ثريا شاهين: هل آن أوان التفاوض مع الروس حول سوريا/يزيد صايغ: بوتين ودبلوماسية الروليت في سورية/محمد خالد الأزعر: نتانياهو وأوباما: ما وراء أيام الغضب

257

بوتين ودبلوماسية «الروليت» في سورية
يزيد صايغ/الحياة/16 تشرين الأول/15
تسبّب التدخل العسكري الروسي في سورية بقدر كبير من الارتباك لدى الحكومات الأجنبية التي تعارض استمرار حكم الرئيس بشار الأسد. فهل يكون التحرّك الروسي مقدّمة للتوصّل إلى اتفاق سياسي ينهي الصراع السوري، وفي هذه الحالة هل ستقبل روسيا المطالب بتنحّي الأسد عن منصبه باعتباره نتيجة متَّفقاً عليها سلفاً للمفاوضات أو للفترة الانتقالية؟ حتى الآن ليس هناك الكثير مما يبرر هذا الأمل، وإذا تحقّقت أهداف روسيا المباشرة فستكون المبررات أقلّ. وإذا كان بوتين يسعى للتوصّل إلى حل سياسي، فإن ذلك من خلال فرض نسخة دبلوماسية من لعبة الروليت الروسية على الولايات المتحدة وشركائها في تحالف «أصدقاء سورية» (الميّت تقريباً): اقبلوا أن يكون هناك دور للأسد في أي مرحلة انتقالية -مع احتمال بقائه في السلطة بعد ذلك- أو ارفضوا وراقبوا استمرار الجمود العسكري الذي يضر كل الأطراف في سورية. ويبدو أن كلا الخيارين مقبول من بوتين والأسد.
لقد كانت للتدخّل الروسي آثار فورية، اذ يبدو أنه رفع الروح المعنوية بين موالي نظام الأسد وقوّى عزيمة الجيش. كما أنهى هذا التدخّل احتمال قيام تركيا بعمل عسكري مباشر لإقامة منطقة آمنة في شمال سورية، الأمر الذي كان موضع شكّ في أعقاب التصاعد الحادّ في الأعمال القتالية مع «حزب العمال الكردستاني». وتعهّد مسؤولون خليجيون بتزويد المعارضة السورية بأسلحة مشاة أكثر قدرة، غير أنه لا يوجد نقص في هذه الأسلحة في سورية ولن يكون لها تأثير ما لم ترفع الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي الحظر على تسليح مقاتلي المعارضة بصواريخ «ستينغر» أو ما يعادلها من أنظمة الصواريخ المتقدمة المضادة للطائرات. ومن المفارقات أن بدء الضربات الجوية الروسية أعقب دعوة مدير المخابرات المركزية الأميركية السابق ديفيد بترايوس يوم 22 أيلول (سبتمبر) الماضي الولايات المتحدة إلى إقامة مناطق آمنة في سورية للاجئين ومن ثم إسقاط طائرات النظام التي تهاجمها، غير أن هذا الأمر يبدو الآن بعيداً تماماً. فالحكومات الأجنبية التي لم تكن راغبة في إجبار نظام الأسد على وضع حدّ للقصف العشوائي للمدنيين لن تتحدّى منطقة الحظر الجوي الروسي على المناطق الموالية للنظام السوري. ومع إنهاء برنامج التدريب الأميركي لمقاتلي المعارضة، ثمّة احتمال ضئيل في أن يكون هناك أي نوع من التحدّي المباشر.
