نص عظتي البطريرك الراعي والمطران عوه لليوم 13 شباط/2022/الراعي: والتحديات تحتم الالتفاف حول المؤسسات وعدم التشكيك المغرض بها وفي طليعتها الجيش/المطران عوده: على الدولة تأمين أبسط مقومات الحياة قبل أن تزيد الضرائب

107

المطران عوده: على الدولة تأمين أبسط مقومات الحياة قبل أن تزيد الضرائب
وطنية/13 شباط/2022

الراعي: والتحديات تحتم الالتفاف حول المؤسسات وعدم التشكيك المغرض بها وفي طليعتها الجيش
وطنية/13 شباط/2022
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وبيتر كرم، بمشاركة عدد من المطارنة والكهنة، في حضور وزير العدل القاضي هنري خوري وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الإنجيل، ألقى الراغي عظة بعنوان “كنت جائعا فأطعمتموني …” (متى 25: 35). وقال: “تذكر الكنيسة اليوم الأبرار والصديقين الذين عاشوا المحبة بقربهم من الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين، ليس فقط في حالتهم المادية، بل أيضا والمعنوية والروحية. وكون المسيح إبن الله أصبح بتجسده متحدا بكل إنسان، فقد تماهى مع كل واحد. ولذلك قال: “كنت جائعا فأطعمتموني …” ( متى 25: 35). واضح من كلام الرب أننا “في مساء الحياة سندان على المحبة”. نستشفع صلاة الأبرار والصديقين لكي يمنحنا الله نعمة التشبه بهم في عيش المحبة شاهدين لمحبة الله مع كل إنسان”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، فأحييكم جميعا، وأحيي “رابطة قنوبين للرسالة والتراث” و “تجمع موارنة من أجل لبنان” لمناسبة إصدارهما كتاب “البطريرك عريضة الخادم والمعلم”. يتناول الكتاب مبادراته الإنسانية في الحرب العالمية الثانية ومواقفه الوطنية الرائدة في أحداث عهده. وأحيي جماعة الصلاة للقديسة Veronica Juliani، مع مرشدها المونسنيور شربل أنطون ومؤسستها السيدة جوليان سمعان، وأعضاءها الذين يبلغون حوالي 1300 شخصا من مختلف المناطق وبلدان الإنتشار. هؤلاء يشاركون في سلسلة صلوات يومية وأعمال رحمة. تتخذ الجماعة مركزها الرئيسي في كنيسة مار يوسف جونية. إنا نبارك مبادراتها ونشاطاتها. وأوجه تحية خاصة إلى عائلة نسيبنا المرحوم جوزف أمين غبريل، عديل شقيقي المرحوم سليم، وقد ودعناه بالأسى الشديد والصلاة في 15 كانون الثاني الماضي في بيت شباب العزيزة، مع زوجته السيدة دوريس أنيس أبو زيد وابنيه وابنته وسائر ذويهم وأنسبائهم في لبنان والمهجر. وأحيي أيضا عائلة المربي المرحوم الياس أنطوان سرور وهو صديق لنا مذ كنا مطرانا لأبرشية جبيل. وقد ودعناه بالأسى والصلاة في 11 كانون الأول الماضي مع زوجته المربية بهجت الحلو وبناته وشقيقه وشقيقاته وأهالي معاد العزيزة. نصلي في هذه الذبيحة المقدسة لراحة نفسي العزيزين المرحومين جوزف وأنطوان، ولعزاء أسرتيهما”.
