شارل الياس شرتوني/لا تعايش مع الفاشيات الشيعية والاوليغارشيات المافيوية، فما هي البدائل؟

81

لا تعايش مع الفاشيات الشيعية والاوليغارشيات المافيوية، فما هي البدائل؟
شارل الياس شرتوني/12 آذار/2021

لقد لخص موقف وزير الخارجية الفرنسي جان ايڤ لودريان موقف كل لبناني تجاه هذه المنظومة الاجرامية الحاكمة: الاستنكاف عن مساعدة بلدهم في حالة الخطر. ان الموقف الوجداني والسياسي الذي عبر عنه الوزير الفرنسي، يقابله موقف الجلافة وانعدام الإحساس والمسؤولية الاخلاقية والسياسية الذي يوصف أداء هذه الاوليغارشيات التي اتخذت من هذا البلد رهينة ومن اللبنانيين أسرى، ولن تتراجع ما لم تواجه من قبل تحالف وطني عريض، ويصار الى تفكيك أوصال نفوذها على كل المستويات. لا مجال للمراهنة على حسها الانساني غير الموجود، ولا على المؤسسات الديموقراطية المعطلة، ولا على استعدادها لاجراء تسويات سياسية واقعية. دون ذلك تحديات أبرزها استعداد هؤلاء اللجوء الى مختلف وسائل الارهاب الجماعي والاغتيالات وشتى الضغوطات الحياتية، من أجل الحفاظ على مكتسباتهم وابقاء الإقفالات على مختلف المستويات من أجل استدراك أية ديناميكية تؤدي الى الإطاحة بهم. ترتبط ديناميكية المواجهة بالإعتبارات التالية:

أ- التدهور البالغ الخطورة للأوضاع المعيشية لجهة الحاجات الأساسية، والخدمات العامة( كهرباء، ماء، طاقة، معالجة النفايات…)، والحقوق التربوية والاستشفائية والمهنية ، ودخول البلاد في ديناميكية تراجعية شاملة وركود مدمر على كل المستويات، وانهيارات تطال القطاعات البنيوية من مصرفية وصحية وتربوية ولوجستية وإدارية عامة…،. لم يعد هنالك من شكوك حول نوايا الفاشيات الشيعية في تعطيل البلاد والدفع بانهيارات شاملة، من أجل النفاذ بالسياسة الانقلابية التي وضعوها وعملوا على تنفيذها بشكل انسيابي وصولا الى المواجهة المعلنة مع سائر المجموعات اللبنانية التي تخالفها في توجهاتها. الخبر السار وسط هذا التداعي العميم هو ان الممانعة اللبنانية الجامعة، على اختلاف مكوناتها ومفكراتها، قد التأمت حول مواجهة هذا المد الانقلابي، حتى لو أنها لم تجتمع بعد حول البدائل الاصلاحية التي تستوجبها المرحلة. لقد اجتمعت حول ضرورة تدويل الازمة اللبنانية وتكريس الحياد، كشروط ملزمة من اجل الخوض في عمليات تفاوض موسعة حول استراتيجيات اصلاحية تنقلنا من حالة انعدام الوزن المديدة التي دخلنا فيها، باتجاه صياغة خيارات وسياسات عامة تخرج البلاد من هذه السياقات التدميرية التي تعتمدها الفاشيات الشيعية وتتغذى منها المصالح الاوليغارشية. إن الفاشيات الشيعية هي بأساس السياسات التدميرية، وبالتالي على المواطنين الشيعة الحسم في خياراتهم حيال أولوية الجمهورية اللبنانية أو السياسة الانقلابية الشيعية التي تقودها ايران، وما سوف تستحثه من ممانعات سياسية مضادة وأصوليات سنية مناوئة، وحروب أهلية توسع مدارات الفوضى الاقليمية على نحو يجعل من انهيار لبنان المدخل الثاني لانفجار النظام الاقليمي.
ب- لقد أدت الانهيارات المالية والاقتصادية المتنامية الى تبدد التحالفات القائمة بفعل التباينات المصلحية داخل الأوساط الاوليغارشية، وخواء طروحاتها السياسية والاصلاحية، وثبات تبعياتها الاقليمية، وعمى مصالحها المالية، وضيق هوامشها.ان الابقاء على حكومة تصريف الاعمال الفاشلة والمتواطئة وضحالة عملها في مجال تدبير الشؤون العامة، والمماحكات القائمة حول تشكيل الحكومة البديلة التي تحكمها السياسة الانقلابية لحزب الله، ومخاوف الاوليغارشيات لجهة نشوء ديناميكية مضادة تطيح باقفالاتهم وتؤدي الى محاكمتهم على جرائمهم المتراكمة على مدى عقود ثلاثة، وواقع الانقطاع النفسي الذي يعيشه ميشال عون، كما يعبر عنه تحويل رئاسة الجمهورية المتهاوية الى شأن عائلي يديره صهره جبران باسيل باشراف مباشر من وفيق صفا وعملائه في دوائر الرئاسة، وتفاهة الحركة الفارغة المضمون التي تقود سعد الحريري الى عواصم العالم هروبا من املاءات الواقع الداخلي وصعوباته، وتبعثر الحراكات المدنية وعدم قدرتها على قيادة عملية الممانعة والتغيير على قاعدة ائتلافات اصلاحية موسعة ومتحركة، سوف تؤدي مجتمعة الى دخولنا في ديناميكية تراجعية خطيرة، أو في مرحلة تبدلات بنيوية واجبة. ان الموقف النقدي الذي اتخذه قائد الجيش تجاه التدهور السياسي العميم يعكس مخاوفه حيال تفكك المؤسسة العسكرية ودخول البلاد في متاهات الفوضى الاقليمية، ويفسر قلق حزب الله والاوليغارشيات حيال خروج الجيش عن دوائر النفوذ التي أوجدوها داخل المؤسسات العسكرية والأمنية.
ج- ان وضعية حزب الله داخل المنظومة الاوليغارشية الحاكمة في ايران، ودوره في ادارة سياساتها الانقلابية على غير محور اقليمي، يفسران بشكلٍ أساسي أداءه الداخلي وإصراره على تحويل لبنان الى منطلق يدير من خلاله العمل الانقلابي والإرهابي والإجرامي، محليا واقليميا ودوليا. إن منشأ ممانعاته في الداخل يعود الى الأفق الانقلابي الاستراتيجي الذي يحكم حركته السياسية الداخلية والخارجية، لذا فالمراهنة على تعديل مساراته انطلاقا من اعتبارات تسووية داخلية، أو من حرص على مصالح وحقوق اللبنانيين الحياتية، هو رهان في غير محله. لا سبيل للتعاطي مع الفاشيات الشيعية الا من باب التحالفات الداخلية والاقليمية والدولية من أجل تطويق حركتها، وتفكيك قواعد عملها، وتجفيف مصادرها المالية، وتحفيز المعارضات الشيعية الداخلية التي باتت مهيأة، أكثر من أي يوم مضى، بفعل تضافر الازمات الحياتية القاتلة، من أجل مواجهة سياسات النفوذ الاوليغارشية الشيعية وشعاراتها الكاذبة والمضللة. علينا أيضا التنبه الى أن ممانعات الفاشية الشيعية تنبع، أولًا وآخرًا، من المصالح المالية الضخمة والامتيازات التي اكتسبتها ،عبر عقود ثلاثة، طواقمها السياسية والعسكرية.

لا مجال لفهم ما يجري في لبنان الا على قاعدة استوائية بين السياسات الانقلابية والعمل الارهابي، والجريمة المنظمة، والفساد الاوليغارشي، وما أدوا اليه من تدمير منهجي للكيان الدولتي والوطني، ولمفهوم وواقع دولة القانون، وارساء مناخات التوحش والهمجية من خلال تطبيع العنف والاستباحات على مختلف أوجهها، وتحول مؤسسات الدولة الادارية والعسكرية والامنية الى ردائف لها. لا خروج عن هذا الواقع سوى باجماعات وطنية حول تصفية هذا الإرث السيء، من خلال إعادة بناء دولة القانون والخروج من واقع المخارجات السيادية، وهذا لن يتم الا من خلال تدويل الازمة اللبنانية لجهة حماية التواصل الحر بين اللبنانيين من أجل تخريج السياقات الاصلاحية، وإجراء تحقيق جنائي مالي ومقاضاة الاوليغارشيات ومصادرة الاموال المنهوبةً، وارساء ثقافة سياسية ومدنية تطوي هذا الماضي الى غير رجعة، وتفتح باب التداول الديموقراطي خارجا عن دائرة الاقفالات الاوليغارشية. فيما عدا ذلك، الاوضاع اللبنانية مفتوحة على آفاق نزاعية غير محدودة، وباب الخيارات المفتوحة ليس حكرا على احد.