نص عظتي البطريرك الراعي والمطران عودة الليوم الأحد 30 كانون الثاني/2022/الراعي: عوض أن تفرض الحكومة ضرائب ورسوما جديدة مرتفعة على المواطنين، حري بها أن تضبط حدودها البرية والجوية والبحرية لتزيد وارداتها المالية/عوده ذكر الدولة بواجباتها ودعا المسؤولين ليساوون أنفسكم بالمواطنين عوض التكبر عليهم واستعبادهم واستغلالهم

83

المطران عوده ذكر الدولة بواجباتها ودعا المسؤولين ليساوون أنفسكم بالمواطنين عوض التكبر عليهم واستعبادهم واستغلالهم
وطنية/30 كانون الثاني/2022

البطريرك الراعي: عوض أن تفرض الحكومة ضرائب ورسوما جديدة مرتفعة على المواطنين، حري بها أن تضبط حدودها البرية والجوية والبحرية لتزيد وارداتها المالية
وطنية/30 كانون الثاني/2022
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطارنة سمير مظلوم، حنا علوان، مروان تابت وبيتر كرم، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة، في حضور عميد المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، الوزير السابق منصور بطيش، مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزيف حلو، نقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم، الرئيس السابق للرابطة المارونية انطوان اقليموس، الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى غالب غانم، قنصل جمهورية موريتانيا ايلي نصار، السفير خليل كرم، عضو الرابطة المارونية وعضو المجلس العام الماروني غسان خوري، المركز الماروني للتوثيق والأبحاث، عائلة المرحومة نينات كامل والدة المعتمد البطريركي لدى الكرسي الرسولي المطران رفيق الورشا، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
وبعد الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة بعنوان “أعطيني لأشرب” ( يو 4: 7) قال فيها: “بهذا الطلب بدأ يسوع حواره مع المرأة السامرية، التي جابهته بالرفض، لأن السامريين لا يخالطون اليهود. لكن يسوع واصل حواره معها، رافعا إياها إلى مستوى الماء الحي الذي يعطيه، وهو يرمز إلى الروح القدس. وتواصل الحوار بصبر وثبات، إلى أن إنتهى وقد اكتشفت المرأة أن يسوع نبي، وأنه المسيح المنتظر. وكشف لها يسوع أن العبادة الحقيقية لا ترتبط بمكان، بل هي بالروح والحق. كانت نتيجة الحوار أن المرأة السامرية، على الرغم من حالة الخطيئة التي كانت تعيش فيها، وكشفها لها يسوع، بكل محبة، أصبحت تلميذة المسيح، ورسولته. فعلى وقع شهادتها آمن بيسوع كثيرون من أهل السامرة( يو 4: 14)”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، مع المركز الماروني للتوثيق والأبحاث في بداية نشاطه للعام 2022. نحيي رئيسه سيادة أخينا المطران سمير مظلوم، الذي نهنئه بيوبيله الأسقفي الفضي، راجين له العمر الطويل والصحة والنجاح. ونحيي فيه مجلس الأمناء الساهر على عمل المركز والداعم له، والمجلس العلمي الذي يعد الدراسات المتخصصة من مثل مئوية إعلان دولة لبنان الكبير، واللجان الخمس المتخصصة: الاستراتيجية والسياسية والقانونية والاقتصادية والتربوية وموظفي المركز.
إننا نشكرهم جميعا على ما يقدمون من أبحاث ودراسات علمية، توضع في تصرف البطريركية والرأي العام. كما نشكرهم على الجهود والتضحيات التي يبذلونها مجانا. لأجلهم جميعا، وكل الذين واكبوا هذا المركز منذ تأسيسه سنة 2006، بعطاءاتهم المتنوعة. نقدم هذه الذبيحة المقدسة على نيتهم ونية المركز، سائلين الله أن يكافئهم بفيض من نعمه وبركاته. ونحيي بيننا عائلة المرحومة نينات كامل، زوجة السيد جميل الورشا والدة سيادة أخينا المطران يوحنا – رفيق الورشا، المعتمد البطريركي لدى الكرسي الرسولي، ورئيس معهدنا الحبري الماروني في روما. وقد ودعناها مع أفراد عائلتها وأنسبائها بكل اسف منذ أسبوعين تقريبا. نصلي في هذه الذبيحة المقدسة لراحة نفسها ولعزاء أسرتها”.