أضاف: “إنجيل اليوم يبين البعد الإجتماعي للكرازة بالإنجيل. فالمسيحية المؤسسة على الإنجيل تتكون من ثلاثة أبعاد مترابطة ومتكاملة، تسمى خدمات، وهي: خدمة الكلمة بالكرازة والتعليم، وخدمة التقديس بتوزيع نعمة الأسرار الإلهية، وخدمة المحبة الاجتماعية. يتوسع قداسة البابا فرنسيس، في إرشاده الرسولي “فرح الإنجيل” (4 تشرين الثاني 2013) في مفهوم البعد الإجتماعي أو خدمة المحبة الإجتماعية الرامية إلى تعزيز الشخص البشري، وتحريره من معوقاته، ونموه. ويعتبر قداسته أن الأساس هو سر الثالوث الأقدس الذي نعلنه وننفتح لعمله فينا. فعندما نعلن إيماننا بأن الآب يحب كل كائن بشري، نكتشف أنه يعطيه كرامة لا متناهية. وعندما نعلن إيماننا بأن ابن الله أخذ طبيعتنا البشرية وافتدانا بإراقة دمه، ندرك أن كل شخص بشري قد رفع إلى قلب الله نفسه، والله يشرفه بحبه اللامتناهي. وعندما نعلن إيماننا بالروح القدس العامل فينا ندرك أنه يسعى للدخول إلى كل وضع إنساني وإلى جميع العقد الإجتماعية المترابطة والصعبة، لكي يفكها”.
وتابع: “حدد الرب يسوع أنواع الحاجات الإنسانية بستة، وهي: الجوع والعطش والغربة والعري والمرض والأسر. لا تقتصر هذه الحاجات على المستوى المادي، بل تشمل أيضا المستوى الروحي والمعنوي والثقافي والأخلاقي. فالجائع هو المحتاج إلى طعام، وأيضا إلى علم وروحانية. العطشان هو المحتاج إلى ماء، وأيضا إلى عدالة وعاطفة إنسانية. العريان هو المحتاج إلى ثوب، وأيضا إلى أثاث بيت وصيت حسن وكرامة. المريض هو الذي يعاني من مرض في جسده أو نفسه، أو الذي هو في حالة أخلاقية شاذة كالبخل والطمع والنميمة والكبرياء، أو المدمن على المخدرات أو المسكرات. الغريب هو الذي يعيش خارج بلاده، وأيضا الغريب بين أهل بيته الذي يعاني من عدم قبولهم أو تفهمهم له. السجين هو العائش وراء القضبان، وأيضا من هو أسير أمياله المنحرفة، أو مواقفه غير البناءة أو المتحجر في هذه المواقف أو من هو مستعبد لأشخاص أو لإيديولوجيات”.
وقال: “المحبة الاجتماعية تصبح شريعة عند الذين يحبون الله حقا. القديس البابا بولس السادس حدد العمل السياسي بأنه أعلى فعل محبة لأنه مبني على التجرد والتفاني في سبيل تأمين الخير العام الذي منه خير جميع المواطنين وخير كل مواطن. نصلي لكي يضرم الله هذه المحبة في قلب كل مسؤول سياسي. فما أكثر حاجات شعبنا الاقتصادية والمالية والمعيشية والنقدية. وما أكثر حاجات دولتنا اللبنانية إلى مسؤولين مخلصين لها، وإلى إصلاحات تقيمها من حالة الإنهيار. لذلك، لا ننفك نطالب بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري المحدد في الخامس عشر من أيار المقبل. وندعو إلى المشاركة فيها بكثافة من الناخبين اللبنانيين في لبنان وبلدان الانتشار. والهدف خلق واقع جديد في البلاد يحدث تغييرا في الاتجاه الصحيح البناء والوطني الحضاري. نقول هذا في وقت تكثر فيه فذلكات تمهد لإرجاء الانتخابات عوض أن تتكثف التحضيرات لحصولها. ولقد أثار ذلك أصدقاء لبنان، فسارعوا إلى إصدار بيانات صارمة تحذر المسؤولين اللبنانيين وغيرهم من التلاعب بمواعيد الانتخابات: من إعلان جدة والمبادرة الكويتية ومؤتمر وزراء الخارجية العرب، مرورا بالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والفاتيكان، وصولا إلى الاتحاد الأوروبي والمجموعة الدولية لدعم لبنان. وهولاء كلهم نادوا بضرورة اجراء الانتخابات في موعدها، جميع هذه الدول والمرجعيات تعرف أن الانتخابات، أكانت نيابية أو رئاسية، هي ممر حتمي لعودة لبنان دولة محترمة. ولكم نأمل بأن يدور محور المشاريع الانتخابية حول: معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، حياد لبنان، عقد مؤتمر دولي، اللامركزية الموسعة، حصر السلاح بالجيش، وتنفيذ القرارات الدولية”.
