راغدة درغام: إعادة تموضع المنطقة العربية على الساحة الدولية/روزانا بومنصف: إيران القوة على الأرض لمواجهة داعش/عبد الكريم أبو النصر: الأسد حذّر بوتين من سقوط دمشق

235

إعادة تموضع المنطقة العربية على الساحة الدولية
راغدة درغام/الحياة/16 تشرين الأول/15
كيف تتموضع المنطقة العربية في ضوء التحالفات الإقليمية – الدولية الجديدة؟ وأين مكانها في المشهد الدولي في ظل التحديات الأمنية الضخمة وفي مقدمها «الداعشية»؟ عند طرح هذا العنوان، وبسبب التدخل العسكري الروسي في سورية، تصبح المسألة السورية محورية. لكنها، في واقع الأمر، ليست البوصلة الوحيدة لإعادة تموضع المنطقة العربية في الساحة الدولية. والقصد ليس القفز على الأزمات والصراعات المستعرة كتلك التي في سورية واليمن وليبيا والعراق، ولا تلك الرابضة في لبنان أو مصر أو تونس. القصد هو أن إعادة التموضع تتطلب استراتيجيات بعيدة المدى ترافق السياسات الآنية الضرورية لإنهاء النزاعات لأن هذه الصراعات تشكل عرقلة جدية أمام النمو وأمام إنماء المجتمعات العربية وأخذ جيل الشباب إلى عتبة الطموحات الطبيعية بدلاً من الوقوع ضحية استقطاب وتجنيد التطرف والإرهاب. في قمة «بيروت إنستيتيوت» في أبو ظبي التي عقدت هذا الأسبوع، تجمعت العقول الاستراتيجية من مختلف أنحاء العالم للبحث في ما يتطلب التموضع الجديد، وما هي الآليات التي يجب إنشاؤها لتكون السبيل إلى هيكلية إيجابية داخل المنطقة العربية وفي إطار علاقاتها الإقليمية والدولية. شهدت القمة جرأة الإقرار بالأخطاء الأميركية والروسية والعربية، لكنها لم تتوقف عند ذلك على رغم أهمية الاعتراف بفشل السياسات التي تم اعتمادها وما آلت إليه من مآس وما تهدد به من تداعيات وإفرازات. الحديث لا يتوقف عند التشخيص، بل برزت أفكار دخلت في نطاق «ما العمل؟»، وكانت تلك بداية الأحاديث الممتدة من العلاقة العربية – الإيرانية بالذات السعودية – الإيرانية، إلى العلاقة الخليجية – الروسية على رغم المآخذ والاختلافات، إلى مستقبل العلاقة العربية – الأميركية ما بعد الإدارة الحالية وفي ضوء ما أسفرت عنه سياسات الرئيس باراك أوباما في الساحة العربية. لا نقاش في أن امتناع إدارة أوباما عن الانخراط في سورية ساهم في قرار موسكو ملء الفراغ بما يؤدي إلى إعادة تموضع روسيا في منطقة الشرق الأوسط. وربما لا تمانع واشنطن أن تحتل موسكو موقعاً استراتيجياً عبر البوابة السورية لأن إدارة أوباما ارتأت أن مصلحة الولايات المتحدة تقتضي التحوّل نحو الشرق بعيداً من الشرق الأوسط.
