صالح القلاب: لماذا هذا الموقف الأميركي مما يجري في سوريا والمنطقة؟//عثمان ميرغني: سياسيون غوغائيون

228

 سياسيون غوغائيون
عثمان ميرغني/الشرق الأوسط/09 تموز/15

أخطر السياسيين وأسوؤهم، هم الغوغائيون. هؤلاء يبيعون الناس الوهم، ويلعبون بالعواطف والشعارات مستغلين الظروف السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ومواهب خطابية أو استقطابية، لتمرير رؤاهم وفرض مشاريعهم والمغامرة بمصائر شعوبهم وبلدانهم. المصيبة أنهم في سكرتهم بالسلطة لا يخربون بلدانهم فحسب، بل تكون نتائج مغامراتهم وبالاً على الآخرين أيضًا. كتب التاريخ مليئة بقصص هؤلاء، وفي العالم العربي جربنا أيضًا أمثالهم وكانت النتائج خرابًا لا تزال آثاره ماثلة. الأزمة اليونانية الراهنة تقدم نموذجًا آخر على مخاطر السياسات الغوغائية، فالحكومة هناك لا تغامر فقط بالبلد والشعب الذي قدمت له وعودًا وشعارات غير واقعية، بل تضع الاتحاد الأوروبي أمام أخطر أزمة يواجهها منذ تأسيسه، وتهدد اليورو بكل ما يعنيه ذلك على الاقتصاد العالمي الذي لا يزال يعاني من آثار الأزمة المالية والاقتصادية رغم مرور ثماني سنوات عليها. رئيس الوزراء اليوناني أليكسس تسيبراس رفض كل الخطط الأوروبية والعروض التي قدمت إليه بشأن جدولة الديون والإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لتجاوز الأزمة والحصول على حزمة مساعدات مالية جديدة من الاتحاد الأوروبي أو من الصناديق المالية العالمية، وأصر على شروطه ومطالبه، واضعًا بلاده على حافة كارثة مالية واقتصادية، والاتحاد النقدي الأوروبي أمام أكبر تحدياته. والساعات المقبلة ستكون حاسمة بعد أن منحت الدول الأوروبية الحكومة اليونانية مهلة أخيرة لتقديم خطة اقتصادية معقولة ومقبولة لمعالجة الأزمة، مقابل حصولها على حزمة مساعدات مالية وقروض جديدة. المهلة يفترض أن تنتهي غدًا، لكنها عمليًا يمكن أن تمتد حتى الأحد المقبل، موعد اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي للبت في مصير العلاقة مع اليونان وما إذا كانت ستستمر في عضوية الاتحاد، أم إذا كانت ستغادره بعد الطلاق مع اليورو ومع الاتحاد النقدي الأوروبي.
رئيس الحكومة اليونانية يبدو مصرًا على سياسة حافة الهاوية بعد أن وضع نفسه وبلده وكل أوروبا أمام مغامرة غير محسوبة العواقب، فهو يراهن على أن الاتحاد الأوروبي سيقدم له المزيد من التنازلات ويرضخ لمطالبه خوفًا من الثمن الباهظ الذي سيترتب على خروج أو إخراج اليونان من الوحدة النقدية (منطقة اليورو) ليس على أوروبا وحدها، بل على الاقتصاد العالمي الذي لم يتعافَ تمامًا من آثار الأزمة المالية التي عصفت به عام 2008. تسيبراس يدرك أن اليونان ستخسر وستعاني بشدة لأنها تواجه الإفلاس إذا أخرجت من مجموعة دول اليورو، لكنه يريد المضي في لعبة عض الأصابع حتى النهاية وفي ذهنه أن الدول الأوروبية الأخرى ستتراجع في اللحظة الأخيرة لأن خسائرها المالية ستكون باهظة بعد أن وضعت مئات المليارات من اليورو والدولارات في سلة الديون اليونانية. الأمر الآخر أن تسيبراس وضع نفسه وحكومته في زاوية ضيقة بعد أن تعهد أمام شعبه بأنه لن يقبل أبدًا خطة الإصلاحات الأوروبية والشروط التقشفية التي تضمنتها، وقاد بلده إلى استفتاء لرفض هذه الخطط رافعًا شعارات شعبوية، لكنها غير واقعية.