حققت روسيا حتى الآن أهدافها بتكاليف منخفضة. غير أن ذلك يعيد، على أكثر تقدير، توازناً موقّتاً فحسب بعد ستة أشهر من النكسات التي مني بها النظام في ميدان المعركة. وحتى لو تأكّدت شائعات المعارضة حول هجمات وشيكة للنظام بدعم من الجيش الإيراني، ورجال ميليشيا «الحشد الشعبي» العراقية و «حزب الله»، من المستبعد أن يحقق النظام أكثر من استعادة بعض الأراضي التي خسرها عام 2015. كما أن من غير المرجّح، خلافاً لتوقّعات البعض، أن تعمد روسيا (وإيران) إلى نشر قوة تدخل سريع كبيرة لترجيح كفّة الميزان بصورة حاسمة. في 5 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري ذكر رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الروسي، الأدميرال المتقاعد فلاديمير كومويدوف، بصورة عرضية، إمكان توجّه «متطوعين» روس إلى سورية، الأمر الذي أعاد الى الأذهان تهديد الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف في عام 1956 بدعم مصر بالمتطوعين في مواجهة العدوان الثلاثي في العام 1956، غير أن ذلك لم يغيّر الموازين آنذاك، ولن يغيّرها اليوم. بعض معارضي التدخّل الروسي في سورية يقولون إنه سيتوسّع حتماً ليشمل دوراً واسعاً للقوات البرية، الأمر الذي سيثبت أن سورية ستكون أفغانستان روسيا الثانية. ويبدو من المؤكّد أن ذلك هو رأي الإسلاميين في سورية وبلدان أخرى في المنطقة، الذين ينادي بعضهم بـ «الجهاد» ضد الروس و «الصليبيين» الغربيين، بيد أن المؤكّد تقريباً أن هذا الرأي يبالغ في تقدير النوايا الروسية، أو يمثّل أماني من يرغبون في توسيع نطاق النزاع المسلّح، معتبرين أن ذلك لا يمكن إلا أن يصبّ في مصلحتهم.
على الجانب الآخر، يضخّم أنصار نظام الأسد أيضاً المشاركة الروسية. إذ يقال إن المسؤولين السوريين يعتقدون أن الظروف الدولية تتحوّل لصالح النظام، ولا تتيح له مجرّد البقاء على قيد الحياة وحسب، بل تحقيق نصر كامل. المكاسب المحتملة التي قد يحقّقها الجيش في محافظة حماة وشمال حلب قد تشجع أملاً كاذباً كما حدث في أواخر العام 2014، عندما تحدث بعض الموالين عن الانتقال من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها حول حلب الى انتزاع مدينة الرقة من تنظيم «الدولة الإسلامية». بيد أن من المستبعد أن تسعى روسيا إلى ما هو أكثر من الهدف الذي تحدث عنه بوتين للتلفزيون الروسي في 11 من هذا الشهر: استعادة «استقرار السلطة الشرعية» للأسد، فروسيا ليست بحاجة للقيام بما هو أكثر من ذلك. من الناحية النظرية، قد يؤدّي الانتشار العسكري الروسي في سورية إلى عقد صفقة سياسية. بيد أن هذا غير وارد فعلياً. وسواء كان بوتين صادقاً أم لا، حتى قليلاً، خلال مقابلته التلفزيونية بالقول إنه يريد «تهيئة الظروف الملائمة لتسوية سياسية»، فإن مواقف القوى الخارجية الرئيسة لا تزال متباعدة كما كانت في السابق بشأن وضع الأسد خلال فترة انتقالية أو مصيره في نهاية تلك الفترة. ونقل العديد من المصادر أحاديث خاصة مع محاورين روس (وإيرانيين) موثوقين يؤكدون فيها استعداد حكومتهم لتصوُّر رحيل الأسد في نهاية مرحلة انتقالية عن طريق التفاوض، بيد أن ذلك لا يزال أقلّ مما يمكن أن يقبل به علناً أي من أنصار المعارضة السورية الخارجيين.