الحجة الروسية الرسمية وراء التدخل في سورية – وموسكو ترفض تسميته تدخلاً – هي أنها دخلت الساحة السورية عسكرياً بدعوة من الحكومة الشرعية في دمشق. موسكو تقول – وهي على حق – أن الولايات المتحدة لم تشكك بشرعية الحكومة السورية عندما عقدت معها الاتفاقات المعنية بالترسانة الكيماوية السورية في أعقاب اتفاق أميركي – روسي شكّل المدخل الأساسي لتراجع أوباما عمّا بات يُعرف بـ «خطوطه الحمر». موسكو على حق لأن ذلك الاتفاق الذي وقعته واشنطن عبر مجلس الأمن سجّل في الواقع تراجعاً أميركياً على مستوى الرئيس الأميركي نفسه – عن اعتبار بشار الأسد فاقداً الشرعية كما سبق وأعلن أوباما. وبالتالي، إن الاتفاق الكيماوي هو شهادة على تراجعين «أوباميين» وليس على تراجع واحد. ما برز خلال المناقشات العلنية والمغلقة هو أن دخول روسيا المباشر في سورية يمكن أن يكون تطوّراً إيجابياً في الحرب على «داعش» لو تم التنسيق العسكري على أساس تفاهمات سياسية. هذه التفاهمات، وفق أحد المطلعين على سياسات أوباما، لا تمانع أن تكسب روسيا موقعاً جديداً رائداً وثابتاً واستراتيجياً في سورية كموطئ قدم لها على المستوى الإقليمي. ولكن، يخطئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا كان يحلم بأن توافق واشنطن – إذعاناً أو اضطراراً أو برغبة منها – على تنصيب بشار الأسد رئيساً دائماً على أنقاض الشعب السوري. فهذا يُدخِل الولايات المتحدة في مواجهة هي في غنى عنها مع جزء مهم من شعوب المنطقة العربية وكذلك مع دول مهمة ما زالت للولايات المتحدة معها علاقات استراتيجية كالمملكة العربية السعودية.
الكلام عن «الأفغنة» شق طريقه أكثر من مرة إلى المُداولات، بحيث بات واضحاً أن الإدارة الأميركية لن تتمكن من سحب يديها عسكرياً من سورية فيما تقوم المؤسسة الروسية العسكرية بضرب المعارضة السورية لإنقاذ النظام تحت غطاء سحق «داعش» و «جبهة النصرة». أحد المشاركين وهو من كبار العسكريين قال ما معناه: إذا طاولت أيديكم العسكرية رجالنا، سنطاول رجالكم بالمقابل. أي، أن واشنطن تستطيع – إذا قررت ذلك – أن تطاول رجال موسكو على الأرض السورية، وهم رجال إيران وحليفها «حزب الله».
بالأمس كانت «الستينغر» الأميركية على أكتاف المجاهدين في أفغانستان لإسقاط الطائرات السوفياتية. اليوم هناك صواريخ «تاو» الأميركية المضادة للمدرّعات في سورية. الفارق مهم لأن واشنطن لا تستهدف موسكو في الأجواء السورية إلا أن «تاو» نقطة تحوّل مهمة تتعدى برنامج تدريب المعارضة السورية المسلحة. إنها معادلة رجالنا ورجالكم العسكرية، وهي بالغة الأهمية بغض النظر عن تلاقي أميركا وروسيا على سحق «داعش» في سورية. بعض الروس لا يخفي مخاوفه من تهوّر بوتين لدرجة أنه اختار أن ينصب روسيا في مرتبة قيادة الحرب على التطرف الإسلامي السنّي فيما في بلاده أقلية كبيرة من السنّة وروسيا مطوّقة بخمس جمهوريات إسلامية. يفعل ذلك فيما هو فعلياً وعلى ساحة المعركة حليف لإيران و«حزب الله»، ما يقع ذخيرة في أيدي المتطرفين السنّة العازمين على الانتقام. يقول البعض أن بوتين ينصب لنفسه فخاً من صنع أميركي لأن عجرفته تمنعه من رؤية واقع انزلاقه إلى المستنقع في سورية بتصفيق أميركي وهتافات «تفضّل». رأى هذا البعض أن بوتين يرتكب خطأ فادحاً إذا لم يلتقط بحذق وترحيب ذلك الخيط المهم الذي تقدمه له السعودية ودول خليجية أخرى لأن فيه دعوة إلى اليقظة وإلى سجّادة العودة إلى النفوذ في المنطقة العربية شرط الكف عن اختزال سورية البلد في بشار الأسد. فهذه الدول تقدم إلى روسيا غصن الزيتون في الوقت الذي يستخدم بوتين البندقية. ترغّبه لتنفذه – وتنقذ سورية – من دون أن تشترط عليه فك الارتباط بينه وبين إيران. وفي هذا تفكير براغماتي قائم على البناء على العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية والسياسية بين الدول بصورة جديدة.
