علي حماده: السويداء أمام ساعة الحقيقة//الياس حرفوش: المصير الصعب لدروز سورية

487

السويداء أمام ساعة الحقيقة
علي حماده/النهار/13 حزيران 2015

في أقل من ثمانٍ وأربعين ساعة قفز الى الواجهة واقع الموحدين الدروز السوريين الحساس، فبعد جريمة بلدة قلب لوزة في ادلب التي ارتكبتها مجموعة من “جبهة النصرة” يقودها مسؤول تونسي، أدى اقتراب الثوار في الجبهة الجنوبية من حدود محافظة السويداء إثر سقوط اللواء ٥٢ التابع لجيش النظام، ومحاصرة مطار الثعلة العسكري الواقع داخل المحافظة، وبدء ظهور علامات جدية على انهيار النظام التام في المحافظات الجنوبية… أدى ذلك كله الى ارتفاع منسوب التوتر في صفوف الطائفة التي جرى زرع الخوف في صفوفها من الثورة والثوار، تارة على وقع ارتكابات تنظيم “داعش” المطل من خلف الحدود مع البادية، وطوراً عبر ضخ من منتسبين الى النظام. وأدى تزامن حادثة ادلب واقتراب الثوار من السويداء الى تعقيد الامور، وحصول موجة ارتباك مردها الى اقتراب ساعة الحقيقة، على قاعدة ان الكل بات مدركا ان النظام يتهاوى، وان بشار ما عاد جزءاً من حاضر سوريا ولا مستقبلها، وان المجتمع الدولي من أوروبا والى أميركا وروسيا بات في صدد البحث الجدي في تفاصيل مرحلة ما بعد خروجه من دمشق. هذا معطى جديد أمام أبناء جبل العرب، فقد أمضوا الاعوام الاربعة السابقة في المشي بين “حبات المطر”، من خلال المواءمة بين موالاة غير شاملة للنظام، وتعاطف معنوي وانساني وميداني مع الثورة لا سيما مع ابناء المحافظة المجاورة لدرعا. طوال اربع سنوات شكل “الانقسام الخلاق” في السويداء بين من موالاة النظام ومساعدة الثوار الدرعاويين انسانياً وإغاثياً نوعاً من ضمان يساعد في بقاء قدر من الاستقرار في المحافظة، تقي الدروز شرور النظام من جهة، وانتقام الثوار من جهة. وفي مراحل عدة من الصراع في سوريا كنا نشهد تقدماً لخيار على آخر، وبالعكس بحسب التطورات الميدانية. لكن الحقيقة ان الدروز هناك، على انقسامهم، حاولوا طوال تلك المدة ان يخففوا ثقل الصراع على الطائفة فلا يقدموا لبشار جميع شبانهم القادرين على حمل السلاح، ولا ينساق مؤيدو الثورة بينهم الى ما يتعدى الدعم الطبي والتمويني، وفي بعض الاحيان استقبال ناشطين من درعا سراً.

حتى الأمس القريب، قيل ان الخيار “الوسطي” هذا جنّب الدروز الكثير من أهوال الصراع. فمقارنة بالعلويين المرتبطين عضوياً بالنظام سقط من أبناء السويداء ألفاً وثلاثمئة قتيل قاتلوا في صفوف النظام بينما سقط من العلويين في المرحلة عينها ما يقارب ستين ألف قتيل أو أكثر. ولكن مع خروج النظام من ثلاثة أرباع سوريا، ووصول تنظيم “داعش” الى وسط البلاد، وتقدم فصائل المعارضة شمالاً وخصوصاً في إدلب، بات اهل السويداء أمام استحقاق الحسم بين خيارات معقدة، ولا سيما ان المعادلة التي استمرت أربعة أعوام انتهت على أساس أن بقاء النظام في السويداء بموافقة أهلها مؤداه الى الصدام المحتوم مع الثورة والجوار. ولذلك أتت ساعة الحقيقة للاختيار بين الحياة الوطنية المشتركة مع الغالبية السورية، وبين النظام الذاهب الى جهنم.