وتابع: “علق القديس أغسطينوس على تعب يسوع وجلوسه على حافة البئر منتظرا من يأتي ويسقيه، قال: “خلقنا المسيح بقوته، وأتى يبحث عنا ليخلقنا من جديد بضعفه. كان ينتظر من يأتي ليحييه هو من تعبه. وصلت المرأة السامرية لتستقي ماء. وكان اليهود يعتبرون السامريين غرباء. جاء يسوع يكسر، بواسطة المرأة، هذه المسافة وهذا البعد، فآمنت هي به، وآمن كثيرون (يو 4: 14). إنها معهم صورة الكنيسة الناشئة من الأمم، من البعيدين والغرباء. الحوار هو قوة الكنيسة التي تجتذب الشعوب. جلس يسوع على حافة البئر عطشانا، ليروي عطش الآتين إليه من الإيمان به، فكانت المرأة تلك العطشى بامتياز إلى الماء الحي، رمز الروح القدس، الذي من يشرب منه يصير عنده معين ماء يجري للحياة الأبدية (يو 4: 14). ما أشد عطش تلك المرأة إلى ماء الروح القدس، الماء الحي، ما أحوجها إلى الحقيقة التي تخرجها من أسر خطيئتها التي كشفها لها يسوع، وأراد تحريرها من قيودها، بالسؤال والجواب، أوقفها يسوع أمام حقيقة نفسها الداخلية، وحسسها بالعطش الحقيقي الذي لا يمكن لبئر يعقوب أن ترويه. لا شيء يوقف الإنسان عن الإزدواجية سوى حقيقة نفسه المكشوفة أمامه، فيما كان يخبئها بأكاذيب واهية. ولا شيء يحمل الإنسان إلى الجدية وقرار التغيير سوى الوقوف بوضوح لا يقبل الشك أمام واقعه المنحرف. فالمتهم بجرم لا يعترف به إلا عندما يضعه القاضي أمام الحقيقة الواضحة، فيقر ويمثل الجريمة”.
وقال الراعي: “يا ليت رجال السياسة والمسؤولين عندنا يحسنون الحوار الحر والمتجرد والواضح مع الرغبة في الوصول إلى الحقيقة الموضوعية التي تجمع وتوحد، وتشفي لبنان من أزمته السياسية، أساس كل أزماته الإقتصادية والمالية والإجتماعية والمعيشية والأمنية. لكننا نأمل أن تفرز الإنتخابات النيابية المقبلة في أيار نوابا أحرارا متحلين بروح الحوار ومؤمنين به. لذا يجب على اللبنانيين جميعا المشاركة فيها. فهي استحقاق ديموقراطي لتعزيز النظام، ولممارسة حق الشعب في التعبير عن رأيه وفي المساءلة والمحاسبة. وهي هذه المرة مناسبة لاختيار وجهة لبنان المقبلة. فالمجلس النيابي المنتخب هو من سينتخب رئيس الجمهورية الجديد، ومن سيشرع الإصلاحات، ومن سيشارك في حوار وطني ينعقد بعد انبثاق السلطة الجديدة برعاية دولية. ونظرا لأهمية هذا الاستحقاق النيابي، يجب علينا جميعا أن نواجه محاولات الالتفاف عليه، وأن نعالج معا بروح ميثاقية ووطنية أي طارئ يمكن أن يؤثر عليه وعلى الأمل بالتغيير وعلى انتظام اتفاق الطائف. وهذا مطلوب بنوع أخص من القوى المناضلة، الرافضة للأمر الواقع والهيمنة والانحياز والإساءة إلى الدول الشقيقة والصديقة، والمطالبة بتنفيذ القرارات الدولية”.