تلك البراغماتية وذلك البحث عن أفكار خلّاقة كانا واضحين في جميع المداخلات العلنية وفي الجلسات المغلقة. البعض تحدث عن خطوات عملية لإنشاء هياكل جديدة من نوعها للعمل العربي – العربي وللبحث المشترك عن آليات للعمل العربي – الإقليمي والعربي – الدولي.
وتضمن الاعلان الذي صدر تشجيع الدول العربية على الالتحاق بالمحكمة الجنائية الدولية كي تتمكّن من توطيد قدراتها على المحاسبة والكف عن الإفلات من العقاب. فمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي وتجاوزاته في المتناول بعدما انضمت دولة فلسطين إلى «نظام روما» وباتت طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية وهذا يتطلب ألا تقتصر العضوية العربية في المحكمة على أربع دول فقط، منها فلسطين.
تضمّن الإعلان التشديد على الحاجة إلى جهد متعدد الطرف لإنهاء الصراع في سورية بما في ذلك خلق رؤية واضحة لمرحلة ما بعد الصراع والدعوة إلى إنشاء صندوق خليجي لسد الحاجة الماسة لإعادة بناء البنية التحتية والمقومات الأساسية للدولة التي تم تدميرها نتيجة سنوات الصراع في سورية وكذلك في الدول الأخرى التي فيها صراعات كاليمن وليبيا والعراق. تضمّن الإعلان التشديد على ضرورة تحقيق تنمية اقتصادية إقليمية من خلال خطة متكاملة تشمل تأسيس صندوق استباقي إقليمي مركزه دول مجلس التعاون الخليجي للبدء ببناء المستقبل الآن. هذا مع تسريع تعزيز العلاقات العربية المتبادلة ودفع الجهود الهادفة إلى بناء نظام إقليمي جديد يصب في تعزيز التعامل مع مختلف التحديات كالإرهاب الحكومي والإرهاب غير الحكومي، وأزمة اللاجئين، والتفكك الاقتصادي، والحاجة إلى تنويع مصادر الدخل، وبناء المؤسسات الإقليمية السياسية والأمنية والمنظمات الاقتصادية وتعزيزها بتبني أمثلة ناجحة مثل منظمة «آسيان» ومنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ. دعا الإعلان إلى إعادة تكثيف الجهود الرامية إلى معالجة جدية للقضية الفلسطينية على أساس قيام الدولتين للتوصل إلى معاهدة سلام بين إسرائيل من جهة وفلسطين وسورية ولبنان من جهة.
وفي ما يتعلق بالشباب، انطلقت صرخة إلى ضرورة حملة مكثفة لدمج الشباب العربي اقتصادياً من خلال نهج جديد يعتمد على التكنولوجيا في خلق فرص العمل وزيادة الأعمال، وتعزيز التعليم والتلمذة الصناعية لتوفير أقصى مقدار من فرص العمل للخريجين ضمن الاقتصاد الرقمي الجديد ولتحقيق قفزات نوعية في تطوير البنى التحتية التقليدية. طالب المجتمعون بتعزيز الإدارة الإقليمية وسيادة القانون. طالبوا بتكثيف الجهود لتمكين المرأة بصفتها الناشط الطبيعي ضد التطرف، وبإشراك القطاع الخاص في المداولات السياسية بصفته شريكاً رئيسياً. وشددوا على ضرورة رفع مستويات المحاسبة الحقيقية وإحراز تقدم ضد الفساد.
ولأن ما يمر به أهل المنطقة العربية من مآس وقلق ولا استقرار وإحباط وخوف، تضمن الاعلان الدعوة إلى إنشاء معهد جديد لتدريب المختصين النفسيين الناطقين باللغة العربية لمعالجة التداعيات المستقبلية الناجمة عن الصدمات النفسية التي تشهدها المنطقة العربية.