 

المصير الصعب لدروز سورية
 الياس حرفوش/الحياة/14 حزيران/15

الدروز في سورية اليوم، مثلهم مثل باقي الطوائف، منقسمون بين موالاة النظام خوفاً من بطشه، وموالاة المعارضة تحسباً للمستقبل وما يحمله من احتمال انهيار حكم بشار الاسد وسيطرة الاكثرية السنّية في سورية على الحكم. يشذ عن هذا التعميم وضع الطائفة العلوية. هذه الطائفة التي تحمي النظام وتحتمي به في الوقت نفسه. ومن سوء حظها ان آل الاسد وضعوها في موقع الضحية هذا، فباتت صورتها في عيون اكثرية السوريين صورة الطائفة التي تحمي قمع النظام لأكثرية مواطنيها وسرقة ثرواتهم والدوس على كراماتهم. غير ان الدروز عرفوا كيف يبقون بعيدين عن هذه الموالاة المطلقة. لم يقطعوا بالكامل مع النظام، فشارك بعض ابنائهم الى جانب قواته في المعارك التي تدور في مناطقهم، غير انهم من جهة أخرى ظلوا على تواصل مع المعارضة، وخصوصاً مع «الجيش السوري الحر»، وخصوصاً في درعا، يساعدون ما استطاعوا في المجالات التموينية والطبية والانسانية، بل يحمون احياناً من يلجأ من مقاتلي المعارضة اليهم طلباً للحماية.

غير ان النظام الذي يضع في رأس وظائفه دور «حماية الاقليات»، لم يكن سهلاً عليه ان يكتفي بهذا الدور الوسطي، لا من الدروز السوريين ولا من سواهم. فعلى هذه الأقليات ان تدفع الولاء للنظام ثمناً للحماية، ومهما بلغت بشاعة ارتكاباته. فهو يسعى الى الولاء الكامل من قبل الجميع، في ظل نظرية «الحرب الكونية» التي يخوضها مع الارهاب. وبات مطلب الولاء هذا أكثر إلحاحاً مع تفاقم الوضع الميداني للنظام أكثر من أي وقت، منذ بداية الثورة الشعبية عليه قبل اكثر من اربع سنوات.

من هنا جاء الدور الاساسي الذي لعبه عدد من المقاتلين الدروز في السويداء الى جانب قوات النظام في المعركة الاخيرة التي انتهت بهزيمة مقاتلي المعارضة هناك وانسحابهم من المناطق الاستراتيجية التي سبق ان سيطروا عليها في هذه المحافظة. لقد وجد الدروز أنفسهم بين خيار الوقوف على الحياد في المعارك التي تحصل في مناطق تواجدهم، والتفسير الوحيد لذلك من جهة النظام هو موالاتهم للمعارضين، او المشاركة في المعارك، كما حصل، ما يعني في نظر المعارضة اصطفافهم مع النظام، مع ما يترتب على ذلك من ردود فعل، خصوصاً من قبل المجموعات الاكثر تطرفاً في المعارضة، مثل «داعش» و»جبهة النصرة»، وهي مجموعات تكفيرية في الاصل، وليست في حاجة الى تبريرات لارتكاب جرائمها في حق من تعتبرهم مخالفين لها في الرأي أو في العقيدة.

في هذا الاطار جاءت المذبحة التي تعرض لها الدروز في إحدى قرى ريف ادلب على يد أحد قادة «جبهة النصرة» من غير السوريين. جريمة كهذه لا يمكن ان تحسب الا في مصلحة النظام وفي مصلحة الخيارات التي يطرحها على المواطنين: أنتم معي أم مع هؤلاء الارهابيين؟ والنتيجة الطبيعية لهذا الخيار الصعب ان النظام لا يتورع عن ترك المناطق التي يعجز عن حمايتها او الاحتفاظ بالسيطرة عليها في يد «الداعشيين» بعد ان يخليها جنوده، كما فعل في الرقة وتدمر وفي عين العرب. وهو ما يعني ان ابناء هذه المناطق يدفعون الثمن مرتين: مرة على يد جلاوزة النظام ومرة أخرى على يد مجرمي هذه التنظيمات الارهابية، الذين يقتصر الحل الذي يقدمونه في سورية أو في أي مكان آخر يسيطرون عليه على حماية من يدينون لهم بالولاء والطاعة وقتل الآخرين.

من البديهي القول ان النظام الطائفي لا يستطيع التعامل مع المواطنين الا من منطلقات طائفية. هكذا تصبح ازمة الاقليات في سورية، باستثناء الاقلية الحاكمة حالياً، ازمة عيش ومصير. ينطبق هذا على المسيحيين والدروز مثلما ينطبق على الاكراد. فالحل الذي يضم الجميع الى الوطن على قدم المساواة اصبح حلاً بعيد المنال. وامام الحلول الطائفية الباقية، سواء من قبل النظام او من قبل الجماعات التكفيرية في المعارضة، لا يبقى امام هذه الاقليات سوى الخنوع او الرحيل او … دفع الجزية بما تيسّر للسلطة الحاكمة.