ثمّة سبب وجيه للتركيز على مستقبل الأسد، إلا أنه يحجب الحاجة التي لا تقلّ أهمية للتوصل إلى أرضيّة مشتركة بين القوى الخارجية في ما يتعلق بالآليات والإجراءات الملموسة التي قد تنظّم عملية انتقالية محتملة في سورية. من الواضح أن مصير الأسد هو العنصر المفصلي، ولكن حتى لو كان بالإمكان حلّ هذه المسألة، ستكون هناك حاجة لخطّة مشتركة متفق عليها لأمور مثل ترتيبات تقاسم السلطة في إطار حكومة وحدة وطنية، وقيادة الجيش وقطاع الأمن الداخلي، وإدارة البنك المركزي. مع ذلك، ورغم بعض الجهود الجزئية التي تبذل من جانب واحد في بعض العواصم لصياغة هذه الخطوط العريضة، لا يزال الاتفاق بين القوى الخارجية الرئيسية بعيد المنال. يبقى خياران أمام الدبلوماسية الفاعلة والمفيدة: أحدهما هو الاستثمار الحقيقي في الجهد الذي يقوم به مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان دي ميستورا لتشكيل مجموعات عمل من شأنها صياغة الترتيبات الانتقالية في أربعة مجالات رئيسة، والاستثمار بجدّية في اقتراحه الموازي لتشكيل مجموعة اتصال دولية خاصة بسورية. غير أن بدء المهام القتالية الروسية دفع مجمل المعارضة المسلحة تقريباً للتنديد بمجموعات العمل باعتبارها «استنساخاً للنظام»، بينما تعرقل الخلافات المستمرّة بين القوى الخارجية الرئيسة بشأن عضوية مجموعة الاتصال ومهماتها، ما يحتمل أن تكون آلية مفيدة لحلّ النزاعات. الخيار الأخير المتبقي للدبلوماسية هو البناء على وقف إطلاق النار المحدود الذي تم التوصّل إليه بوساطة إيران في 22 أيلول الماضي، والذي تضمّن إجلاء المدنيين والمقاتلين من بلدات الزبداني والفوعة وكفريا وتعليق عمليات القصف الجوي التي يقوم بها النظام في محافظة إدلب لمدة ستة أشهر. ومن الواضح أن التدخّل العسكري الروسي لا يغيّر الحقائق على الأرض بما يكفي لتحقيق تسوية سياسية عامة، غير أنه قد يكون كافياً للدفع باتجاه عقد هدنة مسلحة تشمل جميع المناطق التي يسيطر عليها النظام والمعارضة. من الناحية النظرية، هذا من شأنه إتاحة الفرصة أمام كل معسكر وداعميه الخارجيين للتركيز، كلّ على حدة، على مواجهة تنظيم «داعش»، وحتى لو لم يفعل هؤلاء شيئاً آخر، فإن عقد هدنة عامة سيجلب الانفراج للمواطنين المدنيين المنهكين.
مع ذلك، من المفجع أن الأطراف الفاعلة القوية من كلا الجانبين في سورية تعتمد على اقتصاد الحرب ولا تهتم كثيراً بقبول أو فرض هدنة، لأن بقاءها المالي مستمدّ من استمرار الصراع المسلح. ولا تملك أي قوة خارجية النفوذ أو التصميم السياسي اللازم لتخطيط مسار جديد. ومن هذا المنظور، يبدو نهج روسيا الحالي واقعياً جداً، على الرغم من أنه يجعل إعادة تأكيد الجمود الضارّ لكل الأطراف في سورية أمراً لا مفرّ منه. لقد انتهت لعبة الروليت.
* باحث أول، مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

نتانياهو وأوباما: ما وراء أيام الغضب
محمد خالد الأزعر/الحياة/16 تشرين الأول/15
الشائع أن العلاقة الحميمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تعني الندية أو التساوي بينهما رأساً برأس، وأن إسرائيل ليست سوى كيان استيطاني ساعدت الولايات المتحدة على استزراعه في الرحاب العربية، أو الشرق أوسطية بمفهوم البعض، لأداء وظـائــف بعينها، ماديــة منظورة وروحية غير منظورة، تخص عالم الغرب بزعـامة واشنطن. هذا التصور العام يظل صحيحاً تماماً، وله تجليات وعليه دلائل ليس هنا مقام الاستطراد إليها. لكن الصحيح أيضاً أن لإسرائيل مصالحها وأهدافها، ولها رؤاها وتقديراتها لتحقيق هذه المصالح والأهداف التي ثبت أنها تتعارض أحياناً مع التقديرات الأميركية، وتتحرك بعيداً عنها بمسافة أو أخرى.
