إيلـي فــواز: العدمية كاستراتيجية سياسية

318

العدمية كاستراتيجية سياسية
إيلـي فــواز/لبنان الآن/08 تموز/15

على وقع التسريبات الصحافية التي تشي بتحرّك عوني في الشارع، والمقدّمات الإخبارية المحرِّضة على “تيار المستقبل” والتي باتت تمتهنها المحطة البرتقالية، وعلى وقع التصريحات النارية التي يطلقها وزير “الصدفة” جبران باسيل، حان الوقت للنظر بجدّية إلى تلك الحالة العونية التي تهوى اللعب على حافة الهاوية وتتحكم بقرارات التيار الوطني الحر من رأس هرمه إلى أسفل قاعدته. كثرٌ من الذين ناضلوا أيام منفى الجنرال ميشال عون تيّــقنوا في وقت لاحق أن خوضه الغمار السياسي لم يكن يوماً من أجل الإصلاح أو التغيير إنّما رغبة في السلطة وممارستها، لكن انتقاماً من كل شيء. انتقاماً اجتماعياً على الأرجح، انتقاماً من ماضٍ ما، انتقاماً من واقع ما، وربّ قائل من حادثة ما عاشها في صغره.

يقول باكونين المفكّر الروسي العدمي: “إن شغف الدمار هو شغف خلاّق”. وأشكّ أن جنرال الرابية قد سمع بباكونين، لكنّه من دون أي شك يتماهى مع شغفه بالدمار. من استطاع ان يتابع “رواية عون الكاملة” من دون أن يضجر إنْ من رتابة المذيع أم من منطق الضيف، يستنتج أن الرجل يصوّر نفسه على أنّه كان وما زال ضحية مؤامرات داخلية او حتى كونية. هو الضحية الدائمة التي تقاوم مجموعة جلاّدين. والضحية كل أعمالها مبررة، حتى الخطأ في الآداء مبرر، بما أن الخطأ يأتي دائماً من الآخر الذي لا يتجاوب مع مطالب أو اقتراحات او مبادرات الضحية. لذلك إلى جانب كون عون ضحية، فهو لا يخطئ، بما أنه يرفع عنه وعن مجتمعه ظلمًا ما، وبما أن الآخرين لا يرضون باقتراحاته. ثم يريد عون أن يقنع قاعدته أنّه يحارب دائمًا إلى جانب منظومة مبادئ وقيم سامية، ما يضع الخصم، في نظر قاعدته في موضع معادٍ لهذه القيم والأخلاق. للأسف عون هذا ليس ثورياً، بمعنى أنّه لا يملك أفكاراً محدّدة لتعديل النظام أو دفع المجتمع برمّته إلى الأمام. لم يبرهن عن أي نضج سياسي طوال عمله في هذا الشأن. هو ديماغوجي بامتياز. يملك شعارات غير قابلة للتحقيق، ويملك خطاباً شعبوياً ما زال يجذب بعض أصحاب الرؤوس الحامية. يتعمّد الصراخ في إطلالاته على الإعلام ظنًّا أن هذا يعطيه شيئاً من فوقية على أخصامه السياسيين وهيبةً لدى انصاره.

السؤال الأساس هو كيف يمكن أن يمتد شغف الدمار كما وصفه باكونين من القائد إلى المجموعة التي تناصره؟ كيف يمكن لمن يناصر عون الاعتقاد أن ضابطاً لم ينجح في حروبه كلها، وأدمن الشغف بالسلطة حتى أصبح إقطاعياً يورثها لأقاربه، وهو أحد ملوك الحرب الأهلية اللبنانية، سيقود حياتهم إلى الافضل؟

كيف يمكن للمجموعة ان تستمع الى رجل لا يعرف فرقاً بين الفدرالية واللامركزية مثلاً؟ إلا إذا كانوا يعتقدون فعلاً أن عون ضحية، وأن كل ما يدور حوله هو محاولة للنيل منه. عندها يكون جزء من المجتمع يعيش حالة هي مزيج من “العدمية”، أي الاعتقاد أن كل شيء يستحق الموت ويجب تدميره، و”عصاب الفشل” بشكل يهيئ فيه الشخص- المجتمع كل الظروف من أجل أن يفشل وأن لا يحقق اهدافه. الدخول في نقاش حول أداء عون السياسي أصبح مملاً وغير مجدي.

قابلت عون مرة واحدة. حينها كنّا مجموعة تقوم بدعوة صحافيين غربيين لكي يتعرفوا عن قرب على الحركة السياسية في لبنان لا سيما حركة 14 آذار. وكنّا حينها ندور بهم على مختلف القيادات اللبنانية. في إحدى المرات ذهبنا بوفد صحافي ضمّ أسماءً كبيرة، أحدهم كان سيتبوأ مركزاً استشارياً مهماً في إدارة باراك أوباما فور العودة إلى لولايات المتحدة، لمقابلة عون. لن أتكلّم عن انطباعاتي الشخصية التي عدت بها بعد اللقاء فقد كتبت في الرجل ما يعبّر عن رأيي فيه. لكن سأفصح عما قاله لي مستشار أوباما السابق عند انتهاء المقابلة لحظة دخلنا السيارة التي أقلّتنا خارجين من الرابية: “أنت أهنت ذكائي عندما دعوتني إلى هذا اللقاء”.