أضاف: “هذه العناصر، تشكل، من دون شك، خريطة الطريق لإنقاذ لبنان، واستنهاض دولته، وإعادة الكرامة للشعب، وحماية الوحدة اللبنانية، وصون علاقات لبنان مع ذاته ومع الدول العربية والدولية. إن التغاضي عن هذه الأمور الأساسية طيلة سنوات هو الذي أدى إلى ما نحن عليه اليوم، هذا الوضع الخطير يفرض اتخاذ مواقف جريئة ومتقدمة. ليس بالمساومات والتسويات اليومية تحفظ الشعوب مستقبلها في أوطانها وبين الأمم. من علامات الأمل أن قد بدأت تتكون مواقف علنية تدل على اهتمام الدول الشقيقة والصديقة بإيجاد حل للأزمة اللبنانية في إطار الشرعيتين اللبنانية والدولية. فعسى أن تتجاوب الدولة اللبنانية جديا مع الطروحات البناءة، فلا تلتف عليها لتمرير الوقت وإضاعة الفرص”.
وتابع: “في هذا السياق إن التحديات التي تواجه البلاد تحتم الالتفاف حول مؤسسات الدولة الرئيسية وعدم التشكيك المغرض بها، وفي طليعتها الجيش اللبناني. فالجيش هو ضمان السيادة والأمن والساهر على السلم الوطني. ولا بد هنا من أن نشكر جميع الدول التي توفر لهذه المؤسسة العسكرية الوطنية المساعدات والتجهيزات ليكون قادرا على مواصلة القيام بدوره، وخصوصا في المرحلة المقبلة التي تستدعي ضبط الأمن في الاستحقاقين الانتخابيين على كامل الأراضي اللبنانية”.
وختم: “فلنصل، أيها الأخوة والأخوات، لكي يحفظ الله لبنان أرض محبة وصلاة وإخاء”.
كتاب
وقدم الزميل جورج عرب للراعي، النسخة الأولى من كتابه الجديد “أنطون عريضة الخادم والمعلم”، في حضور عدد من المطارنة والكهنة ورئيس رابطة قنوبين للرسالة والتراث نوفل الشدراوي وأعضاء مجلس الأمناء الأب نادر نادر، غلوريا أبي زيد، المحامي جوزف فرح، والمحامي بول يوسف كنعان والزميل أنطوان فرنسيس من تجمع موارنة من أجل لبنان وأصدقاء. وألقى عرب كلمة عرف فيها بالكتاب الصادر في اطار ميثاق الشراكة والتعاون بين رابطة قنوبين والتجمع، وبدعم المحامي بول يوسف كنعان. وأجرى مقارنة بين شخصيتي البطريركين عريضة والراعي على ثلاثة مستويات: خدمة المحبة والعناية بالفقراء ومبادرات التنمية كونها الوجه الآخر للسلام، والموقف الوطني الذي تتكرر أحداثه وتتوالى وتتكرر مواقف البطاركة منها وتتوالى . وأشار الى الوثائق المنشورة في الكتاب، والمحفوظة في مكتبة الوادي المقدس في الديمان، والمتصلة بالمستويات المذكورة، بالإضافة الى وثيقتين تتعلقان بما نسب من علاقة للبطريرك عريضة بالوكالة اليهودية واقامة دولة إسرائيل، وتكشفان دعوى عريضة ضد المدعو توفيق عواد بتهمة اختلاس أموال وإساءة أمانة وتزوير وترويج لهذه العلاقة. ولفت إلى أن الكتاب يقع في 370 صفحة قياس 17×24 بغلاف ملون يحمل صورة البطريرك عريضة مع الوثيقتين المذكورتين الرقمين 797 و 1177. أما فصول الكتاب فهي أربعة، فصل مساعدات البطريرك أنطون الإنسانية خلال الحرب العالمية الثانية، وفصل مبادراته التنموية، وفصل مواقفه الوطنية وأبرزها مواجهته مشروع الوحدة مع سوريا، ورأيه في المعاهدة اللبنانية الفرنسية، وشجبه ما “يتعرض له ولدنا الأستاذ اميل اده”، وملاحظاته على السياسة الإقتصادية والخارجية، ومطامع سوريا في القائمقاميات الأربع، وشؤون الأحوال الشخصية وسواها من المواقف، التي يجوز القول فيها انها مواقف بطريركية تتكرر لنهج سياسي لا يتبدل. أما الفصل الرابع فمتعلق بأوراق شخصية وعائلية للبطريرك أنطون ووصية أخيه رشيد كاملة وآليات تنفيذها، بالإضافة الى صور غير منشورة للبطريرك وعدد من أفراد عائلته في لبنان والخارج، وصور زواره في الديمان وبكركي، وصور منزله الوالدي في بشري. وأشار الى ان الكتاب سيوزع على مختلف المرجعيات الدينية والزمنية والدور التربوية والثقافية والقيادات المعنية، الى المزارات والمواقع الدينية الرئيسية في لبنان.
