إنها «الترمبية» وليس ترمب! مشاري الذايدي/الشّرق الأوسط/الخميس 18 تموز/2024
المنطقة في رأي نائب ترمب جيمس فانس عبد الرحمن الراشد/الشّرق الأوسط/الخميس 18 تموز/2024
اختاره نائباً له وهو في نصفِ عمره، ممَّا يعني أيضاً أنَّ ترمب يصنع رئيساً أميركياً محتملاً في عام 2028. جيمس فانس يبدو على يمينِ ترمب، أي أكثرَ شراسةً وإيماناً بمواقفه وآرائِه. سيضيفُ وزناً كبيراً لإدارته، وهي الأقربُ للفوز، مع أنَّ علينا أن نتذكَّر أنَّ الانتخاباتِ الأميركيةَ حُبلَى بالمفاجآت.
يهمُّنا التَّعرفُ على شخصية وأفكارِ السيناتور فانس (39 عاماً) من ندواتِه ومقابلاتِه الإعلامية، هو مع إعادةِ العقوبات على إيران، ومنعِها من السّلاح النَّووي. يؤيد الاتفاقيةَ الدفاعيةَ الأميركيةَ السعودية، رغم أنَّ بايدن هو مهندسُها، لكنَّه ليسَ مع ربطِها بحربِ غزة. ومثل كلّ المرشحين، مع إسرائيل كونها الحليفَ الدائم. ضد المتطرفين في منطقتِنا والتنظيماتِ المتطرفة ومشاريعِها السياسية. فانس نسخةٌ مطورةٌ من ترمب، ويتميَّز عليه، حتى مع صغرِ سنه، أنَّه يعملُ في المجالِ السّياسي قبلَه، وبدأ من أسفلِ السُّلم.
هل منصبُ نائبِ الرئيس مهمٌ؟
عادةً وظائفُ النائبِ بروتوكولاتيةٌ، الاحتفالاتُ والمآتمُ ونحوها. لكنْ في إدارة ترمب، إن كسب، قد يكونُ فانس فاعلاً بحكم عمرِ الرئيس الفائز، على بابِ الثمانين، وبسببِ كثرة خصومات ترمب داخلَ حزبِه ومع القوى السياسية المهمة.
اختياراتُ ترمب تجعلُه يتميَّز عن بايدن بأنَّه يحيط نفسَه بقيادات إدارية قوية، في حين يستعينُ بايدن ببيروقراطيين مكتفياً بخبرتِه الواسعة. ربَّما بايدن الأكثر تجربة في تاريخ أميركا المعاصر، وهو يعملُ في السياسةِ منذ السبعينات، لكنَّ رجالَه من حوله قدراتُهم متواضعةٌ، مقارنةً بمن عملوا في البيت الأبيض من إدارة ترمب أو جورج بوش الابن. على أي حال، اختيار فانس يوضّح أنَّ ترمب عازمٌ على ملء الإدارةِ بقياداتٍ يمينيةٍ قوية تنسجمُ معه في القضايا الرئيسية، وليسوا مجردَ موظفينَ وحملةِ رسائل. ويوحِي تعيينُ فانس أنَّه عازمٌ على تبنّي سياسةِ الضغط والمواجهةِ التي بدأها في عهده الماضي ضد إيران والصين، وليس كما علَّق البعضُ بأنَّ ترمب سيكون أقلَّ شجاراً مع حكومات العالم، وقد بنَوا تحليلَهم هذا على سلوكِه الجديد «الهادئ التصالحي». الكثير من المديح لفانس أمطرَه به قادةُ الحزبِ الجمهوري فورَ الإعلانِ عن ترشيحه، يقول عنه جون سنونو، من ولاية نيو هامبشر: «أعتقد أنَّه يجعلُ كلَّ أميركي أكثرَ ارتياحاً لإدارة ترمب الثانية. إنَّه من المارينز (نخبة العسكر الأميركيين). إنَّه أبٌ. وذكيٌّ بشكلٍ لا يصدّق. وخريجُ جامعةِ ييل. خرجَ من حذائه (كبر على نفسه). أعني أنَّه مثال رائع على ما تريد أن تراه في منصبٍ تنفيذي والقيادةِ السياسية». في «معهد كوينسي»، قال فانس: «نريد من الإسرائيليين والسنة (العرب) مراقبةَ منطقتِهم في العالم. نريد أن يراقبَ الأوروبيون منطقتَهم في العالم، ونريد أن نكونَ نحن قادرين على التركيز أكثرَ على شرق آسيا».يعبّرُ بلغةٍ صريحةٍ رنانة، بعد اختياره نائباً، قالَ فانس «إذا كنتَ ستضرب الإيرانيين، اضربْهم بقوة. وهذا ما فعلَه ترمب. قضينَا على قاسم سليماني. بالمناسبة، قال الناسُ إنَّ هذه الخطوة ستؤدي إلى حربٍ أوسع. لكنَّها في الواقع جلبت السَّلام. لقد أوقفت الإيرانيين وأبطأتهم قليلاً»، ويضيفُ فانس بأهميةِ تجفيفِ مواردهم بوقفِ عملياتِهم النفطية.