إيران القوة على الأرض لمواجهة “داعش” تدحض منطق روسيا بتعزيز جيش الأسد
روزانا بومنصف/النهار/16 تشرين الأول 2015
حين بررت روسيا التعزيزات العسكرية التي بدأت بارسالها الى سوريا بانها لمساعدة الجيش السوري بذريعة ” ان القوة الوحيدة القادرة على التصدي لتقدم داعش هي القوات المسلحة السورية “، لم تثر فرضية ان من سيتولى التقدم على الارض فيما يقصف الطيران الروسي من الجو هي عناصر ايرانية واخرى من “حزب الله” على ما بدا انه يحصل في حلب وحماه في محاولة لاستعادة هذه المدن تحت سيطرة بشار الاسد فيما لا يبدو من اثر للجيش السوري في المعارك التي تستهدف هذه المدن بالذات. صورة قائد الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني في ريف اللاذقية تعقد الوضع حتى امام روسيا ولا تسهله سواء كان يحصل بالتنسيق بين الجانبين الروسي والايراني او من دون هذا التنسيق. صورة سليماني في تكريت حجمت قدرة العراق ومعه قصف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على مواصلة محاولة استعادة المدن العراقية التي احتلها تنظيم الدولة الاسلامية. وذريعة دعم قوات الاسد باعتبارها القوة الوحيدة على الارض القادرة على محاربة داعش لا تجد اسانيد قوية لها في المنطق الروسي مع ارسال ايران قوات اضافية الى سوريا. ايران والميليشيات التابعة لها هي قوة الاسد على الارض. وهذا يسقط هذه الذريعة الروسية مباشرة بعد اقل من اسابيع قليلة على سقوط الذريعة التي قالت بها روسيا للحرب التي تشنها في سوريا اي نيتها استهداف داعش فيما اجمعت التقارير الغربية على استهداف روسيا مواقع المعارضة المعتدلة. فحين يفترض المنطق انه من غير المحتمل ان تعمد روسيا الى استفزاز الدول الخليجية بالتواطوء مع ايران في سوريا الى هذه الدرجة بهدف دعم النظام، فانما يبنى ذلك من جهة على المنطق القائل بصعوبة تصور روسيا طرفا في حرب مذهبية بحكم ان الصراع مع ايران او الاصطفاف معها في موقع واحد يجعل من روسيا طرفا في هذه الحرب وذلك بسبب وجود نسبة كبيرة من المسلمين السنة في روسيا وجوارها كما من الصعوبة بمكان تخيل استعدائها الدول العربية للاسباب نفسها. ومن غير المرجح الا تكون القوات الايرانية التي دفعت الى الميدان احرجت موسكو التي تحاول ان تستدرج واشنطن من اجل التنسيق معها تخفيفا لحدة مواجهة اقليمية عربية مرتقبة معها خصوصا على وقع تنافس او ربما تعاون ايراني قد يكون بات محرجا، فيما تمد اليد الى اسرائيل من اجل مزيد من التنسيق كما قال المسؤولون الروس من اجل تفادي الصدام فوق سوريا فيما تساهم روسيا بذلك في تأمين مصلحة اسرائيل التي تضمن في بقاء الاسد تطويب الاراضي السورية المحتلة لها الى اجل غير مسمى باعتبار ان الاسد في حال بقائه عبر اي تسوية لن يتمتع يوما بالشرعية لا من اجل الذهاب الى معاهدة سلام ولا كذلك بالقدرة على محاولة استعادة الارض بالقوة علما انه لم يتمتع يوما بهذه القدرة او لم يستخدمها قط.