بعد القداس، استقبل الراعي المشاركين في القداس.

المطران عوده: على الدولة تأمين أبسط مقومات الحياة قبل أن تزيد الضرائب
وطنية/13 شباط/2022
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس الاحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت، في حضور حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل، ألقى عظة قال فيها: “تدخلنا كنيستنا المقدسة اليوم في فترة التهيئة للصوم الأربعيني المقدس، منطلقة من مثل الفريسي والعشار. وضعت كنيستنا هذا المثل في البداية، لكي تظهر لنا المضمون الحقيقي لهذه الفترة المباركة. فالزمن المقبل هو زمن الصلاة والتنهد كالعشار، الصلاة الحقيقية المتواضعة التي تثمر الخلاص. في هذه الفترة تتمزق أقنعة الكبرياء الفريسية، وينكشف ما للأهواء من أقنعة بشعة تشوه نفوسنا. وفيما تحاول الكنيسة في هذه الفترة أن تنتزع أقنعة الكذب والمراءاة من حياة أبنائها، يتسلى العالم متنكرا بالأقنعة ومتخفيا بالوجوه المستعارة، التي يفضح كثير منها عورات داخلية تحط من قيمة الإنسان. جبل الإنسان على صورة الله ومثاله، و”صورة الله الذي لا يرى” (كو 1: 15) هي المسيح ابن الله. إذا، نحن على صورة المسيح، هو مثالنا، وحياة الكنيسة كلها تهدف إلى أن نلبس نحن الترابيين صورة السماوي (1كو 15: 49)، أي أن نصير مشابهين للمسيح. لذلك نسير قدما، ناظرين إلى مبدئ إيماننا ومتممه يسوع (عب 12: 2). لا نحدق في الأوثان، بل نسحق كل ما بيننا وبين شخص المسيح من أصنام. المسيح هو حياة العالم، وفي شخصه استردت طبيعتنا واستعادت جمالها الأول، وكل إنسان يريد استرداد مسيرته الطبيعية لا بد له من أن يقابل وجهه بوجه المسيح كما في مرآة، متغيرا على صورة خالقه، ومستمدا منه القوة”.
أضاف: “هذه الحقائق الأساسية ستساعدنا على إدراك أصل الداء الروحي الذي يعاني منه الفريسي. لم ير هذا الناموسي أبعد من ذاته إذ “وقف يصلي في نفسه…”. لم يقل المسيح إن الفريسي “رجع إلى نفسه”، ما يعني أنه لم يجمع نفسه لكي يوجهها نحو الله، لكنه كان يصلي إلى الله ملتفتا نحو وثن نفسه. في الجوهر، لم يصل الفريسي، لأن الصلاة انفتاح وتواصل، وهو انغلق على نفسه في أنانيته. لقد انغلق على محبته لأناه، التي كانت قادرة حتى على ادعاء الرحمة: “أعشر كل ما هو لي…”. لبس قناع البر والمحبة دون أن يعرف ما لهاتين الفضيلتين من معنى. إعتمد على حفظ ظاهري للناموس، لأن جل همه كان أن يظهر نفسه بارا، فلبس قناع البر حتى في وقت الصلاة، فكشفت صلاته أن نفسه هي المعبودة، وأنها كانت مثاله الأعلى. أما العشار فعاد إلى بيته مبررا، لأنه تواضع قدام الله. لم يحاول أن يبرر نفسه، بل طلب الرحمة والتبرير من الله. يقول الآباء إن معرفته كانت مزدوجة إذ انقسمت إلى معرفة ضعفه الخاص، ومعرفة قوة الله. من جهة ثانية، لم يجد الفريسي عيبا في نفسه عندما كان يصلي. بخلاف أبرار العهد القديم الذين كلما عاينوا الله هتفوا: “أنا أرض ورماد”، وبخلاف القديسين الذين رأوا أنفسهم “أرضا خاطئة”، راح يصلي داخل الهيكل مسترسلا في الشكر على فضائله. نعم، الشكر من مقومات الصلاة، لكن الصلاة تقوم أيضا على الإعتراف والطلب. فعندما لا نعترف بخطايانا، ولا نطلب إلى الله أن يفتح لنا طرق التوبة، يعني ذلك إما أننا سمونا على الجسد وصرنا نعيش كالملائكة، أو أننا في ضلال فظيع. إن ضلال الفريسي يبرز في اقتران شكرانه بالإدانة، إذ مجد نفسه وأدان العشار، وهكذا بانت صلاته عقيمة، لأن “من يرفع نفسه يتضع”، وقد عاد إلى بيته فارغا من نعمة الله”.