أين يقف سياسياً؟
مع التَّفاوض مع الروس على أوكرانيا، وتحميلِ الأوروبيين مسؤوليةً أكبرَ في الحرب، ومع التَّضييق على الصّين، وهو مع إسرائيل والقضاء على «حماس». في مجالِ الطاقةِ يدعو لجعلِ أميركا القوةَ الأكبرَ في إنتاجِ البترول والغاز ورفعِ القيود البيئية عليها. قد يكون حديثُه انتخابياً، لكنَّه ينسجمُ مع الخطِ السياسي لترمب في رئاسته السابقة، ويوضّحُ توجهاتِ السنواتِ الأربع المقبلة إنْ كسبَ الانتخابات. محلياً، فانس ملهمٌ للأميركيين، يختلف عن ترمب في صعوده، ألفَّ كتاباً تحوَّل إلى فيلم. يقول مذيعُ «فوكس» الذي التقاه أمس: «(مرثية هيلبيلي) كانت من أكثر الروايات مبيعاً وتحوَّلت إلى فيلم، ولأنَّني لم أكنْ أعلم عنكَ الكثير… قرَّرت مشاهدةَ الفيلم، وعندما رأيتُك، سألتك هل هذه حقاً ما كانت عليه حياتُك؟ جندياً في القوة البحرية. والدتُك مدمنةٌ على المخدرات والكحول. ووالدُك، لم يكن بالضَّبطِ أفضلَ أبٍ في العالم. ونشأتَ في وسط فقير، لكنَّك التحقت بالمارينز وخدمتَ في العراق. ودرست حتى التحقت بجامعة ييل، وأبدعتَ هناك. ثم حقَّقتَ نجاحاً في أعمالك التجارية… ثم دخلتَ السياسة ونجحتَ فيها.
إنَّها قصةٌ مذهلة، وحياةٌ صعبة. تلك التي مررتَ بها».
إنها «الترمبية» وليس ترمب! مشاري الذايدي/الشّرق الأوسط/الخميس 18 تموز/2024
حتى أشرس أنصار الحزب الديمقراطي الأميركي، بصورته الحالية، متشائم من قدرة الديمقراطيين على منع «الأمواج الترمبية» العاتية. أمواج الترمبية عظيمة الحجم، حتى قبل حادثة محاولة الاغتيال في منطقة بتلر بولاية بنسلفانيا، بعد فوزه المظفّر على خصمه الديمقراطي، الرئيس الحالي، جو بايدن، في المناظرة الشهيرة. ما لم تحدث مفاجأة «كبيرة» فإن الطريق نحو البيت الأبيض بات واضحاً وسهلاً بالنسبة إلى دونالد ترمب. هنا علينا أن نُعيد ترميم الذاكرة من جديد، أقصد نحن في الصحافة العربية والمشهد السياسي العربي، علينا أن نتذكّر جيّداً مَن أخبرنا، بكل ثقة ويقين، عن نهاية الرجل «الدخيل» على السياسة الأميركية، وأن فترة رئاسته الأولى كانت مجرّد «هامش» شاذّ في المتن السياسي الأميركي، وأنه تمّ لفظ ترمب، من «الدولة» الأميركية وليس فقط من القاعدة الديمقراطية. نعم هكذا قِيل قبل 4 سنوات، من طرف محلّلين وكتبَة، والآن، ماذا هم قائلون وفاعلون!؟
أظن أن كلام هذا النفر من الناس قبل 4 سنوات، وبعدها، كان نوعاً من التفكير الرغبوي، أكثر منه قراءة موضوعية، وربما صدّق كلامَ هؤلاء بعضُ النخب السياسية والثقافية.
بكلّ حال، اليوم حصحص الحق، وسطعت شمس «الترمبية» وستظل كذلك حيناً من الدهر، الله أعلم متى ينتهي هذا الحين… بصرف النظر عن وصوله من عدمه في هذا الانتخابات إلى الرئاسة، فقطار «الترمبية» انطلق! في مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير، الذي أُعلن فيه رسمياً اختيار ترمب مرشحاً للحزب الجمهوري للرئاسة، بل أكثر من ذلك، أضحى ترمب «رمزاً» للجمهوريين وغير الجمهوريين أيضاً… في هذا المؤتمر اختار ترمب السيناتور الشاب عن ولاية أوهايو جي دي فانس، وكان اختياراً ذكيّاً معبّراً. عنوان تقرير حافل في هذه الجريدة تعليقاً على ذلك كان: «ترمب يراهن على فانس لتكريس (الترمبية) بين الجمهوريين». جاء فيه: «إذا فاز ترمب في انتخابات هذا العام، سيصبح السيناتور الجديد (دي فانس) البالغ 39 عاماً، الفور على المرشح الأوفر حظاً في السباق الرئاسي الجمهوري لعام 2028، وقد لا يترك البيت الأبيض إلّا في عام 2037، إذا فاز مرّتين بالرئاسة». يحسنُ بنا، لأكثر من مرّة، التذكير بكلام ترمب حين تباشر خصومه بنهايته ونهاية الترمبية، في يناير (كانون الثاني) 2021، حين قال في بيانه بعد تبرئة مجلس الشيوخ له: «قريباً سوف ننهض». في تاريخ 14 أغسطس (آب) 2023 كتبتُ هنا، ويحسُن التذكير به مرّة أخرى أيضاً: «الحكاية هنا أكبر من حصرها في شخص ترمب، فالرجل صار رمزاً لقضية وعنواناً لأمّة أو تيّارٍ أميركي، وعالمي عريض، يناهض بقوة سياسات اليسار الأوبامي العالمي». نسألُ ثانية، ما أخبار الذين كانوا يسخرون من ترمب ويعدّونه دخيلاً على السياسة الأميركية، وأنه انتهى إلى الأبد، لأن خصمه هو «الدولة الأميركية» وليس فقط الحزب الديمقراطي؟!