الشرق الأوسط: مبادرة صعبة من خطوتين ديفيد اغناتيوس/الشرق الأوسط/26 نيسان/15
منذ خطابه الذي ألقاه في الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2013 والرئيس أوباما يحاول إقناع السعودية، وبقية حلفاء أميركا في الخليج، بأن الولايات المتحدة ملتزمة، بصدق، بالدفاع عن أمنهم. وحتى الآن لم تحرز مساعيه الكثير من النجاح، ولكنه بصدد المحاولة مرة أخرى أثناء القمة التي ستعقد في كامب ديفيد الشهر المقبل. وتعد مساعي أوباما جزءًا من مخطط استراتيجي أكبر للشرق الأوسط يمكن وصفه بما يسمى بـ«المقاربة المزدوجة»؛ فمن جانب، تسعى الولايات المتحدة إلى التوصل لاتفاق مع إيران للحد من قدرتها على تصنيع سلاح نووي، ومن جانب آخر، ترغب واشنطن في تعزيز القدرات العسكرية للسعودية وجيرانها، عبر اتفاقيات تسليح، وتعاون عسكري جديدة. والهدف هو الوصول في نهاية المطاف إلى تحقيق وضع متوازن لا تمثل فيه إيران تهديدا خطيرا في مواجهة دولة سعودية تحظى بثقة في النفس، وأكثر قدرة على المناورة على المستوى الإقليمي. ويوضح مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية قائلا: «نحن بحاجة إلى تشكيل الوضع حتى تتمكن دول الخليج من امتلاك القدرة على التعامل مع إيران من موقع متكافئ متوازن».
ويعد الدعم، الذي أظهرته واشنطن حيال الحملة العسكرية التي تشنها السعودية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، جزءا من تلك المحاولة الرامية لإعادة التوازن إلى منطقة أخذت إيران تصول فيها وتجول هي ووكلاؤها.
وتعيد المبادرة الأميركية المعقدة المكونة من خطوتين إلى الأذهان التحذير الذي كان يردده مايكل كورليونى في فيلم «العراب – الجزء الثاني» عندما كان يقول: «لتحتفظ بأصدقائك على مقربة منك، ولكن احتفظ بأعدائك على مسافة أقرب». ولا بد أن السعوديين وجيرانهم يتعجبون في بعض الأحيان، وهم يشاهدون الولايات المتحدة تحرص على التقرب من إيران، ويتساءلون عما إذا كانوا أصدقاء لواشنطن أم أعداء لها، لكن الدعوة لعقد اجتماع كامب ديفيد جاءت بهدف تخفيف حدة ذلك القلق.
وكان الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، قد التقى الرئيس أوباما الاثنين للاطلاع على جدول أعمال اجتماع كامب ديفيد المقرر عقده في اليوم التالي للقاء الذي سيجرى في البيت الأبيض في 13 مايو (أيار).
وكانت الإمارات ترغب في بداية الأمر في إقرار اتفاقية رسمية للدفاع عن دول مجلس التعاون الخليجي ضد العدوان الخارجي، لكن البيت الأبيض رد بأن عقد اتفاق قانوني «لا يعد أمرا واقعيا» بالنظر إلى التعقيدات التي سيتعين حلها مثل الحصول على موافقة مجلس الشيوخ بالإضافة إلى كونه «غير ضروري»، حسبما قال المسؤول. وذكر المسؤول موضحا: «يمكننا أن نزيد التطمينات الأمنية لحلفائنا حتى يكونوا على ثقة من قيامنا بإرسال قوات على وجه السرعة لمنطقة الخليج إذا لزم الأمر». ويعد اليمن بمثابة اختبار لديناميكية الفوضى في الخليج، فقد أعلن أوباما دعمه للحملة الجوية السعودية التي استمرت طوال ثلاثة أسابيع، وشاركت فيها الإمارات، لوضع حد لسيطرة الحوثيين، المتحالفين مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، على اليمن، ودفعهم في اتجاه القبول بحل سياسي.
ويسعى السعوديون والإماراتيون في هذا الاتجاه عن طريق إبعاد القبائل اليمنية عن التحالف مع الحوثيين أو تنظيم القاعدة الذي لا يقل خطرًا عن الحوثيين في الجزيرة العربية. ويعتقد مسؤولون خليجيون أن سبعة ألوية كانت متمردة من الجيش اليمني أعلنت تعاونها مع الحكومة، كما أنه من المرجح أن ينضم إليها عشرون لواء قريبًا. وأعلن البيت الأبيض عن دعمه لعاصفة الحزم، ولكن أعرب مسؤولون عن خشيتهم من تحول اليمن إلى مقبرة لمثل هذه السيناريوهات المتفائلة، مشيرين إلى أن هدف إيران الحقيقي قد يكون جرّ السعودية إلى مستنقع يمني.
ويتبقى لدى البيت الأبيض هدف أخير وراء الدعوة لاجتماع كامب ديفيد وهو تحفيز العمل ضد التهديدات الداخلية لأمن الخليج من قبل الجماعات المتشددة مثل «داعش»، بدلا من التركيز فقط على التهديدات الخارجية الممثلة في إيران. وترى الإدارة الأميركية أن العالم العربي قد أصابته حالة من الفوضى بسبب انهيار أنظمة دول فيه، فيما تشتعل حروب طائفية بالوكالة مع إيران أدت إلى نشر الفوضى في العراق، وسوريا، وأخيرا اليمن. في شرق أوسط غير مستقر إطلاقا، يجدر بنا تذكر اثنين من التطورات الإيجابية؛ الأول هو عقد الولايات المتحدة وإيران مباحثات بناءة بعد عداء دام 36 عاما. والثاني هو انخراط الولايات المتحدة بصدق، وبشكل خلاق مع حلفائها في الخليج الذين يشعرون بالضيق في أغلب الأحيان. وستدفع السياسة الرشيدة هذين التطورين للالتقاء في طريق يقود المنطقة تدريجيا نحو الاستقرار على مدى العقد المقبل. ويشعر قادة دول الخليج العربي بالاستغراب عندما يسمعون أوباما يقول، مثلما صرح لتوماس فريدمان من صحيفة «نيويورك تايمز»، إن «أكبر تهديد يواجهونه قد لا يأتي من إيران، وغزوها لهم، بل قد يأتي من داخل بلدانهم». لكن يجب أن لا يشعر القادة بالقلق، فمثل هذا الحديث المتسم بالصراحة يعبر عن صداقة حقيقية وتحالف أصيل. * خدمة «واشنطن بوست»