عبدو شامي/تحت طاولة اتفاق الشيطانَين

389

تحت طاولة اتفاق الشيطانَين
عبدو شامي

بدءًا من 14 تموز 2015، تاريخ توقيع الاتفاق التاريخي بين إيران والدول الست العظمى ومنطقة الشرق الأوسط المنهكة بالحروب والدماء في حالة ترقب لكيفية انعكاس “اتفاق الشيطانَين” (الأكبر والأخطر) عليها…

بعيدًا عن الدعاية المضخمة الصهيو-إيرانية المشتركة ذات الأبعاد والأهداف المتقاطعة والتي تريد تعميم انطباع لدى الرأي العام بأن الاتفاق يزيد من خطر إيران النووية على العالم وإسرائيل… يجد القارئ بتأنٍ لبنود اتفاق “فيينا” أنه قضى على آمال إيران النووية على الأقل لمدة 15 عامًا من تاريخ توقيعه خصوصًا لناحية نصّه على تفكيك مفاعلات وتقليص قاس لعدد أجهزة الطرد المركزية، والرقابة المشددة التي تتجاوز السيادة الإيرانية على منشآتها… الى ما هنالك من بنود صارمة تجعل من دفاع “أوباما” عن اتفاقه والمدعوم بشهادة عشرات الخبراء النوويين أقرب الى الصحة من المبالغات الصهيو-إيرانية التي تضع الاتفاق في خانة الانتصار الإيراني نوويًا؛ لكن هل يعني ذلك أن إيران ما بعد الاتفاق أضعف من إيران ما قبله؟

بالعقل والمنطق نسأل: هل يمكن لإيران أن تقايض الإفراج عن 150 مليار دولار من أموالها المجمدة مع رفع العقوبات عن أبرز شخصياتها الإرهابية وفي مقدمتها “قاسم سليماني” وعن قطاعاتها النفطية والاقتصادية… مقابل التخلي عن طموحاتها النووية والمرحلة المتقدّمة التي وصلت إليها والتي أنفقت عليها أضعاف أموالها المجمّدة وجعلتها جزءًا لا يتجزّأ من أمنها وفخرها القوميَين؟!

في قناعتنا أن الإجابة هي لا بالطبع، فبعيدًا عن مسرحيات “نتياهو” و”نجاد” وسواه من القادة الموتوريين الإيرانيين، النووي الإيراني متفَق على وجهة استعماله ضمنيًا بين إسرائيل وإيران ولو كان يشكّل أدنى خطر على الأمن القومي الإسرائيلي لجرى تديمره في بداية عهده كما تمّ التعامل مع المفاعل العراقي… وبضم هذا الاعتبار المهم الى السؤال الاستنكاري المطروح آنفًا من المرجّح أن نكون أمام اتفاق عنوانه نووي لكن بمضمون جيو-سياسي يلبّي أطماع إيران التوسعية في الهيمنة على المنطقة وتصدير الثورة الدموية الإرهابية الخمينية المترعرعة على الأراضي الباريسية بحيث يجعل من إيران تؤجل حلمها النووي على الأقل 15عاما مقابل هندستها منطقة أطماعها ونفوذها بالتعاون مع السياسة الصهيو-أميركية.

الاتفاق الجيو-سياسي ذو الواجهة النووية عاد بالنفع الفوري على كافة أطرافه، فأميركا وفرنسا رأسا حربة المفاوضات حصدتا مليارات الدولارات من صفقات الأسلحة مع دول الخليج التي زاد الاتفاق من فزعها من الشرطي الإيراني الذي بات بإمكانه العربدة في المنطقة مُعتمرًا تارة الخوذة الزرقاء أو واضعًا شارة الاتحاد الأوروبي أو حتى العلم الأميركي ونجمة داوود… كيري جال على دول الخليج وحصد ما فيه النصيب، الملك السعودي زار فرنسا شاكرًا ومصطافًا وقدّم ما تيّسر، بدورهم وزراء الاتحاد الأوروبي بدأوا بالتوافد مع جيوشهم من رجال الأعمال لزيارة إيران، هذا البلد الديمقراطي المسالم، رافع لواء حقوق الإنسان في المنطقة والمناهض لجميع أشكال العنف والتمييز خصوصًا ذات الخلفية الطائفية والعرقية والمذهبية، وحامل رسالة المحبة والسلام لشعبه كما لكافة شعوب المنطقة!!

وفيما يبدو من انعكاسات الاتفاق النووي، تشهد الأزمة السورية حركة دبلوماسية غير مسبوقة، اجتماعات سعودية-روسية-أميركية مشتركة واجتماعات مماثلة مع أركان الإرهاب الأسدي كان أبرزها استقبال “مملكة الخير” للإرهابي الأسدي اللواء علي مملوك… تركيا باشرت بموافقة أميركية الإعداد لمنطقة عازلة داخل الأراضي السورية؛ والملاحظ أن الحلول تدور حول إبقاء موطئ قدم لإيران في سوريا الجديدة، وهو ما عبّر عنه صراحة “عبد اللهيان” نائب وزير الخارجية الإيراني بقوله: “ان الأزمات في المنطقة لن تحل إلا في شكل سياسي على قاعدة رابح رابح”.

لبنانيًا، نضح إناء الحكومة بما فيه فغرق البلد بالنفايات، مرّ التمديد للقادة العسكريين بصيغة قامت عليها قيامة “جنرال الرابية” وهي صيغة ما كانت لتمرّ لولا موافقة حليفه الحزب الإرهابي، مع ذلك ولدواع شعبوية بحتة لا بد من استعراضات وعراضات بهلوانية برتقالية في الشارع تحارب الطواحين. وريثما ينضج الحل السوري سيبقى لبنان في قاعة الانتظار على قاعدة أن أي مكسب للسنّة في سوريا لا بد أن يقابله مكسب للشيعة في لبنان؛ في تلك الأثناء يغرق تجار الهيكل بتناتش حصصهم من قالب النفايات، وسيكتب التاريخ أن التيار الأزرق أغرق لبنان بالنفايات فيما أغرقه الحزب الأصفر بالإرهاب والدماء، وأغرقته الحركة الخضراء باغتيال مجلس النواب، أما التيار البرتقالي فأغرقه بالعتمة الكهربائية والفراغ الرئاسي وقضى على ما تبقى من حقوق للمسيحيين… ولا داعي لذِكر بكركي فراعيها لا محل له من الإعراب.