزال محميًا في المربعات الأمنية العائدة للحزب. قد تطول اللائحة كثيرًا، إلا أنه لا بدّ من الإشارة إلى أخيرًا إلى الفضيحة التي كشفها الإعلام اللبناني في عام 2012، عن إدخال كميات كبيرة من الأدوية المزورة إلى لبنان، التي لا تتطابق مع المعايير الصحية، وإغراق الصيدليات بها. لكن التحقيق فيها كشف المستور، وأظهر أن شقيق وزير «حزب الله» محمد فنيش هو بطل هذه الفضيحة، مما اضطر الحزب مرغمًا إلى تسليمه للقضاء، فأوقف ما بين شهرين وثلاثة أشهر، وأخلي سبيله، فيما لا تزال محاكمته عالقة أمام محكمة جنايات جبل لبنان. وحسب مصادر مواكبة للقضية، فليس بمقدور المحكمة إصدار حكم بحقه، بسبب الضغوط الكبيرة التي تمارس على القضاء في هذه القضية. قد تطول اللائحة بملفات عناصر ومنتمي «حزب الله» من حماية الحقول المزروعة بحشيشة الكيف، إلى عصابات الخطف والسطو وصولاً إلى خطوط التهريب في المطار والمعابر البرية والبحرية، لكن ثمة حقيقة يصعب محوها من عقول اللبنانيين، وهي أن هناك أناسًا تحت القانون وآخرين فوق القانون.. إنها معادلة خطيرة لا يكرّسها سوى تحلّل الدولة لحساب الدويلة ومافياتها.