في الجانب المقابل تواجه دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصًا مجموعة الوحدة النقدية التي تضم 19 دولة من مجموع دول الاتحاد البالغ عددها 28 دولة، امتحانا صعبًا أيضًا. من ناحية تدرك هذه الدول أن خروج اليونان من العملة الأوروبية وربما من الاتحاد الأوروبي كله، يعني خسارتها للأموال الطائلة التي ضخت في الاقتصاد اليوناني، وهي خسائر ستمتد أيضًا لمؤسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي ولدول خارج الاتحاد الأوروبي أيضًا. فالديون اليونانية تقدر حاليًا بنحو 320 مليار يورو، 78 في المائة منها للبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والباقي من أطراف أخرى. وخسارة هذه الأموال ستكون ضربة قوية للاقتصاد الأوروبي، لا سيما أن بعض الدول الصغيرة في أوروبا دفعت أكثر من 10 في المائة من دخلها القومي ضمن حزم المساعدات والقروض المالية لليونان.
من ناحية أخرى، تدرك الدول الأوروبية، وبالذات الكبرى منها مثل ألمانيا وفرنسا، أن الرضوخ لليونان سيشجع دولاً أخرى على التمرد ومحاولة فرض شروطها على شركائها بما في ذلك رفض سداد بعض القروض، ورفض تنفيذ الإجراءات التقشفية اللازمة لمواجهة تراكم الديون وإعادة التوازن للاقتصاد وميزان المدفوعات. الدول مثل الأفراد لا تستطيع أن تعيش على ما لا تملك، والمثل الشعبي يقول: «مد ساقك على قدر لحافك»، أي عش على ما تملك وما تقدر على صرفه، بدلاً من أن تنفق فوق طاقتك وقدراتك، فتضطر إلى التحايل أو الوقوع في مصيدة الديون فتخسر كل شيء بما في ذلك حريتك وكرامتك. الحكومات اليونانية المتعاقبة وضعت شعبها في هذه الورطة وفشلت في مواجهته بالحقائق وبالحلول الصعبة المطلوبة. وما يقدمه تسيبراس اليوم ليس حلولاً واقعية، بل شعارات شعبوية نتائجها وخيمة على الناس.
من هذا المنظور فإن الأزمة اليونانية فيها دروس أيضًا للعالم العربي.

لماذا هذا الموقف الأميركي مما يجري في سوريا والمنطقة؟
صالح القلاب/الشرق الأوسط/09 تموز/15
لا تريد إدارة الرئيس باراك أوباما مناطق «عازلة» في سوريا ولا تريد مناطق حذر طيران وترفض تجنيد وتدريب السوريين إلَّا لمحاربة «داعش» وهي في حقيقة الأمر قد انكفأت كثيرًا عن مواقفها السابقة التي كانت قد اتخذتها عندما كانت الثورة السورية في بداياتها، وهذا يثير الكثير من الأسئلة والكثير من التساؤلات.. فهل الولايات المتحدة في عهد هذه الإدارة لم تعد ترى في هذا الشرق الأوسط الملتهب إلَّا إيران ومشكلة مخططها النووي وانعكاسات هذا المخطط على دولة واحدة في هذه المنطقة، الحيوية والاستراتيجية لألف سبب وسبب، هي دولة إسرائيل.