واليوم يبدي نتانياهو الكثير من الغلو والتطرف في معاكسة توجه البيت الأبيض لإنفاذ الاتفاق مع إيران والالتزام به، من دون أن يعبأ بعبرة نماذج مثل هذا السلوك. إنها العبرة القائلة إن واشنطن ربما سمحت لإسرائيل بالتشاور وتبادلت معها وجهات النظر والمعلومات، غير أن هامش السماح هذا شيء، والانتقال من إطار المناصحة إلى القبول بالمناطحة شيء آخر، لا يمكن التهاون معه. وهذا هو عين الخط الأحمر الذي تعداه نتانياهو في معالجته للمسألة الإيرانية. بصيغة أخرى، لم يحدث أن كسبت تل أبيب الرهان وفرضت سياستها في أي قضية تتعلق بالمصالح الأميركية العليا. هذا التعميم يناقض القول المأثور عن سطوة إسرائيل على السياسة الأميركية بشفاعة قوة اللوبي اليهودي، أو حتى الصهيوني الأقوى عدداً وعُدة، في أروقة صناعة القرار الأميركي. قبل زهاء ستين عاماً، أجبرت واشنطن إسرائيل على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، اللذين احتلتهما أثناء شراكتها الآثمة مع بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر. ومن نماذج اليد الأميركية العليا، إلزام تل أبيب بعدم الرد على الضربات العراقية الصاروخية عام 1991، خشية إفساد التحالف الدولي ضد بغداد بين يدي حرب تحرير الكويت. ومنها أيضاً، إرغام إسرائيل على حضور مؤتمر مدريد للسلام، بعد التمنع الذي أظهره رئيس وزرائها اسحق شامير. ومن الطرائف الشهيرة بالخصوص، إنهاء جورج بيكر وزير الخارجية الأميركي أحد مهاتفاته مع شامير بالقول: «عندما تحتاجني فإنك تعرف أرقام هواتفي». ومن أحدث نماذج صرامة واشنطن في التعامل مع المناكفات الإسرائيلية، اليقظة تجاه محاولات استدراجها لشن الحرب على إيران بهدف تدمير مشروعها النووي، وتقييد أيدي إسرائيل عن إتيان خطوة كهذه في شكل منفرد. ثم إن كل الألاعيب والحيل الشيطانية المخالفة للتوجه الأميركي والتي مارسها نتانياهو لإحباط الاتفاق النووي الإيراني وهو قيد التفاوض، باءت بالفشل. بناء على هذه السوابق ونحوها، علاوة على تبصر جوهر علاقة العملاق الأميركي بالتابع الإسرائيلي الذي يجتهد للتحول إلى شريك صغير، نكاد نقطع بأن محاولات الإطاحة بالاتفاق الإيراني عبر تجييش اللوبي اليهودي الصهيوني في واشنطن، ستؤول إلى الإخفاق الذريع. ندفع بذلك وفي الخاطر أن الرئيس أوباما أظهر في لحظات بعينها اهتمامه بمواقف نتانياهو المتحدية لإرادته وحملها على محمل الجد. وليس هيناً، في إطار التصدي والمواجهة، أن يشير سيد البيت الأبيض بصريح العبارة إلى أن «إسرائيل تتدخل في شؤون الولايات المتحدة». والظاهر أن غضبة أوباما حققت بعض نتائجها. فالراسخون الإسرائيليون في تفهم كنه الصلة بالولايات المتحدة، باتوا يضعون أيديهم على قلوبهم تحسباً من عواقب الإيغال في التشويش على سياسته الإيرانية الجديدة. ومنهم من استصرخ قومه بالتروي لأنه «لم يسبق لزعيم إسرائيلي أن ناصب البيت الأبيض التحدي مثلما يفعل نتانياهو بكثير من الغباء». ومنهم من لفت إلى أن «استخدام الأميركيين اليهود في مشاكسة أوباما، يضعهم تحت ضغط أسئلة الانتماء والولاء والإخلاص للعلم الأميركي». تقديرُنا أن أصحاب هذه المداخلات هم الذين يعرفون قدر إسرائيل وقدر الولايات المتحدة. وأنه إذا دقَّ الرئيس الأميركي على الطاولة، فعلى إسرائيل أن تذعن، كونها لم تبلغ بعد مرحلة الخروج الآمن عن طاعة الراعي الأميركي. ومع كل ما يبديه نتانياهو من مناكفات ومحاولات للاستئساد والتنمر، فإننا نزعم أنه على دراية كبيرة بهذه الحقائق، لكنه يستشرف الحصول على مكاسب أخرى من وراء مناكفاته. نتانياهو يدرك أنه