ولفت الى أن “انكفاء الرئيس سعد الحريري، رجل الإعتدال، فاجأنا وأثار قلقا واحتجاجا لدى شريحة وطنية هي شريكة أساسية في الشراكة الوطنية. وإذ نتمنى أن يكون قراره ظرفيا، نود أن تبقى الطائفة السنية الكريمة على حماسها للانتخابات وعلى تماسكها، وأن تشارك بجميع قواها الوطنية وشخصياتها ونخبها، لكي تأتي الانتخابات معبرة عن موقف جميع اللبنانيين. ومن غير المسموح أن يتذرع البعض بالواقع المستجد ويروج لإرجاء الانتخابات النيابية. من واجب الدولة اتخاذ القرارات الجريئة والصحيحة، والتجاوب فعليا مع كل مسعى حميد لانتشال البلاد من الانهيار ووضعها على مسار الإنقاذ الحقيقي. لا يحق للمسؤولين فيها تحت ألف ذريعة وذريعة أن يرفضوا الأيادي الممدودة لمساعدتها، وأن يحجبوا الحقائق ويموهوا الوقائع ويغطوا تعددية السلاح ويبرروا التجاوزات والممارسات، ويتنصلوا من إعطاء أجوبة على المواضيع الأساسية. ولأن الدولة اللبنانية عاجزة اليوم عن الاتفاق على موقف موحد حيال ما يقدم إليها من اقتراحات ومبادرات، اقترحنا مؤتمرا دوليا برعاية الأمم المتحدة يضع آلية تنفيذية للقرارات الدولية، بحيث لا يظل تنفيذ جميع مندرجات هذه القرارات على عاتق الدولة اللبنانية المنقسمة والضعيفة. فالذين أصدروا هذه القرارات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، معنيون أيضا بمصيرها والسهر على تنفيذها، وهم الأعلم بواقع لبنان وهشاشة أمنه وسلمه وتركيبته”.
أضاف: “ومن ناحية أخرى، عوض أن تفرض الحكومة ضرائب ورسوما جديدة مرتفعة على المواطنين، حري بها أن تضبط حدودها البرية والجوية والبحرية لتزيد وارداتها المالية. وعوض أن تستورد الطاقة بأسعار باهظة، حري بها أن تبني معامل إنتاج ووقف السرقات. من أين لهذا الشعب المسكين أن يدفع ضرائب؟ وأمواله قيد الاحتجاز في المصارف؟ عائلاته تعيش على الحد الأدنى، وهو من دون كهرباء، 60% من شبابه عاطلون عن العمل ويهاجرون، 30% من طلابه يغادرون مقاعد الدراسة بسبب ضيق الموارد، ومرضاه لا يجدون الدواء ولا يحظون بالاستشفاء، ولا حتى بالدفء في هذه الأيام الباردة والمثلجة. الحل هو إجراء الإصلاحات المناسبة مع الواقع اللبناني، خصوصا الالتزام بسياسة وطنية حيادية. نجدد إيماننا بالعناية الإلهية، ونوكل إليها واقعنا المر، راجين منها أن تنتشلنا”.
وختم الراعي: “فلنجدد واقعنا المر. للثالوث القدوس كل مجد وتسبيح وشكر، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل البطريرك الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.