المشهد في سوريا يذهب في اتجاه ابعاد متعددة وفق مصادر ديبلوماسية مراقبة:
احدها انه حين كان يخشى قبيل توقيع الاتفاق النووي مع ايران من اتفاق جانبي مع الولايات المتحدة يقر بنفوذ ايران في المنطقة او يمهد لذلك وقطعت واشنطن وعودا في شأن ذلك لدول الخليج العربي، واتت روسيا لتظهر عقم الوعود الاميركية وفراغها من مضمونها من خلال الدفع مع ايران بالتواطؤ او الاتفاق الثنائي على قلب المعادلة التي تصب في خانة ما يعزز النفوذ الايراني ويوسعه لا بل يثبته اقليميا جنبا الى جنب مع عودة الروس الى المنطقة كلاعب اساسي من دون اعطاء واشنطن مؤشرات فعلية عن رغبتها على التصدي لهذا الواقع بحيث يخشى الا يبقى امام واشنطن لاحقا في ظل استمرار سياسة الادارة الحالية على حالها الا محاولة اقناع حلفائها في المنطقة بالقبول بالامر الواقع او التفاوض على اساس الامر الواقع الجديد. يسأل البعض هل هذه التطورات ترفع عن كاهل واشنطن مسؤولية افساح المجال امام الهيمنة الايرانية بعد الاتفاق النووي خصوصا ان الادارة الاميركية اظهرت مرونة كبيرة ازاء تدخل ايران في سوريا ودفاع هذه الاخيرة عن بشار الاسد. وفي حين ان الكرة هي في مرمى الولايات المتحدة بالذات فان واشنطن باتت تثير احباطا اكبر لشعوب المنطقة في مقاربتها للحرب السورية وفي عدم دعم حلفائها في منع سقوط سوريا كليا تحت نفوذ روسيا وايران.
ثانيها انه اذا تركت المسألة لتصارع الدول الاقليمية مع حلفاء النظام السوري على الاراضي السورية، فان ابواب الجحيم قد تكون فتحت في سوريا تحت وطأة توقعات بحروب دامية تصعيدية لن يسمح في ضوئها لايران بان يستتب الوضع لها في سوريا كما فعلت في العراق.
ثالثها غياب الافق لاي حل سياسي في ظل المعطيات الراهنة وطغيان صورة الحل العسكري الذي بات معتمدا راهنا في سوريا. وتكرار واشنطن ان لا حل عسكريا للحرب السورية بل حل سياسي قد يكون صحيحا في نهاية الامر، لكن الوقائع الميدانية تفرض موازين القوى على طاولة المفاوضات. وتتضارب الاراء بقوة في هذا الشأن بين من يعتقد ان حرب استنزاف طويلة بدأت ومن يعتقد ان الخطوط ترسم لتقاسم نفوذ لا بد منه في المنطقة.

من حقيبة النهار الديبلوماسية الأسد حذّر بوتين من سقوط دمشق
عبد الكريم أبو النصر/النهار/16 تشرين الأول 2015
“الرئيس باراك اوباما وزعماء غربيون آخرون أكدوا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال محادثاتهم الاخيرة معه ان روسيا تستطيع تحقيق مكاسب وتعزيز موقفها التفاوضي وعلاقاتها مع الغرب من طريق التعاون الجدي مع الدول المؤثرة المعنية بالأزمة السورية من اجل ايجاد حل سياسي حقيقي شامل لهذه الأزمة، وليس من طريق الاكتفاء باستخدام القوة العسكرية ضد “داعش” واستهداف فصائل من المعارضة السورية بالغارات الجوية، في محاولة منها لدعم نظام الرئيس بشار الاسد ومنع سقوطه. وحذر الزعماء الغربيون من أن تبني الخيار العسكري وحده سيقود الى طريق مسدود ولن يمنح القيادة الروسية القدرة على تحقيق اهدافها الأساسية وضمان مصالحها الحيوية، وأبدوا استعدادهم للتفاهم والتعاون مع روسيا من أجل انجاز انتصار ديبلوماسي مشترك على أساس العمل الجدي معاً لايجاد وتطبيق الحل السياسي للأزمة، الأمر الذي يتطلب انهاء حكم الأسد بطريقة منظمة تمنع انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة ونقل السلطة الى نظام جديد تعددي يحقق المطالب والتطلعات المشروعة للشعب السوري بكل مكوناته. ويتحقق هذا الهدف بالضغط جدياً على الرئيس السوري واطلاق مفاوضات في اشراف الأمم المتحدة