قد يخسر، بل ربما خسر بالفعل معركة إفساد الاتفاق الإيراني إياه، غير أنه يُضمر أن لا يعود من الميدان صفر اليدين. وهو يستند في رهانه هذا إلى السوابق التي تقول بأن مشاكسات إسرائيل لـ «المعلم» الأميركي، غالباً ما تنتهي بتطييب خاطرها بعطايا اقتصادية أو مالية أو تسليحية عسكرية، أو بهذا كله معاً. ومن ذلك الهبات والعطايا التي حصلت عليها تل أبيب عند انسحابها من سيناء، وعند توقيعها اتفاق أوسلو وعند إخلائها مستوطنات غزة. المدهش أن هناك دلائل ومؤشرات قوية الآن على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي في طريقه إلى كسب هذا الرهان. وقد أفصح أوباما نفسه عن تسامحه مع نتانياهو العاق، حين صرَّح أخيراً بأنه سيلتقيه قريباً «لتوسيع التعاون الاستراتيجي والمشاورات الجارية بين المحافل الاستخباراتية والأمنية الأميركية ونظيرتها الإسرائيلية». لقد أدار نتانياهو خلافه مع أوباما، موقناً أن العلاقات الإسرائيلية – الأميركية الخاصة جداً قد تواجه «خناقات عائلية» وأنها، خلافاً لتقديرات قصيري النظر، لا تضع حدوداً لصبر الرئيس الأميركي على الشطط الإسرائيلي في بعض الأحايين.

هل آن أوان التفاوض مع الروس حول سوريا؟
ثريا شاهين/المستقبل/16 تشرين الأول/15
تجرى محاولات خليجية، ومن جانب الموفد الدولي للحل في سوريا ستيفان دي ميستورا مع روسيا للدخول في العملية السياسية ووقف تدخلها العسكري في سوريا. وتحضّ هذه المحاولات روسيا على أن تكون جدّية في الضغط على النظام السوري للقبول بالحل لإنهاء القتل والإرهاب والتطرّف، ما دام الرئيس فلاديمير بوتين يعتبر أنّ القصف وحده لا يكفي، إنّما يجب الدخول في عملية سياسية. مصادر ديبلوماسية تؤكد أنّ جدّية التفاوض الذي يتم السعي إليه، للحل، يتوقف على الأداء الروسي. موسكو التي يجب أن تضغط على الرئيس السوري بشار الأسد للقبول بالحل المطروح لناحية بقائه من دون صلاحيات في المرحلة الانتقالية. لأنّ ترك الأمور له، قد يجعله يرفض هذا الطرح لأنّه يريد البقاء في المرحلتين الانتقالية ومستقبل سوريا. وروسيا أيضاً يفترض أن تكون قلقة من استمرار التدخّل في سوريا وكلفته، فهي لديها مشكلة انخفاض العملة، وأزمة اوكرانيا التي أثرت عليها اقتصادياً. وبالتالي هناك مجال للدخول في حل جدّي. وكل ذلك يتزامن مع تعب إيراني بالتوازي اقتصادياً ومالياً، لأنّه حتى لو استعادت إيران أموالها المجمّدة في الخارج، فإنّ وضعها سيئ جداً، وهي تحتاج إلى هذه الأموال داخلياً وليس أن تعمد إلى صرفها على النفوذ الخارجي. المنشآت النفطية والاقتصادية الإيرانية قديمة العهد، ولم يتم تجديدها منذ السبعينيات من القرن الماضي. ولذا لديها تأخّر قوي، ويلزمها التمويل لتستمر ولكي تتطوّر لتصبح في مستوى المنشآت الخليجية مثلاً.. إيران، بالطبع لن تسمح بأن يتدخّل الغرب معها، لنصحها أين تصرف أموالها، لكن الغرب، أبلغها مراراً أنه إذا أرادت أن يكون لها مقعد بين دول المجتمع الدولي، فإنّ عليها أن تكون أكثر إيجابية في مواقفها. أي أن تمتنع عن تغذية الميليشيات الإرهابية في المنطقة، وعن ضرب الاستقرار والمؤسسات في دول المنطقة، وإذا دخلت إيران في عملية تفاوض جدّي، فالغرب مستعد لأن يعترف لها بدورها وبحصتها في الحلول شرط مساهمتها الإيجابية في حل النزاعات. الشعب الإيراني دعم الاتفاق النووي، لأنّه يحتاج إلى تطوير بلاده. وبالتالي، لا يمكن لإيران أن تنفق كل الأموال التي سيفرج عنها على الميليشيات. وأغلب التقديرات الديبلوماسية أنّ أموالها هذه لن يكون لها تأثير حاسم على الميليشيات المحسوبة عليها.