المطران عوده ذكر الدولة بواجباتها ودعا المسؤولين ليساوون أنفسكم بالمواطنين عوض التكبر عليهم واستعبادهم واستغلالهم
وطنية/30 كانون الثاني/2022
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس في الذكرى الأولى لكاهن رعية القديس نيقولاوس الأرشمندريت ألكسي، في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
بعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: “تعيد كنيستنا المقدسة اليوم للقديسين رؤساء الكهنة المعظمين باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الذهبي الفم. إن القديسين هم تأكيد الإنجيل ودليل الإيمان، لذلك هم “نور العالم”، إذ استناروا فأناروا الجميع. القديسون المذكورون يدعون “الأقمار الثلاثة” أو “أقمار الألوهة المثلثة الشموس” لأن نور النعمة الذي سكن في نفوسهم شع في العالم، ولم يتمكن من الاختفاء تحت مكيال الصمت، ففاض كلمة تعليم، وجرى سيله في الكنيسة، فروى شعبا متعطشا إلى معرفة الله، فوضعت قلوبهم المشتعلة بالروح القدس على منارة الأسقفية. لقد عرفوا المسيح، وأحبوه، ورغبوا بخلاص العالم كأنه خلاصهم الشخصي، لذلك انصرفوا إلى عملهم الرعائي الضخم بثبات وعزم”.
أضاف: “القديسون، في كل العصور، هم أفواه الكلمة، يعبرون عن مشيئة الله في كل زمن. حفظ رؤساء الأساقفة الثلاثة سفينة الكنيسة في المجرى الصحيح، خلال منعطف تاريخي صعب. هذا النجاح لم يأت نتيجة ذكائهم، ولا علمهم فقط. فما الذكاء والعلم سوى أداتين في يد الإنسان، واستعمالهما يوضحهما إما نافعين أو مسيئين. إن ما نما في الأقمار الثلاثة مواهبهم الطبيعية وبلور ثقافتهم الهلينية الواسعة، هو حياتهم الموافقة لمشيئة الله، والمجتذبة نور الله إلى نفوسهم. لم يكونوا فلاسفة يطلقون نظريات حول الله، بل كانوا لاهوتيين بكل ما للكلمة من معنى. تحدثوا عما عاينوه، فأتى كلامهم نابعا من خبرة. إن النظر إلى القديسين كفلاسفة مفكرين يدافعون عن تعليم الفلسفة الإنسانية يحط من قيمتهم. فتعليم رؤساء الأساقفة الثلاثة، يتماهى وتعليم الكنيسة، ويهدف للارتقاء بالإنسان إلى استنارة الروح القدس. يرمي إلى جعل الإنسان إناء للمعزي، ومصباحا ينشر نور الحق في العالم. يظن كثيرون أن الأقمار الثلاثة جلبوا إلى العالم آراء جديدة، فجاء كلامهم امتدادا للوعظ الرسولي، وقرنوا المسيحية بالحضارة الهلينية، فأضحوا مؤسسي الحضارة المسيحية اليونانية، كحضارة جديدة في التاريخ. إن الذين يحملون هذا التفكير، وفي نيتهم أن يكرموا القديسين، لكن وفق مقاييسهم الخاصة، إنما ينسبون إليهم، من حيث لا يدرون، صفات كبار الهراطقة الذين بلبلوا كنيسة المسيح، ذلك أن الهراطقة قرنوا مناهج الفلسفة بالإيمان المسيحي، أو بالحري أخضعوا الإيمان لحكم المنطق. وفيما حاولوا أن يفهموا عقائد الكنيسة عبر مناهج الحكمة البشرية، وقعوا في ضلالات كبيرة. كذلك ساورهم الإعتقاد الشيطاني بأنهم قادرون على إضافة تعليم جديد على ما أعلن يوم العنصرة، أو أنهم يستطيعون قول ما يختلف عن تعليم الرسل القديسين. هؤلاء يعتقدون بأن الكنيسة يمكنها أن تتطور في فهمها للحقيقة، كما لو أنها لم تتسلمها كاملة في يوم العنصرة، وهذا ينافي الحقيقة، لأننا (رؤساء الكهنة) نتسلم التعليم الحقيقي، القويم، بالتسلسل الرسولي، وننقله للشعب المؤمن دون زيادة أو نقصان”.
