عبدو شامي: الحريري في الذكرى الـ11: تبرير الاستسلام وتزيين الهزيمة وفخر بالخطيئة

649

الحريري في الذكرى الـ11: تبرير الاستسلام وتزيين الهزيمة وفخر بالخطيئة
عبدو شامي
15 شباط/16

 ليست كل الفنون جميلة بل منها ما هو قبيح وهابط وساقط حتى لو سُمِّي “فنًا”، وفي ذكرى 14شباط 2016 قدّم لنا الرئيس سعد الحريري من على خشبة مسرح “البيال” مجموعة فنون هابطة لا تحوز على إعجاب ولا إقناع إلا مَن عطّل حاسة النقد فسلّم عقله الى الزعيم ورفعه الى مرتبة العصمة وانضم الى جوقة “الزَقّيفة” و”الهوبرجية” على قاعدة أن “لا كلمة تعلو فوق كلمة الحريري في تيار المستقبل”. وفيما يلي بعض الشواهد المختارة على تلك الفنون.

فن استغباء الجماهير: ظهر في مواضع عديدة أبرزها قول الحريري: “لن يكون لبنان تحت أي ظرف من الظروف ولاية إيرانية”! جملة عجيبة عصيّة على الفهم لانسلاخها عن الواقع؛ فكيف لمن قدّم كل التسهيلات والتمكينات والامتيازات للاحتلال الإيراني فشرّع سلاحه وغطى احتلاله وإرهابه في الداخل والخارج بمشاركته في الحكومة وصولاً الى حد ترشيح أحد أدواته لرئاسة الجمهورية… كيف لمن اقترف كل هذه الجرائم أن ينطق بتلك العبارة ومن أين لنا أن نصدّقه؟!

فن تبرير الاستسلام: استخدمه الحريري عندما عرض أسباب وحيثيات خطوته الاستسلامية (أو صفقته التجارية) بترشيحه سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وملخص تبريره هو أن “الفراغ كارثة وقد طال ليبلغ 21 شهرًا وكل شيء تراجع بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان”، وبما أن “واجبي الأول والأخير وضع حد للفراغ في الرئاسة”، وبما أن “الهدف هو وضع حد للتدهور الاقتصادي والعمل على تحسين وضع لبنان وحماية النظام والسلم الأهلي”، وبما أن “اتفاق بكركي حصر الرئاسة بأربعة قادة موارنة ثبت فشل إيصال ثلاثة منهم كما الاتفاق على مرشح توافقي، لم يبق سوى فرنجية بعدما أقفل كل مجال فالتقيته في باريس وتوصلنا معه الى تفاهم”. هذا المنطق الانهزامي القاضي بتفضيل تسليم الجمهورية لـ8 آذار على استمرار الفراغ ما لبث الحريري أن نقضه عندما أردف قائلاً إن “مرشح 8آذار الحقيقي هو الفراغ”. فإذا كان مرشّح 8آذار هو الفراغ انتظارًا لنضوج ظروف إقليمية تحدّدها إيران(وهو كذلك حقًا)، ما الذي يجبرنا على الاستسلام والانتحار بترشيح شخصيتَين من 8آذار (المستقبل فرنجية والقوات عون)؟ هل المقصود إخلاء ساحة مجلس النواب من أي مرشح استقلالي تسهيلاً على الحزب الإرهابي مهمة “حصر الإرث” بتعيين أحد أدواته رئيسًا عندما تأتي الأوامر الأيرانية؟!

فن تزيين الهزيمة: أتحف به الحريري الجماهير فور انتهائه من فن تبرير الاستسلام حيث قال بعد اعلانه التفاهم مع فرنجية: “أين الغلط؟ ولماذا أنتم متفاجئون؟ أصلاً ما هو دوري؟ وما هو إرث رفيق الحريري سوى المحافظة على النظام والسلم وتحسين حياة الناس؟”، ليؤكد بذلك ثباته وإصراره على استراتيجية الانبطاح وتقديم التنازلات المخزية مقابل العيش باستقرار زائف ممزوج بذل واستسلام.

فن الفخر بالخطيئة مهّد له الحريري بمقدمته العاطفية تلك ثم نفذ إليه قائلاً: “خطوة خلطت الأوراق، وأعادت تحريك الفراغ الرئاسي بعد أن نسيه الجميع، نحن فخورون بهذه النتيجة”! وسؤالنا، ما النفع من إعادة خلط الأوراق وتحريك الملف الرئاسي إذا كان ذلك على حساب طعن المرشح المزعوم حليفًا وعلى حساب القضية ودم الشهداء؟ الغاية النبيلة لا تبرّر الوسيلة القذرة. لم يكتفِ الحريري بهذا القدر من التضليل بل أمعن بفخره قائلاً: “خطوة أدت بحلفائنا القوات اللبنانية لأن يتوصلوا بعد 28 سنة لمصالحة تاريخية مع التيار الوطني الحر(…)، خطوة أدت بالدكتور جعجع أن يقرر الانسحاب من السباق ويعلن ترشيحه الجنرال عون للرئاسة، عظيم، أين المشكلة؟”! المشكلة شيخ سعد هي أنه إذا كانت المصالحة أمرًا إيجابيا أحببت أن تنسبه الى “أمجاد” ترشيحك فرنجية وإن لم يكن منها كون العمل عليها استغرق أكثر من سنة، فهل لرجل يدعي رفع شعار لبنان أولاً و14آذار أن يفتخر بتسبّبه في انسحاب مرشح 14آذار لصالح مرشح من 8آذار وحصر الرئاسة بذلك الفريق؟ لقد دان الحريري بهذه العبارة نفسه فأقرّ بأن ترشيحه فرنجية خطيئة فجّرت 14آذار واستفزّت القوات ودفعتها الى الرد بترشيح عون وإن خلف ستار مسرحية النقاط العشر والتي ما لبث عون أن تنكّر لأهمها في ذكرى توقيعه وثيقة الحزب الإرهابي.

ومن أجل الإيحاء لأصحاب التفكير المحدود بأن تحالف 14آذار لا يزال على قيد الحياة وأنه لم يَتَشَظَّ الى أحزاب تبحث عن مصالحها الخاصة على حساب ثوابت ثورة الأرز، كان مشهد الختام بقول الحريري:”أدعو قيادات 14آذار الى المسرح لأخذ صورة تذكارية للتأكيد على وحدة 14آذار وأنها باقية وما زالت على ما هي عليه”، مؤكِّدا بالصوت والصورة أن هذا المسمى “تحالفًا” ما هو إلا تحالف صوري فعلاً لا يتجاوز حد الصور التذكارية وتوزيع المجاملات والقبلات التي تتنكّر للواقع وترفض الاعتراف بالخطأ مع أنه فضيلة، كما تأبى الرجوع عنه مع أنه واجب.