وتابع: “إن تبرير الذات له علاقة مباشرة بالإدانة. عندما لا يبرر الله الإنسان، يبحث هذا الإنسان عن المديح الشخصي إما في الحكم على الآخرين أو في مقارنة نفسه بالأدنى منه، محاولا بذلك أن يظهر تفوقه عليهم: “أشكرك لأني لست كسائر الناس…”. يجد القديس دوروثاوس أن خطيئة الفريسي تكمن في إدانته للعشار، لأنه يقول إن الشكر على الفضائل أمر ممدوح. لقد حفظ الفريسي بعض فرائض الناموس الخارجية الدقيقة، وبحفظه لها شعر باكتفاء ذاتي، كونه رأى أنه إنسان صحيح لا يحتاج إلى طبيب، وهو بذلك يشبه، للأسف، بعض المسيحيين الذين يختزلون الحياة المسيحية بفرائض خارجية تقوية سهلة، إلا أنها لا تجلب الخلاص وحدها. العشار هو مثال الإنسان الذي نال الخلاص. لا يزكي نفسه ولا يدين الآخرين، بل يدين نفسه فقط، فيصير حرا من رأي الآخرين به. الفريسي يطلب أن يتمجد، لذلك هو عبد لرأي الآخرين. إنه شخصية مأساوية، وصلاته في جوهرها هي محاولة يائسة “ليقنع” الله بفضيلته، فيما يدين الآخرين. إنه لا يجرؤ على تسليم أمره لحكم الله، إذ لم تسمح له كبرياؤه بالإسترحام، فلبس ثوب البر وقناعه أمام الله. أما نحن، الراغبين في الخلاص، فلنهربن من تشامخ الفريسي، ونتعلم تواضع العشار، مثلما سمعنا في تراتيل اليوم”.
وقال: “إذا نظرنا حولنا اليوم، نجد الفريسية أينما التفتنا، خصوصا خلال هذه الفترة التي يرى فيها كل زعيم وكل مسؤول وكل مرشح إلى الإنتخابات أنه البار على الساحة السياسية والخدماتية، وأن الآخرين سيئون ومقصرون. للأسف، لبنان قائم على التجريح والتقبيح والإنتقاد غير البناء، الأمر الذي يزيد الكراهية والحقد عوض التآزر والتكامل والتكاتف. بدل أن يعمل الجميع للخير العام، نجد الواحد يعرقل عمل الآخر بسبب الحسد أو المصلحة. وفي النهاية، الخاسر الأوحد هو الشعب، الذي يأمل الخروج من الجحيم الذي أوقعوه فيه، إلا أنه يخذل المرة تلو الأخرى. على الساسة أن يتخلوا عن فريسيتهم الملغية للآخر، وأن يلتفتوا إلى ذواتهم، ويتفحصوا ضمائرهم، ويعترفوا بتواضع، كالعشار، بخطاياهم، ويلتمسوا رحمة الرب وغفرانه قائلين: “أللهم ارحمني أنا الخاطئ”، واضعين أنفسهم بين يدي الرب. نحن جميعا بحاجة إلى التواضع، إلى معرفة الذات وصغائرها، دون الإلتفات إلى صغائر الآخرين والإنشغال بها، لأن الله يعرف خفايا القلوب ويجازي كل واحد بحسب أعماله. فمن قصر في أداء واجبه، ومن ظلم، ومن ألحق الأذية بالآخرين، ومن تغاضى عن فساد أو جريمة، ومن قهر المواطنين أو خان وطنه، عليه أن يحاسب نفسه كالعشار، لا أن يتعالى ويتكبر ويتجبر”.