وتابع: “من الدلائل الكثيرة التي تظهر عظمة رؤساء الأساقفة الثلاثة، أنهم أطاعوا تقليد الرسل القديسين، وتشبهوا به، وصاروا هم أنفسهم ذلك التقليد. لم يزيدوا أمورا مخالفة، ولا حذفوا من التقليد الشريف شيئا. إلى ذلك، فقد أخذوا التساؤلات التي طرحتها الفلسفة اليونانية، وأعطوا منها إجابات مؤسسة على الحقيقة التي أعلنها المسيح. بهذا المعنى، يمكننا أن نتكلم على إقران رؤساء الكهنة الثلاثة للفلسفة اليونانية بالروح المسيحية. إن تعليم المسيح أتى إلى نفوسهم ليجيب على أعمق المطالب، وليروي عطشا لم تقدر المعرفة البشرية أن ترويه. هكذا، أصبحت كلمة الرسل طريقة حياتهم، ومن غير أن يحلوا الناموس والأنبياء، قادوا فلسفة الإغريق إلى مخرج الإيمان بالمسيح، لأنهم عرفوا المآزق التي وقعت فيها. لم يصوغوا إيمانا جديدا، إنما أناروا طرقا مظلمة للفكر البشري بواسطة الإيمان غير المغشوش”.
وقال: “في ملكوت السماوات، لن يتعظم الذين اكتفوا فقط بكرازة الإنجيل، أو إخراج الشياطين، أو شفاء المرضى، بل الذين أقرنوا ذلك بحفظ وصايا المسيح والعمل بها، وعلموا الناس إيمانهم المعاش. يقول الرب: “أما من عمل وعلم، فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات” (مت 5: 19). إذًا، قد يعطي الله موهبتي الوعظ وصنع العجائب لخدمة الشعب وشفائه، من دون أن يخلص بهما الموهوب، مثلما يحصل تمامًا في نعمة الكهنوت الأسرارية. يشدد المسيح لدى سامعيه على أن كثيرين سيقولون في يوم الدينونة: “يا رب، يا رب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين؟” عندئذ سيجيبهم هو: “إني لم أعرفكم قط، إذهبوا عني يا فاعلي الإثم” (مت 7: 22-23). الأقمار الثلاثة، علموا لأنهم عملوا. نعرف من سيرهم أنهم عبروا في الهدوئية والنسك قبل أن يتسلموا رعاية الشعب. القديس يوحنا الذهبي الفم نسك عدة سنوات بقرب أحد الشيوخ الرهبان، كما عاش وحده في إحدى المغاور. والقديسان باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي عاشا فترة في هدوء البنطس، متمرسين على حفظ وتطبيق الوصايا الإلهية، يدرسان الكتب ويصليان. هكذا جاءت كلمتهم نتيجة لخبرتهم، لذلك أثرت في نفوس سامعيهم، ونقلت إليهم الحياة. سيرتهم سطعت أشد لمعانا من كلامهم، فكانوا عظماء عند الله والناس”.
أضاف: “اللافت في سيرة الأقمار الثلاثة أن لكل منهم عيدا خاصا به، ومع ذلك نعيد لهم اليوم مجموعين معا. لماذا؟ لقد انقسم الناس في الكنيسة إلى مجموعات، كل منها تقول إن أحد رؤساء الكهنة الثلاثة هو أهم من الإثنين الآخرين. ولأن التحزب مرفوض في الكنيسة، ظهر الثلاثة معا، واقفين في مستوى واحد، ليقولوا إن أحدا منهم لا يتقدم على الآخرين. يذكرنا هذا الأمر بموقف الرسول بولس القائل: “إن كل واحد منكم يقول: أنا لبولس وأنا لأبلس وأنا لصفا وأنا للمسيح. هل انقسم المسيح؟ ألعل بولس صلب من أجلكم؟ أم باسم بولس اعتمدتم؟” (1كو 2: 12-13). الكنيسة، منذ نشأتها، تقف ضد التحزب، فعلينا اليوم، أكثر من أي يوم، أن نتعلم في هذا البلد الحبيب من خبرة الكنيسة ونتعظ. فلماذا يتقاتل الإخوة أبناء الوطن الواحد؟ من أجل من؟ هل أي من زعماء هذه الأرض قدم نفسه ذبيحة خلاصية؟ وإذا كان كذلك فلماذا لم يخلص بلدنا وشعبه بعد؟ إنه لأمر مستغرب ومستهجن جدا، مجبول بألم شديد، أن نسمع يوميا مسؤولين يتكلمون ويدافعون بحماس كبير لا حد له عن أوضاع بلادي وإنسان بلادي المذلول. لكنهم يكتفون بالكلام وكأني بهم، كما يقول النبي، “لهم أفواه ولا تتكلم، لهم أعين ولا تبصر، لهم آذان ولا تسمع” (مز115: 5 – 7) أي زعيم يعمل بما يعلم؟ ألا يخرجون جميعا، كل يوم، برأي مغاير عما تفوهوا به قبلا؟ ألا تناقض أعمالهم وتصرفاتهم ما ينادون به ويبشرون؟ فلماذا إذا ينقسم الشعب ساعيا وراء أناس لا يهتمون إلا بمصالحهم ومراكزهم وارتباطاتهم وجيوبهم، غير آبهين بتأوهات الشعب وبما يثقل كاهل المواطن”.