بين ممثلين للنظام والمعارضة السورية المعتدلة المعترف بها اقليمياً ودولياً تؤدي الى تشكيل هيئة حكم انتقالي تمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتعمل على قيام النظام الجديد. وركز الزعماء الغربيون على انه ليس ممكناً القضاء على “داعش” والارهابيين من غير انجاز حل سياسي شامل للأزمة، وان بقاء الاسد في السلطة يمنع الحل السياسي ويطيل الحرب ويعزز مواقع الارهابيين. وشدد اوباما بشكل خاص على ان القوة العسكرية الهائلة لن تقضي على الشعب السوري المحتج وعلى المعارضين الذين يطرحون مطالب مشروعة وان الحاجة ماسة الى ايجاد زعيم جديد وقيادة جديدة من أجل قيام سوريا الجديدة”. هذا ما أدلى به الينا مسؤول دولي معني بالأزمة في لقاء خاص في باريس، وقال: “ان هذا الموقف الغربي المدعوم عربياً واقليمياً على نطاق واسع يشكل عرضاً واضحاً لبوتين لتصحيح مسار دوره في سوريا والانخراط في عملية سياسية حقيقية تنجز السلام والاستقرار في هذا البلد”. وأضاف ان ثلاثة عوامل اساسية دفعت القيادة الروسية الى التدخل عسكرياً وعلى نطاق واسع في سوريا هي الآتية:
اولاً: ارسل الاسد الى موسكو سراً في آب الماضي مبعوثاً خاصاً نقل الى القيادة الروسية تحذيراً مفاده ان القيادة السورية قد تضطر الى الانسحاب من دمشق والانكفاء الى منطقة الساحل والتركيز على الدفاع عن اللاذقية وطرطوس ومواقع مجاورة ومحاولة تشكيل كيان موقت هناك، لأن النظام لم يعد يملك قدرات كافية لحماية العاصمة السورية طويلاً. وتعاملت القيادة الروسية جدياً مع هذا التحذير، لأنه مطابق لمعلوماتها وبدأت مشاورات مع القيادتين السورية والايرانية للتفاهم على صيغة مناسبة تمنع حصول ما يحذر منه الأسد. ثانياً: العامل الثاني هو فشل الأسد في انجاز تفاهم مع القيادة السعودية. ففي تموز الماضي اقترحت موسكو على المسؤولين السعوديين استقبال موفد خاص من الأسد للتفاهم على صيغة للحل. وعلى هذا الاساس استقبل ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الامير محمد بن سلمان في جدة يوم 7 تموز اللواء علي مملوك رئيس المكتب الوطني السوري في حضور مسؤول روسي، لكن اللقاء فشل إذ بدا واضحاً في النقاش ان الأسد يريد اساساً ضمان بقائه في السلطة وبقاء نظامه الامر الذي رفضه الجانب السعودي الذي طالب بانسحاب العناصر الايرانية وقوات “حزب الله” والميليشيات المرتبطة بطهران واجراء انتخابات رئاسية ونيابية تعددية في اشراف الأمم المتحدة. وتنفيذ هذين المطلبين يؤدي الى انهاء حكم الأسد وقيام نظام جديد. وهذا الفشل جعل الأسد يدرك انه يواجه مأزقاً حقيقياً لن يستطيع الخروج منه بقدراته الذاتية. ثالثاً: العامل الثالث هو فشل ايران والميليشيات المرتبطة بها في حماية النظام من التعرض لنكسات كبيرة إذ ان المناطق التي بات يسيطر عليها في ظل قتال الايرانيين وحلفائهم الى جانبه تقلصت الى نسبة 20 أو 25 في المئة من مساحة سوريا. وخلص المسؤول الدولي الى القول: “هذه العوامل الاساسية الثلاثة دفعت بوتين الى التدخل عسكرياً في سوريا على نطاق واسع، لكن القراءة الدقيقة للوضع تظهر ان هذا الدور العسكري الجديد لن يحقق له النصر، بل ان من مصلحة بوتين قبول العرض الغربي – الاقليمي المقدم له. وستصل القيادة الروسية الى طريق مسدود إذا تمسكت بموقفها القائل ان انقاذ سوريا يتطلب بقاء الأسد ونظامه، ورفضت الموقف الغربي – الاقليمي القائل ان انقاذ سوريا يتطلب رحيل الأسد والمرتبطين به المسؤولين عن كوارث هذا البلد، وأن تتولى الحكم قيادة سورية جديدة تبني سوريا الجديدة”.