أضاف: “هنا لا بد من استذكار ما حصل في 4 آب والضحايا والآلام والدمار الذي خلفه هذا التفجير، وتكاد تنقضي السنة الثانية ولم تكشف الحقيقة بعد. إن مأساة الطفل المغربي ريان حركت ضمير العالم، وقد هبت دولة المغرب وشعب المغرب إلى بذل كافة الجهود من أجل إنقاذه، كما لاقت هذه القضية تضامنا عالميا وتعاطفا مع عائلته. نحن بدورنا رفعنا الصلاة من أجل سلامته، وحزنا لرحيله، ونطلب له الرحمة والحياة الأبدية. ليت المسؤولين عندنا والزعماء، وكل ذي سلطة، تعامل مع مأساة أهل بيروت المنكوبة، كما فعلت دولة المغرب. هنا أيضا أطفال أبرياء، وشبان وشابات وكهول، كانوا تحت الأنقاض، وبقي أنينهم يصم الآذان أياما، لكن دولتنا ظهرت عاجزة عن إنقاذهم، لكي لا نقول مقصرة. حتى حقيقة ما جرى استكثروها على العائلات المفجوعة، وما زالوا يعرقلون مجرى التحقيق، ويمنعون ظهور الحقيقة، متسلحين بالقانون الذي لم يحترموه يوما، غير مدركين أن الرحمة في مثل هذه الحالة تتقدم على القانون، ومن يدعي العمل من أجل الشعب عليه أن يكون في خدمة الشعب. ما ينقصنا هو المحبة والرحمة والتضامن، والوطنية الصافية غير المشوبة بالمصلحة والأنانية والفساد. الأخوة الصادقة تنقذ بلدنا من كل شر متربص، أما التناحر الدائم فلا يجدي نفعا، بل هو تأكيد على أن كل طرف لا يأبه إلا لأناه، ولا يهمه أمر الشعب المسكين المجرح”.
وتابع: “أمر آخر لافت يجري عندنا، هو إثقال كاهل المواطن بالضرائب والمدفوعات، وآخرها حديث عن رفع سعر الكهرباء الغائبة عن البيوت والشوارع. من الطبيعي أن تطالب الدولة بحقوقها، إنما بعد أن تعطي المواطن حقوقه، وبعد أن تقوم بكامل واجباتها. من أين سيدفع المواطن الزيادات المرتقبة وهو غير قادر على إطعام أولاده؟ هل المواطن مسؤول عن انهيار الدولة وإفلاسها، وعن تدهور سعر الليرة، وعن ضياع أمواله؟ أليس واجبا على الدولة أن تضع حدا للفساد في إداراتها، وأن تضبط حدودها وتوقف الهدر والتهريب، والتهرب الضريبي والجمركي، وأن تغلق الصناديق غير النافعة، والمجالس غير المنتجة، وتجبي مستحقاتها، من ضمن خطة إصلاحية واضحة، ورؤية اقتصادية مدروسة، وتخطيط ضروري لإنقاذ البلد؟ أليس على الدولة أن تؤمن لمواطنيها أبسط مقومات الحياة قبل أن تزيد الضرائب؟ على الدولة أن تكون الأم والملجأ لا الجلاد”.
وختم: “دعوتنا اليوم، أن نتمثل بالعشار المتواضع، الذي نظر إلى أخطائه ولم يكن كالفريسي الديان للجميع إلا لنفسه. التواضع يقي من فخاخ الشرير، ولا يجعلنا ننتفخ باطلا، ظانين أننا أفضل من سوانا. بارككم الرب، وآزركم في تهيئتكم لدخول ميدان الصوم الكبير المقدس”.