انتهاك حقوق المسيحيين في لبنان وابعادهم عن القرار والسلطة والحكم في مقالة للخوري اسكندر الهاشم عنوانها: هل يمكن التجديد؟

314

هل يمكن التجديد؟
الخوري اسكندر الهاشم
النهار/19 أيلول 2015
انطلاقاً من عام 1990، اي قبل عشر سنين من نهاية القرن العشرين تشكلت في الآفاق اللبنانية تحولات جذرية اصابت البنية الوطنية وتركت صدعاً في البيت اللبناني، لا يمكن ترميمه واعادة تأهيله، لأن ارادات داخلية وخارجية ما زالت تعاند في الاستمرار في الخطأ وعدم الاعتراف بذنب كبير ترك بصماته على الصيغة اللبنانية وعلى الميثاق الوطني.
أ – خسارة عسكرية
بعد مواجهات عسكرية دامية بين المسيحيين، وقسم من اللبنانيين ومعهم اكثرية من الغرباء، تأكد ان الوطن اللبناني لا يستطيع النهوض وهو مكسور الجناح، لكن من حاول النيل من المسيحيين لا يزال يراهن على اسكاتهم و”حشرهم في الزاوية” ليقبلوا خسارتهم طوعاً ويرضوا بما يمليه عليهم هذا الفريق الرابح من شروط. على مدى ربع قرن أعتبرت خسارة المسيحيين نهائية واعتبر خروجهم من المعادلة اللبنانية من الأمور المحسومة، ولم يعد لهم الحق في اعادة تكوين السلطة وتقاسم النفوذ، وانتهى المطاف بهم الى تبعية في المجلس النيابي وتبعية في مجلس الوزراء وغياب شبه تام عن الادارة، واقتصر دورهم على الرضوخ لارادة وتنفيذ رغبات من كانوا أصلاً شركاءهم، من دفع ضرائب وتمويل صناديق، وقد أوصلهم هذا الواقع المزري الى نوع من الاحباط والقرف ونوع من التعصب، وهذا الاخير لم يكن من طبائعهم.
ب – هل الظروف مؤاتية؟
إن عزل المسيحيين واستفرادهم ثم اخراجهم من المعادلة السياسية والاجتماعية والأمنية، أدى الى خلل كبير في البنية الوطنية بعد ظهور معضلات كبرى أقلها السير في ركاب الخارج، مفضلينه هادمين الجسور بين اللبنانيين، فكان هذا الاشتباك الصعب والمعقد الذي لا امكانية لفكه من دون العودة الى تأمل المصالح الوطنية والشراكة الحقيقية. بين مكونات الوطن.
اللوحة القاتمة السوداء، تحمل في طياتها ملامح رجاء ونسائم أمل متأتية من تململ ظاهر داخل كل طائفة، ورغبة مضمرة ومعلنة في التلاقي بعد كل هذا الجفاء وبعد اعلان افلاس المتخاصمين وتراجعهم عن تقديم ما تعهدوا به لطوائفهم ومذاهبهم، وبعد قطيعة كبرى مع المصلحة الوطنية. انكشف زيف السياسات الكيدية والمذهبية ومدى قصر نظرها وما جلبته من مآزق وجودية على اللبنانيين جميعا، وعلى النافخين في كور المذهبية والطائفية، وانكشف زيف هؤلاء القادة وقصر نظرهم في معالجة الشؤون الحياتية، بعدما تحولوا رجال اقطاع من الطراز الرخيص مع كل الغنى المفرط والاسفاف في طريقة عيشهم واحتقارهم للناس والقانون والاخلاق.
ج – تحول الوطن مزرعة سائبة
تحول الوطن اللبناني على ايديهم مزرعة يديرها اجلاف وسماسرة بلا أفق سياسي ولا رغبة عندهم في ترك شيء للآخرين، عملوا على انهيار الطبقات الوسطى ودمروا الأمل في الاصلاح واعادوا الحياة الى الوراء بعدما نهبوا الخزينة واستباحوا لانفسهم الحلال والحرام، وانعدمت على ايديهم معظم الخدمات الاجتماعية والحياتية، فتراجعت الكهرباء، وجفت المياه، وزاد عدد العاطلين عن العمل وازدادت الهجرة، وانفتحت ابواب الوطن على مئات الآلاف من الغرباء، وسدت منافذ الاصلاح وعاد الوطن اللبناني الى عهود الاقطاع والبلطجة.
هذا التوصيف الذي يعرفه معظم الناس، لم يجد له صدى عند الذين يمسكون زمام الحكم ولم يرف لهم جفن أمام صراخ الشعب وأنين الناس واوجاع الكثرة من المواطنين.
هـ – ورقة التفاهم محاولة جادة، ولكن.
إن المحاولة الجادة في الاتفاق على ورقة تفاهم بين مكون مسيحي وآخر شيعي، يجب أن يستكمل بورقة أخرى تطال الطوائف والمذاهب، لكن بعضاً من هذه الطوائف الكبرى لا ترغب في السير بعيداً في توافقات داخلية لارتباط موصوف بالخارج وترقب ظروف مؤاتية للتفرد في الحكم وتهميش الآخرين.
إن الشركة والشراكة تستدعيان رضى كاملاً للشريك واعطائه ما يستحق من كرامة وحقوق. نحن اذا أمام حائط مسدود ولا يمكن هدمه إلا بمناقشات حقيقية يتجاوز المتحاورون فيها حدودهم الطبيعية وطموحاتهم المذهبية مقدمين الى اللبنانيين صيغاً بناءة عصرية، متجاوزين كل الطروحات المعلبة منطلقين من الواقع اللبناني ومن صراخ المعترضين، ولا سيما المسيحيين منهم، لوضع أسس جديدة، وايجاد حركة وطنية لجمع كل الطروحات المتنوعة والمختلفة وقلب المقاييس التي اعتاد اللبنانيون عليها وادخالهم في مسيرة شعب رائد يعطي اصحاب الكفاية الأولوية ويرسي تضامنا وطنيا حقيقياً يؤدي الى توزيع عادل للثروة والى تداول حقيقي للسلطة والى فصل بين السلطات وتغيير جوهري في قانون الانتخاب وضبط قاس، للادارة الفاسدة. هل يمكن هذا الرعيل من السياسيين القيام بذلك؟ سؤال صعب والاجابة عنه معقدة، بسبب تداخل السياسة بالدين، والاحزاب بالمذاهب، ولعلاقة قديمة وحميمة بين الداخل والخارج، في هذا الواقع المرير، يحتاج الاصلاح الى اعجوبة لأن الكلمة الفصل هي للقوة والعدد والمال. وانتهى الوطن عند اعتاب التسعينيات من القرن الماضي وهو الآن وطن مسجى ينتظر منقذاً. وعلى مجموعاته التوقف عن الكذب والخداع لتعلن نياتها الحقيقية وتقدم ما ترغب فيه حقيقة، وقبل ذلك لا حوار ولا اصلاح ولا قيامة.