خدمة إيران أهمّ من لقمة عيش اللبناني
خيرالله خيرالله/الراي/31 آذار/15
لا يمكن تغطية محاولة وضع اليد الإيرانية على اليمن بحملة على المملكة العربية السعودية، أخذت طابعا شخصيا، خصوصا أنّها تناولت أفراد العائلة الحاكمة. فكلّ ما قاله السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله» في لبنان عن الوضع في اليمن لا يمتّ إلى الواقع بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
كان خطابه الأخير المخصّص في معظمه لليمن محاولة لتحسين صورة ايران أمام العرب، في حين لا وجود، بين معظم المسؤولين الإيرانيين، من يسعى إلى ذلك. لذلك، يبدو أفضل ردّ على نصرالله ما يقوله المسؤولون الإيرانيون أنفسهم. ما لا يقلّ عن عشرة من هؤلاء يتبجّحون منذ ما يزيد على سنة، بسيطرة ايران على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
مشكلة الأمين العام للحزب الذي يعترف بأنّه تابع لإيران، بصفة كونه على رأس حزب يؤمن بولاية الفقيه، تتلخص بأنّه يقول الشيء وعكسه، في الوقت ذاته من دون أن يرفّ له جفن.
إنّه يعتبر العرب عموما واللبنانيين خصوصا من السذّج الذين تمرّ عليهم طروحاته، بما في ذلك تلك المتعلّقة باليمن أو لبنان أو سورية أو العراق… أو بالسياسة التي تتبعها المملكة العربية السعودية التي تقود حاليا عملية «عاصفة الحزم» التي تستهدف منع ايران من الإستيلاء على اليمن لا أكثر، وتحويله مستعمرة أو قاعدة انطلاق لتهديد المملكة ودول الخليج العربي والبحر الأحمر الذي يعني الكثير لمصر.
من أبرز المغالطات في خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» اعتباره أن «انصار الله» في اليمن على رأس «ثورة شعبية». أخطر من ذلك، رفضه الاعتراف بأنّ الحوثيين في اليمن تابعون لإيران. يقول أن العلاقة بينهم وبين ايران لم تبدأ إلّا بعد الحرب السادسة التي خاضوها مع الجيش اليمني في العامين 2009 و2010. هذا الكلام ينفيه الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي كان أدلى بحديث في خريف العام 2004 أشار فيه إلى العلاقة العميقة بين الحوثيين وايران (يمكن العودة إلى عدد جريدة «المستقبل» اللبنانية الذي نُشر فيه الحديث وقتذاك).
كان ذلك بعد الحرب الأولى التي خاضتها السلطات اليمنية مع الحوثيين. فبعض زعماء الحوثيين كان يمضي منذ السنة 2000 وقتا طويلا في ايران وفي قمّ تحديدا. كذلك، كان هناك في بيروت من يطبع كتبا ومناشير للحوثيين!
لا حاجة إلى اعادة التذكير بدور علي عبدالله صالح في تشجيع الحوثيين على تشكيل تيّار سياسي، سُمّي «الشباب المؤمن» في وقت كانت لديه دائما حساسية زائدة تجاه العائلات الزيدية الكبيرة، المعروفة بالعائلات الهاشمية. تنتمي هذه العائلات إلى محافظة حجّة. من بين ابرزها آل حميد الدين الذين كان منهم الإمام أو آل المتوكّل الذين كانت المملكة تُكنّى بهم. كان اليمن في عهد الإمامة معروفا بتسمية «المملكة اليمنية المتوكّلية».
من الضروري العودة إلى الخلف قليلا ولو من أجل التذكير بأنّ الحوثيين ارتبطوا بايران باكرا وبأنّ المواجهة الأولى بينهم وبين الدولة كانت عائدة إلى «الصرخة» التي أطلقها أحدهم في وجه علي عبدالله صالح في اثناء وجوده في العام 2003 في أحد المساجد المعروفة في صعده. كان علي عبدالله صالح في طريقة برّا إلى المملكة العربية السعودية لإداء فريضة الحج. فوجئ الرئيس اليمني، وقتذاك، بمن يطلق «الصرخة» وهي شعار الحوثيين، وذلك بعد صلاة الجمعة. ادرك متأخرا مدى عمق التحوّل الذي طرأ على الظاهرة الحوثية التي استطاعت ايران استيعابها من منطلق مذهبي قبل أي شيء آخر. ارتدّت الظاهرة على من حاول الاستثمار فيها بكلّ الوسائل، بما في ذلك ايصال الحوثيين إلى مجلس النواب وتوفير موازنة لهم…
«الصرخة» التي باتت شعار الحوثيين الذين أصبحوا يُعرفون لاحقا بتسمية «انصار الله» هي «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام». بدا من تلك «الصرخة» مدى ارتباط الحوثيين بايران، وذلك منذ اثني عشر عاما!