الاتفاق النووي جيّد، إذا جاءت انعكاساته، على سبيل خلق دينامية تؤدّي إلى تفاوض جدّي وحلول. لكن المهم أن لا تحصل ردود فعل أخرى تناقض ذلك. القيادة الإيرانية عليها أن تتخذ القرار. ذلك أنّ الرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف لا يملكان تفويضاً في المسألة السورية أو في أية مسألة تابعة لملفات المنطقة، ولا صلاحية لديهما للربط والحل إلاّ في الملف النووي. في خضم ذلك، الخليج سيكون على طاولة أي تفاوض إن كان حول سوريا أو أي ملف آخر في المنطقة، طبعاً إلى جانب الغرب وإيران. وإذا رفضت أي دولة خليجية الجلوس إلى هذه الطاولة مع إيران، فإنّ التفاوض لا يمكن أن يتم. إيران الآن لا تتفاوض حول المنطقة، لديها مبادرة حول سوريا لم تعلن تفاصيلها بعد. وجود الروس على الأرض في سوريا وتعزيز هذا الوجود يفرض أن يكون التفاوض معهم، لا سيما وأنّ إيران و«حزب الله» لم يستطيعا دعم النظام كما كانا يتوقعان. والخليج لن يعمد إلى اتباع أسلوب تعاطيه مع سوريا كما تعامل مع موضوع اليمن خلال الأشهر الماضية. ولا يظهر أنّ الروس جاؤوا إلى سوريا للقيام بحرب دائمة خصوصاً وأنّها تأخذ أبعاداً دينية، بل للدخول في مفاوضات. فإمّا أن يصار إلى حل فعلي وتحصل تنازلات من الطرفين أو تكمل الحرب السورية. التفاوض الجدّي هو الأساس. في الزبداني حصلت هدنة، ولو استطاع الحزب وإيران أن يربحا لما كانا لجآ إلى الهدنة. لا يمكن لروسيا أن تبقي تمويلها قائماً في سوريا، تماماً كما إيران، فالاثنتان تعانيان اقتصادياً في الداخل. إنّما سوريا لن تعود مثلما كانت، هناك توازن قوي جديد. والأنظار متّجهة إلى إمكان وجود مؤشرات حلحلة، لكنها حتى الآن لا تبدو قريبة. وجد الروس أنّه على الرغم من الدعم الإيراني للنظام، فإنّه كان بدأ يتهاوى، وأنّ هناك ضغطاً على دمشق نفسها وعلى المناطق العلوية. وبما أنّ مصالح الروس الاستراتيجية في سوريا، قرروا وفق مصادر قريبة من موسكو، رفع مستوى التدخّل، لكنهم يدركون أنّ الأسد لن يعود كما كان. وهم تدخّلوا على أساس أنّهم سيدافعون عن مصالحهم ولن يسمحوا بليبيا جديدة. والتنسيق الغربي مع روسيا مستمر. الحلول الكبرى تحتاج إلى وقت، لكن الهدف من التنسيق مع روسيا هو رسم حل مع اللاعب الأمامي وهو الروس. هناك مرحلة جديدة من التنسيق مع روسيا، التي تعتبر نفسها مفتاح الحل في سوريا.