بعد تجربة محبطة وفاشلة يبدو أن إدارة أوباما قد نسيت ما كان قاله رئيسها رئيس الولايات المتحدة في مدرج جامعة القاهرة قبل أعوام عدة، فهي باتت تتصرف وكأنها لم تعد معنية بالقضية الفلسطينية ولا بالمفاوضات المتوقفة بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية، وكل هذا وهي تعرف أنه لا يمكن القضاء لا على «داعش» ولا على الإرهاب في هذه المنطقة ما لم ينته هذا الصراع الذي استطال أكثر من اللزوم ويحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة ويقيمون دولتهم المنشودة على ما احتل من وطنهم في يونيو (حزيران) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. إن الواضح أنه لم يعد يهم هذه الإدارة، التي بدأت تلملم أشياءها استعدادًا للرحيل، لا كل هذا الذي يجري في العراق ولا كل هذا الذي يجري في اليمن وفي سوريا وفي ليبيا وفي فلسطين وكأن الدنيا كلها قد ضاقت حتى أصبحت مجرد خُرم الإبرة الذي ينظر من خلاله باراك أوباما إلى مسألة النووي الإيراني التي يبدو أنه لم تعد تؤرقه مسألة غيرها والتي من الواضح أنه قد تحلى بمرونة لم يتحلَّ بمثلها بالنسبة لأي قضية أخرى إنْ بالتي هي أحسن وإنْ بالتي هي أسوأ.
كان أوباما، الذي لا نعرف أين سيضعه التاريخ بين الرؤساء الأميركيين الذين تناوبوا على البيت الأبيض وعلى الرئاسة الأميركية منذ ذلك العملاق جورج واشنطن وحتى الآن، قد أعلن، في بداية ولايته الثانية التي تمضي الآن إلى نهايتها بخطى سريعة، عن التزامه بتحقيق أربعة أهداف هي: سحب القوات الأميركية من أفغانستان ومن العراق والانفتاح على «الجارة العزيزة» كوبا وإقفال معتقلات غوانتانامو سيئة الصيت والسمعة.. وأخيرًا التوصل مع إيران إلى اتفاق بشأن مشروعها النووي يحول دون حصولها على القنبلة النووية.
لكن وحتى وإن تم التوصل مع إيران إلى مثل هذا الاتفاق المنشود، الذي كسر وزير الخارجية جون كيري ساقه على دروبه ومنعطفاته الوعرة، فإنه يبقى أن باراك أوباما لم ينجز شيئًا وأن كل ما فعله هو مجرد قفزات في الهواء وفي المكان ذاته، فأفغانستان بعد رحيل القوات الأميركية بقيت على ما كانت عليه، فحركة طالبان التي كانت هدف غزو عام 2001 ازدادت قوة وفتحت مكاتب لها في طهران وفي أماكن أخرى من الأراضي الإيرانية وكل هذا بينما النظام الذي خلف نظام حامد قرضاي لا يزال غير مستقر وهو تُرك يواجه مصيرًا مظلمًا كالمصير الذي واجهته الأنظمة التي تناوبت على هذا البلد «المُتعب» منذ انقلاب الجنرال داود في عام 1973 وصولاً إلى دولة الملا عمر الطالبانية الإرهابية التي أنجبت «القاعدة» وأنحيت «داعش» والتي قد تكون هي الهدية المميتة من الانسحاب الأميركي إلى الشعب الأفغاني وشعوب تلك المنطقة التي من الواضح أنها حبلى بمفاجآت كثيرة. إن هذا بالنسبة لـ«فضيلة»!! الانسحاب الأميركي من أفغانستان، أمَّا بالنسبة للانسحاب من العراق فإنَّ المعروف أن كبار الجنرالات الأميركيين بعد هذا الانسحاب وبعد حصول كل ما حصل يعضون الآن أصابعهم ندمًا لموافقتهم عليه، فإيران هي من ملأ الفراغ الذي ترتب على هذا الانسحاب و«داعش» هي أسوأ إنجازاته وأرض الرافدين التي انسحبت منها القوات الأميركية انسحابًا كيفيًا باتت تواجه مصيرًا مجهولاً وإلى حد أن هناك في الولايات المتحدة من غدا يفكر جديًّا بعودة هذه القوات إلى هذا البلد الغارق في الفوضى حتى ذروة رأسه وعلى نحو ما كانت عليه قبل عام 2011.