كان حادث صعده أوّل تنبيه للرئيس السابق الذي ما لبث أن خاض مع الحوثيين ست حروب آخرها في العامين 2009 و2010، وذلك قبل أن ينزل شبان يمنيون ابتداء من بداية السنة 2011 إلى شوارع تعز وصنعاء ويطالبون باستقالته. وقد استغلّ الإخوان المسلمون تلك التظاهرات لإجبار الرئيس اليمني على الإستقالة، خصوصا بعد تعرّضه لمحاولة اغتيال في مسجد النهدين المقام في دار الرئاسة في صنعاء.
استغلّ «انصار الله» إلى ابعد حدود الفراغ الذي نشأ في صنعاء جراء الحملة التي شنّها الإخوان المسلمون على علي عبدالله صالح، وذلك في وقت كان هناك خلاف في العمق بين الحوثيين والإخوان المسلمين والسلفيين الذين اقاموا مراكز دينية في مناطقهم.
لعب خروج علي عبدالله صالح من الرئاسة، اثر توقيعه المبادرة الخليجية في الرياض، دورا في جعل المواجهة تتحوّل، شيئا فشيئا، إلى مواجهة مباشرة بين الحوثيين والإخوان المسلمين.
جاء انهيار تركيبة السلطة القائمة لينطلق الحوثيون من صعده في اتجاه صنعاء مرورا بعمران التي كانت معقل آل الأحمر زعماء حاشد. تُوّج تمدّد الحوثيين بوضع يدهم على صنعاء في 21 سبتمبر الماضي واستيلائهم على مؤسسات الدولة وفرضهم «اتفاق السلم والشراكة» بقوة السلاح. نسفوا بذلك المبادرة الخليجية من اساسها معتمدين على لغة السلاح بدل لغة الحوار. إنّهم تلامذة نجباء لـ«حزب الله» في لبنان الذي يحاول كلّ يوم وضع يده على كلّ مفاصل الدولة اللبنانية، كما يمنع مجلس النوّاب من انتخاب رئيس للجمهورية، خلفا للرئيس ميشال سليمان الذي انتهت ولايته في 25 مايو الماضي.
تمدّد «انصار الله» في كلّ الإتجاهات. لا شكّ، أن علي عبدالله صالح سهّل لهم الوصول إلى عدن بعد التفافهم على تعز. لم يكن ممكنا قبول الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تسليم اليمن لإيران. لم يكن ممكنا إعترافهم بالإنقلاب الحوثي الذي يكرّس واقعا جديدا في منطقة الخليج وعلى صعيد التوازن الإقليمي.
فاليمن جزء لا يتجزّأ من الأمن الخليجي. وإذا كان حسن نصرالله تذرّع بأنّ الحوثيين كانوا يسعون إلى علاقات طيبة مع المملكة العربية السعودية، فإنّ سيرة «انصار الله» تشير إلى أنّه لم يتّسع لهم بعد الوقت الكافي لتهديد السعودية. كان عليهم السيطرة على اليمن كلّه قبل الإنطلاق في اتجاه الخليج وتهديد امنه.
يعرف كلّ يمني مدى شهية الحوثيين إلى السلطة ومدى رغبتهم في التمدّد داخل اليمن وخارجه. إنّهم جزء من المنظومة الإيرانية في المنطقة التي تقاتل العرب بعرب آخرين.
هذه المنظومة انتجت «داعش» السنّية لتبرير الدواعش الشيعية في سورية والعراق ولبنان. كلّ ما تبقّى تفاصيل ومحاولة لتسويق سياسة ايرانية غير قابلة للتسويق، عن طريق الخطب الرنّانة. أخطر ما في هذه الخطب، لبنانيا، أنّها لا تأخذ في الإعتبار مصالح عشرات آلاف العائلات التي تبحث عن لقمة العيش في دول الخليج العربي بعدما سدّ «حزب الله» كل ابواب الرزق أمام اللبنانيين في لبنان!.