وتابع: “في الأسبوع المنصرم غطى الثلج جبال لبنان وقراه. وعوض أن يكون هطول المطر والثلج نعمة في بلد يشكو الجفاف وقلة المياه، جاء نقمة على اللبنانيين العاجزين عن تأمين الطعام والدواء، المفتقرين إلى وسائل التدفئة والوقاية من موجات الصقيع وتدني الحرارة على الساحل، فكيف بالمرتفعات، مع انقطاع الكهرباء وغلاء المحروقات، وغياب الدولة عن المساعدة. أما التجار وبعض فاقدي الضمير فيستغلون حاجة الناس من أجل جني الأرباح دون أي عقاب. هنا لا بد من تذكير الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها، وضرورة منع كل استغلال لهم. وبما أن مجلس الوزراء يناقش الموازنة، أملنا ألا تستغل الدولة أيضا مواطنيها وتفرض عليهم الرسوم والضرائب فيما نحن نمر بأوقات عصيبة بالكاد يستطيع المواطن فيها تأمين بقائه على قيد الحياة”.
وقال: “إن زكا العشار، الذي تحدث عنه إنجيل اليوم، كان عبدا للمال، الأمر الذي جعله ظالما تجاه أخيه الإنسان. لكنه، عندما تعرف على الرب، عندما لمس المسيح قلبه، أصبح إنسانا جديدا رحوما ومعطاء. قصة زكا هي قصة توبة عميقة ورحمة من الله غزيرة. خلاص زكا، بعد كل الخطايا التي ارتكبها، كان نتيجة وعيه لخطاياه وندمه وتوبته. أدرك ضعفه وكل المعوقات التي تبعده عن الخلاص، فرماها وتعالى عليها وعلى ذاته، وطلب الرب، فكان أن استجاب له وأتى إلى بيته. إنها دعوتنا جميعا، أن نعرف أن الله وحده هو مصدر الشفاء من علل الجسد ومن أهواء النفس، وهو واقف على أبواب قلوبنا، يقرع وينتظر الجواب. إرادتنا، حريتنا هي التي تقودنا إليه أو تبعدنا عنه. يقول في سفر الرؤيا: “من يسمع فليقل تعال، ومن يعطش فليأت، ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانا” (رؤ 22: 17)”.
وختم: “دعوتنا اليوم، إلى جميع المسؤولين، أن اعملوا مثل زكا، تعرفوا على الرب، دعوه يعلمكم كيف تحبون، وكيف تعطفون على المساكين والأيتام والأرامل والفقراء والمرضى، كيف تضحون من أجل الآخر وكيف تساوون أنفسكم بالمواطنين عوض التكبر عليهم واستعبادهم واستغلالهم، عندئذ ستفعلون عكس ما أنتم مرتكبون الآن، عندئذ ستصبحون مسؤولين حقيقيين”.