ثم وإن المعروف أن «غوانتنامو» لم يغلق حتى الآن، وإن اتفاقية النووي مع إيران حتى وإن هي أُنجزت وتم إبرامها فعلاً فإنها بالتأكيد لن تكون طويلة العمر، فالإيرانيون أهل «تقية»، وهذه الاتفاقية كما هو معروف فيها ثغرات وثقوب كثيرة وإسرائيل حتى وإن هي حصلت على الضمانات التي تريدها فإنه غير مستغرب أن تفاجأ العالم، تحت وطأة «المزايدات» بين أحزابها وتكتلاتها ومماحكاتها السياسية، بضربة كتلك الضربة القاصمة التي كانت وجهتها إلى مفاعلات التخصيب النووي العراقية.
والسؤال هنا، الذي من المفترض أن يطرحه كبار المسؤولين الأميركيين على أنفسهم وعلى رئيسهم، الذي يظن أنه بما فعله قد أتى بما لم يستطعه الأوائل، هو: هل يا ترى أن الولايات المتحدة ذات المصالح الاستراتيجية المهمة جدًا في هذه المنطقة الحساسة تفكر فعلاً بالانسحاب من الشرق الأوسط وتتركه تحت رحمة ألْسنة النيران الهائلة التي تضطرم فيه وتتركه للإرهاب الذي بات يهدد العالم كله وتتركه للتمدد الروسي وللهيمنة الإيرانية..؟!
ربما أن أوباما الذي يريد الاكتفاء من الغنيمة بالإياب ويسعى لمغادرة البيت الأبيض من دون أي ورطه كالورطة التي أدخل جورج بوش (الابن) الولايات المتحدة فيها عندما غزا العراق من دون حسابات دقيقة، لكن هذا في حقيقة الأمر لن يجنب أميركا استحقاقات ستترتب على حالة الانكفاء التي يفكر فيها هذا الرئيس الأميركي، فالشرق الأوسط تعيش دوله ظروفًا غير عادية والشرق الأوسط لا يزال وسيبقى منطقة مصالح حيوية للدول الكبرى كلها والشرق الأوسط إن تُرك فيه الحبل على الغارب سيُصدِّرُ حتمًا المزيد من العنف والإرهاب إلى الغرب وإلى العالم كله. هناك الآن المشكلة الأوكرانية التي أصبحت مشكلة أوروبية، وحيث أصبحت تلك المنطقة منطقة تصادم ونزاع بين روسيا والولايات المتحدة، ثم وهناك الآن عدم الاستقرار المخيم على أفغانستان وعلى باكستان وعلى إيران، وهناك كل هذه الزلازل المدمرة التي تضرب الكثير من الدول العربية، وأيضا هناك الآن القضية الفلسطينية العالقة في عنق الزجاجة، وهناك الآن كل هذه الأوضاع المتقلبة في معظم الدول الأفريقية.. فهل تستطيع الولايات المتحدة إدارة ظهرها لكل هذا وتكتفي بـ«إنجازات» أوباما التي سيكتشف الأميركيون وقريبًا وقبل أن يصيح الديك، أنها كلها إنجازات وهمية حتى بما في ذلك ما يعتبره جون كيري معجزة استدراج إيران إلى الاتفاقية النووية. لقد أشار السفير الأميركي «السابق» في دمشق روبرت فورد إلى احتمال انقسام سوريا إلى ست مناطق (دول) تسيطر عليها الفصائل المختلفة والمؤتلفة التي غدت تتحكم بأكثر من 75 في المائة من هذا البلد، وكذلك وإلى جانب هذا كله فإن هناك مشكلة أن تركيا العضو الفاعل في حلف شمال الأطلسي لا يمكن أن تسكت عن النزعة الكردية الاستقلالية المتعاظمة التي إن هي تحققت في أي من الدولتين المجاورتين، سوريا والعراق، فإن هذه العدوى ستنتقل إليها بكل تأكيد، ولذلك فإنه يمكن الجزم بأن أميركا لا تستطيع إدارة ظهرها لهذا كله، وذلك حتى وإن بقي باراك أوباما متمسكًا بوجهة نظره الآنفة الذكر.